ما هي حقيقة السّبي البابلي؟!
*** د. سام مايكلز Dr. Sam Michaels و مُشاركة أبولودور الدمشقي و د. سعيد سعيد و راني عازر
* ملاحظة هامة قبل قراءة هذا البحث: تكشّفت لنا معلومات هامة السنة الماضية تُشير إلى أن مملكتي "بني إسرائيل" (يهودا الجنوبية و السامرة الشمالية) كانتا في شرق العراق/ غرب فارس و شمال غرب فارس/ جنوب روسيا و هم الذين تم سبيهم إلى بابل من هذه المناطق و هم مختلفون عن "العبرانيين" الذين اعتنقوا الديانة البوذية اليهودية مثل بني إسرائيل بعد أن انتقلت إليهم من الشرق غرباً عن طريق الغزوات و الحروب العسكرية و عن طريق التجارة على طول طريق الحرير الممتد من الهند و الصين شرقاً و حتى غرب الأناضول و مصر الحالية غرباً (خاصةً الإسكندرية)، راجعوا و تابعوا معنا أبحاثنا و منشوراتنا الحديثة حتى تتعرفوا على جميع التفاصيل ...
خرج علينا البعض حديثاً بفرضية مفادُها سبي الآشوريين للبابليين إلى السامرة ليضيفوا إلى التشويش و التخليط الذي بدأه البعض الآخر عن سبي اليهود من اليمن إلى بابل، و داعموا كلا الفرضيتين يحاولون دحض أن السبي وقع على العبرانيبن من أفرام السامرة و يهودا أورشليم مدينة السلام (تشير الأبحاث التي ظهرت مؤخراً إلى كونهما كانتا تقعان في شرق العراق و غرب و شمال إيران و ليس في فلسطين) إلى مُدن آشور و نينوى و بعدها إلى بابل و كلاهما عنوَن أبحاثه بعنوان مُبهر: "حقيقة السّبي البابلي"!!!
يتحدث باحث يسمي نفسه إيليا الطّائي (سيف جلال الدين) عن سبي البابليين إلى السامرة و ينفي السبي البابلي لليهود إلى بابل، و يقول أن الملك صارغون / سركون الثاني قام بنقل مجموعة كبيرة من سكان بابل إلى السامرة في القرن الثامن قبل الميلاد، فيقول "قام بنقلهم" أي أنهم لم يكونوا "سبايا" بل نُقِلُوا، إن كان فعلاً تمَّ نقلهم، في إطار التمازج الديموغرافي الذي كان مُتّبعاً آنذاك لتدعيم وحدة شعوب الإمبراطورية. و يقول أيضاً: أن الملك الآشوري آشوربانيبال نقل هو أيضاً مجموعة كبيرة من سكان بابل إلى السامرة بعد أن قضى على ثورة أخيه (شمش شوم أوكين) و يقول: أن هؤلاء المسبيين البابليين اعتبرهم آشور بانيبال السبب الرئيسي في أحداث الثورة أي أنهم ثاروا عليه و لم يرضوا بحُكمِه فليس من المنطق أو من الحكمة أن يقوم بسبيهم و نقلهم إلى تخوم أعدائه الأقوياء في الإمبراطورية المصرية حيث أن قيامه بذلك يجعل من السهل عليهم أن يثوروا عليه من جديد بسبب بعدهم عن المركز الرئيسي للدولة الآشورية إضافةً إلى أنه من الممكن لهم أن يُشَكِّلوا تحالفاً قوياً مع أعدائه و منافسيه المصريين على هذه الرقعة المُتنازع عليها بينهما من الأرض. أمّا عن تشابه الأسماء التي وردت في المقال ما بين بني إسرائيل و البابليين فالجميع بات يعلم أن اليهود قد سرقوا و زوروا جميع الأساطير البابلية و الآشورية التي في المنطقة و دوّنوها في كتبهم على أنها أساطيرهم و جعلوا شخصيات أبطالها أنبياءهم و هذا أمرٌ لا خلاف عليه. و نقل الكاتب أيضاً عن د. خزعل الماجدي قوله: "أن عزرا Ezra الكاتب هو المؤسس للدين اليهودي و أنه وُلِدَ في بابل و تعلّم لغتها و درس تراثها و بعد ذلك وضع الأسفار التناخية بلغة آرامية بابلية" .. لاحظوا تعبير "أنه تعلّم لغتها و درس تراثها"، معنى ذلك أنه لم يكن من بابل لأنه من الطبيعي أن يتعلم كل منا لغة بلده و يدرس تراث بلده و هو أمر طبيعي لا موجب لذكره لو لم يؤتى به إليها قسراً أو أتى إليها طواعيةً فما من عبراني كان ليذهب لآشور أو بابل طواعيةً فهي ممالك معادية لممالك آرام و كنعان
نُلاحظ أن الكاتب اتّبع نفس أسلوب د. فاضل الربيعي في كتابه المُعنوَن [حقيقة السبي البابلي] في محاولة منه لإثبات أنّ اليهود كانوا في اليمن و منها خرجوا و ليس من العراق و فارس مع اختلاف بسيط أن فاضل الربيعي اعتمد بشكل أكبر على المصادر الإسلامية في كتابه المذكور ذاك. عملية التزوير شملت كل شيء من تحريف الأسماء و نقل جغرافي من مكان لآخر. لكن لماذا التشتيت و صرف الإنتباه عن أمر بالغ الأهمية لم يلاحظه سوى القلّة من الباحثين؟! فعندما تريد أن تخبئ شيئاً فأنت تنظر للإتجاه المُعاكس كي تصرف نظر عدوّك عن المكان الذي اخترته كمركز لاهتمامك و هذا ما يستدعي القيام بعملية التزوير للتاريخ و لمواقع الأمكنة الجغرافية. بعض الباحثين يشير إلى أن أرض صهيون كانت موجودة في شرقي و شرق جنوبي بحر الخزر (بحر قزوين) في منطقة موجودة إلى اليوم و تُدعى Sarmathia و ربما هي التي حُرِّفَت إلى (سامرة) و الأمر المُثير للإهتمام أنها تقع إلى الشمال من منطقة إسمها Hiberia و تُعرَف بأرض (هيبيريا أو هيبروا) و ربما هذه التسمية هي التي حُرِّفَت إلى عابيرو / عبرانيين و هذه المناطق موجودة على الخرائط القديمة و الحديثة قرب بحر قزوين! و أيضا" نُلاحظ أن هناك مناطق كثيرة بالقرب من بحر الخزر التي تحمل أسماء عبريّة مثل منطقة أرميا فهل يكون سفر أرميا قد كُتِبَ هناك؟!
حروب الملك شلمنصر / شلمانصر/ شلمان الشارد أو أشارئيدو (الملك سليمان التوراتي) جميعها كانت لتحرير الشمال الشرقي لبلاده!!! و على مسلّة الملك (أشارئيدو أو أشار إيدو) ذكر عبارة "صعدت جبال أمانوس المرتفعة" و نلاحظ أنه بالقرب من أرض أمانوس توجد مدينة إسمها (دمدوس) التي ربما حُرِّفَت هي الأخرى لتصبح (داماسكوس) أي دمشق في ترجمات المستشرقين للإمعان في التزوير و خلق إدّعاء تاريخي لليهود على أرض فلسطين. لكن يرفض البعض و يدحض فرضية أن السامرة و يهوذا كانتا قرب بحر الخزر بسبب إختلاف المناخ بشكل كلي هناك حيث لا توجد أي إشارة في التوراة و التناخ و التلمود البابلي إلى فصول الشتاء الباردة و المثلجة التي تميز تلك المنطقة الجغرافية، و نفس الكلام ينطبق على اليمن حيث لا يوجد أي ذكر للأمطار الصيفية الطوفانية التي كانت تجتاح جبال جنوب غرب شبه جزيرة العرب!
نحن نتفق مع الكاتب بأن اليهود نسخوا أغلب أسفارهم من الأدب السومري و الآشوري و البابلي و المصري القديم، لكن هذا لا يلغي عقيدتهم التي تطوّرت عبر السنين حتى تبلورت في القرن السادس 6 قبل الميلاد، حيث تمايزت تماماً عن عقيدهم السابقة و لهذا انقسمت مملكتهم إلى قسمين و ظهرت عدّة توجهات راديكالية كالفريسيين و الكتبة، عدا عن ذلك فإنّ الكاتب يحاول نسف حقيقة السبي لتمييع الرواية التوراتية!!، إلا أن حملات السبي الآشوري و البابلي العديدة موثّقة من خلال بريمر و طه الباقر و د. خزعل الماجدي، حتّى أن الأخير ذكر في كتابه [إنجيل بابل] أعداد المسبيين اليهود (40 ألفاً)، ففكرة السّبي كانت مألوفة في تلك العصور و هناك كثير من الأقوام سُبِيَت و تمّ إعادة توطينها في أرجاء متفرقة من الإمبراطورية الآشورية ثم في الإمبراطورية البابلية!!، لكن السلبية التي وصلتنا عن السّبي لم تكن من اليهود الذين نشروها على نطاق واسع و إنما أتتنا في الحقيقة من كتبة نصوص المسيحية الهيلينية (اليونانية)!! .. بالنهاية نحن مع كشف التاريخ بحقائقه سلبية كانت أم إيجابية، و ليس مع تسليط الضوء على بعض التفاصيل و بعض الأحقاب بشكل متقطع لاستخلاص فكرة معينة تستخدمها بعض الأوساط المُثقّفة لفرضها على العامّة بحسب المصلحة، عدا عن ذلك فإن هذه الفرضية تنسف أن اليهود سرقوا من البابليين و تظهر أن البابليين هم الذين جاؤوا بقصصهم إليهم و هم في اليمن و هكذا هم يبرؤون أنفسهم من القيام بسرقة الأدب الآشوري و البابلي و نقله إلى توراتهم و كتبهم "المُقدّسة"!
العبريين أو العبرانيين تداخلوا مع الكنعانيين و هم جزء من التراث و الأدب و الدين اليهودي. من يريد نقد / نقض وقوع حدث السبي البابلي للعبرانيين من السامرة و يهودا إلى بابل بما أنه يطعن بصحة حدوثه هو من يتعيّن عليه تقديم دليله أو أدلته الأركيولوجية حتّى يدعم صحة ما يقوله .. و مع ذلك دعونا نقدّم لكم هنا بعض الأدلة و المكتشفات الجديدة غير القديمة المعروفة للجميع ...
"By the rivers of Babylon .. where we sat down .. we wept and we remembered Zion"
"على ضفاف بابل .. حيث جلسنا، بكينا و رحنا نتذكر زيون (صهيون)"
هذه ترنيمة شهيرة للسبايا العبرانيين في بابل مزمور Psalm 37:1 و هي إحدى الدلالات على كتابة بعض أسفار التوراة في بابل. و بحسب موقع السومرية نيوز / بغداد، فقد كشفت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية حديثا" عن عرض رقم طينية بابلية من جنوب العراق في إسرائيل، مؤكدة أن هذه الرقم تتحدث عن "اليهود" و يبلغ عمرها 2,500 عام. و قالت صحيفة هاآرتس في تقرير لها أنه وصلت رقم طينية بابلية كان قد تم اكتشافها في جنوب العراق منذ السبعينيات و تم تسريبها إلى سوق الآثار الدولية ليشتريها أحد جامعي التُّحَف الإسرائيليين لتُقدَّم في معرض الكتاب المقدس في مدينة القدس. و تضيف الصحيفة أن الرُّقم الطينية التي يبلغ عمرها 2,500 عام تُعَد أهم أرشيف "يهودي" منذ اكتشاف مخطوطات البحر الميت و هي مكوّنة من أكثر من 110 لوحات طينية مكتوبة باللغة المسمارية تعود لفترة "السبي" البابلي و تم تقديمها في معرض بعنوان "على أنهار بابل By the Rivers of Babylon". و يكشف تقرير الصحيفة أن "الرقم الطينية تحتوي على شهادات إدارية تتضمن سندات مبيعات و عقود و عناوين محفورة باللغة الأكادية المسمارية على ألواح الطين و بعضها مشوية بالنار. و بفضل العرف البابلي كان يُدَوَّن على كل وثيقة تاريخها طبقاً لسنوات الحاكم في السلطة و قد أرَّخ بعض علماء الآثار تلك الرُّقم الطينية بأنها كُتِبَت ما بين أعوام 572 إلى 477 قبل الميلاد. و يلفت التقرير إلى أنه لا يُعرَف سوى القليل عن هذه المجموعة التي تمّ اكتشافها في سبعينيات القرن الماضي في جنوب العراق حيث ظهرت فجأة في سوق الآثار الدولية و قد اشترى جامع التُّحَف اليهودي (ديفيد صوفر) 110 لوحات منها و قام بتقديمها لمتحف أراضي الكتاب المقدس في مدينة القدس. و تابع التقرير أنه لا يُعرَف سوى القليل عن المُجتمع "اليهودي" "المسبي" في بابل، لكن ما ورد في بعض كتاباتها يُشير إلى توافق مع النّص التوراتي و الذي أشار فيه "النّبي" حزقيال قائلا": "و أنا بين المسبيين عند نهر خابور" و عدة عبارات وردت في التوراة تقول: "و ما زال شعبنا بالأسر في بابل إلى يومنا هذا" أي إلى أيام تدوين هذه النصوص التوراتية الذي كان يتم أثناء وجودهم في مدينة بابل، و قد ظهرت تسمية نهر خابور و قرية خابور عدة مرّات على تلك الرُّقم الطينية فيما تُشير التقديرات إلى أن 80 ألفاً من هؤلاء "اليهود" بقيوا في بابل بعد سماح الملك الفارسي قمبيز / قوروش / كوروش لهم بالعودة إلى ديارهم بعد دخول جيشه و احتلاله لبابل!
إنّ كذبة "السبي" البابلي الأول و الثاني بحق "اليهود" هي افتعال و تزوير للتاريخ من قبل مؤسسي و زعماء الحركة الصهيونية بهدف خلق مسوِّغات أو مُبررات لإثبات أحقية الأراضي الفلسطينية المحتلة لهم و أيضاً لأرض ما بين النهرين لليهود. لكن في الحقيقة الذين تم سبيهم هم بني إسرائيل في العراق و فارس و ليس هناك "سبي" في واقع الحال لأن الذي جرى هو نقلهم للحاجة إلى عمالتهم و الإستفادة منهم لدعم إقتصاد الدولة بعد أن ضربتها سنوات من القحط و الجوع و كلن يهدف أيضاً لإحداث تغيير ديموغرافي و تمازج لشعوب الإمبراطورية لدرء حدوث أي حركات ثورة أو تمرد على حكم الدولة المركزي في بابل. فبني إسرائيل هم الذين تمّ نقلهم (سبيهم) إلى جبال آشور و بابل قبل طرد الرومان لأغلب الذين اعتنقوا الديانة اليهودية (العبرانيين) من أرض كنعان، لكن بقايا العبرانيبن لا يزالون يعيشون في أماكن من فلسطين كالسامريين في الجليل و هم لا يشكلون أكثر من 10% من تعداد اليهود في العالم اليوم، أما 90% من يهود العالم اليوم و أغلب يهود إسرائيل فبحسب الدراسات الجينية للمورثات الصبفية ال DNA التي أُجريت حديثاً أثبتت أنهم يعودون لأصول يهود الترك الخزر (بحر قزوين) و شرق أوروبا و لا علاقة لهم بالعبرانيين سكان أرض كنعان الأصليين و هذا ينسف المزاعم و الإدعاءات الصهيونية بأرض الميعاد التوراتية، لكن هذا لا ينفي حقيقة السبي الآشوري ثم البابلي على أنه وقع خمس مرات متتالية (ثلاث مرات آشورية و مرتين بابليتين) على سكان السامرة و أرض يهودا التي تشير جميع الدلائل الحديثة أنهما كانتا تقعان شرق العراق و غرب إيران (مملكة يهودا و عاصمتها أورشليم اليهودية) و منطقة الخزر/ خزاريا شمال غرب إيران في منطقة أذربيجان و أرمينيا و جنوب روسيا بين بحر قزوين و البحر الأسود (مملكة أفرايم أو إسرائيل الشمالية و عاصمتها السامرة) فتعرضوا للثقافتين الآشورية و البابلية و التي نشأ منهما الأدب التوراتي و التلمود البابلي و تطور الدين اليهودي (إضافةً إلى تأثيرات الثقافة و الحضارة الهندو-إغريقية على مملكتي بني إسرائيل و تأثير الحضارة المصرية القديمة على ثقافة العبرانيين البالغ الأهمية بالطبع!)
نحن نحارب الصهيونية العالمية اليوم بطريق العلم و نتائج الأبحاث و الدراسات الأركيولوجية و فحوصات المورثات الجينية DNA التي أظهرت أصول أغلبهم كشعب خزري محتل غاصب دخيل على المنطقة و ليس كبقايا للعبرانيين من السامريين سكان فلسطين الأصليين الذين اختلطوا مع الكنعانيين منذ القدم و الذين هم جزء من شعبنا الكنعاني و تاريخنا و ثقافتنا و أهلنا الذين يحاربون المستعمرين الصهاينة و دولة الإحتلال "إسرائيل الخزرية" كما نحاربها و هي تحاربهم كما تحاربنا!!
* للمزيد عن السبي الآشوري (ثلاث مرات) و السبي البابلي (مرتين) لسكان السامرة و يهودا يُمكنكم مراجعة كتاب [تاريخ القدس القديم منذ عصور ما قبل التاريخ حتى الإحتلال الروماني] ل د. خزعل الماجدي، ص 184 ل 230 على الرابط التالي:
Comments