دخل ابني عليّ بينما كنت منهمكة في غسل الصحون وهو ينتفض من شدة الخوف. كنت مهيأة نفسيا لمثل هذه الوضعيات أو هكذا اعتقدت . فقد أعلمتني أمي منذ سنوات أن هذا الأمر سيحصل معي ذات يوم ...وأخبرتني أختي الكبرى بنفس الشيء أيضا، حتى صديقتي التي تزوجت قبلي وبعد أن أنجبت ابنها البكر نبهتني إلى ضرورة هدوء الأمهات أمام مخاوف الأبناء.. أخذ ابني يصف لي ما رآه في الشارع والذي جعله يشعر بالذعر والعودة إلى المنزل. هناك على الناصية كان يقف رجل غريب ملتح يلبس جلبابا بني اللون. ذقنه الكثيف الأسود أرعب ابني وأصدقاءه الأربعة ، جلبابه الطويل ، ساقاه الكبيرتان، أظفاره السوداء ، قذى عينيه ....اتصالاته المتكررة ، ردوده المبهمة ، توتره ، اختفاؤه المفاجئ عودته على عجل، كل تلك الأشياء جعلت من ذاك الرجل مشوها في ذاكرة ابني وأصدقائه .كان فزع ابني وعودته إلى البيت شاحب الوجه بدافع الحب ليس أكثر ...الحب قرين الخوف عند الأطفال...الحب قرين الخوف على الأم عند الأطفال ...كان هدوئي لا مبرر له سوى أني أم من واجبها أن تتقن دور الهدوء في كل الأحوال...
بقيت أستمع إليه في صمت وهو يلوي أصابع يدي اليمنى تارة ويسحبني من ذراعي الأيسر نحو النافذة المطلة على الشارع لأتيقن من صدق ما يقول تارة أخرى ... هناك على الناصية لا أثر للرجل الذي حدثني عنه ابني وكم تضاعف خوفه من طمأنينتي التي لا تتلاءم من وجهة نظره مع الكارثة التي قد تحدث لنا بين لحظة وأخرى...حاولت قدر الإمكان أن أخفف عنه بكلمات تقولها كل الأمهات في هذا العالم حين يجدن أنفسهن في موقف مشابه لهذا الموقف...حاولت أن أوهمه أن لا شيء يستحق كل هذا الرعب فالأمن مستتب والدليل أننا سنسافر مساء في عطلة ...ووجدت أن علي أن أقدم لابني قطعة من الكيك المغلف بالشكلاتة كما تفعل كل الأمهات في وضع مشابه ...الكيك و الشكلاتة يقضيان على الرّهاب في البيت... وبالفعل لقد نجحت بفضلهما في ابهاج ابني الذي عاد إلى اللعب مع أصدقائه وكأن شيئا لم يكن ، هكذا بدا لي ...مساء رجع زوجي من العمل وكنت قد هيأت كل شيء وانطلقنا مباشرة باتجاه الساحل ... هناك ، ترى الخوف أقل ...هناك يدافع البحر عن الحياة ...هناك يبدو هدوء الأمهات حقيقيا وبهجة الأطفال لا حدود لها ورغم كل ذلك شعرت بانقباض ...وصلنا إلى النزل وكانت الطريق آمنة جدا وما إن دخلنا قاعة الإستقبال حتى فوجئنا بفوضى عارمة...بالبهو تجمهر الأمنيون يطلبون من النزلاء ملازمة الحذر من رجل غريب ملتح ومسلح ،يلبس جلبابا بنيا ..حينئذ تلبسني خوف أسود ، ربما أكثر من كل الأمهات الموجودات ولكنه خوف مشوب بالرضا. لا أحد يعلم حتى زوجي أني أخذت محمل الجد ما أخبرني به إبني واتصلت بالرقم الأخضر ... والأهم أني لم أخبر أحدا من المحيطين بي ممن أحبهم أن القلق هو وجه من وجوه أمومتنا الحقيقية الذي نخشى الإعتراف به.. ذات مساء أخبرني ابني ضاحكا وقد صار شابا أنه كان يخفي كرهه للكيك والشكلاتة خوفا أن أراه طفلا غريبا ليس جديرا بقلقي عليه
Commentaires