top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

منقول إليكم فقط: أزمة “العقد الاجتماعي” لماذا يجب علينا تغيير ديمقراطيتنا؟ ليا يبي *ترجمة: عقيل يوسف


يولدُ الإنسانُ حُرًا، ويوجد الإنسان مقيّدًا في كلِّ مكان

- يبدو هذا وكأنه وصفٌ للعالم في عصر وباء Covid-19. غير أنه في أوقات الطوارئ الدائمة، تذكّرنا السطور الافتتاحية لكتاب (العقد الاجتماعي) الصادر عام 1762 لمؤلفه الفيلسوف جان جاك روسو، بالتوازن الهَش القائم بين مفاهيم الديمقراطية والحماية والطاعة للدولة.

- إذا خرجت الدولة من الوباء كقوةٍ أكثر بروزًا في حياتنا العامة، فإن فكرة السيادة الشعبية التي تعمل على إضفاء الشرعية عليها – فكرة أننا مُؤلِّفون مُتساوون للقوانين التي يتعيّن علينا الامتثال لها – هي ضعيفة جدًا أو باهتة الآن.

- إن فكرة “العقد الاجتماعي” تدعم المفهوم الحديث للسيادة. وهي تشرح لماذا يضحّي الأفراد، الذين يولدون أحرارًا ومتساوين في حالة الطبيعة، بحرّيتهم الطبيعية من أجل الحرية المدنية التي يتمتّعون بها بالاشتراك مع الآخرين وتحكمها القوانين. كما يوضح “العقد الاجتماعي” أيضًا سبب امتلاك الدولة، في حالات الطوارئ، سلطة تعليق أو تقييد الحريات الأساسية، مثل حرية التنقّل وتكوين النقابات والجمعيات والمشاركة في الانتخابات وغيرها.

- معظم الحريات مكفولة في الوثائق التأسيسية ودساتير الديمقراطيات الليبرالية، لكنه تم تعليق أو تقييد معظم، إِنْ لم يكن كل، تلك الحريات كجزء من الاستجابة الطارئة للوباء. وقد تمّ تبرير ذلك من خلال التذرع بتهديدِ أعلى مستوى لحياتنا المشتركة، عبر مناشدة “العقد الاجتماعي” الذي، كمواطنين، يربط مصيرنا معًا ويجعلنا مسؤولين عن بعضنا البعض.

- لقد قيل إننا في حالة حرب مع عدو غير مرئي ويجب علينا أن نتّفق على التضحيةِ بحريّتنا الفردية حتى يمكن حماية حياة الجميع. نفعل ذلك لأنّ الدولة تخبرنا بذلك؛ إذ لا يوجد شخص أو مؤسّسة أخرى لديها حقّ المطالبة ذاتها عَلينا.

- لقد شهدنا عودة السيادة عملياً تأكيداً لقيمتها من الناحية النظرية، لكن فكرة أننا نتشارك التهديدات نفسها التي تجعلنا أطرافًا متساويةً في عقدٍ اجتماعيّ تبدو خادعة الآن. فقد كشفت أزمة الوباء حقيقة أن حرية بعض الناس تهم أكثر؛ وأن بعض الأرواح تعد أكثر جدارة بالعيش من أخرى.

- إذ مع فقدان ملايين الأمريكيين لوظائفهم، تضاعفت ثروة المليارديرات الأمريكيين بأكثر من 10 في المائة. وفي المملكة المتحدة، من المرجّح أن يموت أصحاب البشرة السوداء من وباء Covid-19 أربع مرات أكثر من ذوي البشرة البيضاء. كما تعني متطلبات رعاية الأطفال، أو المُسنين، أن العودة إلى العمل ستكون أكثر صعوبة بالنسبة للنساء من الرجال. وفي أثناء الإغلاق العام، عادت فجوة التحصيل الموجودة لدى الأطفال من خلفيّاتٍ محرومة سنوات إلى الوراء. علمًا بأن العواقب النفسية طويلة المدى للأزمة، بما في ذلك القلق والاكتئاب، سيشعر بها الفقراء بشدّة.

- لقد تخيّلتُ أوصاف حالة الطبيعة كحالةٍ خارجةٍ عن القانون يعجز فيها ؛

- البشر عن النوم خوفًا من فقدان حياتهم، ويتنافس البعض باستخدام العنف للحصول على الضروريات المعيشية الأساس. بينما يسعى آخرون للحصول على مرتبة الشرف وتقدير الأتْراب كطريقةٍ لجعل أنفسهم مُحصّنين ضدّ أي تهديد خارجي. إن “العقد الاجتماعي” ضروري لإنهاء ما أطلق عليه فيلسوف القرن السابع عشر توماس هوبز ((حرب الكُل ضدّ الكُل))، إذ يفقد الأفراد جزءًا من حريّتهم، ولكنهم يصبحون أكثر أمانًا عندما يعلمون أنّ الدولة هي من تنظّمها.

- إن المجتمع الليبرالي لا يخلو من خوف. فبينما نأخذ واجباتنا في طاعة السلطة السياسية كأمرٍ مسلّمٍ به، هناك تناقضات كبيرة في الدول التي توفّر الحماية لرعاياها. إننا مطالبين بتقديم التضحيات نفسها، لكن الدولة لا تتحمل المسؤولية نفسها عن الجميع.

- قد تمرّ حالة الطوارئ الصحية التي نواجهها حاليًا، غير أن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أثارَتها ستظلّ باقية. ولعلّ في ذلك أزمة النظام؛ أي تفكّك “العقد الاجتماعي”.

- لقد توقّعت منظمة التجارة العالمية أسوأ انهيار للتجارة العالمية منذ جيل، ومستويات غير مسبوقة من البطالة، وزيادة في الفقر المُدقع، وأزمة اقتصادية تاريخية. إنّ خطاب التضامن والتعاون المُنبثق من الحكومات الوطنية والمؤسسات عبر الوطنية، كالاتحاد الأوروبي، يتناقض مع الواقع الوحشي للتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية العميقة. وبالفعل، فإنّ صعود اليمين المتطرف يغذّيه نظام يُطالب بشكل متزايد بطاعة الجميع بينما يوفّر الحماية للبعض فقط!

- من هنا، يجب علينا إعادة النظر في أساس عقدنا الاجتماعي. وينبغي أن نطرح أسئلة أساسية عن النموذج الذي بَنَت الدول الليبرالية حوله علاقاتها الاجتماعية: في مكان العمل، في الأسرة، في المؤسسات التعليمية، في السياسة وفي نظام العدالة. إنّ هذه أزمة للشرعية الليبرالية. علمًا بأنه لا يمكن أن تكون هناك حلول تكنوقراطية بدون تغيير جذري في الرؤية. إذ ستستمرّ الانتخابات وستواصل الأحزاب التناوب في الحكومة والمعارضة طالما أنهم يكرّرون أخطاء الماضي، ومن ثم فإن أجزاءً كبيرة من الناخبين ستظلّ محرومة من حقّ التصويت.

- إنّ الخطر الذي يتهدّد حالتنا المدنية ليس الأزمة الصحية فقط، ولكن حالة الطوارئ الدائمة التي تنتظرنا أيضًا. فقد وضعت إدارة الوباء تركيزًا غير مسبوق للسلطة في أيدي قلّة من الأفراد هم الخبراء العلميّون، وكالات التحكُّم في البيانات، والنخب الاقتصادية والسياسية. إنهم سيستمرّون في الاعتماد على سلطة الدولة للمطالبة بطاعةِ الجميع مع تقديم حماية جزئية فقط.

- إننا إذا لم نحرّك “العقد الاجتماعي” في اتجاه المساواة الجِذْري، فإن العلاقة مع الدولة التي يُتيحها العقد قد تنهار. ومن ثم، تفقد الدولة سلطتها، وتفقد الديمقراطية وظيفتها كآلية تجعل هذه السلطة شرعية. لا تنقل السياسة إلاّ صوت الأقوى، أو أولئك الذين لديهم بيانات، أو أموال، أو أسلحة، أو مزيج من كلّ ذلك. إنّ الدولة وكالة تحتكر استخدام القوة، لكنها لا تمتلك سلطة شرعية بدون رضى الناس.

- عندما كتب روسو في “العقد الاجتماعي” أن الإنسان يولدُ حُرًا ولكنه مقيّد في كلِّ مكان، لم يكن يقصد شرح سبب فشل الدول، وإنما كيف يمكن تبرير سُلطتها. عند ذلك قدّم روسو حلاً بسيطًا واحدًا هو الديمقراطية، ذلك النظام الذي تطلّب ترسيخ العقد الاجتماعي في الإرادة العامة، والقضاء على التفاوتات في الثروة والسلطة، وتحويل الدولة من أداةٍ للهيمنة إلى دولة للتحرّر.

- في قرننا الحادي والعشرين، قد لا نكون بعيدين عن المثل الأعلى للديمقراطية كما عبّر عنه روسو في القرن الثامن عشر، لكننا لسنا قريبين منه أيضًا.

_______________________________

* أستاذة النظرية السياسية بكلية لندن للاقتصاد وأستاذ مساعد فى الفلسفة بالجامعة الوطنية الأسترالية

** باحث وكاتب كويتي متخصص في الفلسفة

مصدر المقالة :

A crisis of the social contract: why we must transform our democracy. BY LEA YPI. New Statesman, 03 July 2020

منقول عن

2 views0 comments

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page