هذا الكتاب "العيش بالتفلسف: تجربة فلسفية، تمارين روحية وعلاج النفس" هو صدى للأسئلة التي رأيناها من قبل: "العيش بالتفلسف بإخضاع الأنا والآخر إلى الامتحان": بهذه الكلمات، قام سقراط بتحديد دوره الفلسفي أمام محكمة أثينا التي قضت بالحكم عليه بالإعدام. يبدو لي مهمّاً التفكير اليوم، بنمط جديد، في دلالة ورهانات هذه العبارة السقراطية. يدفعنا هذا التفكير إلى مواجهة ثلاثة أسئلة جوهرية وحاسمة، كما حاولتُ تبيان ذلك في كتابي الجديد: 1- سؤال القاعدة التجريبية للفلسفة أو التمارين التي تتيح وضع هذه التجربة الفلسفية على قدم وساق، وفي نهاية المطاف، نوع "الخلاص" الذي يمكن أن توفّره لنا. لستُ وحيداً في هذا الصدد، بل على العكس من ذلك، أغامر في ميدان مهّد له العديد من المؤلفين الجادّين أمثال مارتا نوسبوم (Martha Nussbaum)، بيير هادو (Pierre Hadot)، مارسيل كونش (Marcel Conche) وأندري جون فولك (André-Jean Voelke)، دون أن أنسى ميشال فوكو الذي وضع في محاضراته الأخيرة في الكوليج دو فرانس القواعد الأساسية لـ"هيرمينوطيقا الذات"، المتركّزة حول المبحث السقراطي في "الانهمام بالذات" (souci de soi)، في فترة كان بول ريكور يضع فيها الخطوط العريضة في "هيرمينوطيقا الذات" التي ستجد تعبيرها الأوفى في كتابه "الذات عينها كآخر".
إعجابي ببحوث هؤلاء الكُتّاب حثني على تمديد التحقيق إلى ما وراء الإطار العام للفلسفة العريقة، وذلك بتقدير خصوبة تصوّر معيّن للفلسفة يرى فيها أسلوباً في الحياة، وربما أيضاً حدودها، وليس مجرد نظر عقلي، دون أن يكون ضرورياً أن نضع منافسة بينهما. يستعيد كتابي دروساً قدّمتها في باريس، في بوسطن وفي فيلانوفا بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 2012، وفي جامعة هومبولت ببرلين. تقدّم هذه الدروس خطوطاً عريضة في "مسار الاعتراف" التاريخي الذي لا يتوقف عند المدارس الكبرى في الفلسفة الهلينستية (الأبيقورية، الرواقية، الشكية) التي استحضرت التماثل مع العلاج. بقراءة بوثيوس، وكيركيغارد، ونيتشه، وفتغنشتاين وفرانتس روزنتسفايغ، أردتُ تبيان راهن تصوّر معيّن للفلسفة، لا يمكن تجاوزه، الذي بدلاً من أن يكون نسقاً مذهبياً، يعكس الخيار الوجودي لأسلوب معيّن في الحياة.
- جون غرايش
ترجمة: محمد شوقي الزين
Comments