ليس "قرار" التفكير بالقرار المزاجي، وأنى له إن يكون حيلة لحظة تزعم إن تكون أمرا "آخر" يختلف عما سبقه، فحدوثه بهذا الشكل يجعل حدثيته مجرد "حادث"، سواء أكان ذلك بدلالة عرض لا يتسنى له إن "يزلزل الأرض زلزالها"، او اصطدام لن تكون آثاره الا متحركة ضمن حيز الضرر، قل ذلك او كثر إلى حد الموت. انه أذا يتأبى دوما عن ابتلاعه فيما سبق، ولذلك فان زمانيته لا يمكن إن تتحيز او إن تستخلص من ديمومة رتيبة تنظم الاشياء في الأمكنة وتاسرها دون جنوحها المتدفق الخلاق المتشوف إلى زمانية ابدية، حتى ولو كانت ابدية تتعين في لحظة لا يستوعبها "ماض" قد وقع، او "مستقبل " يكون الحاضر الذي لم يقع بعد. انه قرار الواقعة في رهبة توقعه، في ضخامة وقوعه، وفي الزلزال التام المحدث له. هذه ربما منطقة الالوهية، ولكن لان ديدن الانسان هو التشبه بالذات الالاهية على قدر المستطاع –بعبارة فلاسفة الإسلام-، فان لحظة القرار تنشد بهذا إلى غير ما تنشد اليه الوقائع حيث تكون "المرء"( der Man) في "الحياة اليومية "(Alltaglichkeit )، ولذلك ترسم من البداية غربة عن دنياهم، حيث يكون المفكر حيا "في عصرهم" إي بين ظهرانيهم، ولكن لا يسعه –بما هو كذلك، في غربته تلك – إن يكون معاصرا لهم. انها غربة اصيلة مضطلعة بغربتها، تأبى الانخراط في الانحطاط بما هو اغتراب واستلاب وتشيئة وسلعنة، وإنما ينشد وجوده كوجود اكستاطيقي اصيل إلى الحدثان الطافح الذي لا يخلد إلى الارض، بل يتعالى عليها إلى حد الغبطة والاتاركسيا وهو في "جحيم" الغربة تلك. لا زال صاحبنا -بهذا - يقترب من لحظة هي تعين الجحيم في الزمان الدنيوي وهو الجنون، حيث يبرر كل شيء من اجل تفاديه. ضمن "الحدود" المتحركة بين الطمانينة والقلق، بين البداهة والحيرة، بين الانشغال بما في اليد والإنشغال الأصيل، يتحرك اذا حيث يسعه مكان الآخرين، ولكنه مع ذلك صار مشرفا على هاوية الجنون، حيث قد يعدم امكانية الحديث عن نفسه حتى، بله السخرية والامتعاض الذين يقابل بهما من "العامة والداصة". ذلك هو المقام الذي لا يحوزه مكان –جغرافي او رمزي-، وإنما هو الروح الذي يجمع نفسه ويحرق بلهيبه عوامل انحطاطه وتشيئته وتسطيحه، وحركته في "الحدود" انما هي مقتضى تعين سالب يتابى عن كل حد او تحديد. انه مع ذلك يبقى "الفاعل الاجتماعي" الذي، وان كان يتدرب دائما على الموت - او لعله ذلك الذي يموت ميتات عدة- ، فهو "كائن-مع" الخرين، يتقصد بوجهه وجههم ووجع مشكلاتهم، ولن يكون مقامه ذلك اعلانا عن دروشة او زهد يعرض بهما عن "التفكير-مع"، وإنما مقتضى منزلته هو راهنية القول الذي ينازع انشداه إلى التافه او المغنم القريب او المصلحة السهلة. انه "الولي" و القديس الذي يكون لا يكون ملتحفا بتقديس مسبق مزيف، وإنما قداسته هي تلك ينحتها في هذا العالم تشوفا إلى ما بعده، ويكون مروره العابر –بحساب الوقت- بهذا حضورا دائما، ولكن في عصر غير عصره في اغلب الاحيان. يكون قرار التفكير إذا –في ماهيته ننسها- اما تخليا عن مطلب اصيل لدى بني البشر (السعادة)، او تكون هذا بالضرورة المقام المؤجل دائما، حيث لا يطابق حضوره مطمحه. انه الفرار اللامتناهي، ولكن نحو تقصد للامر نفسه في تعينه الحسي-المكاني-التاريخي، وان كان ذلك بالضرورة من كوّة تنفك دائما عن اسر السلطة والمغنم والمنفعة. انه كائن استثنائي، ولذلك يكون وحده فقط جديرا بمنزلة وريث الانبياء الاصيل، حيث لا يمكن إن يكون وريثهم رجل دين يتغذى على موائد الاستعمار والاستبداد، او مقام "الكائن-دون-مشكل" يبدو له الكينونة شفافة دون ارق السؤال. من يرضى لنفسه اذا هذا المقام؟ اليس هو القرار الحاسم، المنقلب الحقيقي الذي نتقدم اليه او نمسك، نعلن ذلك او نخفيه، ولكنه حتما هو لحظة التجلي-نحو-الموت، او الموت دون دون إي بقايا ( sans reste aucune). مرة أخرى، لنصاحب هايدغر في مناجاته لأحدهم ربما يكون من القلائل الذي اتخذ القرار (نيتشه).
في الفلسفة سيكون الأمر مختلفا عما هو في "العلم". إننا لا نفهم لفظ "فلسفة" الا بما يشير إليه من خلق للمفكرين الكبار. هذا الخلق، في طريقة الاتصال، يمتلك ايضا ازمنته الخاصة، قوانينه الخاصة. إن هاجس النشر والخوف من البقاء متأخرة تبقى غائبة فيها، لعلة انه يعود بعدُ إلى ماهية الفلاسفة الأصيلين أن يكونوا ضرورة مجهولين من قبل معاصريهم. أكثر من ذلك، فانه يكون على الفيلسوف، في علاقته بعين ذاته، إن يكف عن إن يكون معاصرا لنفسه. وعلى قدر ما يكون تصور فلسفي ما اكثر أساسية، أكثر إرباكا، ، تكون مهمة تربية هؤلاء الرجال وهذه الأجيال التي سيكون عليها الاضطلاع بها أكثر إلحاحا
هايدغر، نيتشة، 1، 213
Kommentare