تين بستانتا
النهوض باكرا كان عادة جميلة
تحمل السطل وتتسلل مع انسام الصباح لبستان لا تتجاوز مسافته عشرات الامتار بعدا عن المنزل
كان اروع ما يمكن أن يورّثه أب لأبنائه. حين تدخل ذالك الجنان الذي آل مرتعا لمعاقري الجعة وللصوص والرعاة ولعابري السبيل تستنشق طفولتك المعفّرة بالشقاء والمتعة
في مثل هذا الوقت
ترانا نهب لأشجار التين نتسلقها ونتحسس الناضج منها
ما اروع طعمها وما ألذّ مذاقها وهي تختزن حلاوتها وبرودة ليلة عانقت فيها النجوم فشربت نورها وهواها وحطت في حلقي شفاء وغذاء...
الطائر المغرد على غصن تينة كنت ذالك الذي زقزق فاطرب
وكانت ترافقها اختها الصغرى التي تهوى ملأ السطل لتحمله مفاخرة لام أعدت خبز الطابونة واب يرتشف قهوته المشحونة بخيال مسافر نحو سماء أرحب
كل التفاصيل العالقة بالذهن تدعوك لثورة، لم الحاضر يكسرنا؟
لم الجمال يُدمّر ونحن بأيدينا الخلاص؟
كل الاحلام مازالت تلاحقها طفلة وكهلة وستورثها جدة...
كيف تبيع ؟وكيف نبيع وكل ذرات وجودنا تنطق بالانتماء...
اتعبتني الهجرة، واتعبني الفراغ الساكن فينا ،اراني بلا ارض، بلا وطن ،كل يتسرب من بين فجوات عقولنا الخربة،
من بين انانيتنا وعبوديتنا .
اراها ساعة الانقلاب آلت قريبة ،لن تهزمنا الابعاد ولا العباد ولا ما رسب من سواد بقلوب الفناها البياض.
هو الحبّ وما كان يغذي البطون سنعود وذالك الجنان الشاهد على عرق والد وطفلة ،على حبات لؤلؤ تناثرت لتكون نورا يمتد عمرا من حنين...
ما اقساها لغة الحسرة، لغة النحيب، لغة الوجع حين تنهار الروائع لتصبح ذكرى شاهدة على فكرة بالقلب استقرت، سكنت والعمر اكلت عليه مرت.
ما كنت أشتهيه ذالك التين المعروض على الطرقات وفي الاسواق، فتين بستان ابي اروع، غلال جنتنا في حلاوة الشهد، كل يشتهيه ،وكل يسأل عنه كبيرا صغيرا.
فمن عادة امي أن توزع على الجيران والاحباب ما قطف صباحا ومساء
تقول ما حاجتنا به لنطعم به فقيرا ونهديه صديقا شيخا وعجوزا .لله درك يا أماه كم انت عظيمة وكريمة. وكان والدي رحمه الله لا يتدخل في شؤونها يوما فهي عليمة بشؤون البيت وهي المتدبرة للأمر.
في صيفنا المتتالي رزقنا ورزق الوافد ورزق الدواب وكل من اقبل.
سنعود ذات يوم وسنحمل المشعل وستزهر أشجارها الأماني
فلا تنازل عن أرض تذوقت عرق أبنائها
ولا تنازل عن بيت سقفه أمي وأبي بناه....
Comments