top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

مِن اليَوميات. الشاعر العراقي الصعلوك المهاجر نصيف الناصري



-1- صندوق بيرة.

نَهار يَوم أَمس، بسبب ضيِّق الوَقت والكَسل. حَجَزت آنَّا الشَفيعة لي الوقت لغسيل الثيِّاب، في البناية التي أَسكن بها. طَبْعاً لديها مفاتيح بيتي منذ 19 سَنَة. نامت عندي وبعد تناول وجبة الفطور صباح هذا اليَوم. اقترحت عليّ أَن نذهب الى التَسوّق قبل اشتداد درجة الحرارة، وقالت انَّها تُفضِّل المَشي، ولا تُريد أَن نذهب الى الأَسواق بسيَّارتها. درجة الحرارة في مدينة "مالمو" 23، وسرعة الهَواء كبيرة، وبالعراق كُنتُ أَمشي بالشارع عاري الرأَس، ولابس الملابس الثقيلة. الجاكيت والخ. درجة الحرارة ببغداد الجميلة 45 أو أَكثر، ولا أُعاني مِن المُشكلة. كُنتُ وبعض الأَصدقاء، نلوذ بالحانات في أَحياء بغداد، "الباب المُعظَّم"، و"الباب الشرقي"، و"ساحة النصر"، لاتقاء شَرّ الحَرّ. تبضَّعْنا أَشياء كَثيرة وعدنا الى البَيْت.

-":ناسيف، أَنتَ لَم تَعتد الشَراب، إِذا كانت لَديك "غُبْشة" للعَمل. ستصحو يَوم غد في الساعة الخامسة فجراً. تهيئة الطعام، وشراب القهوة، وحلاقة ذقنك. ركوب الباص والخ.

كُنتُ قَد اشتَريت "صندوق بيرة" وأَخذني "الواهسْ" ورحتُ أَجهز على العلب بسبب الحنين والأَشواق، الى تلك الوجوه المبدعة والكريمة للأصدقاء الذين رافقتهم وعشت حياتي معهم. كأس بصحة جميع الأَصدقاء.

-2-

الحزين بن الحارث، مات نديمه فكان بشرب ويصبّ الخمر على قبره وقال:

لا تُصرِّد هامةً مِن كأسِها

واسقِه الخَمرَ وإن كان قُبِرْ

كان حُرّاً فهوى فيمن هوى

كلُّ عودٍ ذي شُعوبٍ ينكَسِرْ.

-3- الحرب والكآبة والتصوّف.

قبل أَن أَتعرَّفُ الى الصديقين الشاعرين، ناصر مؤنس، ورحيم يوسف صَيْف السَنَة 1980. كنتُ أَظنُّ أَن بدر شاكر السيَّاب وعبد الوهَّاب البَيّاتي. شعراء مِن العصر العَبَّاسي. لَم أَقرأهما، وسمعتُ بهما. تَخرَّجْتُ مِن "مركز لمحو الأميّة وتعليم الكبار" سَنة 1976 بمدرسة الجبل الأَخضر بمدينة الثورة، قطَّاع 9. عُمري 16 سَنَة، درسْتُ بسْ 6 شهور، ومنحوني شهادة" يقرأ ويكتب". ناصر ورحيم ألقيا بي في "قلب الاعصار". الوسط الأَدبي والثقافي. عمري 20 سَنَة وأَكبرهما في السنِّ. هُما لَهما الاطلاع الدائم على الأفلام والمسرح والكتب الجديدة، ويحاولان الكتابة. في مقهى "البرلمان" عندما ذهبتُ للمرَّة الأولى معهما، تعرَّفْتُ الى الصديق الشاعر محمد النصَّار، والأَصدقاء الكُتَّاب حميد المختار وجنان جاسم حلاوي وزعيم الطائي وصفاء صنكور. في مرَّة أُخرى ب "البرلمان" تعرَّفتُ الى الشاعر الصديق حمد شهاب الأنباري. حمد يأَتي الى بغداد في الشهر مرَّة أَو مرتين مِن محافظة الأَنبار. التصقْتُ به بعدما أَرشدني الى "التصوّف" أَعْني الكتب. تراث التصوّف. بدأَت الحرب مَع ايران، وبدأَت معها الكآبة لدى الجميع، وأَصْبَحت أَحلام السَفَر مستحيلة. الكتب الجديدة مُنعْت مِن دخول العراق. أفلام الحرب، أفلام ومسرحيات عادل إمام والخ. حاولتُ مَع حمد عبر ارتياد المكتبات ببغداد، فحصلتُ على الكتب التي ملأت دواخلي بالحزن والجمال الغريب والحنين الى شيء غامض. شتاء تلك السَنة، 1980 وبعد أَن جنَّدوني قسراً لإداء الخدمة العسكرية الإلزامية في 5 / 5 / 1979. اشتريتُ "الفتوحات المكّية" للشيخ الأَكبر محيي الدين بن عربي. طبعة قديمة. 4 مجلدات ب 30 ديناراً. كان راتبي 72 ديناراً. اشتريتُ "تفسير ابن عربي" بمجلدين. اشتريتُ "الرسالة القشيرية". حمد الأَنباري قادني الى مكتبة الإمام الجليل الشيخ عبد القادر الجيلاني. آلاف الكتب الصوفية، يُمكن للمرء أن يرى فيها الجمال والسحر. في سنوات أخرى أَودعْتُ لدى صديقي الشاعر سلام كاظم الكثير مِن الكتب الصوفية "أَبي يضربني إِذا أَشتري الكتب بعد أَن امتلأت غُرفتي بها". سلام باع كُتبي الى لؤي حَقَّي ب 120 ديناراً سَنة 1983.

المُهم. منحني التصوّف القُدرة على مواصلة الكتابة، والحفاظ على الجذوة المُحرقة لمحبَّة أَمولة، ومحبَّة آنّا. شفيعتان جميلتان في هذا الدَّهْر الغريب.

-4-. لَو كُنَّا قَد تَزوَّجْنا قَبل 19 سَنة.

نمْتُ في بَيْت الشَفيعة 3 أَيَّام، وكادَت روحي أَن تَطْلَع. الشراب ممنوع، والتدخين لازم أَن يكون بالشُرْفَة. لا شيء عربي في بَيْتها. الكُتب. الأَفلام. الأَغاني، كُلها بالسويدية والبولونية والروسية والانكليزية. الليلة هي خافرة في العَمَل. ودَّعْتها بعد أَن تَغدَّيْنا مَعاً، وعدْتُ الى بَيْتي. التدخين" خرِّي مرِّي" بكيفي. النبيذ بالمطْبَخ، والبيرة في غُرْفَة الضيوف. لَو كُنَّا قَد تَزوَّجْنا قَبل 19 سَنَة، لطلَّقْتها بعد الزَواج بأَقلّ مِن اسبوع. اعتادَت العيْش معي طوال سنوات، تبقى عندي في الاسبوع 5 أَيَّام أَو 6 وفي يوم الأَحد، تبقى في بيتها لمراجعة البريد والخ. عاش الحُبّْ.

-5-. مِن مهازل العامَّة ببغداد.

في الصفحة 260 والصفحة 261 مِن كتاب " الحوادث الجامعة " لمؤلف من القرن الثامن الهجري، وهو المُسمى ب "الحوادث الجامعة والتجارب النافعة " ويُنسب لابن الفوطي. يتحدث المؤلف عن حوادث السنة 645 هجرية، في خلافة المستعصم الذي قتله المغول حين غزو بغداد. يورد هذه الكارثة التي حدثت في تلك السنة." وفيها، حدث بأَكثر أَهل بغداد أَمراض في حُلُوقهم وخوانيق، ومات بذلك خلق كثير، وذكرت امرأةٌ: انها رأت في المنام امرأةً مِن الجِن تُكنى "أم عُنقُود " قالت لها، إِن ابني مات في هذه البئر، وأشارت الى بئر داخل سوق السلطان، ولم يعزّني فيه أَحدٌ، فلهذا أخنقكم. فشاع ذلك في الناس، فقصد البئر المذكورة جماعةٌ مِن العوام والنِّساء والصِّبيان ونصبوا عند البئر خيمة، وأقاموا هناك العزاء، وكان النساء ينُحن ويقلن:

إيّ أمّ عُنقُود ألا اعذرينا

قد مات عنقود وما درينا

لما درينا كلنا قد جينا

لا تحردي منا فتخنقينا.

وألقى الناس فيها الثياب والحُلي والدَّراهم والخُبز واللحم المطبوخ والدَّجاج وأنواع الحلواء، وأشعلوا عندها الشموع، فلما أكثروا من ذلك عابه العُقلاء والأكابر وأنكروه، فأمر الخليفة بمنع الناس من ذلك، فحضر الشحنة الى هناك وقال: إن الديوان* قد أقام أم عنقود من العزاء، وأمر بسد البئر، فتفرَّق الناس عنها.

* الديوان، ديوان الخليفة.

-6- عَن المُطْرب سَعْدي الحلي.

صَيْف السَنَة 1997 كُنْتُ أَعيْشُ في العاصمة الأردنية عَمَّان. أَنا والكثير مِن العراقيين نتناولُ وجْبَة الغداء بمطعم "سعيفان". الطعام العراقي والشاي الثقيل الأَسْود، والثمن مُناسب جداً لَنا . في يَوم ما مِن تلك السَنَة، رأَيْتُ المُطْرب الرائع سعدي الحلي. يرحمه الله، يجلسُ الى جانب صاحب المطعم بباب الدخول. تقدَّمتُ اليه وحين رآني:" لكْ نصيف، هلا ومرحباً. شلونكْ؟

-:"أَبو خالد الحبيب. بشرفي آني ميت مِن الشوق لك".

كانت آخر مَرَّةٍ التقيتها به سَنَة 1989.

-:"أَبو خالد متى وصلت عَمَّان؟"

-:" منذ اسبوع".

-:"أَيْنَ تُقيم الآن؟".

-:بفندق".

اسمع نصيف، أنتَ وين تقيم، وكم سَنَة صار

لكَ بعمَّان؟

-:" أقيمُ بعمَّان منذ 4 سَنوات ومعي الاستاذ الشاعر

حسب الشيخ جعفر".

-:" حسب الشاعر الكبير، ومدير الدائرة اللغوية في الاذاعة"

-:"نعم".

أَحطْتُ حسب علماً. قبل ذهابنا الى البيت أَخبرني أَبو خالد انَّهُ تَرك الشَراب منذ سنوات. اشتريْتُ "دَبَّة" زجاجيَّة تحْوي 5 لتر عَرَق ومزَّات وأطْعمة. بَعد السلام والعناق بَين الاستاذ حسب وأَبو خالد، طلب حسب منّي أن أَفْتح المائدة. فتحتها وبدأنا الشراب أَنا والاستاذ حسب. بَعد أَن أَنْهينا نصف قارورة،

نَشَط أَبو خالد للشراب.

-:"اسمع نصيف، راح أَشْرب رُبع عَرق وأُغنّي. هل تستطيع أَن تضرب على خشب المائدة؟"

-": أَبو خالد، لا أَستطيع ولكن هناك امكانية في دعوة عازف عود طيّب ونبيل". امتعض حسب مِن دعوة شخص لا يعرفه، وبعد التي واللتيا وافق. دعوْتُ الصديق العازف زيدون. "آلة العود خاصَّته لها زنْدين". استمرت الجلسة بين الذكريات مع حسب وأَبو خالد والغناء، الى الفجر. في اليوم التالي.

أَجْريْتُ حواراً معه ونشرتهُ بصحيفة الدستور. سلَّمْتهُ نسختين مِن الصحيفة وودَّعْتهُ. حين عَلمْتُ بنبأ موته. حزنْتُ جداً.

14 views0 comments

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page