امتدّت يداه إلى آلة قياس الضّغط الإلكترونيّة ..
كان كعادته مبتسما رغم تجاعيد الزّمن الّتي حفرتها الأيّام على جبينه المتغضّن .. متألّق النّظرة رغم اختفاء العينين وراء بلّور النظّارات السّميك ..
كان يهشّ لرؤيتها لأنّه يراها ابنته أوّلا ولأنّه يرى فيها أفضل مثال لرجولة حوّاء عندما يحاربها الزّمن وتستهدفها الأنواء ..
مدّت ذراعها في إعياء أنكره منها ...مازحها بقوله أنّه سيختار زوجة أخرى لزوجها مثلما اختارها هي له .. ابتسمت في صمت حزين وهو يثبّت السّمّاعة ويضغط زرّ التّشغيل ..
مضت لحظات من الصّمت وهو يراقب الأرقام تتوالى على شاشة الآلة في حين اختلت هي بأفكارها في لحظات انسلخت فيها من ضوضاء المكان حولها وغدت كتلة من الذّكريات والأحلام .. أعادها إلى الواقع صوته يقول : استرخي ..سنعيد العمليّة .
أرادت أن تسأله عن السّبب لكن أوقفتها لمحة الجدّيّة والاهتمام في نظراته وقسماته وماكانت تعهده إلّا باسما مرحا ... حوّلت بصرها إلى شاشة الآلة المرتبطة بذراعها فقرأت في الأرقام سبب توتّره ..لكنّها لم تجد الأمر صادما .. ومع ذلك سكتت وتركته يعيد الكرّة ثانية وثالثة ورابعة وهي تراقب في صمت ارتجاف يديه وتوتّر ملامحه .
قال لها وهي تنزع عنها رباط الآلة المحيط بذراعها في محاولة منه لتلطيف وقع الخبر عليها : من سعيد الحظّ الّذي جعل قلبك ينبض بسرعة خرافية ويكسر الخطوط الحمراء ؟
قلبك يدقّ بسرعة رهيبة لم أعهدها فيه وأخشى أن يخرج من مكانه أو يتحطّم ..وأنت ابنتي الرّصينة الّتي ماعرفت عنها إلّا التّعقّل والهدوء والرّزانة ..
وما بال دمك يفور ويتخطّى الحدود ؟؟؟
نظرت إليه في هدوء شديد وكأنّ تلك الأرقام لا تعنيها ..وكأنّ الخطر لا يهدّدها ..ثمّ وقفت وشدّت قامتها وقالت : لا تقلق . أنا بخير ..وآلتك في حاجة إلى تصليح . وأمّا بخصوص زوجي فيمكنك أن تبحث له عن زوجة ثانية فقلبي قويّ وسيحتمل هذا الأمر الّذي لا تحتمله أيّ حوّاء ..
وخرجت وهي تسمع كلماته تشيّعها : أنتِ أبدا لا تتغيّرين ..أمضيتِ كلّ حياتك وأنتِ على حساب نفسك تتجبّرين ..وبضعفك وحاجتك لا تقتنعين ..
كانت تريد أن تخبره أنّ أنفاسها بدأت تخذلها وأنّ نوبات الضّعف والإنهاك تداهمها وأنّ قلبها ينهكها وفعلا تحطّم وحطّمها ..لكنه كان كأب لها ولن تزعجه بأوجاعها أو تريه ضعفها ..
غادرت المكان ودموع قلبها تغرقها ..وعادت إلى بيتها لتقبر في النّوم شكواها وألامها .
ربيعة مارس
Comentarios