ﻗﺎﻝ ﻓﻜﺘﻮﺭ ﻫﻮﻏﻮ : " ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺷﺘﺎﺀ ﺍﻟﻘﻠﺐ ." ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧّﻨﺎ ﻓﻲ ﺷﺘﺎﺀ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ، ﻭﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ ، ﻧﻌﻨﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ [ 1 ] ، ﺭﺑﻤﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ . – ﻭﻟﻜﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﻱّ ﻣﺪﻯ ﻗﺪ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻠﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺑﻌﺎﻣﺔ ﺃﻥ ﻳﺪﺍﻓﻊ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺗﺄﺳﻴﺴﻴّﺔ؟ ﻣﺜﻼ ﺃﻥ ﻳﺠﺰﻡ ﻗﺎﺋﻼ : " ﺃﻧﺎ ﺃﻛﺮﻩ ، ﺇﺫﻥ ﺃﻧﺎ ﻣﻮﺟﻮﺩ (!) " [ 2 ] ﻭﻋﻨﺪﺋﺬ ﻛﻴﻒ ﻧﺘﺨﻴّﻞ ﺩﻳﻜﺎﺭﺕ ، ﻭﻫﻮ ﻳﻤﺎﻫﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ، ﺃﻥ ﻳﻔﺘﺘﺢ ﺃﺣﺪ ﻛﺘﺒﻪ ﻗﺎﺋﻼ : " ﺇﻥّ ﺍﻟﻜﺮﻩ ﻫﻮ ﺃﻋﺪﻝ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺗﻮﺯّﻋﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ " (!) ﺭﺑﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻷﺟﺪﺭ ﺃﻥ ﻧﻮﻟّﻲ ﺃﺳﺌﻠﺘﻨﺎ ﺻﻮﺏ ﻧﻴﺘﺸﻪ ، ﻓﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﻀﻐﻴﻨﺔ [ 3 ] ، ﻓﻬﻮ ﺃﻧﺴﺐ ﺍﻧﻔﻌﺎﻻ ﻟﻬﻜﺬﺍ ﻣﺰﺍﺝ . ﻓﻼ ﻣﺸﺎﺣّﺔ ﻓﻲ ﺃﻥّ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ ، ﺍﻟﻠﻌﻴﻨﺔ ﺍﻟﺒﺮﺍﺀﺓ ، ﻗﺪ ﺗﻈﻬﺮ ﻟﻌﺪﺩ ﻭﺍﺳﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮّﺍﺀ ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺔ ﻛﺪﻣﺎﺕ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ، ﻭﻫﻮ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻛﻮﺟﻴﻄﻮ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﺣﺘﻰ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻜﺮﻩ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻦ ﺗﺨﻴّﺐ ﻇﻦّ ﺃﺣﺪ . ﻟﻜﻦّ ﻧﺼﻮﺻﻪ ﺗﻔﺎﺟﺌﻨﺎ ﺑﺘﻠﻄّﻒ ﺭﺷﻴﻖ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﺍﻓﺔ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﻌﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﺮﻩ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ . ﻭﺣﺪﻫﻢ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﻭﻥ ﻋﻦ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺑﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﺼﻴﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﻖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻫﻢ ﻗﺎﺩﺭﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺮﻩ . ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻋﻨﺪﻩ ﻫﻲ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ . ﺃﻭﻟﺌﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻔّﻮﺍ ﻋﻦ ﺧﻠﻖ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻨﺬ ﻭﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ . ﻭﻟﺬﻟﻚ ، ﻓﺈﻥّ ﺃﻭّﻝ ﻣﻼﻣﺢ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻫﻲ ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺃﻭ " ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﺍﻷﻧﺎ " ﺃﻭ " ﻛﺮﻩ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ،" ﻭﻣﻦ ﺛﻢّ " ﻛﺮﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ." ﺃﻥ ﻧﻜﺮﻩ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻫﻮ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﺮﻋﺒﺔ ﻋﻦ ﻛﻮﺟﻴﻄﻮ ﻣﻌﻄّﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ . ﻭﺣﺪﻫﻢ ﺍﻟﻌﺪﻣﻴّﻮﻥ ﻳﻘﺘﺎﺗﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﺏ ﻣﺮﻳﻊ ﻣﻦ " ﻓﻀﻴﺤﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ." ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ، ﻓﻬﻲ ﺷﻲﺀ ﻣﺨﺘﻠﻒ .
ﺭﺑّﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﺸﻬﺪ ﺭﺍﻫﻨﺎ ، ﻛﻤﺎ ﻻﺣﻆ ﺫﻟﻚ ﺟﺎﻥ ﻟﻮﻙ ﻧﺎﻧﺴﻲ
[ 4 ] ، ﺍﻧﺘﻘﺎﻻ ﺣﺰﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﺇﻟﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ . ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﺣﺘﻘﺎﺭ . ﻣﺜﻼ : ﻧﺤﻦ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻜﺮﻩ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ( ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻌﻴّﻨﺔ ﻣﻦ ﻫﻮﻳّﺘﻨﺎ ) ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﻜﻮﻥ ﺃﻋﺪﺍﺀ ﺟﻴّﺪﻳﻦ ﻟﻬﺎ . ﻧﺤﻦ ﻧﺤﺘﺎﺝ ﺩﻭﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﺪﺍﺀ ﻣﻨﺎﺳﺒﻴﻦ . ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺻﺤّﻴﺔ؛ ﻟﻜﻦّ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﺣﺰﻳﻦ ﺩﺍﺋﻤﺎ . ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﺎﺱ ﻧﻜﺮﻫﻢ ﻛﻲ ﻧﺘﻌﺮّﻑ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ . ﻳﻘﻮﻝ ﻧﻴﺘﺸﻪ : " ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﺪﻭّﺍ ، ﺃﻥ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﺪﻭّﺍ ﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺟﺢ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻗﻮﻳّﺔ ... ﺇﻥّ ﺍﻻﻧﻔﻌﺎﻝ ﺍﻟﻌﺪﺍﺋﻲّ ﻫﻮ ﺟﺰﺀ ﺿﺮﻭﺭﻱّ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮّﺓ ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺑﺎﻟﺜﺄﺭ ﻭﺍﻟﺤﻘﺪ ﻫﻮ ﺟﺰﺀ ﻻﺯﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﻌﻒ ." ﻟﻜﻦّ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﻨﺒّﻬﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺮ ﺣﺎﺳﻢ ﻫﻨﺎ : " ﺃﻥّ ﻗﻮّﺓ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﺎﺟﻢ ﻫﻲ ﺗﺠﺪ ﻣﻘﻴﺎﺳﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻮﻋﻴّﺔ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ؛ ﻛﻞّ ﻧﻤﻮّ ﻳﺮﺷﺢ ﻣﻨﻪ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺧﺼﻢ ﺃﻭ ﻣﺸﻜﻞ ﻫﺎﺋﻞ : ﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥّ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﻤﺤﺎﺭﺏ ﻫﻮ ﻳﻨﺎﺯﻝ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻣﺒﺎﺭﺯﺓ ." ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﺄﺭ ، ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺗﻘﺘﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻡ . ﻭﻟﺬﻟﻚ ، ﻳﺆﻛّﺪ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥّ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻟﻬﺎ ﻧﺎﻣﻮﺳﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺹ . ﻫﻲ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﻘﻊ ﺧﺎﺭﺝ ﺃﻓﻖ ﺍﻟﻀﻌﻔﺎﺀ . ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﺣﺰﻳﻦ ﻳﻌﺘﺎﺵ ﻣﻦ ﺃﺩﻧﻰ ﺿﻌﻒ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﺿﺪّ ﻗﻮﻱّ ﻣﺎ . ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻫﻲ ﺗﺘﺮﺟَﻢ ﺩﻭﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﺷﻌﻮﺭ ﺑﺎﻻﺣﺘﻘﺎﺭ . ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥّ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻻ ﺗﺤﺘﻘﺮ ﺧﺼﻤﻬﺎ ، ﻭﻫﻲ ﺗﺠﺮﻱ ﺩﻭﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻮﻉ ﺃﺻﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ . ﻻ ﺗﻘﻊ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ - ﺃﻱ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺄﻯ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻋﻦ ﻣﻌﺠﻢ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ - ﺇﻻّ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮﺍﺀ ، ﺣﻴﺚ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻷﻱّ ﺿﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻻﺣﺘﻘﺎﺭ . ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻒ ﺃﻥ ﻧﻮﺭﺩ ﻫﻨﺎ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﻬﺎ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺜﻞ ﺳﻴﺮﺓ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ .
ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ Ecce Homo : " ﺃﻭّﻻ - ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﻫﺎﺟﻢ ﺇﻻّ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ( Sachen ) ﺍﻟﻤﻨﺘﺼﺮﺓ ، - ﻭﻋﻨﺪ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺃﻧﺎ ﺃﻧﺘﻈﺮﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﺼﺮ؛ ﻭﺛﺎﻧﻴﺎ ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﻫﺎﺟﻢ ﺇﻻّ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ، ﺣﻴﺚ ﺇﻧّﻨﻲ ﻟﻦ ﺃﺟﺪ ﺃﻱّ ﺣﻠﻔﺎﺀ ﻟﻲ ، ﺣﻴﺚ ﺃﻗﻒ ﻭﺣﻴﺪﺍ ، - ﺣﻴﺚ ﻟﻦ ﺃﻋﺮّﺽ ﺇﻻّ ﻧﻔﺴﻲ ﻟﻠﺨﻄﺮ ... ﻭﺃﻧﺎ ﻟﻢ ﺃﻗﻢ ﺃﺑﺪﺍ ﺑﺄﻳّﺔ ﺧﻄﻮﺓ ﻋﻠﻨﻴّﺔ ( öffentlich ) ﻻ ﺗﻌﺮّﺿﻨﻲ ﻟﻠﺨﻄﺮ : ﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﻣﻘﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﻔﻌﻞ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ؛ ﺛﺎﻟﺜﺎ : ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﻫﺎﺟﻢ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺃﺑﺪﺍ ، - ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﺳﺘﺨﺪﻡ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺇﻻّ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻋﺪﺳﺔ ﻗﻮﻳّﺔ ﻣﻜﺒّﺮﺓ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺠﻌﻞ ﺣﺎﻟﺔَ ﻓﺘﻨﺔٍ ( Notstand ) ﻋﺎﻣّﺔ ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺘﻮﺍﺭﻳﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻠﻤﻮﺳﺔ ، ﺃﻣﺮﺍ ﻣﻨﻈﻮﺭﺍ ... ﺭﺍﺑﻌﺎ : ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﻫﺎﺟﻢ ﺇﻻّ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞُّ ﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻣﺴﺘﺒﻌﺪﺍ ، ﺣﻴﺚ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﻞّ ﺧﻠﻔﻴّﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﺍﻟﻤﺸﻴﻨﺔ . ﻭﺫﻟﻚ ، ﺃﻥّ ﺍﻟﻬﺠﻮﻡ ﻫﻮ ﻋﻨﺪﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻀﺪّ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺣﺴﺎﻥ ، ﻭﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﻓﺎﻥ ﺑﺎﻟﺠﻤﻴﻞ ."
ﻫﺬﺍ ﺗﻘﺮﻳﻆ ﻓﻠﺴﻔﻲّ ﻟﻠﻌﺪﺍﻭﺓ ﺭﺃﺱ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻴﻪ ﺃﻧّﻪ ﻳﺨﺮﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺷﺨﺼﻲ . ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﻣﺮﺍ ﺷﺨﺼﻴّﺎ . ﻫﻲ ﺩﻭﻣﺎ ﺗﻬﺎﺟﻢ " ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ " ﻭﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻗﻮّﺗﻬﺎ . ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﺷﻲﺀ ﻣﻴّﺖ ﻓﻲ ﻭﻋﻲ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺑﻪ . ﻻ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﺇﻟﻰ ﺣﻠﻔﺎﺀ ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻮﻗﻔﺎ ﺃﺻﻴﻼ ﻣﻦ ﻗﻀﻴّﺔ ﻣﺎ؛ ﺇﺫْ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻤﻦ ﻳﻬﺎﺟﻢ ﻗﻀﻴّﺔ ﻣﻨﺘﺼﺮﺓ ، ﻭﻫﻮ ﻳﻌﻮّﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ . ﻛﻤﺎ ﺃﻧّﻪ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻻ ﺗﻀﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺨﻄﺮ . ﻣﻦ ﻳﻬﺎﺟﻢ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺃﻣّﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻢ ( ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ) ﻻ ﻳﺠﺪﺭ ﺑﻪ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﻤﻲ ﺑﺄﻳّﺔ ﻫﻴﺌﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﺫﺍﺗﻪ . ﻭﻗﺪ ﺭﻓﻊ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﺍﻟﺘﻌﺮّﺽ ﻟﻠﺨﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺭﺗﺒﺔ ﻣﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ، ﻭﻫﻮ ﺻﺤﻴﺢ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺃﻧّﻪ ﺷﺠﺎﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻘﻴﻠﺔ ، ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﻮﺍﻗﻔﺔ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻋﻠﻴﻪ . ﻣﺎ ﻳﻬﻢّ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻟﻴﺲ ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ - ﻓﺎﻟﺸﺨﺺ ﺑﺤﺪّ ﺫﺍﺗﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖّ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﻟﻠﻌﺪﺍﻭﺓ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ - ﺑﻞ ﺭﺻﺪ " ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ " ﺃﻭ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻷﺯﻣﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﺤﻖ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺃﻭ ﺃﻣّﺔ ﻣﺎ ، ﻟﻜﻦّ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻋﺪﺳﺔ ﻗﻮﻳّﺔ ﻣﻜﺒّﺮﺓ ﻻﺳﺘﻜﺸﺎﻓﻬﺎ . ﻛﺬﻟﻚ ، ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻻ ﺗﺴﺘﻘﻴﻢ ﺑﻴﻦ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻓﺮﻕ ﺃﺧﻼﻗﻲ ﺟﺬﺭﻱ . ﻻﺑﺪّ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺿﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺴﺎﻭﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﻭﺀﺓ؛ ﺃﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ . ﻭﻋﻨﺪﺋﺬ ﺗﻜﻒّ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻣﻈﻬﺮ ﺍﻟﺘﻘﻮﻳﺾ ، ﻭﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻭﺟﻬﻬﺎ ﺍﻟﺨﻔﻲ : ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺩﻟﻴﻼ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﻉ ﻣﺨﺼﻮﺹ ﻣﻦ ﺍﻹﺣﺴﺎﻥ ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﻓﺎﻥ ﺑﺎﻟﺠﻤﻴﻞ .
ﻟﻮ ﺃﻋﺪﻧﺎ ﺍﻟﻤﺸﻜﻞ ﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ، ﻟﺮﺃﻳﻨﺎ ﺍﻵﻥ ﻛﻞّ ﻣﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻧﻪ . – ﺇﻥّ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻘﻮﻳّﺔ ﺗﻌﺎﺩﻱ ﻟﻜﻨّﻬﺎ ﻻ ﺗﻜﺮﻩ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ، ﻧﻌﻨﻲ ﻻ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺟﺰﺀﺍ ﻣﻦ ﺗﺮﺑﻴﺘﻬﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ . ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ، ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺗﻜﺮﻩ ﻟﻜﻨّﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻌﺎﺩﻱ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﻴّﺪ . ﻟﻨﻘﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﻣﻔﺎﺭﻗﺔ : ﺇﻥّ ﻣﺎ ﻳﻨﻘﺺ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺮﺗﻘﻲ ﺇﻟﻰ ﺭﺗﺒﺔ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﺍﻷﺻﻴﻠﺔ ﻫﻮ ﻗﺪﺭ ﺟﻮﻫﺮﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺒّﺔ ، ﻧﻌﻨﻲ ﻣﻦ ﻣﺤﺒّﺔ ﺫﺍﺗﻬﺎ . ﻛﺎﻥ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻭﺭﺓ ﺍﻟﻔﻴﺪﻭﻥ ﻗﺪ ﺑﻜّﺮ ﺇﻟﻰ ﻧﺤﺖ ﻣﺼﻄﻠﺢ ،"μισανθρωπία" " ﻣﻴﺰﺍﻧﺜﺮﻭﺑﻴﺎ ؛" ﺃﻱ ﻛﺮﻩ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺍﻟﻨﺎﺟﻢ ﻓﻲ ﺭﺃﻳﻪ ﻋﻦ ﺧﻴﺒﺔ ﺃﻣﻞ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﺗﺼﻮّﺭﻩ ﺻﺎﺩﻗﺎ ﻭﺻﻠﺒﺎ ﻭﻣﻮﺿﻊ ﺛﻘﺔ؛ ﺃﻱ ﺑﻌﺪ ﻣﺤﺒّﺘﻪ . ﻟﻜﻦّ ﻛﻞّ ﻛﺮﻩ ﻟﻠﺒﺸﺮ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﻛﺮﻩ ﻷﻧﻔﺴﻨﺎ . ﻭﺭﺍﺀ ﻛﻞ ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﺫﻥ ﻣﺤﺒّﺔ ﻓﺸﻠﺖ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻧﻔﺴﻬﺎ .
ﺗﺤﺘﺎﺝ ﻛﻞّ ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺒّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺮّﺭﻫﺎ ﻭﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﺘّﺴﻘﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺫﺍﺗﻬﺎ . ﻻ ﻧﻜﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻻّ ﻣﻦ ﻧﺤﺐّ ﺃﻭ ﻣﻦ ﻳﺸﺒﻬﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﻟﻜﻨّﻨﺎ ﻧﻔﺸﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻌﻪ . ﺭﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻧﻮﻋﺎ ﺭﺩﻳﺌﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﻟﻢ ، ﻭﻫﻮ ﺃﻟﻢٌ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﻔﺎﻭﺽ ، ﻷﻧّﻪ ﻳﺘّﺼﻞ ﺑﺬﻭﺍﺗﻨﺎ ﻭﻳﺨﺘﺮﻗﻬﺎ ، ﻋﻠﻰ ﺧﻼﻑ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺻﺪﺍﻗﺔ ﻓﺎﺷﻠﺔ ﻓﻘﻂ . ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻜﺮﻩ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ . ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﺩﻱ ﺃﻭ ﻳﺼﺎﺩﻕ " ﻧﻔﺴﻪ ،" ﻷﻥّ ﺫﻟﻚ ﻳﺘﻄﻠّﺐ ﻗﺪﺭﺍ ﻫﺎﺋﻼ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺎﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ، ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺭﺷﻴﻖ ﻟﺒﻮﻝ ﺭﻳﻜﻮﺭ . ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥّ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻫﻲ ﻣﺜﻞ ﺍﻷﻟﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺰﻥ ﻻ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ . ﻫﻲ ﺗﻨﺰﻉ ﺩﻭﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﺇﻟﻐﺎﺀ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ . ﺇﻧّﻬﺎ ﺫﺍﻛﺮﺓ ﻓﻘﻂ . ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻻ ﺗﺘﻄﻮّﺭ ، ﻧﻌﻨﻲ ﻻ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺍﺣﻞ ﻛﻲ ﺗﻼﻣﺲ ﺫﺍﺗﻬﺎ . ﻫﻲ ﻣﺜﻞ ﺍﻷﻟﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺰﻥ ﺗﻀﻊ ﺫﺍﺗﻨﺎ ﻣﻮﺿﻊ ﺳﺆﺍﻝ ، ﻭﺗﻌﻴﺶ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪ . ﻭﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺗﺨﺘﻠﻂ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﺤﺒﺔ ، ﻷﻧّﻬﻤﺎ ﺿﺮﺑﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻻﺣﺘﻤﺎﻝ ﻟﺬﻭﺍﺗﻨﺎ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ . ﺣﻴﻦ ﻧﻜﺮﻩ ﺃﻭ ﻧﺤﺐ ﻧﺤﻦ ﻧﻠﻐﻲ ﺛﻘﻞ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﻧﺘﺨﻔّﻒ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺸﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺣﺪّﺋﺬ . ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻏﻴﺮ ﺿﺮﺏ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ ﻣﻦ ﺍﻹﺧﻼﺹ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ . ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﻜﺎﻥ ﺩﻭﻣﺎ ، ﻭﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺯﻣﺎﻧﺎ ﺇﻻّ ﻋﺮﺿﺎ . ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻫﻮ ﺣﻀﻦ ﺍﻟﺬﺍﺕ؛ ﺃﻱ ﻣﺎ ﻳﻘﻊ ﺗﺤﺘﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻧﺮﻯ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ . ﻭﻟﻜﻦ ﺣﻴﻦ ﻧﻜﺮﻩ ﺃﻭ ﻧﺤﺐ ﻧﺤﻦ ﻧﺘﺠﺮّﺩ ﻣﻦ ﻭﻃﺄﺓ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ، ﻭﻧﺼﺒﺢ ﺫﻭﺍﺗﺎ ﻋﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﺜﻞ ﻏﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﺘﻈﺎﺭ . ﻳﻘﻮﻝ ﻻﻣﺮﺗﻴﻦ : " ﺍﻷﻧﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﺣﺪﻫﻤﺎ ﻟﻬﻤﺎ ﻭﻃﻦ؛ ﺃﻣّﺎ ﺍﻷﺧﻮّﺓ ﻓﻼ ﻭﻃﻦ ﻟﻬﺎ ."
ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻓﺎﻟﻜﺮﻩ ﻟﻴﺲ ﻋﻨﻔﺎً ، ﻧﻌﻨﻲ ﻫﻮ ﻻ ﻳﺪﻣّﺮ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ، ﻟﻜﻨّﻪ ﻳﺠﻤّﺪ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ . ﺍﻟﻜﺮﻩ ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻧﺎﻧﺴﻲ ﻓﻲ ﻧﺺّ ﺟﻤﻴﻞ ﺳﻨﺔ ،2013 " ﺍﻟﻜﺮﻩ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺘﺨﺜّﺮ " [ 5 ] ، ﻛﻤﺎ ﻧﻘﻮﻝ ﻋﻦ ﺩﻣﻨﺎ ﺇﻧّﻪ ﻗﺪ ﺗﺨﺜّﺮ . - ﻳﻼﺣﻆ ﻧﺎﻧﺴﻲ ﺃﻥّ ﺍﻟﺠﺬﺭ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻲ odi ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺠﺬﺭ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ hassen ﻳﺘﻀﻤّﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭﺩﺓ ، ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺼﻴﺪ ﻭﺗﻌﻘّﺐ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻜﺮﻳﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻴﻪ . ﺇﻻّ ﺃﻥّ ﻓﻌﻞ " ﻛﺮﻩ " ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻫﻮ ﻳﻨﻄﻮﻱ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ : ﻛﺮﻩ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﺷﻤﺄﺯّ ﻣﻨﻪ ﻭﻧﻔﺮ ﻭﻟﻢ ﻳﺤﺘﻤﻠﻪ ﻭﺃﺑﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ . ﻧﺤﻦ ﻧﻬﺮﺏ ﻣﻤّﺎ ﻧﻜﺮﻩ ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻲ ﺃﻭ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﻣﻄﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﻜﺮﻭﻩ ﻭﺍﻟﺮﻛﺾ ﻭﺭﺍﺀﻩ . ﻭﻟﺬﻟﻚ ، ﻓﺎﻟﻜﺮﻩ ﻫﻮ ﺇﺭﻏﺎﻡ ﻭﻗﺴﺮ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ ﻻ ﻧﺠﺮﻱ ﻭﺭﺍﺀﻩ ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﻧﻬﺮﺏ ﻣﻨﻪ ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻧّﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺎﺕ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻴﺔ ﻫﻮ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﺄﺭ . ﻓﺎﻟﻨﺎﺱ ﻳﻜﺮﻫﻮﻥ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺸﻌﺮﻭﻥ ﺃﻥّ ﻫﻮﻳﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﺧﻄﺮ ﻣﻦ ﺁﺧﺮ ﻳﻬﺪّﺩ ﻭﺟﻮﺩﻫﻢ . ﺣﻴﻦ ﻳﻌﺠﺰ ﺍﻵﺧﺮ ، ﺃﻭ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻔﻬﻢ ﺃﺻﺎﻟﺔ ﻭﺟﻮﺩﻧﺎ ﺃﻭ " ﻛﺮﺍﻣﺔ " ﻛﻮﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ ، ﻭﻟﺴﻨﺎ ﺃﻧﺎﺳﺎ ﺁﺧﺮﻳﻦ ، ﺣﻴﻦ ﻻ ﻳﻌﺘﺮﻑ ﺑـــ " ﺇﻃﻼﻗﻴّﺔ ﻛﻞّ ﻓﺮﺩ " ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ ، ﻫﻮ ﻳﻜﺮﻫﻨﺎ . ﻗﺎﻝ ﻧﺎﻧﺴﻲ : " ﺇﻥّ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺗﻔﺘﺮﺽ ﺩﻻﻻﺕ ﻣﻐﻠﻘﺔ . ﺇﻥّ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﺘﺨﺜّﺮ ." ﺗﺘﺤﻮّﻝ ﻫﻮﻳّﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺩﻻﻟﺔ ﻣﻐﻠﻘﺔ ﺣﻴﻦ ﺗﺨﻔﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﻛﺮﺍﻣﺘﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ، ﺣﻴﻦ ﻻ ﺗﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻼﻗﺎﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ، ﻓﺘﺘﻜﻠّﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ . ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻧﺴﺪﺍﺩ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ، ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ . ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﺗﺸﻴّﺊ ﺃﻱ ﺗﺨﺮﺝ " ﺍﻟﺸﺨﺺ " ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﻧﺔ " ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ؛" ﺃﻱ ﺧﺎﻧﺔ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺘﺒﺎﺩﻝ ﻣﻌﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .
ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻤﻴّﺰ ﺗﺨﺜّﺮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻋﻦ ﺃﻳّﺔ ﺭﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻨﻒ . ﻣﻦ ﻳﻜﺮﻩ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﻜﺮﻭﻩ ﺃﻭ ﻣﻄﺎﺭﺩﺗﻪ . ﻓﺎﻟﻤﻜﺮﻭﻩ ﻟﻴﺲ ﻋﺪﻭّﺍ ﺩﺍﺋﻤﺎ . ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﺗﻘﺘﺮﺡ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﻣﻨﺎﺳﺐ ﻛﻲ ﺗﻀﻊ ﺣﺪّﺍ ﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ﻓﺎﺷﻠﺔ . ﻟﻜﻦّ ﺍﻟﻜﺮﻩ ﻳﺼﺒﻮ ﺇﻟﻰ ﺷﻲﺀ ﺁﺧﺮ . ﻫﻮ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺠﻤّﺪ ﺍﻟﻤﻜﺮﻭﻩ ﻓﻲ ﻫﻮﻳّﺔ ﻣﻐﻠﻘﺔ ، ﺃﻥ ﻳﺆﺑّﺪ ﺃﻟﻤﻪ ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻳﺪّﻋﻲ ﺍﻟﻜﺮﻩ ﺩﻭﻣﺎ ﺃﻧّﻪ ﻛﺮﻩٌ ﻟﻸﻋﺪﺍﺀ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻸﺻﺪﻗﺎﺀ ، ﺃﻱ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ﺑﻤﺎ ﻫﻢ ﻛﺬﻟﻚ . ﻟﻜﻦّ ﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ، ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻘﺮﺍﺑﺔ ﺃﻭ ﺍﻷﺧﻮّﺓ ، ﻫﻲ ﻻ ﺗﻤﻨﻊ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ . ﻛﺮﻩ ﺍﻷﺥ ﻫﻮ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ ﻋﺮﻳﻘﺔ ﻭﺫﺍﺕ ﺑﺮﺍﺀﺓ ﻣﺮﻋﺒﺔ ، ﺑﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺽ ﺑﺄﻥّ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﺗﺤﻤﻲ ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻫﻴﺘﻨﺎ ، ﻭﺗﻀﻌﻬﻢ ﻓﻘﻂ ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﺭﺩﻱﺀ ﺑﺎﻟﻤﺴﺎﻓﺔ . ﻻ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻛﻲ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ . ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺻﺮﻳﺢ ﻭﻣﺪﻣّﺮ ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻗﺎﺑﻞ ﺩﻭﻣﺎ ﻟﻠﺘﻔﺎﻭﺽ . ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥّ ﺍﻟﻜﺮﻩ ﻫﻮ ﺻﺎﻣﺖ ﻭﻣﺨﺮّﺏ ﻭﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻼﺳﺘﺒﺪﺍﻝ . ﺍﻟﻜﺮﻩ ﻻ ﻳﺪﻣّﺮ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻟﻜﻨّﻪ ﻳﺨﺮّﺏ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ . ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺩﻭﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﻛﻲ ﻳﺤﻘّﻖ ﺫﺍﺗﻪ ، ﻫﻨﺎﻙ ﺩﻭﻣﺎ ﻗﺘﻞ ﺗﺄﺳﻴﺴﻲ ﺣﺘﻰ ﻳﺪﺧﻞ ﺷﻌﺐ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﺑﻨﻔﺴﻪ ، ﻭﻋﻨﺪﺋﺬ ﻓﻘﻂ ﻳﻨﻔﺘﺢ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺃﻣﺎﻡ ﺗﻨﺼﻴﺐ ﺍﻟﺬﺑﻴﺤﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪّﺳﺔ ﻭﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩﺍﺕ . ﻣﻦ ﻳﻘﺘﻞ ﻳﺆﺳّﺲ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﻻ ﻳﺮﺍﻩ . ﻭﻻ ﺗﻔﻌﻞ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﺳﺘﺨﺮﺍﺝ ﻛﻞ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺠﺮّ ﻋﻦ ﻗﺘﻞ ﺃﻭ ﻋﻨﻒ ﺗﺄﺳﻴﺴﻲ . ﻭﺍﻟﻤﺆّﺳﺴﻮﻥ ﻫﻢ ﺩﻭﻣﺎ ﺑﻮﺟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﻗﺘﻠﺔ ﻣﻦ ﻧﻮﻉ ﻧﺒﻴﻞ . ﻳﻘﺘﻠﻮﻥ ﻣﻘﺘﻮﻻ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﺘﺤﻮّﻝ ﺇﻟﻰ ﺿﺤﻴّﺔ ﻣﻘﺪّﺳﺔ ﺃﻳﺔ ﻣﺆﺳّﺴﺔ . ﻭﻧﺤﻦ ﻧﻮﺟﺪ ﺩﻭﻣﺎ ﺩﺍﺧﻞ ﻗﺼّﺔ ﻣﺎ ، ﺗﻜﺮّﺱ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺴﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻧﻨﺘﺼﺮ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻛﻤﺎ ﺑﻴّﻦ ﺫﻟﻚ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺜﻴﺮ ﺭﻳﻨﻲ ﺟﻴﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ
ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻭﺍﻟﻤﻘﺪّﺱ . ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ، ﻓﻬﻲ ﺍﻧﻔﻌﺎﻝ ﺣﺰﻳﻦ ﻻ ﻳﺆﺳّﺲ ﺷﻴﺌﺎ . ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻛﺮﻩ ﻣﻘﺪّﺱ . ﺍﻟﻘﺘﻞ ﻟﻴﺲ ﻛﺮﻫﺎ . ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﺳﺘﻌﻤﻠﺖ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻋﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ، ﻟﻜﻦّ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻟﻜﺮﻩ ﻇﻠّﺖ ﺩﻭﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻧﻔﺎﻳﺎﺕ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ ﻳﺠﺐ ﺍﻟﺘﺨﻠّﺺ ﻣﻨﻬﺎ ﺧﺎﺭﺟﺎً .
ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﻧﻔﻬﻢ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﺇﺻﺮﺍﺭ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻫﻮﻳﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ؟ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﺍﻵﺧﺮ ﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ؟
ﻟﻨﻮﺿّﺢ ﺑﺎﺩﺉ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺄﻧّﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺒﻦ ﺃﻭ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺃﻥ ﻧﺘﺒﺮّﺃ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ . ﺇﺫﺍ ﻛﻨّﺎ ﻧﺴﻤّﻰ ، ﻣﺜﻼ ، " ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ ،" ﻓﻬﺬﺍ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥّ ﻛﻞّ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻫﻲ ﺟﺰﺀ ﺃﺻﻴﻞ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺨﻨﺎ ﺍﻟﺴﺮّﻱ ﺃﻭ ﺍﻟﺼﺎﻣﺖ ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻔﻜّﺮ ﻓﻴﻪ ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ ﺃﻥ ﻧﻨﺠﺢ ﻓﻲ ﺇﻟﻘﺎﺀ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﻠّﺔ ﻣﻬﻤﻼﺕ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ، ﻭﻛﺄﻧّﻨﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻮﺟﺪ " ﺧﺎﺭﺝ " ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ . ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﺘﺒﺮّﺃ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﺘﺒﺮّﺃ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﺃﻋﻀﺎﺋﻪ ﻭﻛﺄﻧّﻬﺎ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ ﺁﺧﺮ . ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﺄﻝ : ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻧﺘﺒﺮّﺃ ﻣﻦ ﺍﻧﻔﻌﺎﻻﺗﻨﺎ ﺍﻟﺴﻴّﺌﺔ ، ﻭﻛﺄﻧّﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﻧﺴﺒﺘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺷﺨﺺ ﺁﺧﺮ؟ ﺇﻥّ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮّ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻨﺎ ﻫﻲ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻷﺻﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺨﻴﺮ . ﺇﻥّ ﺧﻴﺒﺎﺗﻨﺎ ﺃﻭ ﺇﺧﻔﺎﻗﺎﺗﻨﺎ ﻫﻲ ﻣﻜﻮّﻧﺎﺕ ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ ﺃﺻﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻜﻮﻧﻪ ﺁﻣﺎﻟﻨﺎ ﻭﻧﺠﺎﺣﺎﺗﻨﺎ . ﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥّ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ، ﻛﻤﺎ ﻳﻮﺿّﺢ ﺫﻟﻚ ﻫﻴﺪﻏﺮ ، ﻫﻲ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺃﺻﻴﻠﺔ ﻭﻻ ﺗﻨﻀﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﺎﺭﺝ ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺹ . ﻟﻜﻦّ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻄﺮﺡ ﺗﺴﺎﺅﻻﺕ ﻣﺜﻴﺮﺓ . ﻧﺤﻦ ﺭﺑﻤﺎ ﻻ ﻧﻜﺮﻩ ﺃﻋﺪﺍﺀﻧﺎ ، ﻟﻜﻨّﻨﺎ ﻧﺴﺘﻌﻤﻞ ﻛﺮﺍﻫﻴﺘﻨﺎ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺆﺍﻝ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﻟﺪﻳﻨﺎ . ﻭﺇﻟﻰ ﺣﺪّ ﺍﻵﻥ ، ﻭﻣﻨﺬ ﻗﺮﻧﻴﻦ ، ﻧﺤﻦ ﻋﻄّﻠﻨﺎ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻭﻟﻢ ﻧﻌﺪ ﻧﻌﻮّﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﺴﻴﻦ ﻧﻮﻋﻨﺎ . ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻜﺮﻩ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻓﻘﻂ ، ﺑﻞ ﻗﺒﻞ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻧﺤﻦ ﻧﻜﺮﻩ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﻌﻴّﻨﺔ ﻣﻦ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ، ﺃﻭ ﺟﺰﺀﺍ ﻣﻌﻴّﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ " ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟ " ﺭﺍﻫﻨﺎ .
ﺇﻥّ ﺳﺤﺐ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﺣﻮّﻟﻬﺎ ﻓﺠﺄﺓ ﺇﻟﻰ ﺟﺴﻢ ﻏﺮﻳﺐ ﻋﻨّﺎ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻼﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺼﺤّﻲ . ﺻﺎﺭ ﻭﺟﻮﺩﻧﺎ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻋﻤﻠﻴّﺔ " ﺯﺭﻉ " ﻷﻋﻀﺎﺀ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ﺇﻟﻰ ﺣﺪّ ﺍﻵﻥ ﺇﻻّ ﺗﻘﻨﻴّﺎ ﻓﻘﻂ . ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻧﺤﻦ ﻧﺸﻬﺪ ﻣﻨﺬ ﺃﺟﻴﺎﻝ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﻧﻮﻋﺎ ﺻﺎﺭﻣﺎ ﻣﻦ ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻻ ﻧﺠﺪ ﻟﻪ ﻋﻼﺟﺎ ﻳُﺬﻛﺮ . ﻭﻻ ﻧﻐﺎﻟﻲ ﻓﻲ ﺷﻲﺀ ﺇﺫﺍ ﺗﺸﻜّﻜﻨﺎ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﻗﺪ ﺳﻬّﻞ ﻋﻤﻠﻴّﺔ " ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ " ﺩﺍﺧﻞ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ " ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ " ﻭﺍﻟﺘﺤﻮّﻝ ﺑﺸﻜﻞ ﺳﺮﻳﻊ ﺇﻟﻰ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﻛﻮﻟﻮﻧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻻ ﻣﺨﺮﺝ ﻣﻨﻬﺎ . ﻧﺤﻦ ﺳﺎﻋﺪﻧﺎ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﺭﻧﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻛﺮﻩ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻭﺍﻧﻘﻼﺑﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺘﺴﻮّﻟﻴﻦ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﻴﻦ ﻟﻠﻤﺴﺘﻘﺒﻞ .
ﺛﻤّﺔ ﻣﻔﺎﺭﻗﺔ ﺗﻨﺨﺮ ﻛﻞّ ﻧﻘﺎﺷﺎﺗﻨﺎ ﺣﻮﻝ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ : ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﻥّ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻟﻠﺴﻜﻦ ﺃﻭ ﻟﻼﺳﺘﻌﻤﺎﻝ " ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ،" ﻭﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻋﻨﻬﺎ ﻳﺆﺩّﻱ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﻗﻒ ﺳﻠﻔﻲّ ﻣﺴﺘﻐﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻭّﻧﺎﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻳﻀﻄﺮّ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻤﺘﺮﺱ ﻭﺭﺍﺀ ﺿﺮﻭﺏ ﺷﺘّﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺨﺜّﺮ ﺍﻟﻬﻮﻭﻱّ ﻣﺎ ﺃﻳﺴﺮ ﻣﺎ ﺗﻨﺰﻟﻖ ﻓﻲ ﻃﺮﻕ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ، ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﺍﻟﺪﻣﻮﻱ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪ ﻣﻨﺬ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﺘﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﺃﻭ ﺗﺮﺟﻤﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻓﻘﻂ . ﻭﻫﻮ ﺇﺭﻫﺎﺏ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﺳﻮﻑ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻄﻤﻮﺭﺍ ﺗﺤﺖ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺪ ﻃﻮﻳﻞ . ﻭﻣﻦ ﺟﻬﺔ ، ﺃﻧّﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴّﺎ ﻷﻱّ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺪ ﺑﻨﺎﺀ ﺫﺍﺗﻪ ﺑﻤﻌﺰﻝ ﻋﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻭﻻ ﺑﺎﻟﺘﻌﻮﻳﻞ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻨﻬﺎ . ﺇﻥّ " ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺚ " ﻭ " ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ " ﻭ " ﺍﻟﻌﻠﻤﻨﺔ ،" ﺇﻟﺦ ... ﻛﻠّﻬﺎ ﻋﻨﺎﻭﻳﻦ ﺇﺟﺮﺍﺋﻴّﺔ ﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ﺃﺑﺪﺍ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﻋﺪﺓ ﺫﺍﺗﻨﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﺮّﺭ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﺍﻷﻣﺪ ﻣﻨﺬ " ﻋﺼﺮ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ." ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥّ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟﻬﻮﻭﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﻴﺮﺍﺩ ﺍﻟﻬﻮﻭﻱ ﻷَﺣﻴﺎﺀِ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻻ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻨﺎ . ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﺘﻴﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﺮﺗﻴﻠﺘﻴﻦ ﺣﺰﻳﻨﺘﻴﻦ ﻟﻠﻜﺮﺍﻫﻴﺔ . ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻦ ﺣﻞّ ﻟﻤﻔﺎﺭﻗﺔ ﻫﻮﻭﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﺗﺒﺪﻳﻞ ﺍﻟﻤﺸﻜﻞ . ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺬﺍﺕ .
ﻳﻘﻮﻝ ﺳﺒﻴﻨﻮﺯﺍ : " ﺇﻥّ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺘﺒﺎﺩﻟﺔ؛ ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺇﻻّ ﺑﺎﻟﻤﺤﺒّﺔ ." ﻭﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺼّﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻻ ﻣﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﻢ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ، ﺃﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺻﻴﻐﺔ ﺳﻠﻔﻴﺔ ( ﻣﺤﺒّﺔ ﻫﻮﻭﻳﺔ ﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺭﻭﺣﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺨﺎﻃﺒﻨﺎ ) ﺃﻭ ﻓﻲ ﺻﻴﻐﺔ ﻣﻌﻠﻤﻨﺔ ( ﻣﺤﺒّﺔ ﻫﻮﻭﻳﺔ ﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﻻ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻨﺎ ) ، ﺇﻻّ ﺑﺎﺧﺘﺮﺍﻉ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﻣﺤﺒّﺔ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ : ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻌﻴﺪ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﺫﻭﺍﺗﻨﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ( ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﺟﺎﻫﻠﻲ ﻭﻗﺮﺁﻥ ﻭﺗﺎﺭﻳﺦ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﻤﻠّﺔ ﻭﻧﺤﻮٍ ﻭﺃﺩﺏ ﻋﻈﻴﻢ ﻭﻓﻘﻪ ﻋﻘﻠﻲّ ﻭﺗﺼﻮّﻑ ﺣﺮّ ﻭﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﺒﺪﻋﺔ ، ﺇﻟﺦ ... ) ﻭﺍﺳﺘﺪﻋﺎﺋﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺇﻟﻬﺎﻡ ﻭﻋﺸﻖ ﻟﻠﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﺤﺮّﺓ ، ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ، ﻭﻟﻴﺲ ﻣﺪﻭّﻧﺎﺕ ﻫﻮﻭﻳّﺔ ﻣﻐﻠﻘﺔ ﻭﺇﻗﺼﺎﺋﻴّﺔ ﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺣﺰﺍﻧﻰ ﺑﻼ ﺃﻳّﺔ ﻗﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﺍﻟﺒﻬﻴﺠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ .
ﻻ ﻳﺘﺼﺎﻟﺢ ﺷﻌﺐ ﻣﻊ ﺫﺍﺗﻪ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﺇﻻّ ﺇﺫﺍ ﻧﺠﺢ ﻣﺒﺪﻋﻮﻩ ﻓﻲ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﻧﻔﺴﻪ ، ﻭﺫﻟﻚ ﺇﻥ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﻮﺍ ﻛﻤﺎ ﻷﻭّﻝ ﻣﺮّﺓ . ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻓﻘﻂ ﻫﻮ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻦ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﻳﺸﺮﻉ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﺮﺍﻉ ﺫﺍﺗﻴّﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﺮﺡ ﻓﻈﻴﻊ . ﺃﻣّﺎ ﻛﻞّ ﻣﻦ ﻳﺘﻤﺘﺮﺱ ﻭﺭﺍﺀ ﺣﺠﺎﺏ ﻫﻮﻭﻱّ ، ﻓﻬﻮ ﻳﻌﺘﺎﺵ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﻖ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻬﺎ . ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻳﻀﺎ ﻛﻞّ ﻣﻦ ﻳﺪﻓﻊ ﺷﻌﺒﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﺍﻟﻘﺴﺮﻱ ﻋﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﺃﻱّ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺴﻜﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﻜﻨﻬﺎ ﻫﻮ ﻳﺠﺒﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﻮﻳﻞ ﺍﻟﻴﺎﺋﺲ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻛﻲ ﻳﺪﺍﻓﻊ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩﻩ . ﻻ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﺍﻟﺠﺎﻫﺰﺓ ﺇﻻّ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﺗﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺍﺧﺘﺮﺍﻉ ﺫﺍﺗﻴﺘﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ . ﺇﻥّ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻣﺎﺽ ﺃﺳﺎﺳﻲّ؛ ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴّﺔ ﻓﻬﻲ ﺩﻭﻣﺎ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ " ﻣﺸﺮﻭﻉ " ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻫﻲ ﺗُﻘﺎﺱ ﺑﻤﺪﻯ ﻗﺪﺭﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ . ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻫﻲ ﺩﻭﻣﺎ ﻫﻮﻳﺔ ﺣﺰﻳﻨﺔ ، ﺫﺍﻛﺮﺓُ ﺣﺪﺍﺩٍ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻄﻠﺐ . ﻭﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺪ ﻟﻬﺎ ﻗﺪﺭﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺒّﺔ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ؛ ﺃﻱ ﻗﺪﺭﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺬﻭّﺕ ﺍﻟﺤﺮّ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﺬﺍﻭﺕ ﺍﻟﺤﺮّ ﻣﻊ ﺁﺧﺮ ﻳﻌﺘﺮﻑ ﺑﻬﺎ . ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻧﻘﻠﻬﺎ . ﻭﻟﺬﻟﻚ ، ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺇﻻّ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ .
ﺗﻮﺟﺪ ﻋﺪﺍﻭﺓ ﺟﻴّﺪﺓ ، ﻭﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻛﺮﻩٌ ﺟﻴّﺪ . ﺍﻟﺬﻭﺍﺕ ﺍﻟﺤﺮﺓ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ، ﻣﺜﻼ ﻣﻌﺎﺩﺍﺓ ﺍﻟﺮﺩﺍﺀﺓ ﻓﻲ ﺃﻱّ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻣﻦ ﻛﻴﺎﻧﻨﺎ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ . ﻟﻜﻦّ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﺤﺰﻳﻨﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺇﻻّ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ . ﻻ ﻳﻜﺮﻩ ﺇﻻّ ﻗﻠﺐ ﺣﺰﻳﻦ ، ﺃﻱ ﻟﻢ ﻳﺘﺤﺮّﺭ ﻣﻦ ﺣﺪﺍﺩ ﺫﺍﻛﺮﺗﻪ . ﺍﻟﻌﺪﺍﻭﺓ ﻣﺸﻜﻞ ﺳﻴﺎﺳﻲ ، ﻟﻜﻦّ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻫﻮﻭﻳّﺔ . ﻭﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺷﺪ ﺳﻴﺎﺣﻲ ، ﻫﻢ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺷﺪ ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ : ﺩﻭﺭﻩ ﺃﻥ ﻳﺮﺳﻢ ﺧﻄّﺎ ﻓﺎﺻﻼ ﻭﺑﻴّﻨﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻫﻮﻭﻱّ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺫﺍﺗﻲ . ﻫﺬﺍ ﻓﺮﺍﻍ ﺃﺧﻼﻗﻲ ﻣﻸﻩ ﺍﻟﺪﻋﺎﺓ ﻭﺣﻮّﻟﻮﺍ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺴﻠﻴﻢ ﺇﻟﻰ ﺗﻬﻤﺔ .
ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻜﻮﻥ ﻫﻮﻳّﺔ ﻓﻲ ﻃﻮﺭ " ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ؛" ﻭﻟﺬﻟﻚ ، ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﻜﻲ ﺍﻟﻤﺤﺾ ، ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻱ ﺍﻟﻤﺤﺾ ، ﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺻﺤّﻴﺎ . ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﻜﻴﻚ ﺇﻻّ ﻣﺎ ﻫﻮ " ﺗﺮﺍﺙ " ﻋﻤﻴﻖ؛ ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺇﻟﻴﻪ ﻧﺤﻦ ﻟﻦ ﻧﻄﺎﻝ ﺇﻻّ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﻭﻫﻨﻪ ﺍﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ؛ ﺃﻱ ﺍﺩّﻋﺎﺀﺍﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺨﺎﻃﺒﻨﺎ . ﻛﺬﻟﻚ ، ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻣﻮﻗﻒ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥّ ﻭﻗﺘﻪ ﻗﺪ ﻓﺎﺗﻨﺎ . ﻻ ﻳﺴﺘﻨﻴﺮ ﺃﻱّ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺇﻻّ ﺑﻮﺳﺎﺋﻠﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ . ﻭﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺷﺮﻉ ﻓﻲ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﺧﺘﺮﺍﻉ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ . ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﻨﻴﺮ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻳﻜﺮﻩ ﻧﻔﺴﻪ . ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﺑﻬﺠﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﻻ ﺗﺴﺘﺴﻴﻐﻪ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﺤﺰﻳﻨﺔ؛ ﺃﻱ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻘﺪﺕ ﺷﻬﻮﺓ ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻘﺔ .
ﻛﻞّ ﺩﻳﻦ ﺣﺰﻳﻦ ﻫﻮ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻛﺮﺍﻫﻴﺔ ، ﻭﻫﻮ ﻳﺘﺤﻮّﻝ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻔﻘﺪ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻋﺪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻣﻨﺬ ﻭﻗﺖ ﻃﻮﻳﻞ . ﺍﻟﻮﻋﺪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺍﻵﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ . ﻭﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻵﻟﻬﺔ ﺃﻥ ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻓﻖ ﺃﻭ ﻫﻲ ﺳﻮﻑ ﺗﻨﻘﺮﺽ . ﻻ ﻳﺴﺘﻤﺮّ ﺃﻱّ ﺷﻌﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ ﺇﻻّ ﺑﻘﺪﺭ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻋﺪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ؛ ﺃﻱ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﻜﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ . ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﻫﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻣﺨﺪّﺍﺕ ﻣﺮﻳﺤﺔ ﻟﻠﻬﻮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺋﻔﺔ . ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺗﺘﺪﻳّﻦ ﺃﻭ ﻻ ﺗﺘﺪﻳّﻦ ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺻﻠﺔ ﺍﻟﺘﻌﻮﻳﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻭﻳﺔ ﻹﻧﻘﺎﺫ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺩﻭﻥ ﺍﺳﺘﺸﺎﺭﺗﻪ . ﻻ ﻳﻜﺮﻩ ﺷﻌﺐ ﺇﻻّ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻧﺪﺭّﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ . ﺛﻤّﺔ ﺃﺣﺰﺍﺏ ﻭﺗﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﻭﺣﺮﻛﺎﺕ ﺗﺪﺭّﺏ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ، ﻧﻌﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺇﺳﺎﺀﺓ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻐﻴﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﺫﺍﺗﻬﺎ . ﻭﻣﻦ ﻳﺒﻨﻲ ﺍﻟﻬﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻳﻘﺮّ ﻋﺮﺿﺎً ﺑﺄﻧّﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺁﺧﺮ ﻳﻜﺮﻫﻪ . ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ، ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﻱّ ﺷﻌﺐ ﺃﻥ ﻳﻐﻴّﺮ ﻣﺎ " ﺑﻨﻔﺴﻪ " ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺗﺮﺍﺙ " ﻧﻔﺲ " ﺃﺧﺮﻯ . ﺃﺟﻞ ، ﻣﻦ ﺣﻖّ ﺃﻱّ ﻓﺮﺩ ﺃﻥ ﻳﻐﻴّﺮ ﺭﺃﻳﻪ ﺃﻭ ﺟﻨﺴﻪ ﺃﻭ ﻣﻌﺘﻘﺪﻩ ﺃﻭ ﺩﻳﻨﻪ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﺇﻟﻬﻪ ، ﺇﻟﺦ ... ﻟﻜﻨّﻪ ﻟﻦ ﻳﻨﺠﺢ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﺩّﻋﺎﺀ ، ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﺳّﺲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻖّ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ . ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻻ ﺗﺆﺳﺲ ﺃﻱّ ﺣﻖ ﺃﺻﻴﻞ ﻷﻧﻔﺴﻨﺎ .
[ 1 ] - Cf. Jacob Rogozinski , Ils m’ont haï sans raison. De la chasse aux sorcières à la Terreur
(Éditions du Cerf, 2015 ) .
[ 2 ] - Cf. Michel Crouzet, La Vie de Henry Brulard ou L’enfance de la révolte (Paris: Libr. J. Corti, 1982), p. 28. «L’exaltation du principe haineux comme principe d’existence: je hais donc je suis »; André Glucksmann, Le discours de la haine (Paris: Plon, 2004); "Je hais, donc je suis: la construction sociale du conflit" IVe Rencontre européenne d’analyse des sociétés politiques. www.fasopo.org
[ 3 ] - ﻗﺎﺭﻥ : ﻓﺮﻳﺪﻳﺘﺶ ﻧﻴﺘﺸﻪ ، ﻓﻲ ﺟﻨﻴﺎﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻷﺧﻼﻕ . ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻓﺘﺤﻲ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻨﻲ ( ﺗﻮﻧﺲ : ﺩﺍﺭ ﺳﻴﻨﺎﺗﺮﺍ ، 2010 ) . ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ( I، 7، 8، 15، 16 ) ﻭﻋﻦ ﺍﻟﻀﻐﻴﻨﺔ ( I، 10-11 ﻥ ،14-13 ؛16 II، 11، 17 ؛ III، 11، 14-16 ) .
[ 4 ] - Cf. Jean-Luc Nancy, La haine, le sens coagulé (2013). http://www.coe.int/.../1433458/Jean-Luc+Nancy+LA+HAINE.pdf/, p. 1
[ 5 ] - Cf. Jean-Luc Nancy, La haine, le sens coagulé (2013).op. cit
Comments