لا تنزل من مقامك فإنّي صاعدة إليك
زميلي المحترم،
قرأت بكل استغراب مقالك الصّادر في جريدة الصباح بتاريخ 24 أفريل 2019 و انتابني شعور بالأسف و خيبة الأمل و قلت لنفسي: تمخّض الجبل فولد فأرًا ! يا للخسارة ! هل أشهر جعيّط إفلاسه بهذا المقال الذي لا يليق به؟ هل فقد ملكة النّقد العلمي و سقط في فخّ السّب و التّشويه؟ و أعتقد أنّك كنت واعيًا بهذا السّقوط حيث تحدثّت بنفسك عن "نزولك من مقامك". فِعلاً لقد نزلت من مقامك لا لأنّك كما تتصوّر قد خصّصت مقالا لزميلة لك تعتبرها "متحيّلة" بل لأنّك بأسلوبك الفظّ و عباراتك العنيفة و اتّهاماتك غير المعلّلة بيّنت عجزك المخجل عن الجدال العلمي وكشفت عن افتقادك لأبسط مقوّمات الأخلاقيّات الأكاديميّة فعوض أن تناقشني اتّهمتني في شرفي و تحدّثت عن "تحايلى" و"تزويري" و "مغالطتي". ما دليلك على ذلك؟ فالبيّنة على من ادّعى يا زميلي المحترم وإن لم تقدّم الحجّة و البرهان تصبح أنت المتحايل والمغالط. كنت أتمنّى أن أقرأ نقدا منهجيّا لعملي و أن تبيّن لي مواضع الضّعف ـ إن وُجدت ـ حتى أتعلّم منك و أتحسّن بدلًا عن ذلك أطلقت العنان لعدائيّة مجّانيّة تسيء إليك قبل أن تسيء إليّ.
بالطّبع بإمكاني أن انساق وراء هذا السلوك العنيف و أن أكيل لك بوابل من الشّتائم و أن اتّهمك بالغطرسة و الغيرة والحقد و الهذيان كما اتّهمتني بالتّحايل و التّزوير و الجهل و الغباوة و لكني أترفّع عن ذلك فالسّب و الشّتم في متناول الجميع حتى المعتوهين. وحتى أنقذك من هذا السّقوط المدويّ أقترح عليك فرصة للتّدارك بدعوتك إلى نقاش علمي أترك لك أولويّة اختيار مكانه و تاريخه.
ولقد تساءلت عن سبب هجومك الشّرس عليّ : ربّما أزعجك النّقد اللطيف الذي وجّهته لك في كتابي عن الأيام الأخيرة لمحمد حيث بيّنت أن بعض استنتاجاتك تحتاج الى شيء من التّنسيب وقد كانت ملاحظتي معلّلة وفقًا للمعايير الأكاديميّة. ربما أزعجك الطّابع السّردي لكتبي الذي جعلها في متناول القارئ غير المختصّ ومكنّها من رواج واسع و في هذا الموضع تسرّعت في القيام بخلط فضيع في المفاهيم بين الرّوايةroman والسّردrécit و هنا بصراحة لا ألومك فأنت غير مختصّ في النّقد الأدبي و هذا لا يؤهّلك للتّمييز بين الجنسين. لذا أغتنم هذه الفرصة لدعوتك لقراءة كتاب الفيلسوف الفرنسي بول ريكورTemps et Récit حتى تفهم البعد الأبستمولوجي للسّرد في كتابة التاريخ.
ربما أزعجك أنّني منتمية للمركز الفرنسي للبحث العلمي CNRS و هذا ليس ادّعاء كما تقول بل أمر واقع و هنا وقفت عند الهوّة الشّاسعة بينك و بين زملائك في فرنسا فعندما تقدمّت منذ سنوات بمطلب للانضمام لهذا المركز المرموق كما تقول رحّب بي مديره قائلا لي :"نحن نشجّع كل المبادرات و نحاول الانفتاح على كلّ الاختصاصات". تشجيع، انفتاح. هل تعني لك هاتان الكلمتان شيئًا؟
ربما أزعجك انّني اقتحمت ما تعتبره مملكتك و هنا أعلمك بأنّ تاريخ الإسلام ليس ملكا لك و لا لغيرك فالمجال مفتوح لجميع الباحثين ما داموا يلتزمون بمعايير الدّقة و النّزاهة العلمية وهذا ما حرصت عليه و الكمّ الهائل من الهوامش و المصادر في كتبي دليل على ذلك (في الرواية لا توجد لا هوامش و لا بيبليوغرافيا). ربما أزعجك أن كتبي تُنشر في واحدة من أعرق دور النّشر الفرنسية و أهمّها والتي لا تغامر بنشر كتاب في موضوع حسّاس، دون أن تعرضه على لجنة قراءة من المختصّين وهذا الأمر تعلمه جيّدا فأنت أيضا تنشر كتبك في دور نشر فرنسية عريقة ومهمّة. أذكّرك هنا أنّ لي شرف نشر كتبي في دار تنشر كتب محمد أركون و محمد الشّرفي و عبد الوهاب المؤدب و غيرهم من القامات الفكريّة. ثمّ من أين لك الحديث عن خلفيّاتي الإيديولوجية؟ ماذا تعرف عن ميولاتي الفكرية و مواقفي السياسية؟ هل لك أن تذكر جملة واحدة في كتابي تبرّر هذا الادّعاء؟ لقد تحوّلت مع الأسف من رجل علم الى شيخ إفتاء في محكمة تفتيش عن النّوايا! ماذا أقول لك في ختام هذه الرسالة؟ هل ألعنك كما لعنت فاطمة أبا بكر الصديق لما قالت له :"لأدعوّن عليك في كل صلاة أصلّيها" عندما حرمها من ميراثها كما تحاول أنت حرماني من الإرث المعرفي؟ بالطّبع لا ! ففاطمة المسكينة لم يكن لها حول و لا قوّة أمّا أنا فإنّي واقفة على أرض صلبة ولن أقول لك :"لأدعوّن عليك في كل كتاب أكتبه" بل أدعوك الى مبارزة فرسان.
و السّلام
هالة الوردي
أستاذة تعليم عال بجامعة منوبة"
Comentários