top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

منقول: من مقالة الاكتئاب في الأدب *ميريام تسيه *ترجمة سوار ملا


الشخصياتُ المكتئبةُ في

الأدب الألماني المعاصر

ليستْ غريبةً هذه الشخصيات المنهكة العاجزة على الأدب المعاصر. ففي رواية تيريزا مورا "الوحش" الصادرة سنة 2013 يتفجع خبير الحواسيبِ داريوس كوب بزوجته السيّدة فلورا. هذه السيّدةُ المرهفةُ حاذقةُ الذكاءِ تقرّر بعد معاناة طويلةٍ مع اكتئاب حاد أن تنهي حياتَها. لم يتمكّن الزوج من فهم معاناةِ فلورا إلا بعد وفاتِها، إذ يعثرُ على دفتر يومياتها التي سعتْ أن تعبِّر فيه عن اكتئابها بالكلمات: "أحرِّكُ هذا الجسدَ. إنَّه بعيدٌ، وأنا في أغوار نفسي شديدةُ

الضآلةِ. إنني أسكنُ في مكان ما داخل رأسي. وحتى داخل رأسي أنا بالغة الضآلة. لقد تكثَّفتُ في مكان ضئيل، إنني بعيدةٌ عن القشريِّ، روحٌ ضئيلةٌ أراقبُ من بعيد. وبما أني أراقبُ فلن أغدو أكثر ذكاءً. إنني بالنسبة لي مجرّد شخص غريبٍ منعزل".

تصف فلورا اكتئابها بوصفه اغتراباً عن الذات. كما ينطوي مرضها على إحساس بالتقلُّصِ والتفاهة. تربطُ، فلورا، هذه الشخصية المثقّفةُ عميقةُ التفكيرِ مرضَها بالضغط الهائل الذي يمارسه المجتمع بلا توقف وكذا بصدمات لم تُعالَج في طفولتِها وشبابها الباكرِ. الاكتئاب في رواية مورا لا يتجلَّى بوصفه ظاهرة حياتيّة فحسب، إنما كظاهرة نصيّة أيضاً، فنرى كيف تتحوُّلُ الجملُ والكلمات المتناسقةُ الواردة في يومياتِها مع مرور الوقت إلى كومة حروف فارغةٍ من أي معنى، كيف أن صوتَها يزدادُ غموضاً، وألمَها يغدو عصيّاً على الوصف، هكذا، رويداً رويداً، إلى أن تفقدُ الشخصيةُ قدرتَها على التكلُّم بشكل كامل.

الاغتراب والاستحياء

رغم أن إحصائيات منظمة الصحة العالمية تُبرزُ نسبَ اكتئاب أعلى لدى الإناث، نجدُ في الأدب الألماني المعاصر الكثير من الشخصيّات المكتئبة من الذكور. إحدى هذه الشخصيات بطلُ رواية هانتس شترونك الأولى "اللحومُ خضرواتي" (2004). هذه الشخصية "الخياليذاتيّة"، أي التي تجمع الخيال مع السيرة الذاتية للكاتبِ، تُعفى بعد بضعة أسابيع من الخدمة العسكريّة. إنَّه "اكتئابٌ داخلي المنشأ"، يقولُ مشخّصو حالته، غير صالح للخدمة مدى الحياة. وكان هذا بالنسبة لهانتس الذي كان يعاني مسبقاً من حبِّ الشبابِ وانعدام الثقة بالنفس بداية سنوات عصية. في شقة والدته المصابةِ باكتئاب هوسي حلمَ هانتس بدراسة الموسيقى. وفي البدءِ خوّلته مهاراته ليصبح عازف ساكسوفون في فرقة للموسيقى الراقصة. غير أنَّه هنا أيضاً لا يتمكّن من إنكار مرضِه المجلب للعار:

"كآباتي أصبحت مع الوقت أكثر حدّةً وما عاد إخفاؤها حتى عن البعوضِ ممكناً. كحجرٍ على المنصة وقفتُ محدِّقاً في الفراغ. ومع مرور الوقت راح الناس يشتكون مني:

- ماذا يحدث مع عازف الساكسوفون الذي برفقتكم، أهو هكذا على الدوام؟

- إن قلبه مكسور من الحبّ.

- آها. طيّب، عليه العافية.

رفاقي تستَّروا علي".

مضادات الاكتئاب

تزيحُ المسؤولية

كما في العديد من قصص الاكتئاب يلعبُ العلاجُ الدوائيُّ أيضاً عند هانتس شترونك دوراً بارزاً. تزامناً مع سنين شبابه الكئيبة في حيٍّ هاربورغ في مدينة هامبورغ بدأ التسويقُ العالمي الهائلُ لمنتج "بروزاك" المضادّ للاكتئاب، فحلمَ هانتس بدوره بهذا السلاح الأعجوبة ضدَّ الحزن. ومع بروز إمكانية التعالج بالعقاقير الكيميائية أزيحت المسؤولية نسبياً عن كاهل الشخص المريض، فلم يعد مسؤولاً مباشراً عن كآبته، لكنه في الوقت ذاته صار مطالباً من محيطه الاجتماعيّ بالسيطرةِ على أعراضِها بواسطة هذه العقاقير.

وفي حين أن التاريخ الثقافي للميلانكولية خضعَ لدراساتٍ أدبية مسهبةٍ، فإن هذه الدراسات البحثيةُ بدأت منذ عهدٍ قريبٍ بتناول موضوعة الاكتئاب. في أواخر العام الفائت جرت فعاليات المؤتمر الأول لـ"جماليات الاكتئاب". بينما ترعى جامعة Ruhr في مدينة بوخوم الألمانية مشروعاً لبحث تمظهرات الكآبة في النثر الفرنسي منذ مطلع الألفية. وقد كُتبَ حتى الآن عددٌ من أطروحات الدكتوراه التي تتناول الاكتئاب من الناحية الأدبية- الاجتماعيّة والأدبيّة الصرفةِ.

المقال الأصلي منشور في موقع إذاعة ألمانيا "Deutschlandfunk".

* عن (العربي الجديد)

14 views0 comments

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page