الفقيد هو أيضا زوج الكاتبة نافلة ذهب...
..................................
أعتبر أنه صاحب نظرية** التاريخ يقاوم سبات العقل** ويثير الأفكار وسيتفزها لفهم الإنسان والسياسة والحكم
...........................................
رحل في نهاية مساء أمس الباحث الجامعي والمؤرخ محمد الهادي الشريف في الثامنة والثمانين من عمره قضى منها سنواته الأخيرة في البيت لمرض طويل ألم به. عرفته في الجامعة قسم التاريخ وقرات بعض مؤلفات خاصة كتابه الذي لخص فيه تاريخ تونس يحتاجه المؤرخ والطالب والمعلم والمغرم بالتاريخ والثقافة عموما.. وقد زرته في بيته في ماي من سنة 2007 واستقبلني مع زوجته الأدبية الكبيرة وصديقتي منذ السبعينيات نافلة ذهب التي تم تكريمها خلال السنة الماضية في دار الثقافة ابن خلدون في ندوة مهمة.. وقد كنت أنوي إجراء حديث تلفزي مع الاستاذ محمد الهادي الشريف ضمن برنامجي الذي كان معروفا في الوسط الثقافي آنذاك وحظي بالتقدير عنوانه
*صفحات من العمر * تبثة قناة 21 التي أصبحت بعد الثورة تسمى القناة الثانية.. وقد تحدثت معه قليلا ففهمت منه أنه لا يرغب في هذا الحوار لأنه لا يحب الظهور. واحترمت رغبته الخفية التي لم يعلنها بصريح العبارة لأن أخلاقه عالية.. وهذا ما يعرفه عنه كل من اقترب منه وكل طلبته وأصدقائه.
والأستاذ محمد الهادي الشريف من مواليد تونس سنة 1932 وزاول تعليمه في المدرسة الصادقية ثم في الجامعة الفرنسية فتحصل على التبريز وعلى دكتوراه الدولة في التاريخ وكان موضوع اطروحته هو *علاقة الدولة بالمجتمع في البلاد التونسية في عهد حسين بن علي (1705/1740) التي أصدرها في كتاب فيما بعد.. وقد درس فترة قصيرة من الزمن في المعاهد الثانوية ثم التحق بالجامعة التونسية بداية من سنة 1964 الى غاية بداية الألفية الثالثة..ودرس في دار المعلمين العليا وفي كلية الآداب والعلوم الإنسانية وفي عام 1987 شغل متصب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية .الي غاية عام 1990
وجاء في كتابه المذكور**ما يجب أن تعرف عن تاريخ تونس* * الذي صدر عن دار سيراس للنشر أن محور اهتمامه الأساسي هو التاريخ الاجتماعي التونسي في عهد ما قبل انتصاب الحماية الفرنسبة بتونس.
وقد نشر عدة دراسات في هذا الباب في نشريات مختصة تونسية واجنبية
ومما قاله عن كتابه في تاريخ تونس أنه لم يقصد
من خلال هذا العمل الرواية المفصلة ولا الوصف المدقق فغيره من المورخين قد قاموا بذلك على أحسن وجه فآكتفى الراحل بالتذكير في إيجاز بأهم الأحداث التي عرفتها البلاد التونسبة وذلك اولا خلال النص ثم في الجدول العام في نهاية الكتاب وهو جدول مهم اعتبره ملخصا لا يمكن الاستناد عنه..
وقال الراحل
**كان شغلنا الشاغل التساؤل عن معنى الأحداث والتنقيب عن الخطوط الكبرى للتركيبة الإجتماعية والسياسية السائدة في كل فترة من فترات تاريخ البلاد عساها تساعدنا على فهم ذلك التاريخ..**
وقال ايضا
**حاولنا أساسا أن نقاوم سبات العقل وأن تثير الأفكار بل نستفزها..**
ومنذ صدور هذا الكتاب وانا اعتبره شخصيا صاحب نظرية أن** دراسة التاريخ تقاوم سبات العقل **وهو ما يجب أن ننظر في هذه النظرية التي تدخل مجال الفلسفة.. وتساعد على فهم علم الاجتماع على الطريقة الخلدونية الذي يعتبر أن التاريخ نظر وتحقيق وليس فقط سرد الأحداث والواقائع...
وأذكر هنا أني إستفدت شخصيا من هذا الكتاب المهم لما كتبت سيناريو شريط وثائقي عن مرور خمسبن عاما لاستقلال تونس عام 2006.. واستفدت منه لما كتبت سيناريو شريط وثائقي عن المناضل محمود الماطري اول رئيس للحزب الدستوري التونسي الذي تأسس في مارس من سنة 1934بقصر هلال. وقد تم انتخاب يومها لهذا المنصب وتم انتخاب بورقيبة كاتبا عاما للحزب. وهذه الاستفادة كانت واسعة لا من حيث الأحداث وتاريخها فهذا يمكن أن نجده في كل الكتب التي تسرد تاريخ تونس بل من حيث أنه يفتح المجال لإطلاق مجموعة تساؤلات وتأويلات مختلفة نفترضها ونتبين فيما بعد اذا ما كانت الأحداث تفسرها أو تبررها.. اي انه بالفعل يسلحنا بمنهج في التفكير التاريخي...
وبهذه المناسبة الأليمة أتقدم بالتعازي لزوجته الكاتبة نافلة ذهب.. وكل أفراد عائلته وزملائه في الجامعة التونسية من الذين كانوا زملاءه أو من طلبته
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فراديس جنانه.
محمد بن رجب
Comments