*** مِنْ أسْتَاذَةٍ لِلشِّعْرِ إِلى أُسْتَاذَةٍ فِي الشِّعْرِ ***
ــ ( جميلة بلطي عطوي ) المُبْدِعَةُ ضيفة نادي الشّعر ( اتّحاد الكتّاب التّونسيّين ) ــ
كانت أمسية نادي الشّعر الختاميّة في نشاطه هذا الموسم ، بعد ظُهر يوم الجمعة المُنقضي 28 جوان 2019 ، السّادسة وَالثّلاثين دون انقطاع منذ الأسبوع الأوّل من شهر أكتوبر 2018 . وَ يصحّ معها القوْل ، حقّا ، إنّ ختامها مسك . فالشّاعرة الأستاذة ( جميلة بلطي عطوي ) التي حلّت ضيفة على النّادي في هذا الإطار مُبدعة تعمل في صمت ، قبل نشر أوّل مجموعة شعريّة لها سنة 2015 وَ بعده أيضا ، ممّا جعلها تُراكم خبرة لافتة تمخّضتْ عن أربع مجاميع شعريّة هي :
ــ 1 ــ أحلام وَ مراكب : سنة 2015
ــ 2 ــ همس الحنين : سنة 2017
ــ 3 ــ فيوض الدّلا ء : سنة 2018
ــ 4 ــ أمواج من مداد : سنة 2018
وَ قد تجرّد لتقديمها ، مشكورا ، الأستاذ الشّاعر ( بوراوي بعرون ) السّخيّ دوْما في إغنا ء نشاطنا الجماعيّ بحضوره الإيجابيّ الفاعل ، وَ مُساهماته الجادّة في إضا ءة تجارب ضيوفنا وَ تجارب الشّعر التّونسيّ وَ العربيّ عامّة... وَ من بيْن عناوين ضيفتنا الشّعريّة الأربعة اِهتمّ صديقنا ( بعرون ) بالأخيرة ( أمواج من مداد ) وَ التي صدرت سنة 2018 . وَ قد اعتمد كعادته المنهج السّيميا ئيّ في مُقاربة نصوصها التي وجدها تعدّ أربعة وَ ستّين ( 64 ) ما بين قصا ئد عموديّة وَ شعر التّفعيلة وَ الشّعر الحرّ. وَ إذ قسّم عمله إلى أربعة محاور، فقد حرص الأستاذ ( بوراوي ) على أن يُلمّ بخصا ئص التّجربة الشّعريّة فنّا وَ دلالة ...
في القسم الأوّل ، وَ تحت عنوان ( المفاتيح ) توقّف الباحث عند العنوان وَ صورتيْ الغلاف مقدّما قرا ء ة خاطفة للعبة الألوان فيهما ، وَ للنّصّ الذي اختارتْه الشّاعرة من المتن ليظهر من جديد على غلاف الكتاب الثّاني ...
أمّا في القسم الثّاني وَ الذي عنونه ( بوراوي ) بِ ( الحقول الدّلاليّة ) ، فقد درس التّيمات التي حفل بها ( أمواج من مداد ) فوجدها متنوّعة بين ما هو ذاتيّ صرف يقترب من اللّواعج الرّومانسيّة ( الحبّ ، الحنين ، الغربة ... ) وَ بين ما هو مَوضوعيّ اِنشغلتْ فيه الشّاعرة بحبّ الأرض وَ الوطن وَ الحرّيّة ( فلسطين مثلا ) دون أن تكون ملتزمة في كلّ ذلك فنّيّا على طريقة المبدعين المنخرطين في المنظّمات الحزبيّة ، ذلك أنّ التزامها هنا يبدو هامسا ، خافتا متروّيا ، يتنكّب الحماسة وَ الهياج المُفرطيْن...
أمّا في القسم الثّالث ، وَ الذي عنوانه ( الإيقاع ) ، فقد توقّف الأستاذ ( بعرون ) خاصّة عند نجاح نصوص الشّعر الحرّ داخل ( أمواج من مداد ) في أن يكون لها إيقاع داخليّ أغنتْه النّغميّة المتولّدة من تكرار الحروف ، وَ خاصّة حرف الميم في علاقته بالنّون وَ الواوي وَ باقي الحروف ...
في القسم الرّابع وَ الأخير اهتمّ المُحاضر بأسلوب الكتابة عند شاعرتنا الأستاذة ( جميلة بلطي عطوي ) في ( أمواج من مداد ) فنوّه بنجاحها في اعتماد التّكثيف وَ الإيجاز بدء ا من عناوين المجموعة ، ناهيك أنّ كلّ النّصوص فيها جا ء ت متوسّطة مُتجنّبةً النّفس الطّويل ، ممّا يُبين ، حقّا ، عن تحكّم الشّاعرة في بنية نصّها وَ في التّجربة ككلّ ، فنصوصها تخلو من الثّرثرة . وَ إذ ختم الأستاذ ( بعرون ) دراسته بالإشارة إلى ما غنمه شخصيّة من مُتعة في تدبّر نصّ الشّاعرة ( جميلة بلطي عطوي ) هذا ، فإنّه سجّل ظاهرة لفتتْه فيه ، وهي خُلوّه من الومضة الشّعريّة مع أنّ الشّاعرة تشتغل كثيرا على الإيجاز وَ التّكثيف ، كما بيّنّا سابقا ...
إثر ذلك تدخّلتْ الشّاعرة ( سعاد عوني ) مُحيّية صديقتها الشّاعرة ( جميلة ) وَ منوّهة بخصالها الإنسانيّة وَ الفنّيّة ، فكان ذلك أحسن تمهيد لكيْ يستمع الحاضرون إلى ضيفتهم التي أكّدت أنّ علاقتها بكتابة الشّعر تعود إلى سنوات الشّبيبة في بيئتها في الشّمال الغربيّ ، لكنّ هذه البدايات ضاعت كلّها ، وَ إن بقيَ حبّها للشّعر مظهرا من مظاهر حبّها للّغة وَ الأدب العربيّيْن اللّذيْن فضّلتْ التّخصّص فيهما منذ مرحلة التّوجيه ، رغم تميّزها المُبكّر في الموادّ العلميّة ...
وَ قبل أن تنخرط الشّاعرة الأستاذة ( جميلة بلطي عطوي ) في قرا ء ة نماذج من شعرها في كتاب ( أمواج من مداد )، حرِصتْ على أن تُحيّيَ مُجايلتها وَ صديقتها الأستاذة المُبدعة ( فاطمة سعد اللّه ) التي كانت أوّل من حثّها على ضرورة أن ترى نصوصها النّور ليطّلع عليها القرّا ء ...
إثر ذلك كان النّقاش مستفيضا حيث افتتحه الأديب الألمعيّ الأستاذ ( عبد المجيد يوسف ) بالتّأكيد على ضرورة الوعي بقصور المنهج السّيميا ئيّ ، مثله مثل أيّ منهج آخر، عن الإحاطة بحقيقة النّصّ الإبداعيّ . كما ألحّ على أنّ أيّ نصّ أدبيّ يخلو من المرجعيّة يبقى حظّه من الإبداع ضامرا ... أمّا وَ قد اهتمّ الحاضرون بنصّ ضيفتنا مباشرة فقد أثنوا على رصانة لغة الشّاعرة وَ على تحكّمها الواضح للعيان في أدواتها الفنّيّة . فالشّاعرة ( جميلة بلطي عطوي ) مُتخرّجة في الجامعة التّونسيّة أستاذة للغة العربيّة منذ سبعينيّات القرن الماضي ، وَ تدريسها لعيون الأدب العربيّ طوّر موهبتها وَ صقل لغتها وَ أغنى ذا ئقتها الفنّيّة.
*** عـــــــــبــــــد الـــــــــعـــــــــزيز الـــــحـــــاجّـــــــي ***
Comentários