مجلس أدبي في السليمانية حول تجربة منير الوسلاتي الشعرية
حضرت عشية أمس السبت بالسليمانية في قلب العاصمة القديمة قرب جامع الزيتونة المعمور مجلسا أدبيا مهماحول تجربة الشاعر المنير الوسلاتي وقد شاركت هذا المجلس نقاشاته وقدمت رأيي في تجربةمنيرالوسلاتي وقرأت قصيدة لي بعنوان "أنا حي"
وقد رحب بي رئيس جمعية مراجعات ثقافية ومدير نادي المختار اللغماني ألاوهو الشاعر المختار المختاري الزاراتي بكلمة طيبة في تدوينة له في صفحة مراجعات ثقافية وقال بأن المجلس تشرف بحضوري بصفتي مبدعا وصاحب تاريخ طويل مع الكلمة الأدبية وتشجيع المبدعين فيها وقد كانت السيدة نادية الأحولي التي نشطت هذه الجلسة قد رحبت بي هي أيضا وقالت في شخصي كلمات رائعة أشكرها جدا عليها ..
والحقيقة أني تشرفت بهم جميعا وبجمعيتهم المتميزة بنشاطها الأدبي الذي غمر البلاد بسرعة
..وأصبحت محط أنظار أحباء الكلمة الأدبية الفاعلة
كما تشرفت بالجلوس الى الشاعرة و الناقدة الأستاذة كوثر بولعابي التي تعرفت عليها في السنوات الثلاث الاخيرة فسعدت بها لأني إكتشفت انها قادرة على ان تحقق الإضافة في النقد خاصة ..أقول ذلك لأني على يقين أن الساحة الثقافية في تونس تنقصها حركة نقدية واسعة ترافق الدفق الشعري الواسع والكتابات السردية المتنوعة التي تصدر في كتب عديدة الكثير منها يموت بسرعة لأن عيون الناقد لا تصل اليها ..كما بسعدت بالجلوس الى الناقد والشاعر الدكتور حمد الحاجي الذي أعرفه منذ بداياته في الثمانينيات ..وهو اليوم يعمر الساحة بصوته الناقد وبحوثه الجيدة ..ومداخلاته المتميزة فضلا عن دروسه وتنظيراته الصوتية على الفايسبوك. واعتقد على اليوتوب أيضا ..وفي هذه الجلسة سمعنا كوثر وحمد في قراءة معمقة وثرية لكتابات منير الوسلاتي الشعرية التي أخذت مكانة بارزة في الحركة الشعرية التونسبة والعربية . لقد جال الناقدان الشاعران في شعريات
الشاعر الكبير الأستاذ منير الوسلاتي وبحثا في خفايا شعر منير الوسلاتي ..الذي يحلو له أن يطلق على نفسه إسم المنير ..وأنا أسانده شخصيا لانه بالفعل المنير بشعره. والمنير بانشطته .والمنير بتدويناته الادبية والفكرية والساسية .. وله ست مجموعات شعرية ملأ بها الساحة الأدبية ..وقد قرأ منها الكثير من القصائد في الندوات والملتقيات والمهرجانات في تونس وفي البلاد العربية ونال الجوائزوالتكريمات.وهو نشيط ثقافي ..وقد كان المحرك الأساسي لخيمة الأدب والثقافة تقام في قلب شارع بورقيبة تتضمن معرضا وطنيا للكتاب ..ومجموعة من الندوات التي تحتفي بالكلمة النقدية والمداخلات الفكرية مع الأماسي الشعرية شارك فيها عشرات الشعراء من كامل البلاد وتجربة "الخيمة الثقافية "لا مثيل لها في البلاد العربية وربما كانت بارزة في دول أوروبا الشرقية زمن عظمة الإتحاد السوفياتي روسيا اليوم مع إنسحاب دول كثيرة منها اثر انهياره ومنها أوكرانيا .
بهذه الخيمة نحس بأن للكلمة الأدبية وقعها في الناس ..فقد أخرجت الشارع النشيط من تقاليده العريقة التجارية والسياسية والسياحية مع التعلق بالمقاهي والنزل ..الى اقتحام عالم الثقافة مع المارة من العابرين بسرعةومن الباحثين عن مقهى أو مطعم فيختارون الكلمة الادبية إن شدت انظارهم الخيمةالثقافية ومعرض الكتاب .
أما إبداعيا فإن المنير الوسلاتي الذي ظهر في نهاية الثمانينيات وترسخ شعره في التسعينيات وانتشر في العشرية الاولى من القرن الواحد والعشرين
اذن هو إبن مرحلة أسميها شخصيا مرحلة تصحيحة اخرجت الحركة الادبية من أخطاء الطليعة الأدبية التي انطلقت من فكر مبدع يريد لتونس حراكا أدبيا جديدا ثائرا وتقدميا وكتب الطليعيون الشعر الذي اصبح عندرجالها يحنلةاسم في غير العمودي والحر والقصة التي حملت إسم القصة المضادة أوالرواية الجديدة . أو السرد الطليعي ..
كانت الحركة ااكليعية تزخر بالانتاج . وتزخر بالثورة على التقاليد الأدبية البالية وترفض هبمنة كبار الحومة ..لكنها ابداعيا لم تكن في المستوى رغم نجاح بعض التجارب مع التهامي الكار والطاهر الهمامي والحبيب الزناد شعرا . وعزالدين المدني وسمير العيادي ورضوان الكوني في القصة.
وقد ارتبكت الطليعة في لغتها . وفي توجاهتها بين فكرها التقدمي وارتباطها بالسلطة السياسية إذ أن اغلب عناصرها كانوا ينتمون الى الحزب الدستوري الحاكم الذي كان فيه رجال مقرون العزم على التغيير والتقدم بالحزب الى "شيء" من الديمقراطية وهامش من الحرية فباركوا موجة الطليعة التي مست كل مجالات الثقافة ولبس فقط الأدب وشجعوا عناصرها وفتخوا لهم ابواب النشر في حرفئز الحزب والدولة وفتح لهم السياسي الكبير محمد مزالي وصديقه البشير بن سلامة أبواب مجلة "الفكر" ونادي السبت بنهج التريبونال
..لكن الحركة زاغت بها العيون وانحرفت عن الابداعات الحقيقية وراحت تبحث عن تونسة الشعر وصناعة شعر تونسي بحت بعيد عن التجربة العربية العريقة
..والتحمت الحركة مع موجة لا علاقة لها بالابداع ولتأكيد تونسية شعرهم كتبوا الشعر بالدارجة لا بروح الأدب الشعبي التقليدي العريق
بل بروح اقليمية انا أسميها إنفصالية . اذن لقد هربت بعناصر الطليعة الفرس فانحرفت وسقطت وأكثر من الاخطاء الى أن صدر أمر من بورقيبة لغلق الملحق الثقافي لجريدة العمل الذي كان صوت الطليعة أو هو الناطاق الرسمي باسمها
..والسبب يعود الى جرأة عزالدين المدني مدير الملحق آنذاك فقد نشر ملفا حول المدح ونقده بسخرية مع العمق الفكري الباحث عن حرية الكاتب و"رجولته" وقد فهم بورقيبة والمحيطون به أن جماعةالملحق الادبي اصبحوا ينتقدون بورقيبة وهو أمر مستحيل في ذلك الزمن
المهم أن التجربة وأن كانت مهمة فكريا وساسيا لكنها ابداعيا كانت فاشلة عموما .
وجاء الجيل ما بعد الطليعة أي جيل التسعينات بتجارب ابداعية متميزة مرتبطة بواقعهاالعربي وأجوائها العالمية مع فهم حقيقي للحداثة والثورة فكان من المبدعين البارزين في المرحلة الجديدة عادل معيزي وآمال موسى وفاطمة بن محمود و المنير الوسلاتي المحتفى به في هذا المجلس بدار السليمانية
المنير الوسلاتي التزم الذات المرتبطة بذوات الآخرين والإلتزام بخصوصياته والمعروف أن الشاعر الحقيقي هو الذي ينبع من ذاته الصادقة المخلصة للكلمة الأدبيةقبل الارتباط بالايديولوجيا أو السلطة السياسية .
واذا ما توضحت تجربته فإننا نلاحظ أن كتب ذاته وعصره وواقعه بروح روائية مبدعة ..ويمكن لنا أن نستشف تجربته فنكتشف أنه لم يكن شاعرا فقط بل هو روائي يتقن السبرة الذاتية
وللعلم أن أحداثه الروائية التي تخفى وراءها شعرا لا تكشف عن خيوطها بسهولة بل تتطلب عمقا نقديا وتوغلا في التجرية . وهءا ما توصل اليه الناقد حمد الحاجي ..الذي تحدث بعد كوثر بولعابي الذي نجحت في الكشف عن عمق الكتابة الذاتية لدى المنير الوسلاتي ..
يمكن ان نواصل القول لكن رأيت أن اتوقف هنا ختى لا تطول التدوينة فيهرب من طولها القراء
وأكتفي في النهاية بشكركل من ساهم في إقامة هذا المجلس الأدبي الممتع دون أن أنسى الشعراء الذين أثثوا ساعة من القراءات الشعرية
.......
وأخيرا شكرا سي المختار الزاراتي ابن الزارات ..التي أنجبت شاعرين من جيلين مختلفين متباعدين وهما عندي كبيرين مع اختلاف في رؤيتهما
..وبينهما فارق عشرات السنين من الحياة. الأول هو أحمد اللغماني الذي عاش طويلا وشغل الناس بشعره ومواقفه السياسية من الرئيس بورقيبة فقد أحب الزعيم ومات حبا فيه عاش عمرا طويلا بحب الزعيم والرئيس بورقيبة كان يحبه ويقربه ويحترمه وله معه قصص كثيرة بعضها معروف وبعضها لا يعرفه غير صمت القصور وأذكر لكم أن بورقيبةطلب من صديقه الشاعر أحمد اللغماني أن يرثيه في حياته ليعرف ماذا سيقول من بعده لكن اللغماني رفض أن يفعل ولو فعل لكان التاريخ اليوم يلعنه . فقد تخلص أحمد اللغماني من طلب بورقيبة الغريب من زعيم وقال له
يبدي الرئيس اناةلم امدحك لان رئيس او لأنك مناضل بل لأني أحبك ..ولا أعرف ماذا كان رد بورقيبة في ذاك اليوم
ومن الطريف أن سي أحمد اللغماني أصدر مجموعة شعرية بعنوان
"سي الحبيب "هكذا
.....ولا شك أنه شاعر كبير ملهم أعتبره شخصيا من أكبر شعراء تونس والبلاد العربية أما الثاني فهو المختار اللغماني ..وهو قريب من أحمد اللغماني ملأ الساحة الشعرية وهو طالب في السبعينيات
..وتوفي في بدايات عمله استاذا في اللغة العربية بعد نيله الاستاذية وكان في الخامسة والعشرين من عمره تماما في مثل السن التي مات فيها أبو القاسم الشابي ...كان ثائرا وناقدا للمجتمع وللسلطة السياسية . وقد تعرفت على الشاعرين
الاول عرفته بحكم عملي العرضي في الإذاعة التونسية لماوكان مديرا لبرامجها ..وقد كان يسلمني بعض قصائدة ما ان ينجزها لنشرها في جريدة الصباح . والمختار اللغماني الذي قصفه المرض وهو شاب يافع تعرفت عليه في دار الثقافة ابن خلدون ..وابن رشيق وكان صديقي فعلا . وكان يزورني في مكتبي بنهج باش حانبة وهو طالب ..ثم اختطفه المرض الذي لم يمهله طويلا وأسلمه الى الموت ..ومن أهم ما اذكره عنه انه شاعر ثائر ..ولكنه كان خجولا جدا ..وللعلم أن أحمد اللغماني الكبير رثاه بشجاعة متحديا ما يمكن أن يكون موقف النظام من هذا الرثاء لشخص كان عنيدا ضد السلطة القائمة لكن السلطة لم ترد الفعل . وبقي الرجل مقربا كالعادةمنهاومن الرئيس وعاش أحمدالغماني طويلا مع بورقيبة وزين العابدين بن علي الذي لم يحب اللغماني اطلاقا لأنه ولا شك قرأ رثاءه لبورقيبة حيث انتقد بسخرية من النظام الذي إنطلق بعد الإطاحة به وسجنه في مسقط رأسه المنستير ..
وعاش اللغماني طويلا في العشرية الماضية من الثورة التي قتلها الأوباش منذ يومها الأول ..
ولا ينتهي الكلام. .
الأستاذ محمد بن رجب
Comentarios