هنشير الزريبة منذ قدوم واستبطان أولاد سعيد بمنطقة النفيضة إلى حدود سنة 1879
منذ قدوم أولاد سعيد إلى تونس مع الزحف الهلالي للبلاد التونسية خلال القرن الحادي عشر استوطنوا المنطقة التي تقع شمال الساحل التونسي وتحتل الجزء الشمالي من السباسب السفلى ظل أهالي منطقة النفيضة أولاد سعيد ولربما قبل هذا التاريخ بكثير بالنسبة لأهالي الزريبة يستغلون الأراضي الواقعة بمنطقتهم التي تسمى بهنشير الزريبة على مساحة تقرب إلى 12 ألف هكتار الذي هو جزء من هنشير شاسع يمسح 96 ألف هكتار يسمى بهنشير النفيضة يقع تحت إشراف مباشر لقيادة أولاد سعيد التي كانت منطقة الزريبة ترزح تحت حكمها.
ومع بداية منتصف القرن التاسع عشر ومنذ سنة 1840 دخلت قيادة أولاد سعيد في مناوءة لسلطة بايات الدولة الحسينية اثر تدهور الأوضاع الاجتماعية بالبلاد التونسية منذ عهد احمد باشا باي نتيجة لسياسة الإفقار عن طريق الجباية واتساع الهوة بين الدولة والمجتمع فسمح هذا الباي لعماله ولزّامته ابتزاز الأهالي بالترفيع في قيمة الضرائب وغيرها واستعمال سياسة الترهيب والعنف من قبل أعوان الدولة كالمحلات الردعية والمخازنية للاستخلاص والدفع وبيع مكاسب العاجزين عن الدفع .فانتفض أولاد سعيد وسكان المنطقة سنة 1840 موقف دفع أولاد سعيد وأهالي الزريبة ثمنه غاليا بافتكاك هنشير النفيضة وإلغاء حق " الجدّارية "في استغلال أراضي الهنشير.
فوقع انتزاع هنشير النفيضة لفائدة الدولة في سنة 1851 في عهد أحمد باي الذي انتزعها وصادرها وضمّها إلى أملاك البايات، انتقاما من مالكيها الأصليين، أولاد سعيد، اثر أعمال الشغب وثورتهم على العائلة المالكة في مناسبتين سنة 1841 و 1850.
وقرار مصادرة هنشير النفيضة من قبل الباي احمد باي قد جرّد أهالي منطقة النفيضة من حقوقهم التاريخية على أرضهم التي تمتد على مساحة تقارب المائة ألف هكتار وكانت قبله ملكية مشاعة لهم في إطار ملكيات القبائل العقارية كما هو حال أغلب الأراضي الفلاحية ومناطق المرعى في ذلك الزمن.
وقد أدى استيلاء الباي على هنشير النفيضة بعقاراته الفلاحية وتجمعاته السكانية إلى تحويل "أصحاب الأرض" التاريخيين والفعليين إلى متسوغين يدفعون معاليم كراء لمن مكنته سلطته من الاستيلاء على أرضهم التي تمتدّ على خمس و ستين كلم بداية من وادي الزيت و انتهاء بسبخة الكلبيّة و هو يحيط بخليج الحمّامات حتى بداية حقول الزيتون بجهة الساحل.
وستتواصل معاناة أهالي النفيضة ولاسيما أهالي الزريبة مجددا بعد ثلاثة وعشرون سنة بقرار جديد من الباي محمد الصادق باي الصادر بتاريخ 13 ماي 1874 يقضي بإهدائها لخير الدين الوزير الأعظم كتعويض عن الجراية السنويّة العمريّة أصبحت النفيضة كإقطاعية كبيرة ملكا لخير الدين.
وبذلك، اضطرت الغالبية من الأهالي إلى أن تصبح قوة عمل أجيرة في أرضها. وليتطور معلوم كراء الماشية " وحدة قيس بعشر هكتارات" من 15 فرنك سنة 1880 إلى 500 فرنك في سنة 1920.
ولكن ملكية خير الدين باشا للهنشير لم تدم طويلا فبعدما عزله الباي من منصبه، اختار خير الدين باشا الهرب من تونس خوفاً على سلامته للاستقرار بصفة نهائية بالأستانة بتركيا. وعليه قام بعرض هنشير النفيضة بجميع محتويات للبيع ولكنه لم يجد مشترين لعدة أسباب منها أن اغلب الأثرياء من التونسيين قريبين من الباي وان أقدموا على شراء هذا الهنشير قد يتسبب في غضب وانتقام الباي منهم.ثم إن ثمن هنشير النفيضة باهظ جدا ,
والحل الذي وجده الوزير المعزول خير الدين هو بيعه للأجانب، فقام بالاتصال بالشركة المرسيلية للقرض la Société Marseillaise de Crédit :.وأرست مفاوضات البيع على عرض الشركة المرسيلية للقرض التي عرضت على خير الدين مبلغا ماليا نهائيا قدره 4 مليون فرنك فرنسي لبيع الهنشير بجميع محتوياته من أراضي وتجمعات سكنية .
وكما يقول المثل لكل حادثة حديث ، تنازل الوزير الذي انصبّ جهده أثناء فترة حكمه على محاربة أطماع القوى الاستعمارية في تونس وعلى محاولة إصلاح منظومة الحكم بها، عن أرضه للذراع الاقتصادية للقوة الاستعمارية الفرنسية في خطوة يصعب فهمها أو تبريرها.
*/ هنشير النفيضة الزريبة" وبداية الاستعمار الزراعي
ظل أهالي الزريبة يتصرفون في هنشير الزريبة الذي يمتد على مساحات شاسعة كملك لهم توارثوه أب عن جد. وذلك في اطار حق " الجدّارية "في استغلال أراضي الهنشير ولقد كان قاطنو هذه الاحباس الكبيرة يعيشون تماما وكأنهم على أراضي القبائل مقابل ضريبة سنوية ضعيفة تضمن لهم ان يكونوا في مامن من الطرد . وعلى كل حال كانت هذه الضمانة مدعّمة بذلك العرف التونسي القديم المسمّى الجدّارية، والجدّارية حق متسوّغ قديم لمجال ريفي مهما كانت نوعيته في البقاء بهذا المجال والعيش فيه، مع دفع نفس معلوم الكراء وفي تمرير هذا الحق لخلفه.فهذا هو في نهاية الامر اعتراف بحق الحائزين في العيش وراثيا على نفس الأرض مهما كانت التغييرات التي طرات على الوضع القانوني لتلك الاراضي.
وبمجرّد جرة قلم صادره الباي انتقاما من مالكيه الأصليين لمناهضتهم سياساته ويهديه باي آخر إلى الوزير الأعظم خير الدين باشا عطية سخية على انجازه بإتقان مهمة كلفه بها لدى الباب العالي ليبيعه هذا الأخير إلى الفرنسيين بعد خلافات ومشاحنات ودسائس فيها الكثير من الإثارة أبطالها الوزير الأعظم مصطفى بن إسماعيل واليهودي الانقليزي الثري يوسف ليفي . (ويعتبر الزعيم الحبيب بورقيبة المصلح خير الدين باشا الذي تقر له جميع المصادر بمآثره وفكره الإصلاحي المستنير في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فانه من المتسببين في نكبة الاستعمار عندما فرط في هنشير النفيضة إلى إحدى الشركات الفرنسية، ليفتح الباب أمام الاستيطان الزراعي. وقد سخر الزعيم الحبيب بورقيبة من مصادرة الباي لهنشير النفيضة (هنشير الزريبة جزء منه) فيقول عن هذا الموضوع في عدة من خطبه: جاء الصادق باي فوهب وزيره خير الدين هنشير النفيضة من غير أن يعرف مسماه ولا وطأت ترابه قدماه، وكانت هذه الهبة مكافأة له من اجل نجاحه في القيام بمهمة لدى حكومة اسطنبول وتحصيله على «فرمان» عثماني يجعل من الباي واليا لتركيا على البلاد التونسية، وكان القوم يعتقدون أن ذلك يدفع عنهم خطر الاستعمار الفرنسي والايطالي المتوقع والحال أن الدولة العثمانية نفسها كانت هزيلة وفي حاجة إلى من يشد أزرها. والجدير بالذكر أنّ الباي كان يعتزم منح وزيره جراية عمرية فحال بينه وبين ذلك فراغ الخزينة وآل الأمر بالباي إلى التنازل عن هنشير النفيضة تعويضا للجراية» النفيضة 23 ديسمبر 1959 كما يقول في خطبة أخرى «يحق لنا بعد أن تخلصنا من الكابوس الذي كان مخيما علينا أن نلقي نظرة على الماضي لاستخلاص العبرة منه لان التاريخ ينفع ولو للاحتياط من الوقوع في الأخطاء والأغلاط التي وقع فيها أجدادنا من قبل. فمنطقة أولاد سعيد وما دخل عليها من الموجات البشرية من بربر ونورمان وعرب وأتراك كانت في حالة بؤس وخصاصة وانحطاط. وإذا أردنا أن نكون موضوعيين وان نرجع الأسباب لمسبباتها أدركنا أن المسؤولين عن تلك الحالة هم المواطنون أنفسهم من ناحية، والدول التي حكمت هذه البلاد من ناحية أخرى. واستطيع القول أن مسؤولية الدولة أثقل بكثير من مسؤولية الأفراد إذ لو كانت الدولة تحترم في تصرفاتها مبادئ الإنصاف والنزاهة والعدالة لاستطاعت تقويم المعوج كما استطعنا نحن أن نكوّن من عشائر بائسة متفرقة مشتتة تتقاتل وتتناحر امة واحدة وشعبا واحدا وعائلة واحدة. وجاء عهد الأتراك، ثم جاء عهد البايات ولم يكونوا منذ أول عهدهم بهذه البلاد إلا نكبة عليها وعلى أهلها لأنهم كانوا يعتقدون أن الأرض ومن عليها ملك من أملاكهم، ولا يسعون إطلاقا في تعمير الأرض أو الرفع من مستوى أهلها فتوالت الثورات والفتن فيما بين الدولة والشعب، غير انه لم يكن نصيب تلك الثورات التي سادت ذلك العهد إلا الهزيمة والفشل. وآخر ما سجله التاريخ من تلكم الثورات، الثورة التي اندلعت أيام احمد باي الأول عام 1840 ـ 1841 والتي عقبتها عام 1850 فنتج عن ذلك أن انتزع الباي أراضي النفيضة بمجرد أمر أصدره من قصره بباردو وألحقها بأملاكه الخاصة، عقابا لأهلها، رغم أنهم مقيمون بها أزمانا وقرونا وتوارثوها أبا عن جد».. جمال في:18 جوان 1958 . وكان الناس يعيشون على الاراضي الدولية وكانوا يبذرونويتجولون بقطعانهم وقد كان لهذا البيع أثار وخيمة على سكان النفيضة والبلاد التونسية عموما حيث وفي اقل من سنة استنجدت الشركة الفرنسية الافريقية التي احدثتها الشركة المرسيلية للقرض دولة فرنسا للتدخل بالقوة العسكرية في تونس لتامين عملية انتصابها بمنطقة النفيضة وفرض سيطرتها بالقوة على الأرض بعد أن رفض متساكني المنطقة ومنعوها من الاستغلال. فتدخلت فرنسا وفرضت الحماية على تونس في سنة 1881 وأوجدت المبرر لاستيلاء فرنسا عليها سنة 1881 (بعد سنة واحدة من شراء الأرض) تحت مسمى "الحماية الفرنسية للايالة التونسية كما كان أول عمل تقوم به القوات الفرنسية بعد غزوها البلاد السيطرة عسكريا على منطقة النفيضة وذلك تدعيما لوجهة نظر شركة مرسيليا بشان حقها في ملكية هذه الضيعة. فكان التكامل بين الاحتلال العسكري والهيمنة الاقتصادية في أجلى مظاهره ولكن تواصل النزاع والصراع حول الأرض المنهوبة دون تكافؤ في موازين القوى فرنسا وأبناء المنطقة وقد استطاع الاحتلال باستعمال القوة أن يخمد جزئياً وبشكل ملحوظ انتفاضة أصحاب الأرض. وهو ما ساعد الكبّانية الفرنكو افريقية ان تبسط نفوذها ولو جزئيا على المنطقة. ولكن عند بدء الشركة الفرنسية الإفريقية في عمليات تسجيل هنشير النفيضة كملك خال من الشوائب في جويلية 1893 عارض أهالي الزريبة بشدة هذا التسجيل عن طريق المحكمة العقارية بسوسة مطالبين باسترجاع الهنشير والمحطة المعدنية الاستشفائية حمام الزريبة وكذلك وغيرهم من ابناء منطقة النفيضة ولأن المستوطنين الجدد واجهوا سيلاً من النزاعات والدعاوى أمام المحاكم الشرعية التونسية رفعها طيف من المالكين في هنشير النفيضة ممن كانوا يمسكون وثائق تثبت ملكيتهم،جعل من سلطات الاحتلال تغيّرمن قواعد اللعبة باصدار قانون التسجيل العقاري الذي صدر بتاريخ 01 جويليه 1885 لتغيير قواعد اثبات الملكية ونزعت ولاية القضاء المحلي على العقارات.وبالتالي اصبح تسجيل العقارات من مشمولات المحكمة المختلطة وجعل الترسيم بالسجل العقاري وسيلة الإثبات الوحيدة للملكية بالنسبة للعقارات المسجلة ومع ان القلة القليلة من السكان ممن كان لديهم شهادات تثبت ملكيتهم للارض وطول الاجراءات المتبعة وقلة ما باليد وارتفاع الامية تاهوا في القضايا وضاعت الاملاك واصبحت ملكا لابناء المحتل. وهو هدف الاحتلال الفرنسية الذي يدعم تمليك المستوطنين الفرنسيين وإعاقة منازعة التونسيين لهم في تملكهم هدف القانون المستحدث. ورغم ذلك، لم تتمكن الشركة المالكة للهنشير من الاستفادة من مزاياه عبر تسجيل عقارها إلا سنة 1901 بسبب كبر المساحة وتعدد النزاعات التي أثارها الأهالي وقد تم تسجيل هذا الهنشير كملكية للشركة الإفريقية الفرنسية تبعا لأربع أحكام قضائية صادرة في 1896و1897و1899 و1901 رغم المعارضة الشديدة والقوية الذي قدمتها جمعية الأوقاف والتي دافعت على حقوقها بخصوص بلاد سيسب والزريبة وسيدي عبد الرحمان القارصي – ولسكان جرادو وتكرونة وهرقلة وعين الحلوف وبعض أقسام من الرّحل فأراضي القرى وبساتين جرادو وتكرونة والزريبة وأربعون هكتارا من الأراضي الواقعة في سيدي عبد الرحمان القارسي خصصت كحبيسات ولكنها كانت محاصرة من جميع النواحي بضيعة النفيضة كما أصدرت المحكمة المختلطة بسوسة (المحكمة العقارية بسوسة) حكما صادرا في 13 افريل 1901 اعترفت فيها بحقوق متساكني الزريبة في الاستحمام المجاني بالعين الساخنة المعرفة باسم حمام الزريبة .
وتمت صياغة نص الحكم كما يلي:
Enfin que le seul droit reconnu au gens de Zriba considérée dans leur collectivité consiste dans l'usage gratuit de la source sulfureuse
وباعتبار أن هذا الحكم عقاري فقد تم تفعيله آنذاك بتسجيله على الرسم العقاري لهنشير الزريبة وذلك في 21 نوفمبر 1901
*/ الاستعمار الزراعي بالزريبة
جاءت الأحكام القضائية الأربعة الصادرة عن المحكمة المختلطة بسوسة مخيبة لآمال الأهالي وكلّها تصبّ لفائدة الشركة الاستعمارية الفرنسية حيث منحتها المحكمة المختلطة بسوسة شهادة ملكية على هنشير النفيضة.
وبالرغم من اعتبار كامل هنشير النفيضة ملكا للشركة الفرنسية الإفريقية فإن هذه الشركة وجدت نفسها عاجزة على استغلال واستثمار حوالي 96 ألف هكتار وتحقيق معادلة صعبة أولها الاستجابة لرغبات المساهمين في الحصول على بعض الربح المادي السريع وثانيهما استصلاح أراضي الهنشير التي تتطلب مصاريف باهضة وأموالا طائلة إضافية يجب ضخّها من المساهمين أنفسهم ، وثالثهما وهو الأصعب كف الشوائب والشغب عن الهنشير،الذي يضم عدة قرى وتجمعات سكنية ومساكن متفرقة ويسكنه حوالي 12 ألف مواطن اغلبهم يتعاطى النشاط الفلاحي وتربية الأغنام والحيوانات. ينضاف إلى كل هذا، الركود والتدهور الاجتماعي والاقتصادي في تلك الفترة التاريخية نتيجة الحرب العالمية الأولى.
كلّ هذه الأوضاع جعلت السلط الاستعمارية تفكّر في إيجاد بعض الحلول الملائمة لاستغلال المقاطعة، منها تشجيع الفلاحين الأوروبيين وخاصة الفرنسيين منهم وصغار رؤوس الأموال للقدوم إلى تونس لاستثمار جزء من ممتلكات الشركة والاستيطان بالأراضي الزراعية الواقعة بالزريبة و جرادو وصواف و بوفيشة وخلقت لهم من الحوافز المادية والمعنوية لجذبهم إلى تونس لاستغلال الأراضي واستصلاحها. ومن جهة أخرى فإن الاحتلال وجد نفسه مجبر للسعي إلى إيجاد حلول ملائمة لكف شغب الشاغلين للهنشير من أبناء المنطقة بالتفكير جدّيا بتثبيت هؤلاء المواطنين بالاستقرار في مناطقهم إما بتسويغهم الأراضي أو باستئجارهم كعملة أو بالمؤاكرة،
فأهالي الزريبة الذين يعتبر النشاط الفلاحي وتربية الحيوانات مورد رزقهم الأساسي ضاق بهم الحال ولم يعد لديهم أراض زراعية ولا رعوية. كما أن تربية النحل وصناعة الحلفاء والفحم الخشبي التي تشتهر بها الزريبة لم يعودا بأفضل حال بما أن الجبل وشجيراته الغابية والأرض لم تعد على ملكهم وان أي استغلال له، مهما كان نوعه، فانه سيؤدي حتما إلى المساءلة والبحث والإيقاف، ولربما السجن فحتى العمل بمقالع الحجارة لم يعد متاحا ولكي تكتمل عملية تضييق الخناق فقد عينت الشركة الاستعمارية حارسا من أبناء المنطقة لرعاية مصالحها وحماية أراضيها من السرقات والاستغلال العشوائي.
وبتضييق الخناق على مصادر رزقهم أغلقت السلطة في وجههم جميع المنافذ والسبل للعيش الكريم فوجدوا الحل في استغلال أراضي الهنشير مرجع نظر قيادة ومراقبة زغوان مرعى لحيواناتهم. ومهما خطر للمراقب المدني بزغوان أن يتداخل في بعض النوازل المتعلقة بالهنشير إلا ووجد نفسه ممنوعا من إجراء سلطته الإدارية على أهالي البلد لخروجهم عن منطقة نفوذه (الزريبة كانت تابعة آنذاك إلى تراب النفيضة قيادة سوسة) ونشأت في هذه الحالة صعوبات تعذر معها إجراء المراقبة على الحيوانات التي لأهالي الدشرة المذكورة وتطبيق القوانين الإدارية المتعلقة بالرعي.
وفضلا عن ذلك فقد أصبح استغلال وكراء الأراضي من الشركة الفرنسية باهضا وغالي الثمن ولم تعد عقود الكراء والتسويغ تأتي أكلها فقد تطور معلوم كراء الماشية " وحدة قيس بعشر هكتارات" من 15 فرنك سنة 1881 إلى 500 فرنك من 1920 إلى سنة 1924 ليقفز سعر كراء الماشية الواحد مابين 1500 فرنك و2500 فرنك في سنة 1926- 1930.
وعلى النقيض فقد جاء قرار إدارة الفلاحة بتاريخ 12 ماي 1913 المتعلق بإحداث تقاسيم عقارية لبيعها لفائدة المعمرين في غير صالح أهالي الزريبة، ويصب في صالح المعمرين ويقضي بمصادقتها على قرار لجنة الحماية بيعهم أراض بمنطقة الزريبة والباطرية جنوب شرق زغوان تابعة لحوزة النفيضة مساحتها الجملية 11400هك وبيعها لهم بثمن رخيص قدره 100 فرنك للهكتار الواحد مما سيترك لهم مجالا لجني الأرباح وتوجيه مجهوداتهم لتتنمية الارض واستثمارها.
وقد برمجت في الغرض، تثبيت ما لا يقل عن 60 عائلة فرنسية بمقاسم تتراوح مساحتها بين 150 هك و200 هك والانطلاق في عمليات التوزيع بداية من أفريل 1914. وبغية مزيد التحفيز والتشجيع قررت حكومة الاستعمار إنشاء قرية جديدة لفائدتهم، تاركة لهم حرية الاختيار بين السكن في ضيعاتهم او بالقرية الجديدة.
وظلت الشركة الفرنسية الإفريقية تضع مشاريع البرامج لاستثمار واستغلال أراضي الهنشير وتحصد النكسات ولم تنجحفي الاستغلال المباشر لعدة اعتبارات اقتصادية واجتماعية وتقنية ومعرفية بطبيعة الارض وما يزرع فيها. وتعطّل مشروع البرنامج المقرر لسنة 1914 إلى حدود سنة 1919، لفشلها وعجزها عن تركيز معمرين فرنسيين لذلك وعلى اثر الحرب العالمية فضّلت الشركة مواصلة التفويت بالبيع في مساحات كبرى جديدة تقدّر بحوالي 28000 هك لفائدة إدارة الأراضي الدولية بعد بيعها إياها سنة 1909 مساحة معتبرة قدرها 3700 هـك أحدثت عليها 15 مقسما.
وعليه، فقد كانت عملية بيع هذه المساحات لإدارة الأراضي الدولية كما يلي:
11719 هك سنة 1919 في الزريبة (39 مقسما).
6390هك سنة 19200في جرادو (31 مقسما)
8800 هك سنة 1921 في صواف (31 مقسما).
1107 هك سنة 1922 في بوفيشة (12 مقسما).
وتزامنا مع عملية بيع هذه المقاسم ذات المساحات الكبرى لفائدة المعمرين الاروبيين ولاسيما الفرنسيين منهم، قامت حكومة الاستعمار بإحداث تقاسيم أخرى متوسطة بهذه المناطق لبيعها لفائدة قدماء المحاربين والعسكريين الفرنسيين تتراوح مساحاتها بين 50 و70 هك من جهة ومقاسم ذات مساحات صغرى لا تتجاوز أقصاها 10 هك لفائدة أهالي المنطقة من جهة أخرى. واجمالا تم تخصيص مساحة قدرها 12،991 هكتار لفائدة عدد 759 من الأهالي بكل من جرادو ، الزريبة وصواف الجبيبينة بعقد إيجار مع وعد بالبيع ودفع الثمن على عشرة أقساط سنوية. وعموما، فإن الأرض التي منحتها الدولة للزراعة في عام 1921 تغطي مساحة قدرها 35،000 هكتار تتوزع كالآتي: المعمرين الفرنسيين: 22،589 هكتار السكان الأصليين : 12،991 هكتار لفائدة مواطني تلك البلدات.
*/ الاستعمار الزراعي
استغل متساكنو الزريبة مناسبة دراسة الحكومة لملف إمكانية إلحاق دشرة الزريبة من تراب النفيضة قيادة ومراقبة سوسة إلى تراب قيادة ومراقبة زغوان لإثارة موضوع ملكية أراضي هنشير الزريبة لدى المصالح الإدارية المختصة من جديد، ولكن بعزيمة واصرار أكثر مما مضى مطالبين بتسوية وضعية التصرف في هذه الأراضي، مؤكدين وان ملكيتها تعود إليهم وبأنه تم هضم حقهم بإقصاءهم من تسجيلها أثناء المسح العقاري للمنطقة سنة 1892. معترضين بذلك على احترازات الشركة الفرنسية الإفريقية بالنفيضة التي قدمتها بخصوص عدم موافقتها على ضم جزء من أراضي هنشير الزريبة إلى تراب مراقبة زغوان قالت بانها على ملكها، مسجلة تحت رقم 763 .
ولأنّ مسالة الإلحاق هذه كان لها تأثير على منطقة الزريبة فانّه يتوجّب علينا التذيكير بكافة مراحلها التي انطلقت في منتصف سنة 1913، بطلب تقدمت به مراقبة زغوان إلى الحكومة لفك ارتباط الزريبة من قيادة ومراقبة سوسة وضمها بمعية الأراضي المحيطة بهـا إليها . وكان من اهم اسباب هذا الطلب حسب نص المذكرة الصادرة في الغرض من الإدارة العامة للفلاحة كما يلي:
بمناسبة التشكي الواقع من نزلاء هنشير الباطرية الدولي ضد حارس الجهة وما أنتجه بحث المراقب المدني بزغوان في ذلك وقعت مكاتبة إدارة الفلاحة بما يلزم ووجه لي تقرير المراقب بإجابته أن أهالي دشرة الزريبة المنضمين لتراب مراقبة سوسة يتخذون هنشير الزريبة الذي هو من تراب زغوان مرعى لحيواناتهم ومهما خطر للمراقب المدني بزغوان أن يتداخل في بعض النوازل المتعلقة بالهنشير إلا ووجد نفسه ممنوعا من إجراء سلطته الإدارية على أهالي البلد لخروجهم عن منطقة نفوذه ونشأت في هذه الحالة صعوبات تعذر معها إجراء المراقبة على الحيوانات التي لأهالي الدّشـرة المذكـورة وتطبيق القوانين الإدارية المتعلقة بالرعي ولذلك ترى إدارة الفلاحة ضم دشـرة الزريبة لعمل زغوان، فاعلم مراقب سوسة بالحالة المقررة وطلب منه التعريف بما يراه في المسالة فأجاب بالموافقة على انسلاخ دشرة الزريبة عن ترابه لكن بشرط عدم ضم ساير تراب الدشرة معها حيث كان من أملاك شركة النفيضة إلا الأرض الدايرة بالبلد فهي من حقوق الأهالي وهي مشتركة الانتفاع وينبغي أن تضم معها.
****حسب الادارة الفرنسية فان ملف احالة دشرة الزريبة من قيادة سوسة الى قيادة زغوان قد مرّ بالاجراءات التالية:
*في سنة 1913 وافقت الإدارة العامة على إسناد الاحتلال 11400 هك اقتطعت من حوزة النفيضة مساحات عقارية من منطقتي الباطرية والزريبة الواقعة في الجنوب الشرقي وقرب زغوان.
* اقترح المدير العام لإدارة الفلاحة في مراسلته عدد 3221/5 بتاريخ 16 جوان 1913 على الإقامة العامة إلحاق وضم هذه الاراضي إلى عمل زغوان. مفيدا بأن هذا الإلحاق من شانه مستقبلا ان يسهّل إقامة المعمرين في هذا المركز الجديد، ويقرّب قنوات الاتصال والتواصل مع مركز المراقبة المدنية بزغوان.
*وجّه الكاتب العام للحكومة التونسية استشارة في هذا الموضوع بتاريخ 28 جوان 1913 تحت عدد 109/ الى المراقب المدني بسوسة، الذي أجاب يوم 24 جويلية من نفس السنة تحت عدد 3680 بعدم ممانعته في إتمام عملية الالحاق.
*وبمثله أعطت النيابة العامة بسوسة موافقتها على هذا الإلحاق بمكتوبها عدد 30119 بتاريخ 18 جويلية 1913 وذلك إجابة عن مراسلة المقيم العام عدد 60 / بتاريخ 12 جويلية 1913 .
*النيابة العامة بتونس ابدت موافقتها وعدم معارضتها على عملية الالحاق بمراسلتها عدد 1056/5 المؤرخة في 7 أوت 1913 على اثر استشارتها في هذا الموضوع بتاريخ 29 جويلية 1913.
* أعطى المراقب المدني بزغوان موافقته وقبوله لموضوع الإلحاق والضم في 18 أوت 1913, تحت عدد 1728. كما ان المدير العام للمالية بيّن في مراسلته بتاريخ 26 من نفس الشهر عدم ممانعته لهذا الأمر.
* معروض تم اتخاذه بتاريخ 25 سبتمبر 1913، بإلحاق وضم هنشير الزريبة إلى تراب زغوان.
ابدي قايدا كل من سوسة و زغوان وإدارة المال والسلط العسكرية رأيهم في موضوع الإلحاق بتاريخ 20 سبتمبر 1913 بمراسلات سلموها لإدارة الفلاحة بتاريخ 20 اكتوبر1913.
*وبموجب هذا الإلحاق تم توجيه عديد الاعتراضات إلى المراقب المدني بسوسة ,والوزير الأول، والكاتب العام للحكومة التونسية من قبل مدير الشركة الفرنسية الإفريقية بالنفيضة من جهة وأهالي الزريبة الذين اعتقدوا أن هذه العملية ستشمل كامل حدود المشيخة التي تحمل هذا الاسم بما فيه القرية من جهة أخرى . وقد أحاط المراقب المدني بسوسة الإقامة العامة علما بهذه الاعتراضات ضمن تقرير وجهه لها تحت عدد 5772 بتاريخ 31 أكتوبر 1913.
*اعترض متساكنو الزريبة من بعد ذلك على الترفيع في معلوم كراء هذه الأراضي وطالبوا إدارة الفلاحة بمعالجة هذه الوضعية على اعتبار وأنهم مقيمين بهذا التراب، ثم تقدموا بشكوى ضد حارس التراب الذي تم اختياره من قبل المراقب المدني بزغوان.ولكن الاعتراضات المحمولة ضد هذا الحارس تم رفضها من قبل المراقب المدني ضمن تقريره عدد 3964 بتاريخ 11 ديسمبر 1915.
* بيّــن المدير العام للفلاحة بمراسلته التي ووجهها الى المقيم العام بتاريخ :16 أفريل 1918 الصعوبات المختلفة التي تعترض تطبيق النظام الحكومي، وعدم جدوى تدخل المراقب المدني بزغوان عند ممارسته لسلطته الإدارية على متساكني دشرة الزريبة باعتبارهم ليسوا من مشمولات انظاره وخارج منطقة نفوذه حيث انهم تابعين للمراقب المدني بسوسة وطلب فيها إلحاق دشرة الزريبة إلى المراقب المدني بزغوان.
* نفس الإجراءات التي تم إتباعها سابقا لانجاز هذا الإلحاق والمصالح المعنية لم تقدم أي موانع أو اعتراضات في الغرض.
* تم اتخاذ معروض بتاريخ 22 نوفمبر 1918 يتعلق بإلحاق دشرة الزريبة إلى المراقب المدني بزغوان وكذلك الأراضي الجماعية المحيطة بها. والحصول على التأشيرات اللازمة في الغرض من قيادتي زغوان وسوسة والإدارات المعنية بتاريخ 7 ديسمبر 1918 .
*وفي 31 ديسمبر، طلب من المراقب المدني بسوسة الادلاء بتوضيحات مكمّلة حول المساحة ومصدر الحقوق الجماعية للأراضي المجاورة لدشرة الزريبة التي ينتفع بها الأهالي.
المقيم العام بتونس وجه مراسلتين بتاريخ 31 ديسمبر 1918، الى كل من المراقب المدني بزغوان والمراقب المدني بسوسة طلب منهما بتوضيحات وارشادات اضافية حول الاراضي المحيطة بدشرة الزريبة.
*أجاب المراقب المدني بسوسة بمراسلته عدد 203 بتاريخ 7 جانفي 1919الموجه الى السيناتور ,المقيم العام للجمهورية الفرنسية بتونس بان الشركة الفرنسية الافريقية اكدت بانه استنادا إلى مطلب التسجيل رقم التسجيل 763 فان القرى الثلاث جرادو و تكرونة والزريبة ترجع بالأساس إلى مرجع نظرها الترابي. وبان سكان هذه القرى الثلاثة رفضوا الاعتراف بملكية الشركة المذكورة لهذه المراكز والملك العمومي ومحيطها مؤكدين إقصاءهم من هذا التسجيل.
* أجاب المراقب المدني بزغوان بمراسلته الموجهة الى المقيم العام بتونس حول ردّه على الإرشادات الإضافية التي طلبت منه ،بأنه تبين اثر استقصائه والبحث في الموضوع على عين المكان، بأن حقوق أهالي الزريبة تستند على وضع اليد بدون نزاع على الأراضي المحيطة منذ القدم وبدون حجة لهذه الملكية.
وختاما لم يغنم متساكنو الزريبة أية مكاسب من هذا الاعتراض ولم تعد دشرة الزريبة منذ نهاية سنة 1918 تنتمي الى بلدات الساحل وقيادة سوسة واصبحت بموجب ذلك، مدمجة ضمن قيادة ومراقبة زغوان وضاعت بذلك الحقوق التاريخية.
*******بيع الأراضي الفلاحية لمتساكني الزريبة: البالات*******
أذنت الحكومة ببيع أهالي الزريبة الأراضي الدولية المتاخمة للقرية" هنشير الزريبة" موضوع الرسم العقاري عدد 7015 المتولد عن تغيير معرف الرسم العقاري عدد 23419 المتكون من القطع عدد 01 إلى 75–4 (76) و 130 (79) من المثال التقسيمي للرسم عدد 6648 وهو الملك المسمى " متساكني الزريبة" تبلغ مساحته ثمانمائة وخمسون هكتارا وأربعة وعشرون آرا وستة صآ (850هـ 24 آر06 صآ) وقسمتها إلى 135 جزءا وتمتع أيضا بعض العسكريين من التونسيين من غير الأهالي على بعض الأجزاء من الملك المسمى متساكني الزريبة وقد حضر كل من الطاهر بن الشاوش المبروك ومحمد رقاز في 21 أكتوبر 1920 عملية البيع وقد صرحا بأنهما يحضران بصفتهما الشخصية ونيابة عن متساكني الزريبة المنتفعين وهما مُؤَمَّنين على الأراضي المحدثة لمتساكني هذه القرية. حيث لا يمكن للمنتفعين بهذه المقاسم عقد أي اتفاق اوالتنازل عن حقوقهم المنجرة عن المقاسم الترابية المسندة إليهم إلى أشخاص غرباء عن قرية الزريبة وان اية عملية بيع تخضع الى إبلاغ شيخ تراب الزريبة عن طريق عدل إشهاد عنها قبل شهر على اقل تقدير وبالتصريح بثمن البيع المقترح وهذا الأخير (شيخ التراب) بمقدوره أن يعين مشتر أو عدة مشترين لمن يبذل ثمنا مساويا من بين متساكني الزريبة الذين لهم أحقية الأولوية.
بحث، محمد العربي رقاز : الزريبة***.
Comments