top of page
Search

منقول عن مجلة العربي: العالم الذي يخدعنا: جان بودريا ووهم الصدق- أحمد أبوزيد

Writer: asmourajaat2016asmourajaat2016


خرجت فرنسا من الحرب العالمية الثانية وهي في وضع اقتصادي سيئ بعد هزيمتها العسكرية عام .1940 وقد انعكس ذلك الوضع السيئ على مكانتها الثقافية بحيث لم تعد باريس تعتبر هي العاصمة الثقافية للعالم كما كان عليه الحال من قبل. وفقد كثير من مفكري فرنسا إدراكهم للدور الحقيقي الذي يمكن أن يقوموا به للتأثير في الرأي العام العالمي. ومع أنه ظهر خلال الخمسينيات والستينيات عدد كبير نسبيا من الكتاب والمفكرين فإنهم كانوا في طبيعتهم وفي مجالات اهتمامهم أقرب إلى العمل الأكاديمي والبحث العلمي منهم إلى الفكر الحر الطليق الذي يتعرض بالتحليل لكل شئون الحياة وأحداث العالم كما يعنى بمصير الإنسان، وساعد على ذلك التقدم التكنولوجي الهائل الذي تمخضت عنه الحرب العالمية الثانية وما ارتبط بذلك من إدراك لأهمية دور رجال العلم ورجال العمل بعد أن تبدى واضحا عجز رجال الفكر عن التأثير في مجريات الأمور. وأحس الشباب بوجه خاص بالضياع بعد أن تراجع من الساحة المفكرون الفاعلون الذين يمكن الاسترشاد بفلسفاتهم وآرائهم وذلك بعد أن انحسرت الوجودية التي كانت تنادي بأهمية الحرية في مجال الاختيار الشخصي، مثلما تراجعت الفنومنولوجيا التي كانت ترى إمكان الوصول إلى الفهم الخالص المحايد للعالم من خلال الإدراك الفردي. بينما وقعت الماركسية أسيرة في أيدي الماركسيين العقائديين الذين كانوا يقصرون معظم نشاطهم على التنظير للحزب الشيوعي الفرنسي مما أثار الكثير من الشك والحذر. وقد اكتشف الكثيرون كيف أن الوجودية أدت بهم من الناحية الأخلاقية إلى طريق مسدود نتيجة لدعواها أن الإنسان هو الذي يصنع نفسه بأفعاله التي تصدر عنه بمحض حريته واختياره وأنه هو الذي يتحمل مسئولية تلك الأفعال دون أن يكون هناك معيار أخلاقي موضوعي ثابت للسلوك.

ولقد خيم على المناخ الثقافي في فرنسا في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات جو من الحيرة والبلبلة بل والفراغ الفكري بعد أن تبدى الوجه الحقيقي للماركسية نتيجة للتقرير الذي قدمه خروشوف للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي والذي فضح فيه جرائم الستالينية، ثم مؤازرة الحزب الشيوعي الفرنسي للعسكريين في حرب الجزائر ومساندته للاعتداء الثلاثي على مصر.

وقد أدى هذا كله إلى اندلاع اضطرابات عام 1968 التي ترجمت حيرة الشباب إزاء عدم وجود نظرية فكرية صلبة يستندون إليها في نشاطهم السياسي ورغبتهم في فهم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في فرنسا والعالم، كما عبرت من خلال التظاهرات وأعمال الشغب عن تمردهم على كل أشكال السلطة، بما في ذلك سلطة الآباء وسلطة الأساتذة وأسلوب التدريس ونوع المادة العلمية التي تقدم في الجامعات، كما كشفت عن رغبتهم في الاهتمام بالفلسفات والمذاهب الفكرية الثورية وضرورة العمل على التخلص من (الوهم) في السياسة، وانتشرت بينهم بالتالي فكرة أن العودة إلى التاريخ تمثل (أكذوبة) ضخمة وأن التفسير التاريخي ليس سوى أسلوب واحد ضمن أساليب وإمكانات عديدة للتأويل. وترتب على هذه الأحداث ظهور اتجاهات وحركات نظرية جديدة مثل البنائية وما بعدها، والحداثة وما بعدها، كما بدأت تطفو على السطح اهتمامات بأعمال وكتابات معينة بالذات تمثلت في إعادة النظر في أعمال فرويد ونظريته في الجنس وإعادة قراءة ماركس والاهتمام بدراسة ظواهر الحياة اليومية التي لم تكن تحظى بعناية المفكرين من الأجيال السابقة الذين كانوا يترفعون عن دراستها لأنها تخرج عن نطاق الثقافة الرفيعة

 
 
 

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating

Join our mailing list

Never miss an update

© 2023 by Glorify. Proudly created with Wix.com

bottom of page