لا قبر للشاعر سوى سكناه في الأحرف التي اختار{الصغير أولاد أحمد يصدح صوته عاليا في رحاب اتحاد الكتاب

*** لَا قَــــــــبْـــــرَ لِـــــــلـــــــــشَّـــــــــــــاعِـــــــــــــرِ سِـــــوَى سُـــــــــكْـــــــنَـــــــــاهُ فِـــي الـأَحْــــرُفِ التِــي اخْـــتَـــــــارَ *** الشّاعر ( محمّد الصّغيّر أولاد أحمد ) يَصدح صوتُه عاليا في ذكراه الثّالثة في نادي الشّعر ( اتّحاد الكتّاب التّونسيّين )

اِكْتَسى الحضور النّوعيّ وَ العدديّ لأحبّا ء الشّعر في أمسية ناديهم التّابع ( لاتّحا د الكتّاب التّونسيّين ) أهمّيّة رمزيّة دالّة الأسبوع المُنقضي ، فقد تزامن يوم الجمعة 5 ـ 4 ـ 2019 مع إحيا ء الذّكرى الثّالثّة لِرحيل الشّاعر( محمّد الصّغيّر أولاد أحمد ) الذي كان ، وَ لا يزال له ، في قلوب التّونسيّين المنزلة التي اكتسبها عن جدارة بفضل صوته الشّعريّ العالي وَ بفضل نضاله من أجل القيم السّامية التي آمن بها خلاصا لوطنه وَ لأبنا ئه من أنظمة الاستبداد المُهيمنة منذ عقود ... وَ هكذا فقد حرِص جميع الحاضرين على تحيّة روح الشّاعر بطريقته الخاصّة ، فبعضهم قرأ من أشعار الفقيد ، وَ البعض حيّا ه بقرا ء اتٍ من نثره الجميل في كتابه الممتع ( تفاصيل ) ، أمّا الآخرون فقد أهدَوه قرا ء اتٍ من أشعارهم الشّخصيّة المُتفاعلة مع سيرة الفقيد حينا وَ مع ذكراه حينا آخر ... وَ كانت مُحاضرة الأستاذ الشّاعر ( بُوراوي بعرون ) وَ التي وردتْ تحت عنوان ( تونس في شعر " أولاد أحمد " : مُقاربة سيميا ئيّة ) هيَ فاتحة نشاطنا حيْثُ تطرّق الدّارس لِسيميائيّة كلّ من العنوان وَ التّصدير وَ جميع مفاصل النّصّ الشّعريّ في نماذج من كتابات ( أولاد أحمد ) مُؤكّدا أنّ شاعرنا الإشكاليّ وَ اللّافت في الشّعر التّونسيّ المُعاصر نجح في أن يُحلّ وطنه ( تونس ) في شعره منزلة الأيقونة ممّا يكشف عن مُطلق الوفاء له ، وَ ذلك منذ إصداره لباكورته الشّعريّة ( نشيد الأيّام السّتّة ) التي تضمّنتْ قصيدا عنوانه ( تونس ) يلهج فيه ( أولاد أحمد ) بحبّه لتونس وَ لا يرتضي قبرا لهُ في مماته سوى حروف اسمها الأربعة ... أمّا المُحاضرة الثّانية ، فقد اختار لها الأستاذ الشّاعر ( المُختار المُختاري الزّاراتي ) عنوان ( سياحة حُرّة في أشعار شاعر مُفرد بِصيغة الجمع ) . وَ لئن استهلّ الدّارس كلمته هذه مُذكّرا بظروف ولادة الشّاعر الرّاحل وَ نشأته في ( سيدي بوزيد ) ثمّ تلقّيه تعليمه في مدينته وَ في العاصمة وَ خارج البلاد ، فإنّه توقّف لاحقا عندما نماذج من شعره وَ نثره ( بالأخصّ في كتابه " تفاصيل " ) دالّة ، حسب الزّاراتي ، على أنّ أولاد أحمد إضافة إلى كوْنه شاعرا مُلتزما بالكلمة وَ في الكلمة فهو مثال للمُثقّف العضويّ الذي نذر حياته لقضيايا وطنه وَ أمّته وَ الإنسانيّة جمعاء ، فقد ارتبط في مسيرته الحياتيّة وَ الإبداعيّة بالقوى الحيّة في البلاد من طلبة وَ عُمّال وَ مُنظّمات تقدّميّة وَطنيّة وَ عالميّة ممّا جعله مُلاحقا في كامل مراحل حياته من قِبل البُوليس السّياسيّ حتّى أنّه سُجنَ وَ حُوصر في عمله وَ حياته اليوميّة جرّا ء نضاله هذا ...

وَ إذْ فُتح النّقاش فقد تفاعل الحاضرون بالإيجاب مع ما استمعوا إليْه في المُحاضرتيْن مُجمعين على أنّ فقيد الشّعر التّونسيّ وَ العربيّ نموذج ساطع للشّاعر الذي حقّق التّوازن الخلّاق بين التّجربة الفنّيّة الدّالّة على تمكّنه من أدوات صنعته الإبداعيّة ، وَ بين التّجربة الحياتيّة التي كرّس فيها انتما ء ه عمليّا لوطنه وَ للقوى الحيّة فيه ، وَذلك بشجاعة نادرة ، وَ ليس أدلّ على ذلك من شراسته في التّصدّي لآفة الإسلام السّياسيّ وَ مُخطّطاته في الإجهاز على مكاسب المجتمع في تجسيد أوجه من قيم الحرّيّة وَ العدالة في حياتنا المُعاصرة ، دون أن ننسى طبعا علوّ همّة فقيدنا في النّضال ضدّ استبداد العهديْن البورقيبي وَ النّوفمبري ... وَ لعلّ أهمّ ما يُمكن الوقوف عنده في ختام هذه العُجالة هو التّوصية التي تقدّم بها أحد الحاضرين وَ نالت استحسان الجميع وَ التي مفادها أنّه لابدّ من الانكباب على دراسة مُنجز الشّاعر ( أولاد أحمد ) الفنّيّ بِقطع النّظر عنْ علاقته المُباشرة أوْ السّببيّة بمضامين نضاله وَ صِيته الذي قد يكون غطّى على قيمة إبداعه ، وَ ذلك حتّى يُنزّل شعرهُ التّنزيل الذي يستحقّه في الشّعريّة العربيّة المُعاصرة .

***عبد العزيز الحاجّي***