مِن اليَوميِّات.
"1". رسالة الى الشاعر المبدع الكبير صلاح فائق.
أعرف زُهدك واخلاصك الدائم لمشروعك الابداعي، وأعرف انك لم تخن العراق، كما أعرف ظروف عزلتك الطويلة وغربتك. سنوات طويلة وأنت تكتب وتتأمل وتحن كثيراً الى العراق. تخلّصنا من النظام السابق وجلاوزته، فظهر لنا الآن جلاوزة ثقافة أكثر قسوة ووحشية. مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية الذي خصّصت له الحكومة العراقية نصف مليار دولار، لا يهمه مشروعك الشعري الأصيل وابداعك العالي. كتب بالمئات صدرت ضمن هذا المشروع، بتمويل من وزارة الثقافة ببغداد وبيروت، وكان بودي لو يلتفت جلواز من جلاوزة الثقافة الأدعياء، ممَّن تتلمذوا على ابداعك وكانوا في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، يستنسخون قصائدك ومجموعاتك ويتابعون أخبارك والسؤال عنك، يلتفتون لفكرة اصدار أعمالك، أو على الأقل اصدار مجموعة ضمن هذا المشروع والنصف مليار دولار. المهم. أنا أعرف انك لا ترغب المشاركة في أعراس الأدعياء الطائفيين، ولا تريد منّة من أحد. في النهاية سيكون المجد للشعر الحقيقي، وللشاعر النبيل دائماً. ستزيح الشمس نفايات الأدعياء والمزوّرين والعاطلين عن الابداع.
"2".
قالت لي آندريه شديد مرة وهي تناولني أحد كتبها " لا يمنحنا الشعر الشهرة ولا الجاه ولا السلطان ، لكنه معلق بين أهدابنا ويدلنا على تلمس الفجر" . منذ تلك اللحظة العظيمة التي التقيت فيها آندريه. قبضتُ بقوة على الجمرة المشتعلة للكتابة وواصلت طريقي الطويل في الظلام من أجل أن أتلمس الفجر، لكنني حتى هذه اللحظة، لم أكمل عبور الطريق، وفجر حياتي ما يزال بعيداً، بعيداً جداً.
"3".
المرهم الشافي لابعاد خطر الموت عن الجنس البشري، هو الموت نفسه.
"4".
التاريخ والطبيعة هما السند الشرعي الوحيد لمجمل آمال البشرية.
"5".
لا توجد صياغات نهائية لموت الانسان وحيداً في غربته الدائمة. كلّ ميتة تبدأ وترسّخ ماهيتها قبل ولادة الانسان الذي سوف يموت من الحياة آلاف المرات.
"6".
حين شعرتُ أن صديقتي الأولى، بدأت تتململ مني وتحاول قطع علاقتها بي. تذكرتُ بيت شعر لأعرابي يقوله عن زوجته التي كانت تسعى الى طلاقه، في "حمّاسة أبي تمّام"، بباب المُلح والطرائف. أكثرتُ عليها النَّيك، فصارت لا تتخلى عنّي حتى مللتُ منها.
"7".
تميم بن مقبل.
فكيفَ لنا بالشرْبِ إنْ لمْ تكُنْ لنا
دراهمُ عندَ الحانَوِيِّ ولا نَقْدُ؟
أَنَدَّانُ أم نَعْتَانُ أم يَنْبَرِي لنَا
أَغَرُّ كَنَصْلِ السَّيْفِ أَبْرَزَهُ الغِمْدُ؟
"8".
قَبل سَنوات، كان عندي موعد لاجراء عملية إخصاء، للقط "هاري". ذهبتُ الى دائرة صغيرة تعنى برعاية وخدمة الحيوانات المنزلية. "القطط .الكلاب". أجروا العملية للقط المسكين، بعد أن بنّجوه، ثم نظّفوا أسنانه وثقبوا اذنه اليمنى ووضعوا فيها رقمه. أخبرني الطبيب انه سيمنحني وثيقة هي عبارة عن "جواز سفر" له، ويتوّجب عليّ أن أرسل نسخة منها الى دائرة معيّنة حتى يتم تسجيل كافة المعلومات. مبلغ العملية وثقب الاذن وتنظيف الأسنان بسيط جداً. أحاولُ منذ أَكثر مِن 19 سنة والى الآن، تبديل جواز سفري العراقي الذي انتهت صلاحيته، من دون جدوى. القوانين تنص على أن أجلب لهم "الجنسية العراقية " و "شهادة الجنسية" حتى يُصدِّقون انني " عراقي" ويسوون المعاملة.
"9".
في يوم ما مِن الشَهَر العاشر سَنَة 1980 ببغداد، كُنتُ آكلُ الجبن وأشرب شرَبَت الزبيب في مَحلّ، يلاصقُ مقهى "الأعيان" التي تفصلها عَن جامع " الحيدرخانة" دَرْبونَة صَغيرة جدّاً. مقهى "البرلمان" قريبة الى " الأعيان" وهي في الجهة المقابلة لها. أكو جَماعَة مِن حزب الدعوة يريدون اغتيال وزير الدفاع، عدنان خير الله. موكبه يَمرُّ كُلّ يوم في شارع الرشيد، حيث "الأعيان" والحرب مَعَ ايران مُشتَعلة.
المُهمّ. مطرب المقامات يوسف عمر اعتاد الجلوس على أريكة عند مدخل المقهى وأمامه طاولة صغيرة بضعون لهُ عليها الشاي والماء. رجال الأمن الذين يبدو انهم علموا بنيّة حزب الدعوة كانوا بانتظار المجموعة التي تريد اغتيال الوزير.
حَدَثَ اطلاق نار داخل المقهى والبعض قُتل والبَعض، هرب واطلاقة اخترقت جدار محلّ الرواف الصغير المقابل للمقهى. أثناء هذه الكارثة انقلبَت طاولة أبو يعقوب
وانكَسَر اسْتكان الشاي ووالخ. يوسف راح يصرخ:
أخوات القحبة، الشاي مالي وكَعْ. إيري فيكم".
أنا كُنتُ أرتعد مِن الخوف، وَزَربْتُ على نفسي بسبب الاطلاقات والقتلى.
رَجلٌ قال لأبي يعقوب: "استاذ يوسف، الأمن يقولون هؤلاء جاءوا لاغتيال وزير الدفاع" ردَّ عليه يوسف:
"إيْ، بَسْ مو يقلبون الطاولة ويكسْرون اسْتكان الشاي مالي أخوات القحبة؟".
"10".
تلقيت قبل سنوات، دعوة لحضور مهرجان شعري في بلد خليجي. يحضره شعراء من العالم العربي. علمتُ حينها أن شاعرات منقبات سيحضرن في هذه الكارثة. حاولت الاعتذار الى الشخص الذي وجّه الدعوة لي، وتحجَّجتُ بحِيَل كثيرة. شعراء من العصر الجاهلي. شاعرات مُقَنّعات. و الشراب ممنوع. قال لي: "نصيف تعال وكل شي راح يصير كويس. الشراب في بيتي" . أَجبتهُ: "هل تعتقد انني اترك الحانات السويدية وأطير الى....... حتّى أشرب في بيتك؟ كارثة بشرفي.
"11". قصيدة الى لالوش الشفيعة.
أُلَبِّسكِ حَمَّالَة الأثْداء وأنْتَقي لَكِ أجْمل ثيابكِ وَأدْعوكِ
الى مَطْعَم أو حانة. نَدْنو مِن الرَغْبَة فَتَخْتَطفكِ ذكرى
اللوكيميا التي تَظْهَرُ في حلمكِ الأخْرَق. في الشارع
تَتَزاحمُ الحشود وأنْتِ لا تَرْغَبين بالاكْراهات. أحْرقُ
جثَّتي وأسْتَند على مَعْصمكِ مُتَناولاً الابْرة التي تُحرِّك
رُكْبَتي. تَمْشيَة السأم في الاتجاه الخالي مِن الزَمَن، لا
يَتَلألأ فيها الشعاع المَصْبوغ بالعمى. احتمال ضَئيل
أن يَفوح مِن دموعكِ الأوكسجين والمرء يَفْتَرضُ أن
خَزَف الحفاضات بَين القبور، عَلامَة تَرْحيب برداءة
الطَقْس. تَفَرَّجْنا على ساكني الأقْفاص الذين يَقْضمون
أيَّامهم مثْلنا، لكنّ ما يشْعرنا بالأمل هوَ انَنا لا نُقَطِّب
مِثْلهم. الابتسامة كُتْلَة ثَلْج تُخفِّفُ الفَزَع مِن الإلهي
في ذَواتنا.
Comments