" كانت أنطلاقته منذ الطفولة في المرحلة الابتدائية...كان والده قارئا نهما يقرأ كل ما يقع أمامه من الأوراق.. ومنه تلقى هذا النهم... ثم بدأ يكتب ويعرض ما يكتبه على أساتذته... وتعمقت التجربة بالدراسة وبمزاولة القراءة. هو حاصل على الأستاذية في اللغة والآداب العربية من جامعة تونس الأولى وعلى شهادة الديبلوم العالي للغة والدراسات الإيطالية من جامعة تونس الأولى وشهادة الدراسات المعمّقة من جامعة سوسة. نشرت له أكثر من عشرة مجاميع مترجمة لشعراء تونسيين وعرب وشارك في انطولوجيات مترجمة صدرت ببعض البلاد الأوروبية وكندا كما ترجم مجموعتين شعريتين من الإيطالية لشاعر إيطالي وعرّب لشعراء إيطاليين آخرين ونقل لشعراء تونسيين إلى الإيطالية. أما التجربة الأوسع لهفي باب الترجمة فهي بين العربية والفرنسية ... وآخرها رواية صينية ترجمها عن الفرنسية وأخرى سويدية مترجمة عن الفرنسية أيضا. صدر له 22 مؤلفا... بين شعر ورواية ونقد وبحوث لسانية وترجمات شعرية وروائية... أنه الكاتب الشاعر عبد المجيد يوسف "
*في البدء نرحب بك أديبنا …. ونودّ أن نعرف من هو عبد المجيد يوسف ؟
أنا كاتب تونسيّ... بهذه الصّفة أنا أتملص من صفة التّخصّص كأن تقولي شاعرا أو روائيا أو ناقدا... لي محاولات في كلّ هذه الحقول وغيرها وبذلك فإنّ صفة "كاتب" هي الأنسب لتوصيف تجربتي... وهي مع ذلك ربّما كانت عيبا... هكذا يقول بعض الأصدقاء ويعللون ذلك بأنّ من أخذ من كل شيء بطرف كان أقرب إلى السّطحية في كل شيء منه إلى عمق الأشياء. بيد أني متشبث بكون الأدبية شيء واحد يمكن أن يُؤتى من أبواب متعدّدة. وسواء أكنت شاعرا أم ناثرا فأنت في خدمة غرض واحد هو مطلب الجمال والتّرقي الفكري... أيّا كانت وسيلتك.
* حدثنا عن بدايتك ومتى كانت انطلاقتك الأدبية ؟
انطلاقتي كانت منذ الطفولة... يعني من المرحلة الابتدائية...كان والدي قارئا نهما يقرأ كل ما يقع أمامه من الأوراق.. ومنه تلقيت هذا النهم... ثم صرت أكتب وأعرض ما أكتب على أساتذتي... واذكر حدثا طريفا وأنا في الثانوية... كتبت نصا اطلع عليه أحد التلاميذ فشرع ينسخه على دفتر له... إعجابا بما قرأ ...ثم سألني عن المؤلف فقلت له "أنا" فانتزع ورقة الدفتر ومزقها....وقال "كيف أنسخ ما كتب أحد التلاميذ ؟"
وتعمقت التجربة بعد ذلك بالدراسة وبمزاولة القراءة...
* كيف تتولد لديك فكرة الكتابة للرواية أو الشعر ؟
للشعر منطلقات وللرواية أخرى.... الشعر يتولد عندي من لحظة مشحونة مكثفة صادمة... من حالة شعورية تتجاوز الوعي إلى فضاءات أعلى أو أعمق ترتبط بلحظة مبهمة من حياة الشاعر او بإحدى تجاربه أو مشاهداته مثلا رأيت مرة في حافلة سيدة تجلس ورضيعها يملأ العربة بكاء، وبجانبها تقف ابنتها الصبيّة ناظرة...فانطلق في الحين نصّ:
ذاك الطفل البكّاء
بعد ثلاثين بكاء سيكون وزيرا
سيكون وزيرا للنفط او الماء
أو ما شئتم من أعباء السلطان
سيكون على الأرجح ذا ذنَب... مثل وزير "مظفر"........
....................
أما الرواية (عندي فإنها تنطلق من التأمل والرّويّة وتُستهلّ بالتخطيط ورسم المسارات للأفكار وللشخوص والتموقع في تاريخ الرواية وتقنياتها.... الشعر من العفوية والرّواية من الرّويّة، لهذا تجد الشعراء والرّوائيين متنافرين في الأغلب مثل التنوين والإضافة... ونادر ما يجتمعان في شخص واحد.
* كيف ترى المثقف التونسي في هذه الظروف ؟ وكيف تقيم واقع الثقافة بتونس ؟
أودّ أن أحدد هذه الكلمة العامة "الظروف" لأنها شاسعة وغير دقيقة .. .فلنقل إنك عنيت بها سنوات الثورة التونسية... وعلى هذا الأساس سأجيب عن سؤالك. مثقف الثورة لا وجود له...لم يقم بأي دور مؤد لتغيير الأوضاع. قبل الثورة كان المثقف إمّا خجولا منكفئا خافت الصوت (وكنت من هؤلاء) لأن الدولة تتحكم برزقه ويمكن أن تجوّعه إن لم تقض عليه مباشرة وإما مستقيلا صامتا غائبا وإمّا مجاريا للدولة منتهزا ما تمنحه من المكرمات. بعد الثورة قفز بعض هؤلاء المثقفين يريدون أن يجدوا لهم مكانا وأخصّ من هؤلاء فئة من الرّوائيين صاروا يكتبون عن الثورة كما اتفق ويدفعون نصوصهم للمطابع... واحد منهم كان يكتب رواية في ستة أشهر... والبعض الاخر من أتباع التيار الإسلامي الذي برز فجأة مستغلا أجواء الحرية وأجواء الفوضى أيضا) وكتبوا روايات من معاناتهم في فترتي بورقيبة وبن علي وكانت حركة النهضة تقتني منهم كل ما ينشرون.... هذا ما ميز صنفا من المثقفين أعني بعض الروائيين ... إما الصمت وإما الانتهازية. المثقفون الحقيقيون اتخذوا مساحة من الأحداث ليتمكنوا من التقييم الصحيح واستغلوا مساحة الحرية الواسعة ليقدموا رؤاهم... ولعل هذه الرؤى تؤدي في وقت لاحق إلى تعديل المسار ...ولكني غير متفائل بالمرة إزاء هذه المسالة...أصحاب رؤوس الأموال هم الذين يمسكون بدفة التاريخ في البلاد. وهم لا يعملون لصالحها بل لمصالحهم الضيقة.
* ماهي مشاريعك الثقافية والأدبية ؟ وهل صدرت لك مجموعة قصصية أو مجموعة شعرية؟
ما صدر لي الآن 22 مؤلفا... بين شعر ورواية ونقد وبحوث لسانية وترجمات شعرية وروائية
هناك سنوات خصبة يصدر لي فيها أكثر من تأليف وهناك سنوات عجاف... أما عن مشاريعي فهي كثيرة وهي متنوعة بين الرواية والترجمة والبحوث.
* برأيك هل ساهمت الرواية والقصة بازدهار الثقافة العربية ؟
لا شك في ذلك... كل التعبيرات الثقافية والأدبية هي لبنات توضع في بناء الثقافة... وما أدعو إليه هو النظر في مساهمة الثقافة العربية في الثقافة العالمية... العصر الآن هو معركة لإثبات الوجود والغرب يتناسى بشكل مغرض مساهمة الثقافة العربية في المعرفة العالمية... اذكر مثالين اثنين لهما صلة بتخصّصي... في مجال اللسانيات مثلا لا يلتفت الغرب إلى مسائل اهتدى إليها اللسانيون والبلاغيون العرب من قديم الزمان مثل مسالة البنية السطحية والبنية العميقة للكلام التي تنسب إلى تشومسكي... أثبتّ في بحث لي غير منشور أن أبا هلال العسكري في كتاب الصناعتين تفطن لهذا الأمر... وكذلك في مجال النقد الأدبي... ما ينسب الآن إلى جماعة "تال كال" (كما هو) ومن بعدهم جيرار جينيت وريفتيير... معظم آرائهم في تقاطعات النّص أو ما يسمى الآن بالنظرية التناصية كانت مبثوثة في آراء النقاد والبلاغيين العرب مثل أبي هلال العسكري وعبد القاهرالجرجاني وابن الأثير وابن رشيق... المشكل الأوحد أن هؤلاء الباحثين العرب لم يعتنوا بظاهرة التعالق بين النصوص في إطار مبحث أدبي صرف ولكن في إطار المبحث البلاغي ممّا جعل آراءهم يقع تجاوزها ولم تثبت ....وربما لم تجد من الباحثين العرب من يميط عنها الغبار... خارج النزعة الشوفينية التي تحاول أن تسترد المجد التليد عملا بالمقولة "هذا لنا وليس لكم" ينبغي أن تكون هناك عين ناقدة ... مثلا في إطار تقاطع النصوص لم تثيت النظرية العربية لسببين: هيمنة النزعة الأخلاقية فسمي هذا التعالق "سرقة" ثم عجز البلاغيين القدامى على إيجاد جهاز مصطلحي قادر على توصيف المفهوم وأود أن أضيف شيئا مهما ذا صلة بسؤالك هو دور الترجمة في هذا التطوير الثقافي... بعد أن ترجمت روايات نجيب محفوظ وقبله أعمال جبران وأشعار محمود درويش وغيرهم صار للثقافة العربية بصمة في الإنتاج العالمي ينضاف إلى ما أنجزه كتاب عرب بلغات أوروبية وخاصة في مجال الفرنكفونية ... كان للرواية فضل كبير في هذا المجال ورواية سمرقند لأمين معلوف تعد من الروايات العالمية...فالرواية المترجمة إلى اللغات الأوروبية أو تلك التي كتبت أصلا بلغة أوروبية هي بصمة الثقافة العربية في ساحة الثقافة العالمية.
* في مجال الترجمة لديك العديد من المجموعات الشعرية التي ترجمتها لعدة لغات لشعراء عرب وتونسيين وايطاليين حدثنا عنها ؟
نشرت أكثر من عشرة مجاميع مترجمة لشعراء تونسيين وعرب بعضها نشر لدى دور نشر فرنسية وشاركت في انطولوجيات مترجمة صدرت ببعض البلاد الأوروبية وكندا كما أني ترجمت مجموعين شعريين من الإيطالية لشاعر إيطالي وعرّبت لشعراء إيطاليين آخرين ونقلت لشعراء تونسيين إلى الإيطالية. أما التجربة الأوسع فهي بين العربية والفرنسية ... وآخرها رواية صينية ترجمتها عن الفرنسية صدرت عن دار مسكلياني. وهناك مجموعة من البحوث منقولة إلى العربية متعلقة بقضية الإسلام والديمقراطية لفائدة مواقع إلكترونية وهناك رواية بصدد انتظار الصدور للروائي الدنماركي بار لاجاركفيست "موت اليهودي التائه" وأعمال ترجمة أخرى قد تصدر عن اتحاد الكتاب التونسيين. وقد حصلت معي تجربة خلفت في نفسي كثيرا من الخيبة. بعض المواقع الرقمية الجادة تنشر أشعارا على غاية من الأهمية هي بلا شك تمنح صورة مشرقة جدا عما وصلت إليه الشعرية العربية وهي منسوبة إلى شاعرات خليجيات.... ترجمت منها العشرات إلى اللغة الفرنسية مما يحصّل مادة كتاب محترم. وتحادثت مع صاحب الموقع في أمر نشرها على أمل ربط الصّلة بالشاعرات ... لكنه أعلمني أن الأسماء التي لديّ مستعارة ولا يعلم حتى هو من هنّ هؤلاء الشاعرات... فبقيت هذه الترجمات مجمّدة لا يمكن إخراجها للقراء.
* برأيك هل أضافت المهرجانات والتظاهرات شيئا للشاعر ؟
لا شك.... هذه التظاهرات مكسب كبير للثقافة التونسية... هي تسهّل الاتصال بين الكتاب والفنانين من مختلف المشارب وتضمن الاتصال بين الأجيال وتعمّق التجارب ... وهي مع ذلك تعاضد جهود الدولة في هذا المجال وتدلّ على ديناميكية كبيرة في المجتمع المدني الذي بدأ يتحمل دوره في رسم الملامح لمجتمع حركي تكون فيه الجمعيات فاعلة ومبادرة.
* كيف تجد ظهور الشاعرة التونسية في مجال الشعر او الرواية هل هو مجرد رقم ام ان هناك من استحقت صفة شاعرة او روائية ؟
المرأة التونسية مستفيدة جدا من خصوصيتها التحررية ومن أجواء الحريات العامة والخاصة ومن التفتح النسبي في عقلية الرجل وبذلك فقد فرضت وجودها في الميدان الأدبي... وسواء اكانت مجيدة في عملها الأدبي أم غير مجيدة فإن حضورها ضروري ووجه من وجوه الخصوصية التونسية...ففي بعض البلاد يفرض عليها أن تقرأ من وراء حجاب ولكنها في تونس تقف ندا للند إزاء الرجل في كل فعاليات الساحة الأدبية وهناك من السيدات من تميزت في الشعر وفي الرواية وفي البحوث الأدبية كما في باقي المجالات المعرفية... أكثر من ذلك هي صاحبة مبادرة...في مجال إنشاء الصالونات الأدبية والجمعيات والمجموعات الثقافية... هناك سيدات كثيرات أنشأن صالونات أدبية في بيوتهن ...وهن يجدن كلّ الدّعم من أزواجهن.
* ظاهرة حفل توقيع الكتب انتشرت كثيراً في الآونة الأخيرة .. هل هي هواية أدبية أم دليل على انتعاش ثقافي ؟
إذا أصدر الكاتب تأليفا فهذا حدث شبيه بأمّ تضع مولودا بعد عقم. الاحتفال تأكيد للذات الكاتبة ومحاولة للاحتلال موقع واكتساب صفة...
* هناك عزوف عن القراءة في الآونة الأخيرة برأيك ما السبب ؟
الأسباب كثيرة منها وضعية الكتاب باعتباره منتوجا سلعيا إذا غلا ثمنه قلّ الإقبال على اقتنائه ومنها سياسة الدولة الخرقاء في مجال إنتاج الكتاب... هذا إضافة إلى المنافسة الشرسة التي تمارسها الصورة في التلفزيون وفي الحواسيب والهوا تف الذكية والألواح الإلكترونية... فضلا عن تدنّي المستوى المعرفي لدى خريجي المدارس.
* بعد هذا الانجاز الثقافي هل أنت راض عن نفسك ؟
من الأكيد لست راضيا... وعدم الرضا هذا بعضه بسبب اختياراتي الخاطئة لمسار حياتي ولمسار الدراسة الأكاديمية... انا انقطعت عن إنجاز اطروحة الدكتورا دون إتمامها... وبعضه بدافع الرغبة في تجاوز الوضع الحاصل والطموح إلى ما هو أفضل.
* في نهاية حوارنا نود أن نشكرك وهل من كلمة أخيرة ؟
بل الشكر موجه لكم... وما أود أن أختم به هو دعوة الكتاب أيّا كان اللون الذي ينتجون فيه أن يولوا اهتمامهم بالتراث استغلالا إبداعيا وإجلاء لمكنوناته المعرفية العظيمة ما يستحق من الاهتمام وسوف يجدون فيه ما يبهر عقولهم.
*حوار / ضحى نويصر... مهتمة بترجمة الشعر وبالحضارة
Comentarios