top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

(منقول) الى زميلتي الفاضلتين الفة يوسف وامنة الرميلي ...صبرا جميلا ... الأستاذ حمادي بن جابلله يكتب


الى زميلتي الفاضلتين الفة يوسف وامنة الرميلي ...صبرا جميلا ...

جزء من محاضرة القيتها بجامعة القاهرة بمناسبة ماؤية سارتر ...محاضرتي كانت بعنوان :'سارتر أو الشوق الى أصالة الوجود الحر "...في ذلك اللقاء العالمي قلت لزملائي العرب ان ترجمة عبد الرحمان بدوي للوجود والعد م سيئة وينبغي اعادتها ...كان النقاش حول هذه المسالة حادا احيانا ولكن الجميع اقتنع اني على حق دون ان يكون في ذلك مس بشرف استاذ الاجيال عبد الرحمان بدوي رحمه الله ...وتم السعي في ترجمة جديدة''للوجود والعدم'' نشرت ببييروت مند مدة أحتفظ لنفسي برأيي فيها...وهذا جزء من تلك المحاضرة

سارتر او الشوق الى اصالة الوجود الحر[1]

حمادي بن جاءبالله...جامعة تونس

لن تكون الفلسفة على شيء ما لم تكن شوقا إلى أصالة الوجود تلح في طلبه وإن صمم على الامتناع وتتقصاه وإن أوغل في التخفي.

وليس الشوق مجرد الحاجة وإن كانت منبجسة وموعد تجليه. فعن الظما تتولّد الحاجة إلى الشراب فتكون بذلك "أول قوة تظهر في الإنسان(...) وهي القوة التي بها يشتاق إلى الغذاء الذي هو سبب كونه حيا فيتحرك بالطبع إلى اللبن"([2])ومن أكل دون أن يحس الجوع وشرب دون أن يبلغ الظمأ ما ترك للشوق مناسبة للظهور.

وشرط إمكان تلك المناسبة أن يعرض للمشتاق ما يصده عن مطلبه فلا شوق بلا ممانعة هي أصل التوتر والحرمان والنزوع جميعا، ظواهر تقوم شاهدا على استقلال المشوق إليه بوجوده وقيامه بذاته من ناحية، وعلى أن الشوق في جوهره "أشبه أن يكون ألما منه أن يكون لذة"([3])من ناحية أخرى.

غير أنه ينبغي ألاّ يبلغ ذلك الصد درجة يمتنع معها الفوز بالمطلوب امتناعا لا تدارك له، أي أن شرط إمكان الشوق أن يكون موضوعه ممكنا لا بمجرد إمكان نظري أو منطقي وإنما هو ضرب من الامكان يراه المتشوق بعين الغريزة أو باصرة الحدس حقيقيا حتّى لكأنه واقع مائل في الأعيان يكفي أن تتعلق به الهمة وتتطلبه الارادة لتلتقطه اليد فيسكن الشوق إذ ينتفي([4]) . فلا شوق إذا مع الامتناع باطلاق وإن استحال أن يقوم عليه دليل بعدي ولا مع الابتذال باطلاق أي تحصيل موضوع الشوق أو حتّى "التأكد" من إمكان

حصوله و"الاطمئنان" إليه إطمئنانا تذهب معه كل "خشية" أو "خوف" من فشل المسعى أو ضياع ما وقع تحت اليد([5]).

وهكذا فإن شرط إمكان الشوق ألاّ يلقى المحال فيكون اليأس وألاّ يتحقق فيهبط إلى تحت لا تحت بعده ينعدم عنده كل كمون، ويرتخى كل توتر فينتفي الشوق ويستولى السكون. وإلى مثل ذلك ذهب لايبنيتز Leibniz اذ جعل من "الانشغال" علامة مؤكدة على الشوق. فالانشغال هو ما يحسه الإنسان بحكم غياب شيء ما، يتوهم في حضوره لذة وذلك الاحساس هو "الشوق" عينه. فهو "انشغال" شبيه بحال من خُولط في عقله، أو هو "تذبذب" سماه الألمان بذات الاسم الذي سموا به نواس الساعةUnrude علامة على عدم الاستقرار وذهاب راحة البال وهو ما استحسنه لايبنيتز أكثر مما استحسن اللفظ الانقليزي uneasiness[6].

لذلك كان بقاء الشوق بضرب من دوام الحرمان الذي هو علامة على نقص ينخر كيان المشوق فينذر لموضوع شوقه فقرا يشهد على سلبية وجوده وتناهيه معا. فأما السلبية فلأن الذات المتشوقة لا يتهيأ لها أن تتماهى مع ذاتها دون أن تتشيأ فإذا هي موات أو نسي منسي. وأمّا التناهي فلافتقارها إلى غيرية لا يستقيم الوجود إلاّ بها. فهي في المقام الأوّل على اختلاف دائم مع نفسها اختلافا يعرّي محدوديّة منطق الهوية، ويكشف عن هشاشة عقلانية التحديد. وهي في المقام الثاني عوز تنفتح به على العالم وتقي نفسها –تبعا لذلك- شرّ الوقوع في ما سماه باركلي Berkely خاصة "وحدة الذات" إذ تنغلق على نفسها فتحوّل العالم إلى مجرد تصورات لا قيام لها إلاّ بالأنا المتصور يشهد لنفسه على صحة ما يتصور فإذا هي "المثالية الوثوقية القائلة باستحالة وجود المكان ورد جميع ما فيه من موجودات إلى "تصورات" هي مجرد "تلبيسات خيالية"([7]).

ولا سبيل إلى ذلك التوق في إلا بتلقائية التبصر بتزامن الوعي وعالمه إذ ينبجسان معا فلا تفاوت بينهما([8])يكون عنه اضطراب وسوء تفاهم قد يفضي إلى الاحساس بالغربة في الموطن نفسه ولعل التنبيه على ذلك كان الداعي الذي جعل كانط يكلف نفسه عناد البحث الابستيمولوجي الذي يقتضيه بيان "تهافت المثالية([9])ذلك أن كل "اعتقاد" بوجود العالم الخارجي أو "برهنة" عنه أو مجرد "افتراضه" إنما "يجري على اقرار صامت أو معلن أو قل واعيا أو غير واع بأن الأصل في "الأنا" أن يكون دون تعلق له بالعالم فإذا هو "ولا شيء معه"([10])، هوية بلا اختلاف وكيانا صمدا لانجوات فيه، وملاء بلا خلاء.

وليس يلزم عن ذلك التواجد بين الأنا والعالم أن يكون موضوع الشوق قائما الآن وهنا في الأعيان كما قد تقتضيه واقعية ساذجة تقيس الموجودية بالصيعان. إنما الواجب في الشوق من جهة ماهو توتر ونزوع أن يكون "هبوبا بالقلب إلى غائب"([11]) ذلك أن المتشوقات "تنصب غايات" غير مشهودة فهي بالتالي في عداد ما ينبغي أن يؤخذ مآخذ "المعدومات"([12])بما هي –عامة- ما ليس كائنا بعدُ أي نقائض الموجودات.

وهكذا نستبين السلبية العامة التي تميز بنية الشوق برمتها :سلبية الذات المتشوقة تنذر لموضوع شوقها فقرا وتحن إليه، وسلبية موضوع الشوق –سواء قيل ذلك على جهة الغياب أو العدم- باعتبار أن شهوده للمشتاق ينفي الشوق ذاته، فكان تجربة الشوق في حقيقتها إنما هي تجربة إقحام العدمية في الموجودية بالتالي لحظة انحباس "وعي الذات ليصبح وعيا بالذات([13]) يؤكد الوجود ليعدمه، ويعترف به ليفنيه ويطعمه ليرفعه مثل ما يقتني ليستهلك فيهلك وينفى ذلك بعض ما نستبينه من تحاليل هيجل Hegel المكثفة المتعلقة باشكال الوعي بالذات حين يتخذ شكل "الوعي المشتاق"، فعندها يكون له موضوع مزدوج a two fold object "أحدهما مباشر هو موضوع اليقين الحسي والادراك الحسي على أنه موسوم بسمة السلبية والثاني هو –على وجه الدقة- الوعي بالذات نفسه الذي هو الماهية الفعلية التي كانت في بدء الأمر حاضرة في علاقة التقابل مع الموضوع الأول فحسب".

وتحول الوعي من مقام "وعي الذات" إلى مقام "الوعي بالذات" إنما هو سيرورة مستحثها باطني هو الشوق عينه يعمل عمل القوة الدافعة إلى التجاوز الذاتي بالاندفاع نحو المشوقات المتعالية لذلك كان الشوق واسطة جوانية مستحثة. ففي المقام الأول يكون الوعي مباشرا وفي المقام الثاني لا مباشرا، وهو في الحالة الأولى يتحدد باعتباره كيانا منغمسا في ذاته، متماهيا معها مطلق التماهي فهو أنا=أنا كما كان يقول فيخته Fichte([14]) وعلامة الاطلاق في هذا الوعي المباشر أنه "مجرد يقين ذاتي"، هوية بلا انفراق، ومماثلة من غير بدل وملاءمة من غير فوت تماما كما هو الشأن في هوية أموات بلا غد.

ومن معاني ذلك التوسط الشوقي أن الوعي يسلب المتشوقات المتعاليات صلابة وجودها واستقلاله المتوهم. فان تشتاق إلى شيء ماهو أن تستخرجه من بوتقة "الموجود –في- ذاته" إلى مصاف "الموجود-للغير" وكأنك تنكر عليه إدّعاء الاستقلال بوجوده على الذات الانسانية. فهذه الثمرة التي ستقطفها يصح أن يقال عليها إنها موجودة وغير موجودة في آن واحد لأن حقيقة وجودها أن تقطف وتستهلك فتعدم([15]) وهو ما يترتب عنه تباين الوعي مع ذاته إذ لا يعي ذاته مباشرة وإنما بتوسط نفي وجود خارجي نفيا يكسبه ثقة بالذات تطرد قوة على قدر معاودة مغامرة النفي وامتداد الشوق.

وعلى هذا النحو فان الوعي يكتشف ذاته عبر الانعطاف إليها بتوسط نفي الغيرية وكأنما هو يعود إلى محلّه مرورا بالتعرف على سلطانه على الشياء وتعاليه عليها إذ يحيلها إلى مجرد "ظواهر" أي موجودات لا معنى لها إلا ذاك الذي يهبه لها الوعي ويكسبها اياه من خلال شوقه إليها. أما هي في ذاتها فلا قيومية لها بل هي سلب وخلاء، فالعالم غيرية ليس لها "في ذاتها أي وجود"([16]) إلا ذاك الوجود المستعار.

واذا كان الأمر كذلك كان الشوق بحث الذات عن ذاتها عبر غيرية الوجود تحوّل إلى ظواهر لا معنى لها في ذاتها ولذاتها بل إنما تستمد ما يمكن أن يكون لها من قيمة([17])ومعنى([18])من الوعي ذاته غير أن تلك "الظواهر" تتحول إلى "حياة([19])بمقتضى دورها في ترقي الوعي إلى درجة أعلى في مسيرة انعطافه إلى ذاته وعودته إليها ليلتئم عليها فيصبح بذلك وعيا بالذات وللذات.

لذلك كان "السوق" –على نحو ما- حنينا إلى الذات في تجربة الحياة وخضم الوجود لا في عزلة "المتأمل" أو "وحدة" الغريب عن العالم. ولعل ذلك أقرب ما يكون إلى "قصدية" هوسرل Husserl كما تأوّل عليها سارتر على الأقل إذا اعتبرها ضربا من "انفجار" الوعي في الوجود([20]) يفصح عن تزامنها وأحدية لحظة مولهما فيكون عن ذلك "كل" شامل متعاضد الايعاض يسميه سارتر "الواقع الانساني" أو "الموجود-في-العالم" . فالشوق والقصدية نزوع إلى "غيرية" متعالية لا يمكن أن "يهضمها"([21])الوعي ولا أن "يستبطنها" فتعدو مجرّد فكرة كما هو الشأن في مثالية باركلي خاصة.

ويلزم عن ذلك التقدير أن "الشوق" ليس حالا نفسانيا إذ الحال ما يثبت لموجود ويضاف إليه دون أن يشهد انفراقا جوانيا يحملة على تجاوز ذاته تماما كما أن "حركة العطالة" حال تكون عليها الأجسام اذ تتحرك على الاستقامة وبانتظام إلى مالانهاية له أو تبقى ساكنه ما لم تعمل فيها قوة برانية تنطبع فيه فتغير حالها([22]). وعلى ذلك يقاس ما ينبغي أن يقال في حق "كوناتوس" (Conatus) سبينوزا باعتباره قوة بقاء تحفظ على الجوهر خصائصه واستمراره في الوجود([23]). أما الشوق فتوق إلى الغيرية يسميه سارتر "نداء"([24]) هو نداء الحياة أو نداء الوجود ننذر له فقرا لنكون على نحو أرحب وأخصب.

ولعله لأمر كهذا كان أعمق ما في الشوق أن يتجدد على الدوام وهو مالا يتأتى له إلا إذا بقى كما قال ابن عربي مجرد "هبوب (...) إلى غائب"، نشدة دون بلوغ، وانتظارا دون أناء، وازماعا دون تحقق حتى لكأن الانسان إذا ما اشتاق إلى شيء فانما اشتاق إلأى نفسه كالبطل يقبل على الصراع لا طلبا للغلبة وانما رغبة فيه لذاته([25])وتلمسا لديمومته على ما نلمس ذلك عند أبو نواس إذ يقول :

فيـا حبهـا زدنـي جـوى كـل ليلـة

ويـا سلـوى الأيـام موعـدك الحشـر([26])

ما يمكن أن تكون معاني هذا التعني للمستقبل والتحديق إليه على جهة التهيؤ للاتي، والتعلق بالممكن الغائب بأنفاس الزهد في الحاضر الجاهز؟ وما يمكن أن تكون معاني هذا النحو من "الحضور –في- الوجود" و"الحضور-إليه" من حيث هو "نداء"([27])ينشد السّمع([28])و"الهبوب" إليه؟ وكيف لنا أن "نفهم" أن يجعل الشوق دالا على حقيقة الوجود البشري أو "الواقع البشري" من حيث هو "وعي بالذات أو "موجود-في-العالم" كما يجرى عليه الأمر عند سارتر؟([29]).

ليس لنا ولا علينا هاهنا أن نستحضر شروط "الفهم" وحقيقته منذ بداياته مع ديلتاي([30]) Dilthey ([31]) مرورا بريكارت H. Rickert([32])ورائد التيار الفينومينولوجي المعاصر إ.هوسرل E.Husserl وأخطر مريديه هايدقار Heidegger وسارتر وموريس مارلو بونتي M. Merleau-Ponty.

وليس لنا ولا علينا أن نبين تنزل هؤلاء جميعا، وان بدرجات متفاوتة وأساليب متباينة في ارث فلسفي حديث غلبت عليه فلسفة التعالي مع ديكارت Descartes وكانط Kant وفلسفة المحايثة مع سبينوزا Spinoza وهيجل Hegel أو قل هو إرث تنازعته اشكاليات الذات المتعالية والجوهر الطبيعي اللامتناهي والصيرورة التاريخية.

كان الوسيطيون، يجدون في الشوق شأنا "ذوقيا"([33])معيشا لا يمكن أن يكون عند الكثيرين على مداد واحد بفعل الانغماس في التجربة الذاتية ولذلك انتهوا –مثل الكندي- إلى أن الأمر يجرى هاهنا "على خلاف ما يجري به الأمر الذي يالفكر والتمييز"([34])لأن الشوق عندهم –كما عند ديكارت من العقلانيين المحدثين- "انفعال"([35]).

ولئن الزمتنا مسألة إشكال الشوق إلى أصالة الوجود عن معانيها وشروط امكانها بالتمييز بين ضربين من "المعرفة" "ذوقية" تقصد إلى "الفهم" و"تمييزية" أو "عقلية" تطلب "التفسير"، فالحيطة تدعو إلى الاقتصاد في الفصل بينهما. صحيح أن في "الفهم" ما في "التذوق" من معاني "المعايشة" و"المعاشرة" و"التعاطف" التي ألفناها في الأدبيات الصوفية وان في "التفسير" ما في "العلمي" أو "العقلي" من معاني "البرهان" و"التعليل" و"المحاجة" والحساب والتقنين. إلا أن ذلك –على وجاهته- لا يجيز حشر المساءلة الوجودية في مجلاها الشوقي في عداد واحد الاّمعقول([36])بل الأحق بالاتباع اعتبار الفلسفة الوجودية –عند سارتر على الأقل افساحا في مجال العقلي حتى يتسع لتوصيف التجربة الانسانية وتأويلها على مختلف وجوه المعاني التي يمكن أن تكون لها.

فالعقل في تاريخ الفكر الفلسفي "اليوناني-العربي-الأوروبي" ما "يعقل" إذ يصل شيئا بشيء فيجمعهما ويجعل حركة احداهما مرتبطة أو مشروطة بحركة الآخر وهو أقرب ما يكون إلى معنى الدّالة الرياضية([37])أو العلاقة أو النسبة وحقيقة الجمع أنه "ترتيب" الشتات وتنظيمه على نحو تنشأ عنه "هيئة" أو "تأليف" أو "تركيب" أو "قرآن"([38])وقد سيمى الاغريق ذلك كله "صونطاكس([39])سواء تعلق الأمر ببنية لغوية أو منطقية أو رياضية أو مجموعة مرتبة من الظواهر مثلما هو شأن النجوم والأفلاك. فكلها تفريعات عن معنى أساسي شامل وعن تلك البنية من حيث هي "تركيب مفيد بالوضع" أي لغة ينشأ معنى "يفهم" بما يقتضيه الفهم من "احاطة" بالمقصود إليه"([40])على قدر ما يتأتى لطالبه بفضل استعداده لاستنفار المعنى أو تقبله من ناحية، وعلى قدر ما تتيحه طبيعة الموضوع الذي إليه يجرى ذلك المعنى من ناحية ثانية([41]).

لذلك ما كان الانتقال من "التفسير" إلى "الفهم" انتقالا من "العقلاني" إلى "اللاعقلاني" بل من عقلانية علمية- ميتافيزيقية منحسرة إلى عقلانية علمية- ميتافيزيقية منفسحة لا تقتصر على مساءلة التجربة الفيزيائية الرياضية ولا تنصبها منوالا عاما مثلما هو شأن الفلسفة مع كانط مثلا، بل تتّسع لتشمل جميع أبعاد التجربة الانسانية في الوجود([42])مثلما هو الشأن مع هيجل أنموذجا دون أن يعني ذلك "احاطة بها" إحاطة السوار بالمعصم" ودون أن ندعي استنفاذ مضامينها وتصورها "كلها من العرش إلى الطش" كما تقول العبارة الخلدونية([43])أو عكسا من اليقين الحسي المباشر إلى الروح المطلق كما تطمح إلى ذلك الهيجلية.

وشأن هذا الافساح في الاشكال الفلسفي الذي تتيحه المقاربة الفهمية حين تتنزّل في مجرى مساءلة "الشوق إلى أصالة الوجود" أن تحرر الفعل المعرفي من "عقال" التقابل بين "الذات" و"الموضوع" أو "الانسان والطبيعة" لتستعيض عنها باشكال أعوص هو اشكال "الواقع البشري" أو "الموجود –في- العالم" كما يقول سارتر دلالة على الانسان. لذلك فان الوجودية ليست "نظرية في المعرفة" تبني "الأحكام" وتحدد معايير الصواب والخطأ، وتعمل التجارب وتصروغ القوانين، وانما هي أشمل من ذلك كله وأبعد خطرا لأنها اضطلاع مسؤول بشأن الوجود الانساني في "وقائعيته"Facticité التي تخصه وعلى النحو الذي يكون عليه "في العالم" أي في أصالته الواطدة دون تلبيس أو تزييف ودون وسائط تنتصب حجبا كثافا وضباباعتمة يحول دون "ابصار" الوجود فتمنع الفكر أسباب التغلغل إلى زواياه والنفاذ إلى مواضع التسآل ومواضع الحيرة والتردد.

ولعل هذا التشوف العام الذي يتنزل في إطاره اشكال الشوق إلى الوجود بما هو حنين إلى العيني المعيش يوجب زهدا في المجرد المنبتّ هو الذي حدا ببعض المؤرخين إلى العود بالوجودية إلى سقراط والقديس أوغستين والرواقيين من القدامى وباسكال Pascal ومان دي بيران Maine de Birasوباركسون Bergson وغيرهم كثير من المحدثين([44]).

ونحن لانماري في أن الفلسفة شهدت مع سقراط أولى تحولاتها التاريخية الكبرى يوم أدركت أن همها أن تحمل الانسان على أن "يعرف نفسه بنفسه" بدل التيه في جمال الطبيعة الصامت. فالحكمة تكتسب بمحاورة الناس([45])لا بالتحديق في الأشياء وهي "في النفس" لا "في الآفاق". ولا ريب ان هذا الانعطاف إلى الذات أمر أساسي في الفلسفة الوجودية التي نشأت في العصر الحديث "رد فعل أتته فلسفة الانسان لمواجهة الغلو في فلسفة الأفكار وفي فلسفة الأشياء([46])" كما كان الشأن في اللحظة السقراطية.

إلا أن سقراط لم يطرح أشكال الانسان بما هو فرد ذو حقوق كونية لا تنازل عنها ولا نزاع فيها وبما هو غاية في ذاته ولذاته لا جزءا من "أمة" كانت قداستها ما كانت أو "دولاب" في "مكنة" الدولة([47]).

ولعلّ بول تيلّيش P. Tillich([48])كان أقرب إلى الحقيقة التاريخية والابستيمولوجية حين اعتبر الوجودية فلسفة المغرس تعود نشأتها إلى إرادة الخروج عن المثالية الهيجلية المطلقة كما تبدت من خلال أعمال دلتاي Dilthey ونيتشه Nietzsche بعد جيل رواد التمرد الأول من أمثال شيلنع Schelling وماركس K. Marksوانقلس E. Engles وكيار كيقارد ،Kierkegaard ...وانتشرت هذه الحركة حتى بلغت فرنسا وانقلترا ثم أمريكا فظهر مفكرون من أمثال باركسون H. Bergsonوجايمس W. James ودوري Deway وبرادلي Bradley مفكرون يجمع بينهم رفض الانساق الفكرية الجاهزة وارادة "العود إلى الأشياء ذاتها" تأكيدا لأسبقية "الواقع" على "الفكرة" و"الوجود" على "الماهية" وانضارا لسورة "الحياة" على عطالة "المادة".

ونحن لا نماري في أن الفلسفة الوجودية لا سيما مع سارتر([49]) ما كانت لتجد في التجريد النظري سدادا من عوز، شأنها في ذلك شأن الماركسية والباركسونية مثلا. أما ماركس فقد رفع "البروليتاريا" إلى مصاف الفاعل التاريخي وأوكل إليها مهمة "انجاز الفلسفة" في "الواقع" فغدت معه المقولات النظرية مقولات "اجتماعية – سياسية- اقتصادية" بعد أن كانت مقولات الحياة الاجتماعية-السياسية-الاقتاصدية مع هيجل مقولات نظرية ميتافيزيقية من قبيل "العقل في التاريخ" و"الروح المطلق" غير أنه لا محل لا في هذه الفلسفة ولا في تلك "للذات المفكرة" أو"الأنا المتعالي" أوالحرية المطلقة إلى غير ذلك من الأركان الوثيقة التي قامت عليها الوجودية.

أما الباركسونية فهي فعلا فلسفة "الحياة" في "تطورها الخلاق" وسورتها المتواصلة من أركانها الذكاء ملكة نفعية تعالج المادة الخارجية في مقابل الحدس ملكة فهم الذات. الأولى تصوغ القوانين التي تيسر الفعل الهادف إلى إدماج الجسد في محيطه، والثانية حس باطني ينقدر على حقائق الأشياء في خصوصياتها الشخصية حتى لكأن الحدس غريزة وعت ذاتها فهي ألصق ما تكون بالوجود بما هو حياة تسيل في ديمومة حيوية كونية ترتقي صعدا لينشأ عنها الأنا الانساني. لذلك كان الأنا الباركسوني في شكلية "العميق" و"السطحي" لا يشكّل ذاتا متعالية على "الحياة" ولا عن ديمومتها بل هو "محايث" لها، "منغمس" في تيارها، إنه غريزة أصبحت واعية، وذلك أبعد ما يكون من مفهوم "الذاتية" في فلسفات التعالي سواء عند ديكارت أو كانط أو هوسرل أو سارتر نفسه.

وأقرب الذين ذكرهم تليش Telliche إلى سارتر هوكيار كيقارد فهو أكثرهم تأثيرا فيه ذلك أن فلسفة سارتر ظلت ثنائية البنية عن تصميم وسابق اضمار مثلها مثل فلسفة كياركيقارد العنيد. فلئن ارتفع هيجل بالفكر إلى أعلى عليين من مراتب الشرف والبطولة فجعله "يجازف" بالاغتراب عن ذاته ليتموضع في التاريخ عبر تأليفيات مطردة الانفساح متتالية الاشكال يتجاوز خلالها جميع إشكال التناقض في اتجاه تبلور المطلق في التاريخ أي واقع العالم.

وهكذا تلتئم الهيجلية على معان ثلاثة متظافرة –أولها أن "العقلاني واقع والواقع عقلاني" بحيث تنتهي الفلسفة ضرورة إلى تبرير السائد وينقلب جدل النفي إلى منطق اثبات الجاهر وترسيخه- وثاني تلك المعاني امحاء الذاتي لفائدة الموضوعي وانسحاق الفرد أمام سلطان التاريخ فإذا هو مجرد واسطة تتحقق من خلالها غايات تتجاوز أشخاص الأبطال وطموحاتهم حتى إذا ما أدوا الرسالة لفظهم التاريخ وهم في ريعان الشباب مثل الاسكندر الأكبر أو يغتالون غدرا مثل يوليوس قيصر أو ينكل بهم المنفى شأن نابوليون([50])حتّى لكأن التاريخ مأساة أو لا يكون –أما المعنى الثالث والأخير فلازم عن الأولين أي –على التوالي- عن المنطقانية الكلية (Panlogisme) والمأسويانية الكلية (Pantragisme) وهو أن لا معنى "للوجودي" الا في أفق الذهن (Entendement) العاجز عن تجاوز ثنائياته طلبا لتأليفيات راقية تتصالح في صلبها الأضداد وتأتلف المتناقضات وهو تدقيقا ما يرفضه كيركيقار([51])ومن بعده سارتر تقديرا منهما أن لا سبيل إلى استيعاب الانسان في نسق نظري، ولا إلى ردّ الموجودات والوقائع إلى كلمات أو مفاهيم. فالوجود ما لا يمكن أن يهضمه المعقول الهيجلي إلاّ على جهة التوهم الوثوقي والجدليات اللفظية التي تدعي قدرة على تجاوز([52])لحظة "الوعي الشقي" في حين أن الوعي قدّ أصلا من الشقاء المقيم الذي لا نجاة منه الا بعون الهي لا موضع له هذه المرة في فلسفة سارتر([53])حيث يقتضي الشوق إلى أصالة الوجود مواجهته رأسا دون تسطير من أحد ودون توسط بأحد([54])فليس ثمة من يعفيك من الاضطلاع بمسؤولية الوجود لأنه ليس ثمة من له أن يسلبك حريتك، ومعنى ذلك أن سؤال الوجود هو سؤال الانسان ذاته ولا شيء غير الإنسان.

وعند هذا الموضع يكون الفراق بين هيدغار وسارتر فالأوّل وقف على صعيد لا مجال فيه إلاّ لاشكال معنى الوجود في حين وقف الثاني على صعيد لا هم له إلا إشكال الانسان([55])مثلما هو الشأن في الفلسفة الكانطية([56])وان باختلاف في التوفق إلى التمكن من السؤال وبكثير من اللاّتكافؤ في اجتهادات العلمين في الاجابة عنه([57]). لذلك بقيت الفلسفة مع هايدقار انطولوجيا تسائل الوجود من حيث هو وجود كما قال الاغريق عن حقيقته وعن معناه في حين أصبحت مع سارتر انطروبولوجيا تسائل الانسان عم فعل بوجوده والأمر آل بهايديقار إلى رفض الانسانوية Humanisme والذاتية لأن الانسان عنده ليس الا مجلى الوجود ومنبجس سؤال معنى الوجود([58])"الذي ينتظر دائما من الانسان أن يتذكره باعتباره أهلا لأن يتفكّر فيه"([59]). أما سارتر فقد جعل من الوجودية شرعة انسانوية هي أقرب ما تكون إلى تلك التي نهل منها عند أ. جيد َ Gide([60]) ذاك الذي نصب نفسه "مزعج ضمائر" على ما قد يلقى من تعسف الذين يوقظ هممهم لينقذوا أنفسهم من البؤس الذي ألفوه حتى بلغ بهم قرارة الوجود الزائف([61]).

والحق أنه لئن كان من فضل للوجودية عامة ولوجودية سارتر خاصة فإنما هو هذا الشوق إلى أصالة الوجود([62])حتى لا يعاش بأحاسيس الآخرين ورؤاهم وحتى لا يحكم الأموات الأحياء إذ ليس ثمة حياة بالنّيابة.

وليس في تقديرنا أشدّ تمنعا من سؤال الأصالة لا سيما إذا ما طرح في إطار القول بالوعي ورفض اللاوعي الفرويدي، والانتصار للحرية المطلقة واستبعاد كل تكأة يمكن أن تكون عذرا وأولها مفهوم "الانتماء" الثقافي أو الاجتماعي أو العرقي وغير هذا وذاك من "ايديولوجيات المغارس"...يتبع.

[1] مجزء من محاضرة القيت سنة 2005 على منبر المجمع الثقافي المصري بالقاهرة .

[2] ابن مسكويه، في أعماق النفس، مطبعة نور الأمل، القاهرة، ماي 1961 (سلسلة الثقافة الإسلامية) ص41-42.

[3] ابن رشد، تفسير ما بعد الطبيعة، تحقيق موريس بويج Mauris Bouyges، دار المشرق، بيروت 1991، المجلد الثالث ص1616.

[4] R. Des cartes, Les Passions de l’âme, III, &166. A.T-XI, p457.

[5] Des cartes, Ibid

"لم نستحث الرحيل ونحن على يقين من الوصول"؟ كما يقول الكونت دي فالمون Le comte de Valmontفي الرسالة 46 أنظر :

CH. De la clos, les liaisons dangereuses, Paris, EDDL, 1996, p222.

[6] راجع في ذلك: Leibnis, Nouveaux essai, sur l’entendement humain, Paris, G.F, 1966, livre II, & XX-XXI, p.138.

[7] يتعلق الأمر هاهنا بشكل من أشكال "المثالية المطلقة التي غرقت فيها الفلسفة الحديثة لا سيما مع لايبنيتز Leibniz وهيجل Hegel حيث جعل الوجود تصورات تنتظم وفق ضرورات منطق الهوية في الحالة الأولى ومتطلبات جدلية التناقض في الحالة الثانية ويبدو أن ذلك المنزع بدأ مع ديكارت Descartes الذي وضع في تأمله الدول بما فيه بين قوسين ولم يستعده إلا في التأمل السادس. ولذلك ميز كانط بين ضروب ثلاثة من المثالية الأولى سماها "المثالية الاشكالية" Idéalisme problématique/ Problematic idéalism والثانية "المثالية الوثوقية" Idéalisme dogmatique / Dogmatic idealism والثالثة "المثالية المتعالية Idéalisme transcendantal/ Transcendantal idealism، الأولى تخص ديكارت والثانية باركلي والثالثة هي الاسم الآخر للفلسفة النقدية والفرق الأساسي بينها وبين الفلسفتين السابقتين أنها تقوم على القول بأنه لا انفكاك للانسان عن عالمه ولا فصل بين الذات والموضوع وهي مقالة صاغها كانط في شكل "مبرهنة" Théorème /Theorem، "ان مجرد الوعي بوجودي الذاتي يدل –شريطة أن يكون وعيا تحدّد خبريا- على وجود موضوعات في المكان خارج الأنا" انظر:

E. Kant, critique de la raison pure, in œuvres philosophiques, paris, Gallimard, Bibliothèque, de la Pléiade1980, vol I, p955 - E. Kant, Critique of pure Reason, Cambridge University Press, 1977, p321.

[8] ليس ثمة عند كانط Kant برهنة على "وجود العالم" كما هو الشأن عند ديكارت في آخر التأملات الميتافيزيقية فهو أقرب ما يكون من "الحس العام" Sens communs // Common sense يرى في مجرد طلب البرهان على شيء شكا في وجوده أو في قيمته مثلما كانت المركيزة دي مارتاي La Marquise de Merteuil تعتقد أن مجرد محاولة "البرهنة" على جمال المرأة يفترض عندها إمكان قبحها وكما كان الجنيد يعتبر أن محاولة تنزيه الرب "بالأدلة عن صفات الحدوث وسمات النقص" عيب لأن "نفي العيب حيث يستحيل العيب عيبا". انظر:

CH. De Laclos, Les liaisons dangereuses ابن خلدون، المقدمة، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني، بيروت 1961، ص837-838

[9] المرجع المذكور، فرنسي ص955، انقليزي ص327.

[10] لعل في ذلك ما يشير إلى أن في "المثالية المطلقة" ما يشبه الاستطالة على الحضرة الربانية حيث يكون الرب "ولاشيء معه"كما يقول ابن عربي. غير أنه ليس هينا أن تقنع الريبي بتهافت موقفه ولا الواقعي بفساد منتحله. أنظر في ذلك:

M. Heidegger, l’Etre et le temps, Paris, Gallimard, 1964, p272-276.

[11] ابن عربي، الفتوحات المكية، دار احياء التراث العربي، بيروت (بلا تاريخ) الجزء الثاني، ص358.

[12] المرجع نفسه، ص358: "ولما كان الحب لا يتعلق إلا بمعدوم (...) كذلك الشوق لا يصح أن يتعلق بحاضر وإنما متعلقة غائب غير مشهود له في الحال...".

[13] فرق أساسي بين موضوع الوعي الحسي وموضوع الوعي المشتاق: فالأول عيني واقع في شهود الآن وهنا كما يقول هيجل Hegel والثاني في حكم "الغائب" أو "المعدوم" الأول تحت الاستيلاء والثاني في أفق القصد. وعلى ما بينهما من المخالفة فان الأول تكأة للثاني مثلما الحاجة مناسبة للشوق أو الشهوة. فأن اشتهى شيئا ماهو أن أؤكد وجوده لأسلبه منه لاحقا. فهو ايجاد للاستهلاك يؤكد الوجود ليعدمه، ويعترف به ليفنيه، ويضعه ليرفعه، مثل كل ما يقتني ليستهلك فيهلك وينفى. أنظر في ذلك:

Hegel La phénoménologie de l’esprit, Paris, Aubier-Montaigne, 19.., p147- Hegel,The Phenomenology of Mind, translated, with an introduction by J.B Baillie, Harper & Row publishers, New York, 1967, p220

[14] هيجل، فينومينولوجيا الروح، فرنسي ص146، انقليزي، ص219.

[15] ذلك بعض معاني ما ذهب إليه ايليا أبو ماضي حين كتب في إحدى قصائده، أن "البس الروض حلاه أنه يوما سيجنى"، راجع في المعنى نفسه أبو حيان التوحيدي المقابسات:

Jean Hyppolite, Genèse et structure de la phénoménologie de l’esprit, Aubier-Montagne, 1946, p152-158.

[16] هيجل، المصدر نفسه

[17] يبين افلاطون أن "الشوق" (أو "الرغبة" أو "الشهوة") لا تعلق له بمجرد ما يلبي "الحاجة" بل بما هو الأفضل فنحن لا نتشوق إلى الشراب عندما نظما بل إلى أحسن الشراب...ولذلك "فان كان الظمأ شوقا فانه الشوق إلى الشيء الحسن Platons, République, Republic, IV, 438a

[18] صحيح أن المتشوقات غايات من حيث هي مطلب الشوق ولكن الشوق أو قل الوعي بما هو شوق لا يطلب من خلالها الا ذاته وبالتالي فهي وسائط توضع لترفع وتؤكد لتنفى. انظر هيجل، المصدر نفسه، ص152 فرنسي، ص225 انقليزي.

[19] هيجل، المصدر نفسه، فرنسي ص147-154. انقليزي ص220-227

[20] J.P sartre, une idée fondamentale de la phénoménologie de Husserl : L’intentionnalité. In situations, I, Paris, Gallimard, 1947, p31-35.

[21] مجاز "الفلسفة الغذائية عند سارتر دال على الموقف المثالي من المعرفة فان نعرف شيئا ماهو أن نهضمه" لتحوله إلى "محتوى" من "محتويات" الشعور وكأن "أن نعرف هو أن نأكل". راجع p31 Sartre, Situations, I, ما يمكن أن يكون المعنى الوجودي للعلاقة بين الأكل والمعرفة؟ يكتشف ا د م م من ناحية والجنس من ناحية أخرى؟ أليس أول ما اكتشف ادم سوأته؟ وليس من باب الصدفة أن يستهل سارتر حديثه في "الفلسفة الغذائية" بجملة يمكن أن تحمل على معنى "الشوق" أو "الشبقية". "لقد أكلها بعينيه" (م.ن). وليس من الصدفة أيضا أن اللفظ الفرنسي Consommations تستعمل للدلالة على "الأكل" وانجاز الزواج مثلما هو الشأن في لغات الكثير من الأفارقة أو الأمريكيين كما بين ذلك كلود ليفي ستروس (راجع في ذلك :

Claude-Levy strauss,La rensée sauvage, paris, plan, 1962, p139

[22] ذلك هو أول قوانين العلم الميكانيكي النيوتوني، أنظر:

I. Newton, Mathematical principles of Natural philosophy. Volume one, 1971, p13, “Every body continues its state of rest, or of the uniform motion in a right line, unless it is compelled to change that state by forces impressed upon it”.

[23] J.P. Sartre, l’Etre et le Néant, Paris, Gallimard, 1943, p130-132.

[24] المصدر نفسه، ص130

[25] ذلك معنى دقيق اهتدى إليه لطف الهاجس الأدبي عند لاكلو. انظر : CH. Laclos, op.cit, lettre XXXII I, p74

[26] ليس التأجيل والانتظار من فواعل مزيد اللذة بالمشوقات وإنما من عوامل القذف بها في مستقبل أبعد وغيبة أطول حتى لكأن الأمر لا يجري هاهنا على التحصيل والاستمكان كما هو الشأن في المقاربات البسيكوفيزيولوجية بل على استدامة الشوق ذاته، وإلى مثل هذا التأويل ذهب Laclos في الأثر المذكور حين أشار إلى أن "الحب الذي يمتدح لنا باعتباره علة لملذاتنا ليس في أبعد الحالات، الا تعلة لها"، المصدر نفسه، ص181 الرسالة LXXX

[27] J.P. Sartre, L’Etre et le néant, p130.

[28] بمعنيية الاستجابة والفهم

[29] يقول سارتر : "أن يكون الواقع البشري نقصا فان وجود الشوق باعتباره واقعة انسانية قد يكفي عليه دليلا" .

[30] المصدر السابق نفسه، ص130.

[31] انظر على سبيل المثال:

W. Dilthey, 1883, Introductions à l’étude des sciences humaines. Essai sur le fondement qu’on pourrait donner à l’étude de la société et de l’histoire, traductions par L. Sauzies, Paris, PUF, 19..

[32] H. Rickert, 1910, Science de la culture et science de la nature, suivi de la théorie de la définition, Paris, Gallimard, 1997.

[33] ابن عربي، الفتوحات المكية الجزء الثاني، ص358.

[34] الكندي، الحدود والرسوم، ضمن المصطلح الفلسفي عند العرب، الدكتور عبد الكريم ، الدار التونسية للنشر تونس والمؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1991، ص223.

[35] هو "انفعال" لأنه ليس إراديا بحيث لا تملك له دفعا وبالتالي فليس لنا أن "نمتلكة" أو أن "نسيطر" عليه كما نسيطر على أفكارنا الواضحة والمتميزة. انظر في هذا المعنى رسالة ديكارت إلى...بتاريخ شهر مارس 1638 حيث يميز ديكارت "ما يعمل" الانسان وعمّا "يعتمل فيه" كالتأمل والارادة وحتى الابصار والسمع...في الحالة الأولى والوظائف التي يقوم بها الجسد في الحالة الثانية، راجع AT, II, p36

[36] من ذلك مثلا أن مولار وضع كتابا سماه "الاعقلانية المعاصرة" حسب فيه سارتر من اللاعقلانيين. فعلى أي معنى يمكن أن يحمل ذلك؟ هل لأن صاحب "الوجود والعدم" انتصر إلى القول بالحرية الانسانية المطلقة فهي تؤسّس ولا تؤسّس لأنها أعمق وأبعد أصلا من مبدأ "العلة الكافية" الذي وضعه لايبنيتز راجع:

E.L. Mueller, L’irrationalisme contemporain, Schopenhauer –Niet zche, Freud- Adler- Yung, sartre. Paris, Payot, 1970, p125.

[37] تلك معان قائمة في اللفظ العربي "عقل" في مختلف تصريفاته بحيث تشكل بؤرة دلالية ثابتة فعقل الداية حبسها بشد الرجلين والرجل العاقل هو "الجامع لأمره" والمرأة "تعاقل الرجل إلى ثلث الدية" فإذا زادت ديته زادت ديتها". ولئن سمت الدية "عقله" فلأنها تحتسب وفقا لقانون هذا التناسب الطردي حتى حين يكون الدفع لا بابل يؤتى بها "فتعقل في فناء الدار وله المقتول "وانما بالدنانير أو الدراهم. انظر في ذلك لسان العرب، مادة عقل".

[38] القراءة والقرآن والقرء ألفاظ تتداعى لبؤرة دلالية موحدة معناها الضم والاجتماع...انظر لسان العرب.

[39] البيروني، القانون المسعودي.

[40] الكندي، الرسوم والحدود، م س ن، ص216

[41] هل يتطلب الفهم تلك "الاحاطة" في جميع الحالات؟ لا ريب أن "المفاهيم" بسياقاتها فان أفهم فكرة رياضية هو أن أحيط بجميع مكوناتها وهو أمر ميسور لأن الكائن الرياضي من انشاء العقل ذاته. أما حين يتعلق الأمر بفكرة الرّب مثلا فان "لفظ الفهم" يفصح عن ضرب من "الحسر" لأن الفكر المتناهي لا يتهيأ له فهم الرب الذي هو لا متناه كما يقول ديكارت في خامس ردوده على اعتراضات غاساندي Grassendi (انظر AT IX, p210الا أن محدودية الفهم تلك لا تمنع الفكر من من أن "يدرك الرب" ويعيه. فالفرق بين الادراك والفهم كالفرق بين ملامسة جبل والاحاطة به (المصدر المذكور نفسه) فنحن لا نفهم عظمة الرب كما لا نستطيع احتضان جبل وان كنا "نعلمها" و"نعرفها" (رسالة ديكارت إلىمارسان بتاريخ 25 أفريل 1630- AT, I, p145).

[42] لعل ذلك ما طلبه هايدقار Heidegger في الفقرة السابعة من مقدمة الوجود والزمان حين عدّد مختلف معاني "اللوغوس" اليوناني التي غلبت على الفكرة الفلسفي عبر التاريخ (فهو اللغة والحكم والمفهوم والحد والعلاقة والعلة الكافية...) ليخلص إلى المعنى الواطد "الأصيل" الذي عنه كانت الفروع المتداولة التي حددت العقلانية المنطقية الرياضية، انظر M. Heidegger, l’Etre et le temps, Paris, Gallimard, 1964, p49-52

[43] ابن خلدون، المقدمة، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني، بيروت 1961، ص867.

[44] انظر "شجرة الوجودية" عند إ.مونيية E. Mounier, introductions aux existentialismes, Paris., Denöl, 1947, p6.

[45] ينبهر سقراط بجمال الطبيعة بمجرد أن تخطى باب أثينا وكأنه يراها أول مرة فيلومه تلميذه. فادروس على احتسابه داخل أسوار المدينة فيجيبه سقراط : "ألتمس حلمك صديقي الطيب فأنا أحب أن أتعلم كما ترى. واستنادا إلى ذلك فان الريف والأشجار لم ترض أن تعلمني شيئا خلافا للناس في المدينة" راجع: Platon, Phèdre, 230d.

[46] إ. مونييه، المصدر المذكور ص8.

[47] صحيح أن اليوناني أصبح "مواطنا....لا رعية" ولكن حريته شبه معدومة لأنها لا تمارس الا جماعيا فهي مشدودة إلى الحرية الجماعية وخاضعة لها. انظر في ذلك:

Berjamin Constant, de la liberté des anciens comparée à celle des modernes, Paris, 1819, voi aussi, Alais Renaut (sous la direction de…), La liberté des anciens, Paris, Calmann-Lévy, 1999.

[48] Paul Tillich, Existential Philosophy, in Journal of the history of ideas, vol.5 n°1, Jannuary 1944, p44-70

[49] في مقال تيليش Tillich المشار إليه والصادر سنة 1944 لا وجود لذكر سارتر غير أن ذلك لا ينفي في تقديرنا ما يمكن أن يؤاخذ عليه صاحب المقال، سواء تعلق الأمر بهايدقار أو ياسبرس K. Jasper أو كياركيقار S. Kiekegaard

[50] Hegel, la Raison dans l’histoire, Paris, Unions Générale des Editeurs 10/18, 1965, p124.

[51] J.P. Sartre, Questions de méthode, Paris, Gallimard, 1960, p15-20.

[52] مما يعيبه موريس مارلو- بونتي على سارتر انشداده مثل كياكيقارد إلى ثنائيات لم يستطع تجاوزها: ثنائية وجهة نظري في ذاتي ووجهة نظر الآخرين فيّ، ثنائية "الموجود لذاته" والموجود في ذاته وثنائية الوجود والعدم...وهي ثنائيات لا تقوى على الاتساق بل هي دائما على مخالفة تجعل النسق كله متوترا أنظر:

M. Merleau-Ponty, la querelle de l’existentialisme, in Sens et non-sens, Paris, Nagel (7ème édition) 1966, p125-126.

[53] خلافا لكياركيقارد يعتبر سارتر أن "انفجار الحرية" في أعماق النفس الانسانية لا تتسق مع فكرة الأولوهية بما تستند إليه من "خلق وتقدير مسبق" ومآل محتوم كما عبرت عن ذلك مسرحية الذباب تعبيرا هو –في تقديرنا- أعمق ما في كتابات سارتر جميعا، انظر خاصة :

J.P Sartre, Les mouches(1943), Acte III, Scène II, Paris, Gallimard 1947, p93-102

ولنا هاهنا أن نقارن بين صرخات بجماليون ينتصب ندا للآلهة في الابداع تغار منه الالهة نفسها وبين أوراست Oresteيصرخ في وجه جوبتار Upiterرافضا الاعتراف به سيدا عليه لأنه حر. انظر توفيق الحكيم، بجماليون، الفصل الثاني لا سيما ص68-69 من طبعة دار مصر للطباعة القاهرة (دون تاريخ).

[54] لا ينكر سارتر أنه أخذ عن الكثير من الفلاسفة المحدثين منهم بالخصوص ديكارت، كانط، هيجل، كيركيقارد، هايدقار، هوسرل ولكنه يحدث في ما يأخذ من التغيير ما يبدل المعنى ويغير القيمة النظرية حتى لكأن صلته انقطعت بالوصل التاريخي ولعل مما يشهد في جلاء لما ذهبنا إليه ما شهدته فكرة "الأنا" على يديه من تبدل بالمقارنة مع ماهي عليه عند ديكارت أو كانط. راجع في ذلك أول كتاباته:

Le transcendance de l’Ego (1936), Paris, Uris, 1972.

انظر في الموضوع نفسه:

Alexis philonenko, Sartre et la logique transcendantale classique. Les essences et les normes. En Revue de Métaphysique et de morale, n°4 1987, p503-525, voir aussi . Phyllis Sutton Morris Sartre on the transcendence of the Ego, in philosophy and phenomenological Research, vol. XLVI, No2, December 1985, p179-198.

وقد تكون المبادرة بتغيير معاني الاشكاليات الفلسفية المستمدة من الذين "تتلمذ في تأوله على الحرية عند ديكارت. انظر La liberté cartésienne, in situationsI, p314-335 راجع في ذلك :

Claude Romano, la liberté sartienne, ou le rêve d’Adam, in Archives de philosophe, Tome 63, Juillet- Septembre 2000, p467.493

[55] انظر في ذلك رسالة هيدقار في الانسانوية حيث يرد بحدة وجفاء على سارتر وباللغة الفرنسية فقد كتب سارتر نحن نقف –تدقيقا- على صعيد لا وجود فيه الا للبشر فيجيبه هيدقار "نحن نقف –تدقيقا- على صعيد يقوم فيه الوجود أساسا".

Martin Heidegger , Lettre sur l’humanisme, Paris, Aubier, 1964, p87

[56] سؤال الفلسفة عند كانط هو مالانسان؟ وهو السؤال الذي يرد إليه بقية الأسئلة وهي ثلاث :

أ‌- ماذا يمكنني أن أعرف

ب‌- ماذا يجب أن أفعل

ج‌- مالي أن آمل.

فسؤال النظر وسؤال العمل وسؤال الأمل. إنما البحث فيها تأمل أصلي في معاني الوجود الانساني انظر:

نقد العقل المحض ترجمة موسى وهبة، نشر مركز الانماء العربي، بيروت (د.ت) ص385. ترجمة فرنسية ص1365 انقليزية ص677. وانظر أيضا: E.Kant, Logique, Paris, Unis, 1970, p25.

[57] ركز سارتر على السؤال الأول وكاد يهمل السؤالين الباقيين انظر في ذلك :

Sissela Bok, Ressessing Sartre, in The Harvard Review of philosophy, 1991, p48-52.

[58] ان تحليلية ما يسميه هايديغار "الدازاين" Daseinولنقل اختزالا إنه الانسان –لا يتعنى لها الا بصفتها تلك فهي لا تطلب لذاتها ولكن لبلورة سؤال الوجود باطلاق. انظر :

M. Heidegger, L’Etre et le temps, Chapitre II, &5, p31-36

[59] M. Heidegger, Lettre sur l’humanisme, p53

[60] كثيرا ما يشار إلى ديون سارتر الالمانية (الهادات الثلاث: هيجل، هوسرل وهايديغار، انظر الوجود والعدم، المصدر المذكور بالفرنسية ص288-340) وتغفل مصادره الفرنسية ومن أهمها مع ديكارت أندريه جيد الذي تبلورت معه الانسانوية الفرنسية تمام التبلور لا سيما فى مسرحية أوديب حيث نقرأ ما يلي على لسان أوديب نفسه : "لقد أدركت...أنا وحدي الذي أدركت أن كلمة السر الوحيدة التي تنجي من بطش "أبو الهول" انما هي كلمة الانسان...قد يحتاج الأمر إلى ضرب من الشجاعة لنقولها، هذه الكلمة. غير أني كنت أعددتها من قبل أن أسمع اللغز. وانما قوتي في أنني لن أقبل أجوبة أخرى كان السؤال ما كان. فحتى لو ظهر وحش آخر، وألقى سؤالا آخر لظل الجواب عندي ذات الجواب A . Gide, oeudipe, Acte II

[61] A.Gide, 28 mars 1935 in Journal 1889-1939, Paris, Bibliothèque de la pléiade, 1948, p1224

[62] في أهمية سؤال الأصالة في الوجودية انظر على سبيل المثال :

- Marjorie Grene, Authenticity : An Existential virtue, in, Ethics, vol.62, n°4 Jul, 1952, p266-274

- Ronald E.Santoni, Bad Faith and “Lying to oneself” in,Philosophy and Phenomenological Research, vol.38, N°3 March 1978, p384-398 – Taylor M. Dix, Heidegger and Peer Pressure, Falling, in authenticity, in Aporiavol.14 number 1-2004.

- A. Philonesko, liberté et mauvaise foi chez Sartre, in Revue de Métaphysique et de Morale, n°2, 1981, p145-163.


16 views0 comments

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page