top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

** وتُبْتلع الأوجاع ** للشاعرة والأديبة التونسية الراقية نعيمة المديوني


تسكن من حولي الأصوات.. تنخفض الهمسات.. يصبح للكون صمت دفين.. يدفعني للسّكينة.. للهدوء.. لإجترار الأنين وصخب الزّمن الرّديء.. تنطلق داخلي أصوات مضطربة هي أشبه للهمس منها للمناجاة.. هي أصوات نبض القلب العليل.. يترنّم بالهوى.. يشدو بالانصهار في الوجدان وولوج عالم الأحلام الطّروب.. أكبح جماح ذلك الصّوت الذّي مزّق الصّمت الرّهيب.. صوت يدفعني الى ولوج دهاليز الذّكريات.. صوت يحنّ لتحدّي الآهات.. صوت يذكرّني بالخيبات.. أكره ضعفي.. أكره هذا الصّوت الذّي تربّع داخل ذكرياتي ينهشها نهشا.. أكره أحلامي الحزينة.. تلك الأحلام التي تبحث لها عن رفيق ذي قلب ينبض بالحياة.. لا رفيق من صلصال ينكسر مع حلول الزّوابع واشتداد الزّمهرير.. أكره تلك الأنثى الجريحة.. تلك التي تبكي صبحا مساء قنديلا أضاء فجأة وانزوى يراقب من بعيد صرخاتي.. تأوّهاتي.. أوجاعي.. يندلع الصّوت من جديد.. يخرج من الأعماق.. ينبش أديما صُلبا.. ما حطّمه فأس عامل بسيط ولا جرّار فلاّح خبير.. ما أرهقته أعشاش العصافير ولا أصابع تشير بالبنان فينبت القمح سبائك من ذهب.. تُسيل لعاب الطّامعين.. صوت ڨيتار يشقّ الصّمت.. يأتي من هناك.. حيث دفنت أحلامي.. حيث مزّقت دفاتري وأحزاني.. يهزّ أركان بيتي العتيد.. صوت يخنق الذّكريات.. يئدها في بئر عميق.. أبوابه من حديد.. جدرانه من صقيع.. جوفه خرير نهر عقيم يبتلع أسراره ويدفنها في أعماق الأعماق.. تشتعل داخل روحي قناديل.. تاهت في الخلاء أنوارها.. أجّجت الظّلمة أوهان روحي.. هرعت إلى رفّ قديم.. أمزّق سكون الكتب.. ألقي بحروفها بدلال.. هنا.. هناك.. على صفحات الزّمان.. هذا روميو يناجي جوليات.. ذاك لافنتات يدقّ أجراس المدينة.. ينبت لها أزهار.. تبهج الأرواح في كلّ مكان.. وهذه أنا بين أحضان السّماء.. متلبّدة سُحبها.. سائلة مدامعها.. أقف.. أتحسّس طريقي ..قدماي تُلهبها نيران الشّوق .. أدفن رأسي بين حروف المتنبّي.. أحلّل معانيه.. ألج متاهاته.. تستهويني ألحانه.. تأسرني صور رسمتها السّنون.. أسبح في عذوبة الجوى.. أرتدي المعاني.. أتجمّل بالقصائد.. أبتسم.. غادة هيفاء.. على شفا الوادي.. تنثر بأيديها زهورا عطرة.. رجُلها.. غير بعيد يقاسمها الهوى.. يجمع الأكاليل يتوّجها أميرة دياره.. تذوب الأشواق.. يرتجف الفؤاد طربا.. أحلّق على أجنحة الحروف وأغوص في أعماق البحار ولها.. أواه من آهات نزفت من رحم الحنين.. أواه من نزف الأوجاع في ليل بهيم.. في غفلة منّي يعود ذلك الصّوت البغيض.. يعرض على قلبي الحزين صور البؤس والأنين.. أستجديه.. أذرف الدّمع.. يرتوي الأديم.. يصرّ ذاك الصّوت على تمزيق أحلامي.. على تأجيج نيراني.. أصرخ وتصرخ معي بقايا الرّزايا.. ألا حُلّ عن فؤاد أوهنه الألم.. اغرب عن وطن نخر السّوس أعمدته.. وحدي أسير في طريق معبّد خال من كلّ ضيم.. يعصف بيَ الصّوت وقد أنهكه العويل.. يحلّ داخل روحي هدوء يسير.. ناعم كالحرير.. تملّ الأيّام الخضوع لذلك العربيد.. تخلع ثوب النّاسك الأمين.. تتحدّى الأوجاع.. تبتر أحشاء حملت أوزارها سنينا.. تنزف دماءها.. تروي الأرض الملطّخة بالقهر والغدر منذ سنين.. تبتلع الوهن.. تسير مُلطّخة.. ومن القهر تصير جثّة بلا روح ولا حنين.

7 views0 comments

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page