عندما نعود إلى أغلب قاعات مؤسساتنا التعليمية العمومية، نصاب بالصدمة ونحن نتأمل خربشات التلاميذ على جدرانها، كتابات تترجم بنية تفكير أجيال الغد وبناة المستقبل.. كتابات يمكن تصورها بمثابة الوجه الآخر الذي وصلت إليه المدرسة المغربية.. بل يمكن عدُّها فضاءً بديلا لواقع ثقافي وصل إلى الحضيض، ومكانا تُفتح فيه شهية التعبير، لكن عن أي تعبير نتحدث، وعن أية ثقافة نشير؟
ربما لا نعير للأمر كبير اهتمام ونحن نقرأ ما يكتب على جدران المدرسة، لكن لنَقُل بكل صراحة أنه يكفي الاشتغال على انتاجات المتعلمين في هذا الشأن كي نُكَوِّنَ صورة عامة على جيل يراهن عليه البلد مثلما راهن على أجيال أخرى، فهل يعني أنهم لم يجدوا الفضاء الذي يحتويهم ويحتمل التعبير لديهم إلا الجدران، أم أنهم يترجمون تهميشهم من طرف القائمين على تدبير شؤونهم العامة؟ للإجابة على هذا السؤال، لا بد من أن نعرج عند الكتابة في شكلها الإبداعي الرسمي، كتابة لها قواعدها وجهدها الكبيرين، كتابة يتم إخراجها إلى العلن بعد عناء طويل، وهي في نهاية المطاف، كتابة إما تتحدث لغة الهامش، ولنا في ذلك أعلام كبار من قبيل محمد خير الدين ومحمد زفزاف ومحمد شكري وعبد الله راجع.. أو أنها تسعى إلى بناء واقع في الواقع على غرار كتابات محمد برادة ومحمد الأشعري..
الحال أن هذه الكتابة تشبه إلى حد كبير الكتابة على جدران المؤسسات التعليمية، وتختلف عنها تمام الاختلاف حيث لا تصح المقارنة ولا حتى التفكير فيها.. يحضر الشبه بينهما في البحث عن الطريقة المثلى التي توجب التعبير بها، ويختلفان إلى درجة مطلقة في الكيفية التي يتم بها فعل التعبير، علما أن التعبير ليس إراديا من فعل الانسان، بقدر ما أن هذا الأخير مجرد لسان يعبر به الواقع عن نفسه، ويتحدث عن طريقه المجتمع.. الكتابة على جدران القاعات المدرسية ترجمة لفراغ كبير ومهول، والكتابة الإبداعية هروب من الضجر والملل الذي يجثم على المبدع انطلاقا من وطأة الواقع المتناقض المنفصم، بل ومحاولة انفلات من جبروته أحيانا.
لا تخرج الكتابات الحائطية في المدرسة، والتي عوضت المجلات الحائطية والورقية إبان الزمن الضائع، لا تخرج عن إطار السب والقذف والتجريح ، أو استعراض عضلات اختيار آخر ما جادت به قاموس الشارع من عبارات نابية، أو رسومات لا تشذ عما هو جنساني في أغلب الأحيان.. فمن نلوم ونحن نشاهد أثر انفتاح المدرسة على محيطها؟
هل سنلوم الأسرة التي لم تفلح في تربية أبنائها، أم سنوجه مدافعنا النقدية إلى البرامج المدرسية التي تكاد تغيب فيها التربية على الذوق والإبداع؟ هل سنلقي بكامل عتابنا على هؤلاء التلاميذ الذين يميزون بين جدران بيوتهم وجدران المؤسسات التي يتلقون فيها المعرفة، أم أننا سنقول إن للفراغ الثقافي دورا كبيرا في تكوين جيل استلب من طرف الواقع الافتراضي الذي امتصه امتصاصا من الصعب الانفلات منه؟
كثيرة هي المشاكل التي تعاني منها المدرسة، وكثيرة هي البرامج التشخيصية لداء لازلنا لم نعثر له على دواء. كثيرة هي المتابعات التي يوليها الجسم الصحفي للسؤال التعليمي. لكن قليلة هي التفاتة الوزارة الوصية، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين للشأن التربوي في بلدنا، ربما آن الأوان لوضع الأصبع على هذا الأمر، وذلك بالتشجيع على البرامج التعليمية الهادفة التي تبني المواطن الفاعل المبدع، إضافة إلى إعطاء نفس مهم للحياة المدرسية والأنشطة الموازية التي تعلي من المجال الثقافي.. ما عدا ذلك، سيكون من الأفضل إذن أن ننغمس في الكتابات الحائطية حيث ثقافة الشارع تخترق وتحتل وتغزي ثقافة المدرسة.
Comentarios