لا جدوى من الشعر، لكنه يستطيع تكثيف غبطتنا بالوجود .
الشاعر الإيطالي إميليو بيكُّلو
"1".
كُنتُ أحْفرُ عَميقاً في الأرض حتَّى ظَهر لي الكلس، وكنتُ أظنُّ انني سأعْثَر على عظام الموتى. ظَهَرت مرآة كبيرة، اصطَدمت بي وحوَّلَتْني الى كومة مِن العظام.
"2".
غَزَلْتُ الصوف بَعد نَوم القَيْلولة ونسجْتُ أكثر مِن قَلَنْسوَّة وأعلمُ أن الديون التي بذمَّتي، يَجب اسْتيفاؤها مِن قبل الذين قَدَّموا لي الدَعم. الاعتقاد في أن الغنى يديم صحّة الانسان، باطلٌ ويُدنِّسُ الايمان. أكثَر الذين نَجوا مِن الطوفان كانوا ملاحدة وطَفوا على خَشَب المغازل. كانت مخطَّطاتهم منذ البداية تَجنّب سخط الإله وتأنيبه لَهُم، وفي عبورهم الى الضفّة الأخرى مِن العالم. ضَمنوا استَحالة اللحاق بهم.
"3".
جالساً على تلَّةٍ أنظرُ الى العائلة تَغْرقُ في الطوفان، وأخمِّنُ انَّني سأكون المتضرّر الأكْبر. لَسْتُ مَديناً الى إله مُعيَّن ومَع أن حَياتي مُهْتَزَّة على الدوام، فقد سافرتُ الى بلدان كثيرة ورأيْتُ اندفاع الشعوب صَوب الحُفْرة ولَم أتأثَّر بالمبالغات في وَضع الذَهَب على أهْداب اللَّيل. الاستعفاء مِن الواجب وفَّر لي امكانية انفصالي عَن الغير، ولَم أشْتَبك مَع مُعْجزة تَجنّب المَوت. عندما لاحظ بَعض الغَرقى أن لَيس بمَيْسوري انْقاذهم، اسْتَنْتَجوا أن التلَّة التي أجلس عَلَيْها ستكتظّ بمرايا الاغتيال المُفْتَرسة. في النهاية زَحَفَت باتجاهي ظلال المرض متراصَّة وَجرَّدتْني مِن العافية. المرض سائق عَرَبة الاغتيال.
"4".
ذَبَلت الأوراد وانْتَشَر النسيم الحار للدموع في الطرق، والسيَّارات التي تَحْملُ الجَنائز مَريضة ويلفّها عَدم الاتزان. الحَياة المَدنية مُدمَّرة وَمُفْزعة والميْزة الوحيدة للذين لَم يَتمّ سَوْقهم بالاكراه للحَرب، هي انتظارهم دعوة التَدْريب على الأسْلحة. شَباب بعمْر الزهور ذَهَبوا أضْحيات قُرْبانية، وكان الواجب أن يشاركوا الملائكة القُرْب مِن الله. تدير الدَولة كُلّ شَيء وتَتَدخَّلُ في التَرْبية العائلية لكن مؤسساتها القضائية، لا تعير الانسان أيَّة أهمّية وأحْكامها لَيْسَت عادلة دائماً. المصْدر الرئيسي للتَشْريع هوَ هذيان الطاغية الذي يتمّ توقيره عبر الولاء الأعْمى.
"5".
مَع البَشَر أنظرُ الى الدفء تطْلقهُ المَواقد، والسأم يَرنّ ولا أحد يَجْرؤ على اظْهار ما يتَبرَّم مِنه. القَمح في العالم يَموت في أرْديته الثقيلة، وأنا أرْغَبُ في مصادفة، أزنُ فيها ثقل ألم الهجْران. السحب اللمَّاعة تشْبه رفْرَفة أجْنحة الطيور، ولا جَفن للذين خلَّفْتهم وَرائي يَرْمش. اعْتدتُ الحذر مِن النَوم بالمَلاجىء، فتصدَّعتِ الذكرى وَنَزَفَت كُلّ لحظة عشْتها أترقَّبُ مَجيء الغُصن أو شعْلة أتخلَّصُ فيها مِن الكريه والعادي. تتلاقى الجَسارة مَع الخمول ولَيْس بامكاني، تقديم تَنازلات بَعْد هذا العُمْر الذي أفْنَيْتهُ أتعذَّبُ في ضآلة الحيّز الضيِّق للبَيْدر. ظلال البيت الصامتة، حجارة القَبْر. الباخرة العاطفية للرحْلة الى المحْبوب. بَيادر تَخْلو مِن الأسرَّة ويسْقط عَليْها نَدى جَمال الحُبّ القائظ.
Kommentare