مدينة قليبية أو عاصمة الثّقافة والإبداع الشّبابي الصيفيّة فهي قبلة السّيمائيين الهواة من كافة اصقاع الوطن والعالم. وهي أيّام الفنّان الملتزم الرّاحل الزّين الصّافي الّذي يجمع في مهرجانه محبّي الكلمة الصّادقة المعبّرة عن حقيقة الوطن وشعبه. وهي أيضا قبلة الأدباء والكتّاب الشّبان من جميع نواحي الوطن ومن العرب أيضا في مهرجان الأدباء الشبان بقليبية.
وهذا المهرجان الّذي تشرف عليه وتنظّمه جمعيّة منارة الأدب الّتي وتأسّست سنة 1936 وكان اسمها حينها (منار الأدب) وكانت تقوم تقريبا على ذات الأسس الّتي هي موجودة عليها اليوم من اهتمام بالنّشاط الأدبي والفنّي وتشجيع الأجيال على التّعاطي مع الأدب والفنّ والثّقافة عموما والتّشجيع على التعلّم والتّعليم وبالتّالي الاطّلاع وتناول الكتاب.
بعد الاستقلال ركدت الجمعيّة لفترة قصيرة ليعيد الأديب والشّاعر الكبير الرّاحل نور الدّين صموّد احيائها واحداث تغيّر طفيفا في تسميتها لتتحوّل الى (منارة الأدب بقليبية) وهو الاسم الّذي تحافظ عليه حتّى اليوم وهي الجهة المشرفة على عدد من التّحركات والانشطة الميدانيّة وعلى أحد أهمّ مهرجان أدبي مخصّص للشّبان في عموم البلاد. وهو الّذي وقف وراء بروز عديد الأسماء التي تلمع في سماء تونس وعددهم يفوق الذّكر والحصر. وهو مهرجان الأدباء الشّبان الّذي بلغ اليوم دورته 38. أي 38 سنة من العطاء والرّفد للسّاحة الوطنيّة بأسماء شبابيّة واعدة من بين نجوم تزخر بها سماء البلاد من الادباء والكتّاب الشّباب خصوصا في الجهات المحرومة والقصيّة من خارطة التّعريف والبروز. فهي تمنحهم فرصة اثبات الوجود والاشعاع والتألّق بقوّة ما يبدعونه من اقلامهم الشبابيّة التي تنطق وتنطلق من هموم جيلهم وهو جيل اليوم والغدّ في آن.
وبعد 2010/2011 خصوصا وبإدارة مجموعة تتمتّع بوعي ثقافيّ وأدبيّ وتاريخيّ وهي مجموعة حركيّة ومنسجمة ومتكاملة. وضمن دورة شعارها “الأدب الشّعبي ومقاومة الاستعمار” فإنّ الجمعيّة وإدارة المهرجان حافظتا على خصوصيّة مهمّة في طرح المواضيع التي تمثّل المسكوت عنه من الاشكاليات التي تتجه نحو تعرية حقائق تاريخية وأدبيّة وأيضا جمعها ومزجها بين محليّة وطنيّة وعربيّة.
كما أنّ إدارة هذا المهرجان أحدثت عنصرا مهمّا وجميلا ورمزيا وهو الاهتمام بأسماء كبيرة أثّرت بوجودها الثقافيّ والفكريّ والأدبيّ والقملي عموما على غرار منور صمادح وعبد القادر الدردوري والطاهر الهمامي وعلي زمور ومحمد بن جنات. بدون أن تنسى هموم الوطن العربي وقضيّته المحوريّة وبوصلة العاشقين للحياة وللحبّ وللنضال فلسطين. وعرض "زخرف" وهو عرض مدعم من المندوبية الجهوية للثّقافة بنابل. وإقامة معرض فنّ تشكيلي للأستاذ الفنّان مراد صمّود.
ومن بين فعاليّات الدّورة 38 من المهرجان والّذي سيقام أيّام 26 و 27 و 28 أوت 2024. خلافا عن العروض الفنيّة التي سيفتتحها في حفل الافتتاح الفنّان والشّاعر الفلسطيني الشّاب أحمد كمال القريناوي بحفل غنائيّ فنّي مهدى لفلسطين عموما وغزّة تخصيصا.
كما ثمّة عناصر تعتبر قارّة ضمن فعاليّات هذا المهرجان وهي اليّوم الدّراسي الّذي يختصّ بمداخلات حول موضوع الدّورة الذي هذه السنة (الأدب الشعبيّ ومقاومة الاستعمار) وسيتدخّل كلّ من الأساتذة الطيب الحميدي والمختار المختاري من تونس ومجيب الرحمن الوصابي من اليمن الشقيق. والمجلس مشفوع بنقاش. دون أن نغفل العنصر الرئيسي لهذا المهرجان وهو ورشات القراءة والسّباق بين الكتاب والشّعراء الشّباب للفوز بالمراتب الثلاثة الأولى. وهي ورشات موزّعة على مجال القصة والشّعر وأيضا التّرجمة.
ولكن ما يؤلمنا هو غياب الدّعم عن هذا المهرجان العريق من الجهات الخاصّة في المنطقة الّتي لم تعي بعد أهميّة هذا المهرجان ليس على الصعيد السياحي وإشعاع المنطقة ولكن الأهمّ من هذا كلّه ما تزخر به قليبية ومناطقها المجاورة من كتاب وفنانين وأدباء والمثقّفين كانوا نتاجا حقيقيّا لهذا المهرجان جعل من هذه المدينة جوهرة ثقافيّة وأدبيّة لا تنفكّ تترك بصمتها في تاريخ البلاد الثقافي الإبداعيّ وهذا ما يحزننا إذ لا قدّر الله وعجز المهرجان عن المواصلة فإنّ شباب المنطقة هم أوّل المحرومين وسيكون نتيجة حرمانهم أن يتجهوا نحو وجهة غير مرغوب فيها ومن بين هؤلاء الشباب طبعا أبناء هؤلاء الذين يغيبون عن دعم مثل هذا المهرجان والكلام ينسحب على عموم مهرجانات الوطن التي تحمل همّا ثقافيّا وفنّيا وأدبيّا حقيقيّا وليس ثقافة (تدوير لحزام). وكلّ تمنياتنا أن يصل هذا الدّعم وبسخاء قبيل انطلاق هذه الدورة 38 حتّى تتمكّن إدارته من تنفيذ أجمل نسخة تحلم وتطمح لتنفيذها. وليس تعبهم خصوصا الأستاذة سنية فرج الله رئيسة المهرجان وكافة الفريق الفاعل معها وعلى رأسهم الأستاذ رضا بن يوسف. سوى حبّ كبير يحملونهم لمنطقتهم ولعموم الوطن بثقافته وابداعه وعلى الأخص شبابه المبدع.
المختار المختاري
16/08/2024
Commentaires