كتاب جديد لابنة قليبية سونيا عبد اللطيف
عندما تنفجر *همسات الموج* فتصبح هديرا.
.......................
درس في اللغة.. من خلال نصوص
**ميتروهات وهدرات*..
....................................
قد تكون جاءت متأخرة الى الحراك الثقافي المباشر في دور الثقافة ومراكزها وفضاءاتها وجمعياتها تطل برأسها في خفر وفي خجل الا انها لم تأت بلا رصيد يخول لها فرض الذات إذ بسرعة تمكنت من الحضور بكتاباتها الشعرية الناضجة وبقدراتها على أن تثبت قدرتها على المسك بزمام الأمور اذا ما تحدثت بهدوء اوناقشت في احترام الآخر فافتكت بلباقة جميلة مكانتها في صدارة التنشيط وإدارة حوارات الأدب والشعر لأنها تعد لها بذكاء مع تهيئة العناصر التنشبطية بنجاح . ..
هي الصديقة الجديدة سونيا عبد اللطيف التي لم أكن أعرفها رغم أننا من نفس المدينة.. ليس عن جهل او تجاهل بل لأنها لم تحفل هي بكتاباتها.. ولم تخرج بها إلى العلن الا في السنوات الأخيرة اختيارا منها. او وفق ظروف لم تساعدها من قبل على الظهور... فقد كانت غارقة في حياة المدرسة ومهنة التعليم والزوج والأبناء.. ومع تقدم الزمن تخلصت من بعض المشاغل المكبلة.. وتقدمت بما كانت تكتبه وتخفيه. وقالت ها أنذا..
جاءت اذن الى الساحة محملة بشعرها وكتاباتها الأدبية المختلفة فأصدرت كتابها الأول المتمثل في مجموعة شعرية بعنوان *امرأة استثنائية * عام 2017 أردفته بمجموعة ثانية بعنوان *بجناح واحد أطير.. *بعد سنة.. وفي الأثناء بعثت منتدى أدبيا بآسم همس الموج وآختارت هذا الاسم لصفحتها الفايسبوكية.. فعرفت به.. ربما أكثر من إسمها سونيا عبد اللطيف ربما لأنه إسم شاعري.. وإن كان للموج هدير أيضا ولا يهمس الا لمحبيه...وفي نطاق هذا المنتدي كانت لها جلسات جميلة في قليبية في فضاء *سيدي عبدالسلام.*هناك حيث تعرفت عليها وسمعت صوتها الادبي لأول مرة ..
وبين المجموعة الأولى والثانية كتابات نقدية متنوعة ومقالات مختلفة في الصفحات والمواقع الأليكترونية و أنشطةأدبية وقيادة نادي الشعر في جمعيةابن عرفة الثقافية في قلب المدينة حيث تتخذ دار السليمانية مقرا لها وكاتبها العام هو الشاعر الصديق سوف عبيد الذي عرفته شاعرا منذ بدايات الطريق في الجامعة قبل حوالي خمسين سنة..كما أشرفت سونيا على تنشيط عدة جلسات أدبية وفنية وفكرية في اتحاد الكتاب التونسيبن بمفرده او صحبة الشاعر عبد العزيز الحاجي.
وها هي تخرج علينا.. أو إلينا.. حسب ما نفهمه أو نتحسسه من النصوص التي تقترحها بكتاب جديد نشرته عن دار المسار للنشر والتوزيع التابعة لاتحاد الكتاب التونسيبن اختارت له عنوان **ميتروهات وهدرات **.. وهو عنوان طريف.. لمجموعة من المقالات هي يوميات.. او كأنها يوميات.. وهي مذكرات.. وليست كما المذكرات.. وهي بعض سيرتها.. وان كانت لا تبوح فيها بكل شيء.. وهي سرديات قصيرة خاطفة.. وإن كانت لا تلتزم دوما بالقصة او الأقصوصة.... وأقول.. إنما الكتاب يضم بين دفتيه ما جاشت به الخواطر والأفكار و الأيام والهموم.. هو بعض من حياتها اليومية في العمل وهي أستاذة تعليم ابتدائي ومع النقل في الميترو.. ومع الحافلات الصفراء والتكسيات.. ومع الأصدقاء والصديقات أن كانوا في المدرسة أو من الجيران او هم رفقاء الرحلات القصيرة المتعبة المثيرة....خاصة في
الميتروهات التي تاكل أوقات الناس وتضيع جانبا كبيرا من حياتهم في التقل.. هي فضاد يومي للتعب والهموم.. ولكن أيضا هو المتوفر لأسباب التنقل والعمل واللقاءات واكتشاف الناس والتعرف على مشاكلهم وقضاياهم.. والاقتراب منهم جدا. فيحدث نفور من بعض ما ياتونه من فساد وجرائم وفي ما يتخذونه من مواقف تبرز عادات نجلها أو نرفضها وفيما يقومون به من أعمال مقرفة او مؤلمة فنغضب ونثور او نحب ونتعاطف وقد نبكي.. وقد نثور...
الميتروهات المتعبة وفرت لسونيا الفرص تلو الفرص لتعرف اكثر.. لتكتشف المعادن.. لتعرف حقيقة المجتمع لا يعرفها من التزم السيارة.. اوالقدمين.. والحقيقة حتى أن السيارة فلها عالمها وامتسافاتها.. والمشي على القدمين له سحره في َعوالم الناس من منظور آخر
وسونيا لا تنظر فقط.. ولا تتعب فقط.. وتسكت او تثور ثم ينتهي كل شيء مع نهاية اليوم.. . من أجل متاعب أخرى في الغد.. وهكذا.. انها لا تسكت.. ولا تتحمل الأذى دون أن ترد الفعل أو هي تشارك الفرح في صمت.. بل هي لما تعود إلى البيت تختلي بعد متاعبه هو ايضا بنفسها فتستنطقها.. وتسرد على الورق ما عاشته وما رأته.. في مقالات او قصص او خواطر أعطتها صفة هي الهدرات.. أكثرها تحمل مواقفها من السلطة والثورة وكل ما جاءت به من أوضاع أقلقت أناسا أو اساعدت غيرهم.. وسونيا نن الذين يرون ويلاحظون.. فاكتشفوا أن الكوارث التي أحدثتها الثورة كثيرة..
ومن هنا كان العنوان.. *ميتروهات وهدرات*
.. واذا كانت كلمة الميتروهات أجنبية ونحن أدخلناها في لغتنا لأننا لم نسمها نحن بل سماها مخترعها.. وهو يعرف لماذا.. أطلق كلمة المترو على هذا القطار الذي يمزق المدن بحركاته اللطيفة على السكة مثل القطار وآنسيابه بين الشوارع واذا ضاقت به فهو يبقر بطون المدينة ويترك تحتها وفي إمكان أخرى ابعتلي الجسور العالية وحلق في السموات مرتفعا كما في اليابان. وها هو يلتحق بمدينة دبي في حراكه اليومي الدقائقي.. اذن فلا هو حافلة ولا هو قطار.. إنه وسيلة نقل.. قديمة في باريس مثلا لكنه وافد علينا إذ هو من أبناء نهاية الثمانينات.. ولكنه بسرعة أصبح جزءا من حياتنا كما الهاتف الجوال واقتحامه للتكنولوجيات الحديثة في ثورتها اليومية التي تأتي كل يوم بجديد يبهر ويثير ويسعد ويقلق ايضا.... ا
اذا كانت المتروهات اذن كلمة أجنبية وهي وسائل نقل فضاءات اللقاءات الإنسانية فإن الهدرات كلمة دارجة تونسية..وتوجد بقوة في الجزائر مع معاني أخرى.. نجدها مفهومة في المشرق لكنها غير مستعملة هي جمع هدرة.. والهدرة هي الحديث هي الكلام أو
هي طريقة في التعبير ونقل الحكايات. وسردها
نقول هات نسمع هدرته اي نسمع ما عنده وهي تعني أشياء أخرى في الذهنية العامة نقول فلان يهدر.. اي يتحدث كثيرا .. وهو صاحب هدرات ربما صاحب كلام.. او ايضا صاحب مشاكل.. وفلان هدرة اي انه مهم وهدرة ياسر.. اي اكثر من اللزوم او فلان يحسب نفسه هدرة كبيرة اي مهم جدا.. وهو لا هدرة ولا هو اي شيء... ويمكن أن تستعملها في الشكر.. نقول مثلا فلان والله هدرة فيه...يستحق الذكر..
وهذه الكلمة الدارجة متأصلة في اللغة العربية الفصيحة.. ولها مئات المعاني ولا أبالغ.. وهي قريبة جدا للمعاني في الدارجة.. التونسية او الجزائرية هي من فعل هدر اي أحدث صوتا داخليا.. نفهمه من النقيض الي النقيض.. فالحمام يهدل.. ويهدر اي يردد صوته في حنجزته... والرعد يهدر او له صوت مرعب .. والسماء تهدر اي تمطر.. والمطر تهدر اي لها صوت عال.. مخيف. والجمل يهدر بازعاج.. والأسد يدار... وايضا هو يهدر.. والجمل يهدر اذا ما ما ردد الصوت في حنجرته.. واذا اخرج صوته تغير المعنى فيلبلب.. وهناك كلمات أخرى لاصواته المختلفة..
وطبعا البطن تهدر.. بعد انتفاخ. أي تقرقر.. والسيارة تهدر.. فلها هدير... و الطنجرة تهدر اذا غلا الماء فيها.. وحتى الجدار يهدر قبل السقوط.. والبحر والنهر والعاصفة لها هديرها.. بأنواع مختلفة ووفق ما نحس به. فالهدير يكون مقبولا وجمبَيلا ومؤثرا وأحيانا هو مقلق ومزعج وسافل.. وقاتل... وهذه الأحرف الثلاثة معاني أخرى مغايرة تماما.. اهدر.. او تكلم بالوعيد.. القبيلة أهدرت دم واحدا. منها لأنه أتى عملا مشينا و خالف رئيسها.. وأهدر فلان حياته اي أوضاعها ونقول بالدارج أضاع حياته في الهدرات الفارغة. وأهدر ماله اي اضاعه بلا معنى ودون أن يكسب منه منفعة.. واهدر حبه.. أي أضاع من يحب وفيها بعض ندم..
ونقول أيضا فلان هدار بالتشديد.. أي كثير الكلام.. ولكن أيضا قوي الهجوم بالكلام... والبحر هدار.. والنهار هدار... اي لا تختلف عن كلمة غدار فإذا هدر البحر فقد يغدر بك.. واذا هدر النهر الكبير
فابتعد عنه...
إذن فإن ما كتبته سونيا عن حياتها اليومية من هدرات جمعت فيها كل المعاني التي أوردناها في مختلف مواضيعها ومواقفه وتجلياتها فالهدرات التي سردتها جميلة حينا. و مزعجة ومرعبة أحيانا.. لطيفة مرة. لها مرارتها الشديدة أحيانا... فهي هدرة لها صوت مرعب كالبحر في هديره الثائر بأمواجه التي لا تحب أحدا اذا ما قررت الهجوم على الشواطئ فقد تتحول إلى تسونامي.. والجمل في هديره الغاضب لا يرحم..
وسونيا كذاك في هدراتها وهديرها هادئة أو غاضبة.. متسامحة او كارهة.. تشكلت لها بما سجلته منها مجموعة من النصوص..أرادت أن تشاركنا بها ما عاشته
بعضه نعرفه بدقة لأننا شركاء في المترو والتنقل.. واللقاءات مع الوجوه التي لا نعرفها أو الأليفة لنا.. نحبه أو نكرهها.. تقبلها او نرفضها...
وفي كلمة.. أكتبي يا سونيا.عبد اللطيف.. اكتبي بهدير الصباح وهدير المساء وهدير الاسحار على طريقة سمير العيادي إذ نشر كتابا في القصة سماه **هدير الصمت في الأسحار ** هو تماما مثل عن ان كتاب شعري لمحمد الحبيب الزناد *صخب الصمت *
فالصمت يتضمن في أعماقه هدير داخلي لا يخرج.. والأسباب مختلفة. قد يكون خوفا من الآخرين او خوفا من الله.. اومن السلطة..... هو هدير مختنق.. واذا انفجر همس الموج أصبح هدير الموج....
...
ملاحظة
كتب الشاعر الناقد السيد أبوبكر العموري مقدمة مهمة للكتاب بعوان *بورتريه للسرديات الشعرية لدي سونيا عبد اللطيف... جادت إثر التوطئة لصاحبة الكتاب.
Comments