هنا.. إفريقيا، أقصى الشمال الشاعر التونسي العربي يوسف رزوقة

هنا.. مِن حيثُ مرّت جدّتي علِّيسة..

في هذه اللّحظات من يوم خريفيّ، شتائيّ، ربيعيّ، وصيفيّ..

يلوح النّورس المتوسّطيّ اليوم مُنفَرِدا

يحلّق بالجناحين اللّذين تموّجا من حيث لم يتموّجا

بين ارتفاع وانخفاض

والسّماء كدأبها زرقاء و.. البحر..

لمن لا يعرف الوكر

- وذا يستوجب الذّكر -

فهذا النّورس المتوسّطيّ على تفرّده

يراوح في المساحة ذاتها متفرّدا بقراره:

أن لا يغادر بحره المتوسّط:

الأمواج كالتّاريخ

والتّاريخ كالأمواج

والجغرافيا: إفريقيا أقصى الشّمال

و.. كان يا ما كان:

كان هنا بقرطاجنّة نسر يسمّى حنّبعل

تهابه الدّنيا بأكملها و.. روما

النّورس المتوسّطيّ يواصل التّحليق مرتفعا ومنخفضا..

وذلك حنّبعْلُ يعنّف الفيل الأخير:

.. يظلُّ شمالُ إفريقيّة المتوسِّطيّ

شمالَ إفريقِيّتي المُتوسِّطيّ

***

غدا، أتَفَرَّغ مما أنا فيه

للاِنْحِنَاء قليلا

على ما تَكلَّسَ مني

الحياة التي لا تعاش كما ينبغي

هي ليست حياة

وليست حياة..

حياة الذي مر كالضيف أو كالموظف منها

إلى شبه شيخوخة

واكتفى وهو في أرذل العمر

بالموت في كل يوم وبالذكريات

***

إفريقيا، أقصى الشمال أنا

أنا إفريقيا أقصى الشمال

أحبها

وأحبها أيضا

وأنت بعيدة عنها

وأنت هناك

في إفريقيا أقصى الشمال

وأنت صحرائي

وأنت غزالتي

***

يطلّ الرّديئون من حيث تدري

فتخفي امتعاضك مبتسما باكيا..

ثمّ كالمتألّم، تأخذ في الابتعاد...

لتتركهم يذرعون البلاد شمالا، جنوبا

لتتركهم يملؤون جيوبا

بما لذّ من طيّبات البلاد

يطلّ الرّديئون من حيث تدري تماما..

تقول لهم وقد انتشروا في البلاد: سلاما!

وتأخذ في الابتعاد

* إلى أين؟ يسألك الأصدقاء القليلون..

( ما من جواب.. )

فقط، تتعمّد تضليلهم بلطيف الجواب...

بأنّك فيهم هنا

بينما أنت في سجنك الانفراديّ..

تبكي بلادا

تناهشها المتخمون سوادا وجهلا و..جوعا

وتبحث عن مخرج لائق لك...

أو للرّديئين..

ممّن تواصوا بجعلك هذا الصّباح نشازا

تجالسهم في "السّقيفة" مبتسما، باكيا

ثمّ كالـ ... متألّم تأخذ في الابتعاد.