ليس أقسى على الانسان من النبذ و ليس أشد منه أن ينبذ من أقرب المقربين منه و هم العائلة و بالأخص إن كان فردا منها و تميل إليه أكثر من البقية .
لنقدم لرواية التحول لفرانتس كافكا ، رواية صغيرة الحجم ، امتدت على مائة و ستة صفحات ، ترجمها الكاتب المغربي مبارك وساط ، استعمل في ذلك لغة بسيطة ، و خالية من المفردات غير المتادولة و انتهج فيها الاسلوب السهل لشد القارئ للحكاية .
كافكا ولد ببراغ سنة 1883 ، و تخرج من كلية الحقوق سنة 1906 متحصلا على الدكتوراه ، و لكنه اتجه للكتابة و لم يعمل أعمالا ترضي هرمان والده قاسي الطبع ، و اختار بدل ذلك أعمالا تتيح له أكثر وقت لممارسة الكتابة .
أحب و تجول مع حبيبته في أنحاء اوروبا ثم توفي جراء مرضه بالسل
ألف فرانتس عديد الرواية ، و نذكر منها التحول (المسخ ) ، الحكم ، و اشتهرت رسائله إلى ميلينا.
في كتابه التحول ، صور كافكا العلاقة بين أفراد العائلة الواحدة و تحولاتها. غريغور محور التحول و شخصية الحكاية الرئيسية تحول إلى حشرة عملاقة بعد أن كان العائل الوحيد لعائلة سامسا المتكونة من ثلاثة أفراد آخرين إلى جانب غريغور. الأب التاجر الذي حيق به افلاس عظيم جعله حبيس البيت ، و لكنه لم يتخلى عن عاداته البروجوازية و يتجلى ذلك في مائدة الافطار و فطوره الممتد على ساعات تتخللها قراءات في الجريدة ، الأم سامسا و الاخت غريته ذات السبعة عشر ربيعا.. كان غريغور يمني النفس بادخالها لمعهد الموسيقى رغم تكلفة المعهد الباهضة ، و لكن القدر يغير مجرى الأحداث ليتكشف غريغور أنه ضحى من أجل عائلة نبذته في الأخير لمّا فقد القدرة على اعالتها و أصبح يثقل كاهلها و تنزعج أيما انزعاج لما يظهر في محيطها . فالأم تفقد وعيها و الأب يهتاج و يبدأ باصدار فحيح و ربما يهاجم غريغور المسكين و الأخت لا ترغب في النظر إليه رغم أنها الوحيدة التي عاملته معاملة جيدة في بادئ الأمر ، حيث اهتمت بطعامه بحالته أأكل منه أم لم يأكل. ثم انحسر كل ذلك لينجلي في الاخير على قولها دعونا نتخلص منه فلو كان غريغور لعرف انه لا يمكنه ان يعيش مع البشر.
في البداية و ككل شخص وجد نفسه في محبس كره غريغور جسده ذلك بكرشه المخطط و بقوائمه الرقيقة و بالبقع البيضاء التي تغطي جسمه ، و بظهره الشبيه بالدرع . كره أن يصعب عليه التمدد على جنبه الأيمن الذي ينام عليه ، كره أن يصعب عليه الوقوف ، و أدرك انه يلزمه ذراعان قويان ليفعل ذلك ، ثم بعد ذلك بدأ يطبع مع جسد الحشرة ، عقله الانساني المحشور في ذلك الجسم مكنه من التعود السريع على شكله الجديد .
و لكنه بفهمه لما يدور حوله كان ذلك يخنق ذلك العقل رويدا رويدا . احساسه بالنبذ جعله يضرب عن الطعام ، احتاج ان يسأل عن ماذا يريد أن يأكل؟ ربما احتاج أن يهمس أحد باسمه ، أن يعامل معاملة عادية رغم التحول الطارئ على جسده و لكن العائلة لم تهتم و اكتشف أن الخيط الجامع بينهم كان مرتبه و انفاقه و ما إن تغير الوضع حتى تغيرت المعاملة.
_ في السرد اعتمد كافكا على وضعيتين سرديتين الوضعية الأولى لمّا يكون غريغور مشاركا في المشهد حتى ولو سماعا و هنا يكون غريغور هو السارد و يرينا الكاتب الأحداث من زاوية نظره ، ثم وضعية ثانية ، لمّا يكون الحدث خارجي ، فيسرده كراو محايد .
الأمكنة ثابتة ، و الرواية كلها تدور داخل الشقة حتى نفوق غريغور ، ثم يتحرر المكان ليصبح أوسع و أرحب بخروج العائلة في جولة ، و تتغير الأمكنة تدريجيا.
استطاع فرانتس كافكا أن يصور لنا بطريقة حزينة ، ما يمكن أن يكون عاشه هو شخصيا ، فكل المؤشرات تدل على أنه لم يكن يسرد قصة خيالية بقدر ما كان على دراية كبيرة ببعض الأحداث التي من شأنها أن تبرز لنا معاناة كافكا الشخصية مع النبذ و مع الوالد القاسي .
في الأخير نسند لكتاب التحول علامة من أربع نجمات ★★★★ ، حيث أن الكاتب أبدع في تصوير مشاهد الحكاية و نفسية شخصياتها و حواراتهم و قدرته على ابتداع جنس الأدب العبثي الذي يتركك مع تسؤالات كثيرة و أجوبة مبهمة.
بلال عرباوي 2020/01/03
Comments