top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

منقول إليكم فقط: هذا النص للروائية هيفاء بيطار. حكاية روايتي الأولى *كتبت: هيفاء بيطار


كتبت ُ روايتي الأولى يوميات مطلقة عام 1994 وهي عبارة عن سيرة ذاتية ناقصة ، ومجلله بالخوف الإجتماعي والديني ، لكنها كانت أشبه بصرخة إحتجاج ضد ظلم القوانين المسيحية التي تحكم بالهجر لسنوات بين الزوج وزوجته حتى يتم الطلاق ، لقد رفعت دعوى الطلاق بعمر 27 سنة وتطلقت بعمر 34 ! ولم أعش مع زوجي سوى سنة ، حكمت علي المحاكم الروحية المسيحية بالهجر سبع سنوات عشتها كأنني مُعلقة في فراغ أي لست متزوجة ولا مُطلقة ، وطبعا" كانت حضانه طفلتي لي ، عشت هذه السنوات السبع بمشاعر قوية من الإحساس بالغضب وإنتهاك الكرامة والظلم ، خاصة أن المجتمع الذي أعيش فيه ( مدينه اللاذقية ) مجتمع محافظ وعقليته متخلفة إذ ينظرون إلى المطلقة كما لو أنها مُعاقة أو فاشلة ، وسيئة الحظ ، ولقمة سائغة لمن يريد اللهو والتسلية ، كنت في بداية عملي كطبيبة إختصاصية في طب العيون وأملك طموحا" أن أكون طبيبة ناجحة ، لكن لم تكن لدي أيه فكرة أنني سأكون كاتبة إذ أن دراسة الطب والإختصاص استنزفتا جهدي ووقتي ، لكنني وجدت نفسي ذات يوم وأنا في السنه الرابعة من الهجر ( لست معلقة ولا مطلقة ) وإبنتي في سنتها الرابعة ، أستيقظ مع إحساس فظيع بالإختناق ولم تكن لدي أيه فكرة ماذا سأفعل بيومي ، كان يوما" ربيعيا" في شهر نيسان ، وجدتني بعفوية أحمل أحد دفاتر إبنتي المدرسية وأذهب إلى شاليه على البحر يملكها والدي ، طبعا" في ذلك الزمن لم يكن هناك موبايل وأنترنيت ولا وسائط إتصال حديثة ، وجلست من الساعة التاسعة صباحا" حتى الخامسة بعد الظهر أتدفق على الورق ، كنت أكتب كمن ينهل من بحر ، كما لو أن ما أكتبه مسجلا" كله في عقلي وعملية الكتابة تُشبه تحميض الصورة ، كان كل موقف وكل لقطة مُختزن في عقلي ، وما الكتابة سوى تظهير للوحة ، كنت أشعر بآلام النساء جميعا" وأنا أكتب وبظلم القوانين وبالنظرة الدونية للمرأة ، خاصة المطلقة ، وكنت مصممة أن أقاوم هذا الظلم الفظيع لكن دون أن أعرف كيف ؟ فالمجتمع حولي يثرثر وينشر إشاعات ويتسلى بمشاكل وآلام الناس ، وكانت هذه الثرثرة تؤلمني جدا" إذ لم تكن لدي خبرة حياتية كافية لأسخر من التافهين . لم أكن أعرف أن ما كتبته على دفتر إبنتي هو روايتي الأولى ( يوميات مطلقة ) التي كتبتها في يوم واحد ، حتى أن الكثيرين لا يصدقون أنني كتبتها في يوم ، وكنت قد وضعت لها عنوانا" أوليا" ( أوراق على الجبين )أي تخيلت أنني جمعت سنوات عمري في علبة تحوي قصاصات ورق ، وكل ورقة تروي ما حصل معي خلال عام ، لكنني وحسب رأي الناشر حسين العودات صاحب دار الأهالي نصحني أن يكون العنوان يوميات مطلقة ، كنت قد تحديت نفسي بجرأة لم أتوقع أنني أملكها وبشجاعة لا أعرف أين كانت مختبئة في داخلي ، لقد إنتقدت بحرية كاملة ظلم المحاكم الروحية المسيحية التي تحكم بالهجر لسنوات بين الزوجين ولا إنسانية هذا الوضع ، وحكيت فصلا" أثار الدنيا في اللاذقية ولم يقعدها عن لقاءاتي مع المطران ( صاحب الغبطة ) الذي كان يعارض الطلاق مستندا" لعبارة في الإنجيل : ما جمعه الله لا يفرقه إنسان ، وكان يسألني ما الذي ينقصك ، مهنتك ممتازة كطبيبة عيون وإبنتك معك ! وكم كان يخطر ببالي أن أرد عليه بطريقة مستفزة ووقحة عم ينقصني ، بطريقة تفضح ساديته ، كنت ألاحظ أن رجال الدين يتعاملون بسادية وتلذذ مع مصائب النساء ، ولكن المشكلة التي آلمتني أكثر هي تلك القطيعة التي حلت بيني وبين أبي أستاذ اللغة العربية الذي كان أول من نبهني أنني أملك موهبة الكتابة ، لقد رفض تماما" نشر روايتي يوميات مطلقة ، فمن الصعب على رجل وأب متصالح مع المجتمع وعلاقته جيدة مع المؤسسة الدينية المسيحية أن تكون لديه إبنه متمردة ، وعشت صراعا" قاسيا" بين الإذعان لرأي أبي وعدم نشر الرواية وبين نشرها ، لكنني قررت أخيرا" أن شعاري في الحياة سيكون : لا ولاء إلا للحقيقة ، وبأن الكتابة إن لم تكن عملا" ثوريا" وهادفا" لتطوير المجتمع ونشر غسيله الوسخ فهي كتابة ناقصة ، أذكر ذلك اليوم حين كنت في الباص مسافرة إلى دمشق وروايتي الأولى في حضني ونظارتي الشمسية السوداء تخفي دموعي بأنني عصيت أوامر أبي ، لكنني كنت سعيدة إذ كنت أحقق ذاتي وأضع حجر الأساس في بناء شخصيتي وقد تبينت طريق الخلاص الذي سينقذني من التفاهة والتخلف : الكتابة . لقد نقلتني الكتابة من ضفه التفاهة واللامعنى والثرثرة إلى عالم غني بالقيم والعدالة والرقي والفن ، وكم كنت سعيدة حين تحدث صاحب السيادة في إحدى مواعظ يوم الأحد بألا تقرؤوا يوميات مطلقة لهيفاء بيطار ، يومها أحسست بالفخر بأن الكنيسة نبذتني كما نبذت جبران خليل جبران وكزانتزاكي .

بعد سته أشهر من النجاح اللافت للرواية حيث أن كل النساء كن يوقفنني في الطريق ويقلن أنت تتحدثين عنا لكننا لا نملك جرأتك ، بعد سته أشهر صالحني أبي وقرأ في عيني ما قررته مدى حياتي : لا ولاء إلا للحقيقة .

هيفاء بيطار

17 views0 comments

Comentarios

Obtuvo 0 de 5 estrellas.
Aún no hay calificaciones

Agrega una calificación
bottom of page