top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

منقول اليكم من الدكتور لطفي زكري

عن كتاب الدكتور محمد الناصر العجيمي "المشهد الآخر في كتابة الذات في"رامة والتنين" لإدوار الخراط"، أكتب لكم.. ------------------------------- لطفي زكري


يعدّ كتاب الدكتور محمّد النّاصر العجيمي وعنوانه "المشهد الآخر في كتابة الذّات في "رامة والتنين" لإدوار الخرّاط" الصادر عن مكتبة علاء الدين سنة 2009 وهو جزء أول اختار له عنوانا فرعيا هو المشهد الحواريّ، كتابا نموذجيّا من حيث تخصّصه في معالجة الحوار الأدبيّ. وإذا كان لعمل عربيّ أن يصدق عليه الحكم بأنّه من أعمق الأعمال التي تناولت قضايا الحوار في الرّواية تنظيرا وممارسة فإنّ كتاب العجيمي ليبدو من أجدر الأعمال العربيّة بذلك. فقد سعى صاحبه إلى تدبّر أهمّ النّظريّات المنشغلة بتحليل الحوار الأدبيّ، عائدا إلى خلفيّاتها الفلسفيّة والنّظريّة، موغلا في دقائقها وشعابها، متبسّطا في تعقيداتها ومقارنا بين المتقارب منها. وقد جعل في القسم النّظريّ الأوّل الذي وزّعه على تسع عشرة ومائة صفحة يتتبّع وضع الحوار في الموروث القديم وخصائص جماليّاته في الكتابة الرّوائيّة الجديدة، ويحيط بأهمّ روافد درس الحوار في مدارس البحث الحديثة دون أن يغفل عن مساءلة شرعيّة التعامل مع بعض مناويل التحليل في دراسة الحوار الأدبيّ وخاصّة المنوال اللّسانيّ. وقد استقى العجيمي مادّته الغزيرة من بطون أمّهات المراجع المتّصلة بمبحث الحوار من قريب أو من بعيد، سواء أكانت تقليديّة أم حديثة فسافر بنا عبرها إلى أوساع فكر المنظّرين للحوار وحطّ عند أجهزتهم المصطلحيّة الدّقيقة فعدّدها وذلّل ما تعقّد منها حتّى استحالت المصطلحات الواردة في تضاعيف مؤلّفه ترسانة اصطلاحيّة قلّما اجتمعت في عمل باحث مهتمّ بشأن الحوار. ولو قدّر لها أن تجتمع في كتاب مستقلّ لمثّلت معجما متخصّصا في الحوار أو على الأقلّ في مصطلحاته. ولم يكتف الكاتب بالقسم النّظريّ. بل أوسعه وضوحا من خلال مقاربة إجرائيّة وزّعها على قسمين في ثمانين ومائتي صفحة تكلّف فيهما مساءلة قدرة هذه المناويل النّظريّة على الإحاطة بدقائق الحوار في رواية "رامة والتنّين" لا سيّما أنّ الكتابة الرّوائيّة فيها تتّسم بـ"التعقيد والتركيب والترقيع". وقد وعد العجيمي قراءه بتأليف جزء ثان من الكتاب يقدم فيه ما استجدّ في عالم الحوار من دراسات عميقة ليعمل على مساءلة قيمتها والوقوف على فائدتها في النّصوص السّرديّة العربيّة. وبالفعل، أصدر العجيمي سنة 2016 الجزء الثاني من كتاب " المشهد الآخر في كتابة الذات" وخصصه للمشهد السرديّ "مشهد الذات وهي تروي حياتها" من خلال كتاب " بوصلة سيدي النا...للهكواتي" لسالم اللبان. وقد اختار العجيمي التوجه النفسانيّ لتحليل المدونة. ويمكن أن نجمل خصائص الكتابة عن الحوار لدى العجيمي في ثلاث نقاط أساسيّة: أولاها أنّه لم يكتف بدراسة الحوار الذي ينقل بطريقة مباشرة بل تعدّاه إلى ذلك الذي ينقل بأسلوب غير مباشر وغير مباشر حرّ ومرويّ ثمّ جاوزها جميعا إلى دراسة المونولوغ وأضربه. وقد أتاح هذا التعدّد للكاتب تحقيق أمرين مهمّين: يتمثّل أوّلهما في تتبّع أساليب كتابة الذّات في رواية رامة والتنين تتبّعا دقيقا شاملا. ويمثّل هذا الأمر المشروع الرّئيس في الكتاب والمسوّغ لتناول كلّ هذه الأساليب في نقل خطاب الشّخصيّات. أمّا الثّاني منهما فيختصّ بتناول مسائل دقيقة وشعاب ضيّقة بالدّرس توسيعا للتحليل وتعميقا له على غرار مسألة "إعادة الصياغة"، وهي مسألة لم تأخذ بعد حظّها الملائم من الدّرس في البحوث الغربيّة . والذي يحسب للكاتب في هذا السّياق أنّه استطاع أن يوائم في دراسته بين مختلف أساليب نقل كلام الشّخصيّات على الرّغم من تنويع مداخل الخوض في تفاصيلها. فإذا هي تتكامل مع بعضها بعضا لتحيل على الدّلالة التي قصد إليها الخرّاط واطمأنّ لها العجيمي: دلالة كتابة روائيّة متفرّدة، الذّات فيها متشظّية وعلاقتها بالآخر متقطّعة وإن سعت جاهدة إلى وصلها وكان الحوار شاهدا عليها. أمّا الخصيصة الثّانية من خصائص الكتابة في الحوار لدى العجيمي فتتعلّق بالمنهجيّة التي سار عليها في كتابه. ويتمثّل أمرها في تعالي النصّ على المنهج المتّبع. فقد دافع العجيمي عن هذه المنهجيّة في القسم النّظريّ والإجرائيّ. وحذّر الباحثَ من خطرين يحدقان بتماسك عمله، أوّلهما الاطمئنان الكلّيّ لمنهج بعينه. يقول في هذا الصّدد: إنّ الدّارس مدعوّ إلى "تجديد أدوات بحثه، باطّراد، وعدم الاطمئنان إلى ما استقرّ من نماذج تحليل مستهلكة ونظم جاهزة مأخوذة من هذا الاتجاه أو ذاك وإن لم تعدم هذه الطّرق فوائد من جهة ما تفتحه وتوفّره من مسالك غير مسبوقة أو تشحن به مسالك سابقة من رؤى جديدة" . والخطر الثّاني مفاده التطبيق الآلي للمنهج وتطويع المدوّنة المدروسة له. يقول: "إنّ الدّارس مدعوّ على الدّوام إلى الاحتفاظ بمسافة ممّا يأخذه ويفيده من هذه النّماذج وأن يعمل على تطويعها لموضوع درسه حتّى لا يغدو عمله مجرّد تطبيق آليّ لبعض هذه النّماذج الجاهزة ويغدو التحليل باهتا لا يضيء ما ندب نفسه إلى البحث فيه ولا يبرز خصائصه الفنيّة والوظيفيّة المميّزة له من سائر الأعمال الأدبيّة السّابقة. " ويلفتنا في هذا الصّدد أنّ الكاتب ما انفكّ منذ كتاباته النّقديّة الأولى ينبّه في نقده أعمال نقّادنا العرب إلى أخطار منهجيّة التعامل مع المدوّنة في ضوء مناهج البحث الحديثة كاشفا مواطن الوهن فيها ودالاّ على أوجه مراجعتها . ولقد استطاع الباحث في كتابه عن الحوار هذا أن يوفّق بين الوعي بالمنهجيّة الملائمة في التعامل مع المدوّنة والممارسة التحليليّة على خلاف أعمال بعض الدّارسين الذين لئن كانوا على وعي تام بالمسألة المنهجيّة فإنّ ممارستهم التحليليّة لم تترجم هذا الوعي بل نسفته، في أحيان كثيرة، نسفا . ويلفتنا في المسألة المنهجيّة، أيضا، أنّ العجيمي، وهو يتتبّع آليّات اشتغال الحوار في مدوّنته، يعمد، أحيانا، إلى تحديث أدوات البحث وشحذها لتكون أنفذ في تشريح المدوّنة وإضاءة خصائصها الفنّيّة التي تميّز تجربة كتابة الحوار فيها من الحوارات الطبيعيّة اليوميّة. لذلك ألفيناه لا يتردّد في ابتداع أدواته الخاصّة متى لم تسعفه المناهج بأدوات تشريح تناسب رؤيته للمدوّنة. وبذلك يكون في مواطن كثيرة قد ابتعد عن نماذج التحليل المتداولة، خاصّة في دراسته لكيفيّات إنتاج الخطاب الحواريّ الدلالة وتركيزه على دور الاستطراد ونظم اشتغاله في تحقيق ذلك . أمّا الخصيصة الثّالثة التي ميّزت الكتابة عن الحوار لمؤلّف "المشهد الآخر في كتابة الذّات في رامة والتنين لادوارد الخرّاط" فوضوح الرؤية. فعلى الرّغم من تعدّد مداخل التحليل فإنّها قد اندرجت في إطار خطّة في الكتابة مترابطة المستويات متماسكة البناء ومنتهية إلى نتائجها المنطقيّة المدعومة. إذ ينقلنا الكاتب من البحث في التنازع بين البناء التقليديّ للحوار ومفارقته إلى تحليل التنازع بين القول والمقول في الذّات المحاورة متدرّجا منهما إلى أزمة الذّات في علاقتها باللّغة واختلال نظام التعامل معها وصولا إلى أزمة العلاقة بين رامة وميخائيل ومنها جميعا يخلص إلى كيفيّات إنتاج الخطاب الحواريّ الدّلالة بطريقة نتبيّن من خلالها أنّه يتّبع خطّة واضحة المعالم ويسخّر من المداخل ما يتناسب ومباشرتها. وإن يكن لنا شيء نستدركه على معالجة هذا الباحث الفذ الهادفة التي بفضلها أصبحنا نطالع أسرارا خفيّة تحكم آليّات اشتغال الخطاب الحواريّ في رواية رامة والتنّين وأضرابها من الرّوايات العربيّة الرّاسمة لنفسها أفقا بكرا، فهو التنبيه إلى قيمة رؤيتة التي بها رأى الرّواية وبنى خطّته من خلالها واختار لها ما يوائمها من مداخل نظريّة. فهل يعني وضوح الرّؤية وتآلف عناصرها في إطار تصوّر نظريّ متماسك أنّ هذه الرّؤية صحيحة؟ وهل يعني ذلك أنّها تنطبق على الأثر برمّته؟ ألا تكون رؤية جزئيّة أو مبالغا فيها؟ ألا تكون هذه الرّؤية نتيجة لتأثّر الدّارس برؤى أرباب النّقد الحديث لا سيّما أنّ أستاذنا قد كانت له مع نصوص المتمهّرين من النقّاد معاشرة طويلة عميقة؟ لكن ما الضّير في أن يتبنّى الدّارس رؤية طريفة آمن بها فرآها تتجسّد في رواية بصورة صارخة فعمل على تبيّن خصائصها وطرق تحقّقها؟ أليس من سمات الدّارس الحرّ أن يجتهد في استنباط الرّؤية التي يقدّر أنّها تحكم أكثر من غيرها مدوّنة ما؟ ويبقى الفيصل في هذا الإشكال في مدى قدرة الدّارس على الإقناع برؤيته في ضوء النّتائج التي وصل إليها وعبر الأدوات التي سخّرها ليتدرّج نحو تلك النتائج.

د. لطفي زكري


40 views0 comments

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page