top of page
Search

هَذَا الضَّبَابُ...هَلْ يَنْقَشِعُ؟ * للأديبة التونسية زهــرة مــــــــراد

  • Writer: asmourajaat2016
    asmourajaat2016
  • Jun 19, 2019
  • 7 min read

ree

َجْتَاحُنِي حُزْنٌ عَمِيقٌ لَا أُدْرِكُ سَبَبَهُ. مِسَاحَةٌ رَمَادِيَّةٌ تَكْتَسِحُ صَدْرِي وَتَتَوَسَّعُ فِيهِ. وَيَلُفُّ ذَاكِرَتِي دُوَارٌ غَرِيبٌ فَتَتَمَايَلُ حَتَّى تَكَادُ تَفْقِدُ تَوَازُنَهَا. كَأَنَّنِي أَتَدَحْرَجُ مِنْ عُلُوٍّ شَاهِقٍ بَيْنَمَا نَظَرِي مَشْدُودٌ إِلَى الْأَسْفَلِ. تُرَى، مَا هَذَا الضَّبَابُ الَّذِي أَرَاهُ يَلُفُّنِي فِي وَضَحِ الشَّمْسِ؟

ضَوْءُ النَّهَارِ الْمُبْهِرِ يَنْسَحِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَزُرْقَةُ السَّمَاءِ الصَّافِيَةِ تَتَحَوَّلُ تَدْرِيجِيًّا إِلَى غُيُومٍ رَمَادِيَّةٍ. أُطِلُّ مِنْ نَافِذَتِي عَلَى الْعَالَمِ الْخَارِجِيِّ، لَا شَيْءَ تَغَيَّرَ، النَّاسُ كَعَادَتِهِمْ، يَتَحَرَّكُونَ فِي كُلِّ الْاِتِّجَاهَاتِ، يَقْضُونَ شَتَّى الْمَآرِبِ. أَفْتَحُ نَافِذَةً أُخْرَى عَلَى الْعَالَمِ الْاِفْتِرَاضِيِّ، لَا شَيْءَ تَبَدَّلَ، النَّاسُ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، يَجُوبُونَ شَوَارِعَ "النَّاتِ"، لَا أَحَدَ يَكْتَرِثُ لِمَنْ حَوْلَهُ، بَلْ جَمِيعُهُمْ يَكْتَرِثُونَ لِمَنْ شَارَكَهُمْ الْفَضَاءَ، يُعَلِّقُونَ عَلَى مَا تَكْتُبُ أَحْيَانًا، وَيَمُرُّونَ مُرُورَ الْكِرَامِ أَحْيَانًا أُخْرَى.

مَا الَّذِي يَجْمَعُنَا؟ مَا الَّذِي يَرْبُطُ بَيْنَنَا؟ يَجْمَعُنَا كُلُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْكَوْنُ الَّذِي نَشْتَرِكُ فِيهِ. قَدْ يَجْمَعُنَا الْحُبُّ، وَقَدْ يَجْمَعُنَا الْأَلَمُ، أَوِ الْحَيْرَةُ، وَالْقَلَقُ، قَدْ يَجْمَعُنَا الْكُرْهُ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ أَوْ الرَّغْبَةُ فِي أَمْرٍ بِذَاتِهِ، سَيَّانَ، أَوْ رُبَّمَا يَجْمَعُنَا التَّفْكِيرُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي تُؤْوِينَا جَمِيعًا... وَقَدْ يَجْمَعُنَا هَذَا الْعَالَمُ الْاِفْتِرَاضِيُّ وَيُفَرِّقُنَا فِي آنٍ...

خَرَجَتْ تَتَمَشَّى وَسَطَ الشَّوَارِعِ الْمُزْدَحِمَةِ. النَّاسُ تَغَيَّرُوا. الْقِيَمُ اِنْقَلَبَتْ. الْمَفَاهِيمُ تَبَدَّلَتْ. الْمَقَايِيسُ، لَمْ تَعُدْ هِيَ نَفْسُهَا. عَادَتْ إِلَى الْعَالَمِ الْجَدِيدِ، الْكَلْبُ يُلَاعِبُ الْعُصْفُورَ وَلَا يَفْتَرِسُهُ، الْجَمَلُ يَفْتَحُ الصُّنْبُورَ وَيَشْرَبُ ثُمَّ يُعِيدُ غَلْقَهُ، الْبَقَرَةُ تَفْتَحُ بَابَ الْإسْطَبْلِ بِنَفْسِهَا عِنْدَمَا يَحِينُ وَقْتُ الْمَرْعَى وَتَخْرُجُ. "وَالإنْسَانُ" يَذْبَحُ أَخَاهُ وَيَلْعَبُ الْكُرَةَ بِرَأْسِهِ الَّذِي قَطَعَهُ!!!

قَالَتْ: هَذَا زَمَنُ الطُّوفَانِ الْأَحْمَرِ، يَغْمُرُ الْعَالَمَ مِنْ حَيْثُ يَدْرِي وَمِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي، وَقَدْ يَطُولُ وَقَدْ لَا يَطُولُ، لَكِنَّ الْمُؤَكَّدَ أَنَّهُ سَوْفَ يَزُولُ، سَوْفَ يَنْقَضِي يَومًا لِيَحُلَّ مَحَلَّهُ رَبِيعٌ أَخْضَرُ، ذَاكَ الَّذِي نَنْتَظِرُ.

اِزْدَادَ الضَّجِيجُ فِي الْمَكَانِ فَجْأَةً. فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُوَاصِلَ نَوْمَهُ. اِنْتَفَضَ وَانْتَصَبَ وَاقِفًا. رَأَتْهُ يَخْرُجُ إِلَى الشَّارِعِ يَسْتَطْلِعُ الْأَمْرَ، فَإِذَا بِهِ يَرَى وُجُوهًا لَا يَعْرِفُهَا. اِزْدَادَتْ دَهْشَتُهُ حِينَ رَأَى لِبَاسَهُمْ وَمَظْهَرَهُمْ. مَشَى بَيْنَ الْجُمُوعِ بَاحِثًا عَمَّنْ يَعْرِفُ بَيْنَهُمْ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا...

وَاصَلَ بَحْثَهُ. سَارَ فِي طَرِيقِ الْمَقْهَى الَّذِي اِعْتَادَ أَنْ يَلْتَقِيَ فِيهِ صَحْبَهُ وَخِلَّانَهُ. اِعْتَرَضَتْ طَرِيقَهُ مَخْلُوقَاتٌ غَرِيبَةٌ تَبْدُو بِشَكْلِ بَشَرٍ لَكِنَّهَا مَكْسُوَّةٌ بِالْكَامِلِ بِالسَّوَادِ فَلَا يَتَبَيَّنُ حَقِيقَتَهَا، وَأُخْرَى فِي شَكْلِ ذُكُورِ الْبَشَرِ لَكِنَّ الْوَاحِدَ مِنْهَا يُشْبِهُ التِّيسَ بِلِحْيَةٍ طَوِيلَةٍ تَتَدَلَّى عَلَى صَدْرِهِ، وَشَعْرٍ أَشْعَثَ مُتَعَفِّرٍ، وَلِبَاسٍ يُذَكِّرُ بِعَصْرٍ وَلَّى وَمَا ظَنَنَّاهُ يَعُودُ...وَصَلَ الْمَقْهَى فَبَدَا لَهُ غَرِيبًا بِكُلِّ مَا فِيهِ. اِزْدَادَتْ دَهْشَتُهُ، أَهُوَ يَحْلُمُ أَمْ يَتَوَهَّمُ؟ أَتُرَاهُ مَازَالَ فِي مَرْقَدِهِ وَمَا يَرَاهُ لَيْسَ إِلَّا خَيَالَاتُ مَوْتَى؟

كَانَتْ الْحَيْرَةُ تَأْكُلُ عَقْلَهُ حِينَ لَامَسَ كَتِفَهُ شَخْصٌ. اِلْتَفَتَ إِلَيْهِ مُتَوَتِّرًا، فَإِذَا بِهِ "عَمِّ الطَّاهِر"، الْحَدَّادُ، أَحَدُ أَصْدِقَائِهِ، جَاءَ هُوَ أَيْضًا يَسْتَطْلِعُ مَصْدَرَ الضَّجِيجِ الَّذِي أَقَضَّ مَضْجَعَهُ، وَالْتَحَقَ بِهِمَا فِي الْحِينِ صَدِيقُهُمَا أَبُو الْقَاسِم. تَبَادَلُوا نَظَرَاتٍ حَائِرَةً فِي صَمْتٍ وَجَلَسُوا فِي زَاوِيَةٍ مِنَ الْمَقْهَى وَعَلَامَاتُ الْاِسْتِغْرَابِ لَا تُغَادِرُ وُجُوهَ ثَلَاثَتِهِمْ...

الْأَرْضُ قَاحِلَةٌ

وَلَا غَيْمَةٌ فِي السَّمَاءِ

اِحْتَرَقَ الزَّرْعُ

وَالْعَصَافِيرُ، تَوَقَّفَتْ تَرَاتِيلُهَا

جَفَّتْ يَنَابِيعُ الْمَاءِ فِي الْأَرْضِ

يَبُسَ الْأُقْحُوَانُ

وَبَاتَ الْجَسَدُ عِبْئًا عَلَى الرُّوحِ الْمُتْعَبَةِ

سَئِمَتِ الرُّوحُ رُوحَهَا

غَابَتْ فِي غَيَاهِبِ الْعَطَشِ

تَنْتَظِرُ قَطْرَةَ مَاءٍ.

أَحَاطَتْ بِهَا الْفَوْضَى مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. مِنْ كُلِّ صَوْبٍ، أَتَتْهَا الضُّغُوطَاتُ...الْفَوْضَى تَنْتَقِلُ إِلَى دَاخِلِهَا...

لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَخْلُوَ إِلَى نَفْسِهَا وَلَا أَنْ تُفَكِّرَ بِهُدُوءٍ. مَا عَسَاهَا تَفْعَلُ؟! هَا هِيَ تَجِدُ السَّبِيلَ. تَهْرَبُ مِنْهُمْ، تَهْرَبُ مِنَ الْجَمِيعِ، تَتْرُكُ الْكُلَّ وَتَغِيبُ، تَبْتَعِدُ...تَدْخُلُ عَالَمًا لَا يَلِجُونَهُ. تُسَافِرُ بَعِيدًا. تَتَجَوَّلُ بَيْنَ الْمَسَافَاتِ، تُعَانِقُ الرِّيحَ...تُحَلِّقُ فَوْقَ السَّحَابِ...إِنَّهَا فِي عَالَمِهَا الخَاصِّ...لَا أَحَدَ يُمْكِنُ أَنْ يَلْتَحِقَ بِهَا...

غَسَلَتْ أُذُنَيْهَا وَعَيْنَيْهَا مِنْ كُلِّ مَا عَلِقَ بِهِمَا طَوَالَ الْيَوْمِ مِنْ دَرَنِ الْحِكَايَاتِ الَّتِي سَمِعَتْهَا وَالْمَشَاهِدِ الَّتِي مَرّتْ أَمَامَهَا. فَتَحَتْ نَافِذَتَهَا عَلَى أُغْنِيَةٍ تُحِبّهَا. اِسْتَعَارَتْ بَرَاءَةَ الْأَطْفَالِ وَعَفْوِيَّتَهُمْ فِي ضِحْكَتِهَا وَرُدُودِ فِعْلِهَا وَهِيَ تَلْتَقِي بِالْأَصْدِقَاءِ تَارَةً وَتَقِفُ عَلَى صَفَحَاتِ الْأَخْبَارِ تَارَةً أُخْرَى...تَمُرّ بِجِدَارِ هَذَا مَرّةً وَتَسْتَكْشِفُ جِدَارَ تِلْكَ مَرّةً أُخْرَى...

سَآتِي إِلَيْكِ فِي وَضَحِ النّهَارِ..

وَفِي الظَّلَامِ...

سَأُسَافِرُ إِلَيْكِ مُنْتَعِلًا جَمْرِي..

فَلَحْظَةٌ بَيْنَ ذِرَاعَيْكِ تَخْتَصِرُ الْوُجُودَ..

وَتُسَاوِي الْحَيَاةَ...

لَكِنَّنِي الْآنَ.. سَأَصْمُتُ رَغْمَ أَنَّ الصَّمْتَ سَيَقْتُلُنِي.

اِلْتَقَى الصَّمْتُ وَالْكَلاَمُ فِي إِحْدَى الْمَقَاهِي فَتَبَادَلَا النَّظَرَاتِ ثُمَّ بَادَرَ الْكَلَام وَقَالَ:

- لِمَاذَا أَنْتَ صَامِتٌ دَوْمًا؟ أَلَا تَرَى مَا يَحْدُثُ فِي الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ؟ تَكَلَّمْ...أَعِنِّي عَلَى كَشْفِ الْحَقَائِقِ...فَإِنَّ كِلَيْنَا فِي السَّفِينَةِ نَفْسِهَا...سَنَغْرَقُ إِنْ لَمْ تُسَاعِدْنِي...

لَمْ يَنْطِقِ الصَّمْتُ.

- أَلَمْ تَرَ الْمَذْبُوحِينَ مِنْ جِيرَانِكَ...لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا غَيْرَ أَنْ دَافَعُوا عَنْكَ.

نَهَضَ الصَّمْتُ مُتَثَاقِلًا تَارِكًا الْمَقْهَى. تَابَعَ سَيْرَهُ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ جَرًّا إِلَى أَنْ بَلَغَ الْمَرْفَأَ. هُنَاكَ...أَرَادَ أَنْ يُغَادِرَ إِلَى الضِّفَّةِ الْأُخْرَى. لَكِنَّهُ سُرْعَانَ مَا اِرْتَدَّ إِلَى نَفْسِهِ اِرْتِدَادًا.

بَيْنَ مَدٍّ وَجَزْرٍ

كُنْتُ

إِلَى أَنْ أَلْقَى بِيَ الْمَدُّ

بَعِيدًا،

بَيْنَ الصُّخُورِ

عَلِقْتُ،

وَاسْتَقَرَّ بِيَ الْمُقَامُ

لِلْمَاءِ...مَــــــا عُدْتُ،

وَلَا الْمَدُّ طَالَ مَكَانِي.

بَعِــــــيدًا نَأَيْتُ،

فَمَا عُدْتُ أَطَالُنِي.

تَسَاءَلْتُ: أَيَكُونُ بِي مَرَضٌ؟ أَمْ وَجْدٌ؟ أَمْ أَمْرٌ لَا أَدْرِيهِ؟ تَزْدَحِمُ الْأَمْوَاجُ فِي ذَاكِرَتِي وَتَتَلَاطَمُ مُحْدِثَةً صَوْتًا أَهْرَبُ أَمَامَهُ مِنْ نَفْسِي. أَبْحَثُ عَنِّي فَلَا أَجِدُ سِوَى هَيْكَلِ رُوحٍ جَوْفَاءَ.. فَارِغَةٍ مِنْ كُلِّ مَعْنَى. تُرَى إِلَى أَيْنَ؟ إِلَى مَتَى هَذَا الدُّوَارُ؟ إِلَى مَتَى هَذَا الضَّبَابَ؟

كَانَ مَوْعِدُ وِلَادَتِهَا مَعْلُومًا بِالنِّسْبَةِ لِلْجَمِيعِ...فَقَدْ حَدَّدَهُ الطَّبِيبُ بِنَفْسِهِ...أَمَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَذَاكَ أَمْرٌ آخَرَ.

اِضْطَرَّ الطَّبِيبُ فِي النِّهَايَةِ لِإِجْرَاءِ عَمَلِيَّةٍ قَيْصَرِيَّةٍ لِيُخَلِّصَ الْأُمَّ مِنْ ثِقَلِهَا فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ قَبْلَ أَنْ تَتَأَزَّمَ حَالَتُهَا أَكْثَرَ. وَجَاءَ الْمَوْلُودُ عَجِيبًا وَغَرِيبًا. عَدَدٌ غَيْرُ مُنْتَظَرٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْغَرِيبَةِ...كُلُّ وَجْهٍ تَنْظُرُ إِلَيْهِ...تَتُوهُ فِي مَلَامِحِهِ...يَحْمِلُكَ إِلَى بِيئَةٍ لَا تُشْبِهُ سَابِقَتَهَا...هَذَا عَيْنُاهُ مُسْتَدِيرَتَانِ بَارِزَتَانِ وَأَنْفُهُ ضَخْمٌ...وَهَذَا بِعَيْنَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ قَدْ اِنْجَذَبَ طَرَفَاهُمَا الْخَارِجِيَّانِ إِلَى أَعْلَى وَانْبَطَحَ أَنْفُهُ حَدَّ الْفَطَسِ...وَذَاكَ لَهُ جَبِينٌ عَرِيضٌ وَعَيْنَانِ مُغْمَضَتَانِ وَفَمٌ يَكَادُ لَا يُرَى...وَالآخَرُ لَا يُرَى مِنْ وَجْهِهِ سِوَى شَفَتَيْنِ غَلِيظَتَيْنِ وَأَنْفٍ كَبِيرٍ...وَآخَرُ يُغَطِّي وَجْهَهُ شَعْرٌ طَوِيلٌ... و...و...

تَشْكِيلَةُ مَوَالِيدٍ غَرِيبَةٍ، لَا تَتَشَابَهُ فِي شَيْءٍ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ لِأَبٍ وَاحِدٍ وَلَا لِأُمٍّ وَاحِدَةٍ...

عَادَتْ إِلَى الْبَيْتِ تُغَمْغِمُ: أَحْلُمُ أَنْ يَتَوَقَّفَ كُلُّ شَيْءٍ...إِلَى أَنْ يَرْحَلَ كُلُّ الطُّغَاةِ عَنْ وَطَنِي...

كَيْفَ لِي أَنْ أَفْرَحَ وَأَنْتَ مَوجُوعٌ؟

كَيْفَ لِي أَنْ أَبْتَسِمَ،

أَوْ أُغَنِّيَ،

وَفِي الْعُيُونِ دُمُوعٌ؟

كَيْفَ لِي أَنْ أَهْفُوَ لِلْحَيَاةِ،

أَنْ أَرُومَ الْأُنْسَ،

أَوْ أَرَى الْأُفْقَ جَمِيلَا،

وَفِيكَ يَا وَطَنِي غُزَاةٌ

قَدْ تَعَرَّوْا

وَعَنْ كُلّ قُبْحٍ

أَزَاحُوا اللِّثَامَ.

دَمَّرُوا فِيكَ كُلَّ جَمِيلٍ،

وَزَرَعُوا الْجَهْلَ وَالْجُوعَ.

كَيْفَ؟ قُلْ لِي!

كَيْفَ أَزْهُو وَالْقَلْبُ مَنْزُوعٌ،

وَالْفِكْرُ حَائِرٌ،

يَرْصُدُ فِيكَ الدِّمَاءَ وَالدُّمُوعَ؟

كَيْفَ أَحْيَا وَالْمَوْتُ فِيكَ سَارٍ،

يَدُكُّ عِظَامَكَ دَكًّا،

يَشُقُّ شَرَايِينَكَ؟

كَيْفَ لِي أَنْ أَكُونَ وَلَا تَكُون؟

كَيْفَ لِي أَنْ أَفْرَحَ وَأَنْتَ أَمَامِي

جُثَّةً مَرْمِيَّةً

عَلَى قَارِعَةِ التَّارِيخِ

تَمُرُّ بِهَا الضِّبَاعُ ضَاحِكَةً؟

كَيْفَ لِي أَنْ أَرَى فِيكَ الْأُسُودَ نَازِفَةً،

تَهْوِي حِذْوَكَ وَفَوْقَكَ خَائِرَةً،

بَيْنَمَا الثَّعَالِبُ تَعْلُو والذِّئَابُ،

كَيْفَ لِي أَنْ أَفْرَحَ أَوْ أَبْتَسِم؟

وَفِي قَلْبِي أَنِينٌ وَجُرْحٌ لَمْ يَلْتَئِمْ!

فِي الْقَلْبِ حُزْنٌ يَصْرُخُ...يَصِيحُ

أَلَا تَبًّا لِكُلِّ الذِّئَابِ وَكُلِّ الضِّبَاعِ!

سَيَعْلُو حُزْنِي وَيَعْلُو...وَيَنْتَقِمُ!

وَسَأَحْيَا وَتَحْيَا يَا وَطَنْ،

وَيَرْحَلُ عَنْكَ اللِّئَامُ،

سَيَثُورُ الدَّمُ النَّازِفُ

مِنْ جِرَاحِ الْأُسُودِ،

يُزِيحُ عَنْكَ الْغُيُومَ،

وَيَغْسِلُ أَرْضَكَ الْخَضْرَاءَ،

وَيُعِيدُ إلَيْكَ الشَّمْسَ وَالْحَيَاةَ وَالْبَهَاءَ.

كَانَتْ تَتَرَنَّحُ فِي ثَنَايَا الذَّاكِرَةِ. نَادَتْهُ:

كَالطِّفْلَةِ أَنَا...أَقْرَعُ بَابَ ذَاكِرَتِي،

ثُمَّ أَهْرَبُ...بَعِيدًا

وَأَنْتَ مِنِّي عَلَى بُعْدِ لَمْسَةٍ

هَمْسَةٍ...اِبْتِسَامَةٍ

لَكِنَّ قَلْبَكَ لَا يَكْتَرِثُ

سَأَحْزِمُ أَمْتِعَتِي وَأُغَادِرُ...

تَعَالَ!

مَعًا نَصْنَعُ مِنَ الْحُزْنِ فَرَحًا

وَنَطِيرُ لِنَكْسِرَ قَوَانِينَ الْعِشْقِ

لَمْ يُجِبْ نِدَاءَهَا. أَحَسَّتْ بِالْأَلَمِ يَسْرِي فِي شَرَايِينِهَا. جَلَسَتْ قُرْبَ نَافِذَةٍ. كَتَبَتْ:

أَيَّتُهَا الرُّوحُ التَّائِهَةُ فِي غَيَاهِبِ الزَّمَنِ

أَمَا آنَ لَكِ أَنْ تَسْتَرِيحِي؟

يَقْتُلُكِ الْعَجْزُ وَتَسْتَلِذِّينَ الْبَقَاءَ

بَيْنَ أَوْرِدَةِ الْحَيَاةِ وَالْعَدَمِ،

يَسْكُنُكِ الْوَجَعُ وَتَتَوَارَيْنَ فِيهِ،

تَنْشُدِينَ الْهُدُوءَ الضَّائِعَ

عَلَى عَتَبَاتِ الْمُدُنِ،

يَا أَيَّتُهَا الرُّوحُ التَّائِهَةُ عَبْرَ أَيَّامِ السِّنِينِ،

يَسْتَبِيحُكِ الْأَمَلُ وَالْيَأْسُ مَعًا،

عَلَى وَتَرِ الْبَقَاءِ وَالرَّحِيلِ تَرْقُصِينَ

بِأَجْنِحَةٍ تُرَفْرِفُ حُزْنًا وَفَرَحًا،

تَتَنَاثَرُ مِنْهَا رَوَائِحُ عِشْقٍ دَفِينٍ

تَتَبَعْثَرِينَ بَيْنَ طَيَّاتِ الْعُمْرِ

مَا مَضَى مِنْهُ وَمَا بَقِيَ

بِلَا جَدْوَى تَتَمَايَلِينَ

تُرِيدِينَ الْخُلُودَ فِي أَعْمِدَةِ الذِّكْرَى

تَرُومِينَ دُنُوًّا قَرِيبًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

وَالْقَدَرُ عَليْكِ ضَنِينٌ

يَا أَيَّتُهَا الرُّوحُ الشَّارِدَةُ

فِي ثَنَايَا الْوَجْدِ

بَيْنَ مَاضٍ جَمِيلٍ بِأَحْضَانِ اللَّيْلِ

يَنَامُ الْأَنَامُ وَتَبْقَيْنَ حَائِرَةً تَائِهَةً

تَجُوبِينَ الْأَرْضَ طُولًا وَعَرْضًا

عَمَّا تَبْحَثِينَ أَيَّتُهَا الرُّوحُ؟

وَلِمَنْ كُلُّ هَذَا الْحَنِينُ؟

أَيَّتُهَا الرُّوحُ الْمُتْعَبَةُ الْحَالِمَةُ

يَغْتَصِبُكِ الْأَمَلُ بَيْنَ رَحِيلٍ وَرَحِيلٍ

يُلَمْلِمُكِ الْهَوَى فِي طَيَّاتِهِ

يُرْسِلُكِ بَعِيدًا...بَعِيدًا...هُنَااااكَ

تَطُوفِينَ بِأَطْلَالِ صَرْحٍ هَوَى

قَدْ هَوَى الصَّرْحُ، فَلِمَ لَا تَسْتَرِيحِينَ؟

جَاءَهَا نِدَاءُهُ فَجْأَةً:

تَائِهٌ أَنَا...

غَرِيبٌ وَسَطَ الزِّحَامِ...

وَتِيهِي مُتَوَاصِلٌ...

إِلَى أَقْصَى مَدَى فِي غَيَاهِبِ النِّسْيَانِ.

صُورَتِي مَحْفُورَةٌ بِأَنَامِلِ الْوِحْشَةِ

وَكَلِمَاتِي مَخْطُوطَةٌ بِأَحْلَامِ اللَّهْفَةِ

سَجِينُ أَمَازِيغِيَّةِ الْعَيْنَيْنِ وَالْجَبِينِ

زَيَّنَتْ خَصْرَهَا بِعُقُودِ الْيَاسَمِينِ

رَمَتْنِي بِحُرُوفِ اِسْمِهَا كَالسِّكِّينِ الْمُهَنَّدِ

لِيَغْتَالَنِي فِي مَقْتَلٍ

وَأَنَا فِي مِحْرَابِ الْعِشْقِ أُصَلِّي

حُبُّكِ أَيَّتُهَا الْأُنْثَى بِلَا لَونٍ

وَغَيْرُ قَابِلٍ لِلتَّلْوِينِ

كَالْمَاءِ الطَّاهِرِ...كَالْيَقِينِ

حُبُّكِ يَا حَبِيبَتِي مِثْلُكِ

بِطَعْمِ الْيَاسَمِينِ..

أَعْتَرِفُ دُونَ إِكْرَاهٍ

حُبُّكِ غَيْرُ قَابِلٍ لِلتَّفَاوُضِ.

فَتَعَالَيْ

لِتَرْكُضِي فِي دَمِي

أَيَا اِمْرَأَةً

تَحْمِلُ عِشْقًا عَلَى صَدْرِ يَاسَمِين

أَيَا وَطَنًا

يَسْلِبُنِي رُوحِي

حُبًّا

وَيُتْعِبُنِي الْأَنِينُ

تَعَالَيْ...

وَاخْتَرِقِي جَسَدِي

سَمْفُونِيَّةَ عِشْقٍ وَجُنُونٍ

لِتَلْثَمَ نَبَضَاتُ قَلْبِكِ نَبَضَاتِي

وَتُعْلِنَ مِيلَادَ حُبٍّ يَسْقِي بَقَايَا لَيْلِي

حَتَّى تَجْتَاحُنِي أَحَاسِيسُكِ لِتَمْلَأَ قَدَحِي

نَبِيذَ الْحَيَاةِ

تَعَالَيْ

فَأَنَا سَأَجْعَلُ مِنْ حُضْنِكِ

وَطَنَ الْحِزْبِ الْوَاحِدِ

حِزْبِي أَنَا

سَوْفَ أَثُورُ

عَلَى كُلِّ عَادَاتِي الَّتِي اِعْتَنَقْتُهَا طُقُوسًا

وَسَأَعِيشُ بِكِ وَاقِعًا مُتَمَرِّدًا

تَعَالَيْ

فَأَنَا سَأُعْلِنُ عَلَيْكِ الْحُبَّ لِأَلْفِ عَامٍ

وَسَأَغْتَالُ شَفَتَيْكِ

بِأَنْفَاسٍ حُفِرَتْ

عَلَى وَجْهِ الْقَمَرِ الْمُسَافِرِ إِلَيْكِ اِشْتِيَاقًا.

بِدَاخِلِي أَحْلَامٌ

أَتَمَنَّى أَنْ تَتَحَقَّقَ

وَأَلَّا تُغَادِرَ الْكَوْكَبَ

الَّذِي يُمْسِكُ بِزِمَامِ أَحْلَامِي

وَأَلَّا تُوصِدَ خَلْفَهَا الْبَابَ

الَّذِي كَانَ يَأْتِينِي مِنْ خِلَالِهِ رِيحُ الْحُبِّ

لِأَسْتَرِيحَ.

السَّاعَةُ الْآنَ

تُشِيرُ إِلَى رَقْمٍ مَّا

لَا يَعْنِي لِي شَيْئًا

طَالَمَا أَنَّ هُنَالِكَ فَارِقٌ فِي التَّوْقِيتِ بَيْنَنَا

فَأَنَا مَا عُدْتُ أَثِقُ فِي الْوَقْتِ وَالزَّمَنِ!

كَتَبَ وَغَابَ.

اِنْتَظَرَتْهُ طَوِيلًا. تَأَلَّمَتْ كَثِيرًا فِي غِيَابِهِ. فَعَلَتْ الْمُسْتَحِيلَ لِيَعُودَ فَأَبَى. وَحِينَ قَرَّرَتْ الرَّحِيلَ دُونَهُ، قَرَّرَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهَا. فَكَانَ أَنْ فَاتَهُ قِطَارُ الْعَوْدَةِ.

كَانَتْ الصُّورَةُ فِي بِدَايَةِ رَسْمِهَا جِدُّ رَائِعَةٍ. كَانَتْ بِعَظَمَةِ الْمُلُوكِ إِلَى دَرَجَةِ أَنَّنِي خِلْتُ نَفْسِي وُلِدْتُ مَعَهَا مِنْ جَدِيدٍ. لَكِنْ لِلْأَسَفِ! سَقَطَتْ فَجْأَةً. تَهَشَّمَتْ وَتَبَعْثَرَتْ أَجْزَاؤُهَا ذَاتَ مَسَاءٍ عَلَى يَدَيْكَ. جَثَوْتُ أُرِيدُ لَمْلَمَتَهَا وَإِعَادَتَهَا. فَشِلْتُ. ذَهَبَ صَفَاؤُهَا وَبَهَاؤُهَا وَتَلَاشَتْ عَظَمَتُهَا...اِحْتَفَظْتُ بِهَا رَغْمَ ذَلِكَ، لَعَلِّي أَتَمَكَّنُ فِي حُضُورِكَ مِنْ إِعَادَةِ رَوْنَقِهَا. وَحَضَرْتَ. سَاقَتْكَ الْأَقْدَارُ إِلَيَّ مُجَدَّدًا. اِنْتَظَرْتُ أَنْ نَبْعَثَ، مَعًا، الْحَيَاةَ مِنْ جَدِيدٍ فِي صُورَةٍ لَمْ أَشَأْ أَنْ تَنْدَثِرَ. لَكِنَّكَ أَصْرَرْتَ عَلَى إِتْلَافِهَا. وَبَدَلَ أَنْ تَنْحَنِيَ لِتُلَمْلِمَ أَجْزَاءَهَا الْمُبَعْثَرَةَ، دُسْتَ عَلَيْهَا بِكِبْرِيَائِكَ. سَحَقْتَهَا. جَعَلْتَ مِنْهَا هَبَاءً مَنْثُورًا. وَسَقَطَتْ عَنْكَ كُلُّ الْأَقْنِعَةِ. بَدَوْتَ عَارِيًا أَمَامِي. لَا تُغَطِّي أَنَانِيَّتَكَ سِوَى بَعْضِ الْكَلِمَاتِ الْمَمْجُوجَةِ، وَلَا تَسْتُرُ حَقِيقَتَكَ سِوَى لَحَظَاتِ الصَّمْتِ الْهَارِبِ مِنْ شَفَتَيْكَ. نَطَقَ صَمْتُكَ غَصْبًا عَنْكَ. خَانَكَ وَقَالَ مَا أَخْفَيْتَهُ طَوِيلًا. لَمْ يَكُنْ حُبًّا ذَاكَ الَّذِي حَدَّثْتَنِي عَنْهُ. لَمْ يَكُنْ حُبًّا ذَاكَ الَّذِي تَصَوَّرْتُهُ يَوْمًا أَكْبَرَ حُبٍّ. بَلْ كَانَ مُجَرَّدَ نَزْوَةٍ عَابِرَةٍ اِنْتَهَتْ بِمُجَرَّدِ أَنْ لَامَسَتْ يَدَاكَ الْحُلْمَ. لَمْ يَكُنْ إِحْسَاسِي مُخْطِئًا. كُنْتُ أَشْعُرُ بِذَلِكَ مُنْذُ الْبِدَايَةِ لَكِنَّنِي عَانَدْتُ كِبْرِيَائِي. حَتَّى جَاءَنِي الْجَوَابُ شَافِيًا. أَصْبَحَتْ مُلَامَسَةُ رُوحِكَ جَرِيمَةً لَا تَغْفِرُهَا، صِبْيَانِيَّاتٌ لَا يَجُوزُ الْحَدِيثُ فِيهَا...

حَاوَلَتْ لَمْلَمَةَ الشَّتَاتِ الْمُبَعْثَرِ فِي ذَاكِرَتِهَا فَعَجَزَتْ. أَحَسَّتْ بِالدُّوَارِ مِنْ جَدِيدٍ. اِتَّسَعَتْ رُقْعَةُ السَّوَادِ بِدَاخِلِهَا. اِسْتَسْلَمَتْ لِلْغِيَابِ مُسْتَنِدَةً إِلَى الْعَالَمِ الْاِفْتِرَاضِيِّ. فَعَاوَدَهَا النِّدَاءُ...رَغْمَ كُلِّ شَيْءٍ،

هَا إِنَّنِي مَازِلْتُ عَلَى قَيْدِ الْأَمَلِ

وَلَكِنْ تَبــّــًا لِشَوْقٍ

قَادِرٍ عَلَى قَتْلِي أَلْفَ مَرَّةٍ،

وَغَيْرَ قَادِرٍ عَلَى إِحْضَارِكِ لِي وَلَوْ مَرَّةً.

اِلْتَفَتَتْ إِلَيْهِ. اِسْتَنْجَدَا بِالصَّمْتِ مَعًا فَطَرَقَا بَابَهُ. فَتَحَ لَهُمَا مُرَحِّبًا. اِسْتَقْبَلَهُمَا. وَأَسْكَتَ مِنْ حَوْلِهِمَا كُلَّ الْأَصْوَاتِ. مَارَسَ عَلَى الْجَمِيعِ سَطْوَتَهُ وَجَبَرُوتَهُ فَأَنْهَى ضَجِيجَهُمْ وَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِعَدَمِ الْكَلَامِ. اِصْطَحَبَهُمَا إِلَى الْغُرْفَةِ الْمَلَكِيَّةِ. مَا أَعْظَمَ الصَّمْتَ حِينَ يُمَارِسُ طُقُوسَهُ!

اِلْتَحَفَا بِهِ وَعَانَقَاهُ. اِفْتَرَشَا دِفْأَهُمَا وَاسْتَسْلَمَا لِلْهُدُوءِ. اِقْتَرَبَتْ مِنْهُ وَاحْتَضَنَتْهُ بِرِفْقٍ. مَرَّرَتْ يَدَهَا عَلَى ظَهْرِهِ وَحَرَّكَتْهَا مِرَارًا. فَعَلَ مِثْلَهَا. اِقْتَرَبَ مِنْهَا وَعَانَقَهَا. ثُمَّ لَفَّ ذِرَاعَيْهِ حَوْلَهَا. كَانَ ضَوْءُ الْغُرْفَةِ خَافِتًا يُلْقِي عَلَيْهِمَا الْكَثِيرَ مِنَ الرُّومَانْسِيَّةِ، وَيُوحِي إِلَيْهِمَا بِشُعُورِ السَّكَنِ فِي عَالَمٍ سَاحِرٍ بَعِيدٍ عَنْ كُلِّ الْكَائِنَاتِ. لَفَّهُمَا دِفْءُ الصَّمْتِ فِي رَوْنَقٍ فَرِيدٍ. وَعَزَفَ لَهُمَا أَجْمَلَ مُوسِيقَى صَامِتَةً. فَارْتَفَعَا إِلَى حُدُودِ سَمَاءٍ لَيْسَ فِيهَا سِوَى الْحُبِّ وَمُتَمِّمَاتِهِ. قَالَتْ عَيْنَاهَا تَحْتَ الضَّوْءِ الْخَافِتِ: "أُرِيدُكَ أَنْ تُسْمِعَنِي كَلَامًا حُلْوًا يَبْعَثُ الدِّفْءَ، هَذَا الَّذِي أَشْعُرُ بِهِ فِي يَدَيَّ وَأَنَا مَعَكَ. أُرِيدُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى قَلْبِي، أَنْ يُشِعَّ مِنَ الدَّاخِلِ."

قَالَتْ عَيْنَاهُ: "أَرَاكِ أَجْمَلَ الْجَمِيلَاتِ يَا حُلْوَتِي. اِقْتَرِبِي أَكْثَرَ."

ظَهَرَتْ غَيْمَةٌ فِي السَّمَاءِ

تُنَادِي الْأَرْضَ أَنِ اسْتَعِدِّي

لِبَرْقِي وَقَصْفِي وَرَعْدِي

اِهْتَزَّتِ الْأَرْضُ نَشْوَى

حِينَ بَلَّلَتْهَا قَطَرَاتُ الْمَطَر

اِرْتَوَتْ وَانْتَعَشَتْ

وَأَيْنَعَ الْأُقْحُوَانُ مِنْ جَدِيد

فَإِذَا الْعَصَافِيرُ تَعُودُ لِلنَّشِيد.


زهــرة مــــــــراد

من كتابها الصّادر مؤخّرا عن دار زينب للنشر بعنوان "صديقي المشاكس"

 
 
 

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating

Join our mailing list

Never miss an update

© 2023 by Glorify. Proudly created with Wix.com

bottom of page