يومٌ من كتابِ الشجرْ
(الهشابْ)
مثلما في أقاصي الطفولةِ
وهْيَ تُحَصِّنُ أطفالها من شرور الطيورِ أسرَّتْ لهم خالَتِي
أنني كنتُ أزْهِرُ في بطنِ أُمّي كعبّاد شمْسٍ
وكانتْ مشيمتُها الخشبِيَّةُ
تعصِرُ فاكهةَ الشمسِ لي
لبَناً دافئاً،
كنتُ خلف الشُجيرةِ أسمعُ يا خالتي، ذاك ما لستُ أنساهْ
ها هي الانَ في خَشَباتِ الكهولةِ
تَمْسَحُ رأسَ حفيدتِها
وهُما يقطعانِ الطريق السريعَ،
وينتهيانِ إلى غابةٍ يَجْهَلُ الناسُ تاريخَ ميلادها
مثلما يجهلون تجاعيدَهُم في سُهوبِ الجِباهْ
ها هُما يلعبانِ ككُلِّ حفيدٍ وجدَّهْ
وهْيَ تحضنُ ألعابَها من هدايا الطيورِ
تُرقِّصُ أعشاشها في الرياحِ وتسألُ جدَّتها عن زمانِ الأحبّةْ
فتروي العجوزُ لها من أساطير أجدادها،
والصغيرةُ تنفخ بالونةَ الغيمِ
تُصغي لجدَّتِها في انتباهْ:
كان جدّي مُحاطاً برائحة الذكرياتِ،
وكان هَشاباً غريباً
يُحِبُّ الطيورَ ويكرهُ ثرثرةَ العنكبوتِ
وكانتْ هوايتُه
صيْد تلك الأغاني المُطِلَّةِ من شُرْفَةِ المتعبين
وكانت مطامِحُه أن تقيمَ الهَشابُ دُوَيْلتَها في قلوبِ الصغارْ
وكان حنانَيْهِ من شَوْكِهِ المُتناثرِ والحَسَكِ المُتَرَبِّصِ في العُشْبِ
من كُلِّ ريحٍ ورعدٍ
وغاراتِ نملٍ علينا يغارْ
والآن بعد ثمانين حُلْماً أُجايِلُ جدّي
وقد صِرْتُ أُمّاً
فيُمْسِكُ كفّي لنمشي وأمسك كفَّ الحفيدْ
ريثما
في الزمانِ القديمِ الجديدْ
تُصبحين كساعةِ رملٍ
تعُدُّ دقائقنا التالياتِ وتُفرِغُ لليافعين رِمال النشيدْ
ها هي الشَجَرُ العارياتُ تشيخُ على التَلِّ
-وهْيَ على بُعْدِ صيفَيْنِ -
مالتْ تشيرُ إلى أطولٍ الشجراتِ يداً
هل ترَيْنَ على ساعدِ الجَدِّ
ما تُرِكَتْ للحبيباتِ مِنْ كلماتٍ مُثيرهْ؟
كان جدُّكِ يعشَقُني فوق ما يعشقُ الناسُ أحفادَهُم يا صغيرةْ
وكانَ يُدَغدِغُ بالشوكِ رِجْلَ حفيدته
في الليالي المطيرةْ
أذكُرُ ذاتَ نهارٍ بريشتهِ، كان يرْسُمُ في ورَقِ الريحِ أختي
وكنتُ بسنِّ المراهقةِ أغرِزُ حُلْمي بساعدِه
حيث تلهو صِغارُ الدبابيرِ والحشراتِ ذواتِ القرونِ الملوَّنةِ،
علِّي أكون به ذات حُلمٍ جديرةْ
وأذكرُ في عامِ ألفينِ،،
غَضْبَةَ جدي
وقد عُدتُ من ساحةِ المدرسهْ
يومَ أنْ مات عمّي شهيداً لعِرْضِ القبيلةِ ما أفْرَسَهْ؛
وهْوَ يَمنعُ الفأسَ
أن تقطعَ الشجراتِ الصغيرةْ
كان عنوان قريتِنا يا أميرهْ
وكان يحْتمِلُ البرْدَ عنّا فنُثمِرُ حُزْناً وصَمْغاً
شفيفا
ولأنَّ بطولته الشجريَّةَ قامتْ على فأسِهُم
فُهُمُ الآن
يقتلعون سُلالاتِنا حَضَراً و رِيفا
صاحتِ البنْتُ وهْيَ تُطاردُ عصفورةً:
أُرْكُضي الآن يا جدَّتي لنُلوِّنَ أحلامَ تَلَهْ
فالحكايةُ واللهِ صارتْ مُمِلَّهْ
اركُضي كي نُبلِّلَ أقدامَنا بالندى فالربيع قريباً سيمضي
وهذي الطيورُ كما الطائراتِ غداً ستُهاجرُ
نحو بلادٍ بعيدةْ
تعالَيْ لنكتبَ عنها قصيدةْ
ونَرسُمَ وجهَ الجدودِ على لافتاتِ المطارْ
بحر الدين عبد الله أحمد
Comments