ضمائر للنور ضمائر للعتمة
خواطر حول الكتاب الشعري – ضمائر الطوفان –
للشاعرة سلوى الرابحي " سلرى "
الصادر عن ميارة للنشر والتوزيع بتاريخ 2018
جاء هذا الكتاب الشعري على شاكلة المسرحية. حيث تضمن ثلاثة قصائد طويلة توزعت على ثلالثة فصول \ ألواح. ولكل لوح استهلال على شاكلة الاشارة الركحية. والسياق الشعري جاء مشهديا . حكاية. أصوات. فعل درامي ( مأساة )
الاهداء :
من كائن يدعي خيالا كان يقطنني. أنا البيت الصغيرُ إلى ارتعاشي والنفس. وإلى الفراش يطير نحو الضوء كي لا يصبح المعنى رمادا. الخيال مراكبُ المعنى إلى الطيران حلّق أيها المعنى بنا.
تصدير :
" واصنع الفلكَ بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في اللذين ظلموا إنهم مغرقون – هود 37 "
" اصنع لنفسكَ فلكا من خشب جفر. تجعلُ الفلكَ مساكنَ – تك 6: 14 "
" يا سور القصب اسمع. يا حائط افهم. لا رجل شرَوباك. يا ابن أوبار- توتو. اهدم البيت. ابن فلكا – ملحمة قلقامش اللوح 11 "
يستهل الأستاذ الشاعر منصف الوهايبي تقديمه لهذا الكتاب الشعري بقوله :
" جمّع هذا الكتاب الشعري وكأنّه صياغة اخرى للطوفان أو لبداية الخليقة .. "
ويقول الأستاذ الناقد محمد صالح بن عمر في نهاية تقديمه لهذا الكتاب الشعري :
" .. كلّ هذا يبيّن أن الشعر عند سلوى الرابحي سور في مرحلتها الأولى أو في هذه المرحلة الجديدة أبعد من أن يكون هواية أو ترفا وإنها هو معاناة حقيقية قوامها النزوع إلى الانعتاق المطلق والتجديد الخالص. "
وفي محاولة مني لتقصي معاني – هذه اللوحا ت الشعرية... الكتاب الشعري - ضمائر الطوفان – والدنو ما أمكن من مقصدية الشاعرة – سلرى – بدأ بالعنوان.. ربما ما تعنيه الشاعرة بهذه الأسماء \ الضمائر.. الحاضر منها والغائبُ – هو - هي – هم - هو البناء وليس الهدم وإن فاجأتنا صور الهدم متشظية في هذه الرحلة - الراسمة للأرض والسماء والنفس - وَالمقصود بها رجرجة هذا الواقع وتشخيصه ثم تنبيهه أنه يوجد الأنسان القادر على الفعل بما أنه على علم بفصوص الفعل..
نحن في حضرة واقع حقيقي متحرّك وخيال جموح لا يهدأ. وبين هذا وذاك لا بدّ من قارئ ينتشي لمشاركته للشاعرة في هذا المدّ الساحر إن كان في أعماق السماء والرّمال أو أعماق المياه. أن تسيطر الذات على مفاصل رحلة البحث في التاريخ أن تكون هذه الذات طوفانا تتسع ضفافه للأمل ويقصّر دون العدم. الشاعرة وهي بين الماضي والحاضر والآتي. بين شرطي العلو والإنحدار. في طرح مأساتها دون تكلّف. ترى نفسها مسؤولة أمام الأجيال كشاعرة حيث عبّرت بالجمال على الجمال ولم تبرقع السيّئ أو " تمكيجه \ تهندمه " تحت أي صدى إديولوجي.. أشعار سلرى – لوحات فنية غنية الرمز \ المعنى. لوحات في شكل مشاهد مسرحية لا تعوزها الاشارة الركحية. إنها صورة ناضجة في التجريب.
اللوح الأوّل
الأعالي – الصعود إلى الألم
" حينما في العلى لم تسمّ َ السماء باسم بعد.
حينما في الدُّنى لم تسمّ َ الأرض باسم بعد "
( أينوما إيليش.. التكوين البتابلي )
*يقول أدونيس : أقسم بعضهم أمامي أنه يقدر أن يسمي السماء باسم آخر ..
لنرى بداية القصيد \ الكتاب الشعري ص 15
هم : حينما هي الماء لم تَكنِ الظلالُ
وحينما هي الظلّ لم تتوزع الأسماءُ
كانت في العلى غيبا
ضمائر للظلال
وكانت الطوفان
في جدب الدّنى.
في هذه الأجواء النورانية. صخب الحياة قلق معلن. ولولة سياط الظلم والظلمات. رفرفة الرّوح في اعتمالات المخاض والدهشة والسؤال عن حضور العقل. يكون للأسود سطوة والرمادي يتململ بين اليسير والعسير من الواقع القارع للكون دون هوادة مزيحا اللون الأبيض وَمناديا بطهارة لا نعرفها. في هذا الصخب العنيف. نسألُ هل تجوز الابتسامة كي تنمو نخلة. زهرة. صَدَفة ً. لؤلؤة أكتب بها اسمي على جيد الحبيبة في علاها المنير. فلماذا العتمة. لماذا النور. لمذا الخير ولماذا الشرّ. اسألة وجودية تتراوح بين الذاتي والموضوعي. بين الواقع والمتخيل. الرؤيا حرير والعجاج آتٍ يجرّ جبروت الجحود.
تقول الشاعرة ص 18:
هي: ( تقطف الكلمات من شجر الرؤى.
ثمرا لذيذا من عيون حالمة )
- انظر إلى الكلمات كيف أ َكونَهَا
هي من ترش القلب بالماء الخصيب
على ترابي.
كي أصيرة عجينة بيد الخيال
سأكتفي بكثافة المعنى بأرض الحلم
كن يا أيها المعنى عميقا مثل جرحي. ثمّ..
لا تنظر
إلى موتي هنا "
في اللوح الثاني
الأسماء
في أحشاء الموت. كتبتُ اسمي.
وفي أنياب الموج
وما عادت اغريني الأسماء ( سلوى الرابحي. سلرى سيرة الألواح المنسية )
تقول ( ص 37:
هي : حينما في الماء
كانو يمزجون مياههم
كي ينجبو الأسماءَ
في النهر العميق العذب
هم عشبٌ بماء القلب
ها قد أينعو
صارو شجرة خلقنا
ذكرا وأنثى في ثمار النهر
كن يا أيها الانسان في النهر العميق العذب. كن.
( تقول في ص 40
- هو : أخبرهم يا حائط. عنها.
أخبرهم يا سقفُ
ويا كوخا من قصب الأضلع
كانت هي. كانت هي. من جمر كانت. من ماء كانت
في أضلع روحي
تتمحور ( الأحداث ) في هذا النص الشعري في معجم الطبيعة . وهي النبتة الاولى التي نرتديها متى شائت وتعرينا متى شائت. كون بحاله يجرّدنا من حجر المدينة حين نلمسها بحنين الضعفاء للحرية فتمنحنا اسما من ماء نخط به خلودنا وان محته الحضارة تعيد كتابته المطر..
اللوح الثالث والأخير
الإثم
أنا البغي. وأنا القديسة\ أنا الزوجة وأنا العذراء\ ا،ا الأم وأنا الإبنة \ أنا العاقر وكثر هم أبنائي \ أنا هي عرس كبير ولم أتخذ بعلا \ أنا القابلة ولم أنجب أحدا\ أنا سلوى أتعاب حملي \ أنا العروس وأنا العريس\ وزوجي من أنجبني \ أنا أم أبي. وأختُ زوجي \ هو نسلي..
( فراس السواح. لغز عشتار : الألوهة المؤنثة وأصل
الدين والأسطورة )
لاشيئ يشبهني تماما
لا الصعود ولا السقوط
أنا منيّ ُ الأرض
والماء الزلال
وكنتُ دمعا في عيون الغيم تسكبني بكأس من شجن...
هكذا لمسنا - من بعيد – هذه الأسطورة. كنا تهيبناها خاصة للنفس الفلسفي في ثناياها. هذه المعاناة الصادقة. هذا الفرح النائم على شفاه الوجع. ريح هذه الألواح الثلاثة تدنو في غضب من خصلات ( المدّعيات ) الراقصات على وهم المعنى – متخمرات – بزفيف جهلهن حدّ الثمالة.
الخلق \ التكوين \ الولادة تيمات ليس من السهل التعامل معها. ولكن شاعرتنا تعي جيدا خطورة اختيارها للأسطورة ومحاولة أسطرة نصها.
" سلرى " شاعرة تعي جيّدا وقع الشعر والإيقاع في نفس السامع \ المتلقي مهما تعالت الأذواق وقنعت بمدارها. الشعر الجيّد لا مساوة فيه. كما لا يمكن للجاهل أن يدنو من أسوار الشعر. فما بالك من بحوره .. لذا فشاعرتنا تجيد اللعب باللغة. خزّافة يمتد ظلّها إلى اللاحدود في الزمان والمكان. لقد وفّرت الصورة الشعرية ببراعة. كما لم تنسى أن تجعلك مشاركا في قصيدها حاملا لواء الحرية انتصارا لذاتك المتحضرة.
بقلم أحمد بن إبراهيم سوسة 16 \ 2 \ 2021
Comentarios