حين صعدت روح مؤنس الرزّاز إلى بارئها عام 2002 في مستشفى لوزميلا باللويبدة كنت هناك، وكان شقيقه د.عمر " رئيس وزراء الأردن اليوم " أيضاً قريباً وبعض أصدقاء مؤنس المقربين، أول شيء فعلته اتصلت بالدكتور خالد الكركي لأبلغه بالأمر، واتصلت بعدها بأمجد ناصر في لندن كي ينشر الخبر مستعجلاُ في القدس العربي، وقد تبادلنا الصدمة معاً والبكاء، وكان علينا جميعاً أي المتواجدين قرب جثمانه أن نذهب إلى بيته غير البعيد لنعيه لأمه السيدة لمعة بسيسو.
ذهبنا جميعاً وأذكر من بيننا يوسف الحسبان، ومحمد القيسي "صديقه رجل الأعمال وليس الشاعرالمعروف"، ونبيل الخطيب ود. الكركي وربما هاشم غرايبة إن لم تخني الذاكرة.!
كيف يمكن لنا أن نخبر والدته أنه قد مات الآن، وهي تعرف أنه قد تعب قليلاً وذهب إلى المستشفى للعلاج وقد يعود إليها كعادته مشياً..!
حين وصلنا البيت كان كلّ واحد منا يدخل إلى هناك مقدما رجلا ومؤخراً الأخرى فمن يستطيع أن يخبر أماً عن موت ابنها؟ لهذا كنا نعود منتحبين بشدة فيما السيدة ترفض تصديق أن مؤنس قد ذهب بعيدا وتركها..!
كان عمر حينها بكامل صفائه وحزنه، وعلى كاهله يقع إرث والده الضخم وسمعة أخيه الأديب الكبير و"عموم عشائر الرزايزة" كما كان مؤنس يحب أن يطلق عليهم متفكهاً فقد كان الرجل لوحده في الأردن تقريبا إضافة الى ابنه وابنته وأخته، وفي العزاء جاء عمه أو أحد أقاربهم من عائلة الرزاز من حماة، وهذا لم يصنع فارقاً عندنا جميعا من محبي مؤنس وإصدقائه وآخرين من أتباع فكر والده.
لا زلت أذكر أيضا تلك الكلمة التي ألقاها د. عمر في حفل اصدار أحد كتب والده في مكتبة عمان لأسامة شعشاعة صديق مؤنس الأُثير، ولقائي الأخير معه صدفة في البحر الميت حينما كان ضيفاً على احتفالية رواق البلقاء لإصدار كتاب عن الخبز كما أذكر.
أقول هذا وأنا أرى الرجل قد انغمس في السلطة حتى رأسه سواء عن تخطيط منه أو صدفة، ففي النهاية هو على رأس السلطة اليوم في الأردن، وكيف أن كل خبراته الثقافية العميقة وإرث والده الفكري، ومعاناته من السلطة نفسها بالأمس لم تتمظهر في تفاصيل قيادته لهذه السلطة اليوم، فما قدمه الى الآن شيء متواضع، ويكفي أنه في الجانب الثقافي لم يفعل شيئا سوى زيارة كشك أبو علي الذي زاره كل المسؤولين وكأنه مكتبة الكونغرس متناسين عشرات دور النشر والأكشاك في عمان وغيرها، ولم نر شيئا خاصا لرابطة الكتاب ولا دعما خاصا للأدباء أو زيادة ميزانية وزارة الثقافة مثلا..!
أما في الجوانب الآخرى السياسية والاقتصادية وغيرها فالتخبط ما يزال سيد المشهد..!
بدأنا بالحزن على رحيل مؤنس الذي من المؤكد أنه سيكون حزينا اليوم على ما آلت إليه أمور أخيه وقبوله هذا الدور الكبير دون الفعل الكثير ودون أن يترك أي بصمة حقيقية سوى بعض الندبات هنا وهناك..!
Comments