
"1".
أخْفَيْتُ عَنْكِ فَضائل كَثيرة،
بَعْدَ أن طال غيابكِ،
وَرَغبْتُ أن أتوارى الى الأبد.
أفْظَعُ ما أجْنيه مِن نسْيانكِ،
التَضْحية بالأمل
والأسْبَقية في الموت.
الإياب مِن رحلة خاسرة في الحبّ،
يَمْنَحُ المُحبّ دوام الصلة بالمَحْبوب.
امتلاك الشيء مهما كان، فكرة لا
تَفي بمراعاة الجَميل فيه،
والنجوم جوِّفَت منذ بدء الخَليقة
لكي نَسْهَرُ تَحتَ فرو أثْدائها،
وَنَتَجنَّبُ الرضا بالهجران الدائم.
أنتِ المرأة الوَحيدة التي أحْبَبْتها،
والآنَ انقضى عَهد الحلم.
رَفَعْتكِ الى مصاف
المَلكات اللاتي هَيْمنَّ على العشّاق
في الانثربولوجيا، وَلَم أنْدَمُ على ما
ابتلاني فيه حبّكِ.
"2".
تَقصَّيْتُ باعتدال سَنَوات حبّي الخائب
لَكِ، وَنَجَمَ عَن ذلكَ تَجَسّدكِ في امرأة
أخرى أكثر شَباباً مِنكِ. أنتِ مَعي الآن في
بَيْتي، وتشاركينني الفَرَح والحزن، لكنّك
غَريبة عليّ والعشّاق لا يَجْلسون على
رُكَبِهم وَيَتَوسَّلون الانفصال عَن ما ظنَّ
نَفسه، الخالد والجَميل النَفيس والوَحيد
في الأرض. الفُهَماء ظلَّوا حيث كانوا،
وَلَم يَرْفَع أيّ منهم الكفَّ وَيَتَضرَّع الى
الربّ، مِن أجل أن يَمْتَلك حواء الحلم.
لئَن يَموتُ العاشق الغَجري حَسْرَة،
فاعلَمي انَّكِ سَتَصيرينَ أمّه في الجنَّة.
"3".
اتَّعظتُ بلفْتَة منكِ، وَعَرفْتُ أن المَحبَّة لا تؤتى
غلّتها اذا تَعرَّضَ المَحْبوب لخَطَر الامتلاك.
عَدَم تَحمّسي لمشاطَرة السَلف الصالح مِن
المُحبّين سخْطهم على حَياتهم التي ألزَمَتْهم
الإذعان الى ما يُلمِّح به وما يكنّى عَنه الجَميل
الواثق مِن نفسه. فَرَضَ عليّ الذهاب الى آخر
العالم لتَقْديم النذور الى إلهَتكِ الرؤوفة. الحياة
نذور والآلهة تَتَبدَّلُ في كلّ العصور. أنتِ الأمّ
التي أفْرَدَت لَها الآلهة أجْمل مَكان في الأرض.
يَموتُ نصيف وحيداً وغَريباً والنساء اللواتي
عَرَفَهنَّ في أيِّامه، رائعات وَجَميلات، لكنّكِ
لا تَنْكَحين مِن العشّاق إلاّ المَقْتول في الحبّ
وأنتِ أمّ الجَميع.
"4".
تَلقيْتُ منكِ إشارات واحتَرَسْتُ لئلا أموتُ
بأرض محفَّرَة بَعيداً عَنكِ. هبَّ على زَمَني
نَسيمٌ ثَقيل، وللحَيْلولَة دون هجْرانكِ لي، لَم
أأتَمر بما ألزَمَتْني به الآلهة. قَعَدْتُ فَوق
شَجَرَة الألَم واستَعْطَفْتُ الرياح للرضا عَن
العذوبة التي نلْتها مِن مَحبّتكِ. إبَر الدموع
التي نَزَفْتها عَليكِ، مَحْمولة على الجبال
التي لا تَعْرف الهدْنة مَعَ البَراكين. هَل أقضي
نَحْبي وأنا أنتَظرُ عَدالتك؟ أنتِ دمَّرْتِ
حَياتي و" دبّرْتِ ما دبَّرْتِ لتجْزينني على
هذا الحبّ شرّ الجَزاء". يَدْعوني الواجب
الآن الى أن أعْزل المَرض عَن الحبّ،
لكنّني مَريض بكِ وأحاولُ أن أستَرضيكِ،
وأحيا مَعكِ في الفردوس أو الجحيم.
أنتِ وأنا لا نَتَسامَحُ ولا نَلْتَقي منذ عَهد
الصِبا.
"5".
رَغَبْتُ بلقاء العشّاق الغَرقى، وَعَزَمْتُ
على الإياب مِن الوهاد التي تَلْفَحَني
فيها الهاجرة. لا يَرْتَهنُ الحُبّ الى
الزَمَن الماضي، وَعلى المُحبّ أن
يَمْضي حَياته يَهبُ الهبات والمَديح
الى المَحْبوب. يَنالُ وطاويط الدين
والساسة وأبْطال الأفْلام الأمْوال
الكَثيرة، لكنَّ مَشْروعاتهم باحتلال
بُقْعة في العالم الآخر، تَفْشَلُ وَلا
لا يَنال أيّ منهم رضا الله ورضا
المَلائكة. الحبّ في شَرْطه الأساسيّ
لدخول الفردوس، لَيسَ تَملّكاً. التَملّك
مَرَض يُهشِّمُ كَرامة الذين لا يطيعون
مَن اجتَرأوا على محبّته والدنوّ منه.
"6".
نَضَبَت المؤونة التي حَمَلْتها مَعي لاجتياز البرّية
وَلَمَحْتُ شِرْذمة مِن العشّاق الذين ابْتاعوا النبيذ
والزَبيب والعَسل الى حَبيباتهم. ارتبْتُ منهم قَبل
اقترابهم وَظَنَنْتهم قطَاع طرق، لكن ظَهَرَ انَّهُم أجلاَّء
تَنزَّهوا عَن الطَمَع وامتلاك ما لَدى الغير وَحَبتْهم
الآلهة بكلّ ما يليق بالموسرين. لا يَسْلم الساهر في
البَراري مِن تَهشّم الصَواعق فَوق رأسه، ولكي
يَتَجنَّب النَحيب على الغَرقى. يَقفُ على رَبْوة ولا
يَلْمس القبور ناقلة الرياح والأزْمان. المَرَح وزَهر
البَشاشة عطايا الحبّ للمُحبّين والفراق مشاطرة
المَحْبوب سهاده في الليالي التي تَخْلو مِن النسيم
المتبادل. انخيدوانا في وَحْشَتها وَهيَ تنَسْج كَفنها، لَم
يُطب لها خاطر واعتَقَدَت أن الغَجري الخاسر قد
اسْتَحْلَفَ آلهته وَرَجاها أن تخلَّصه مِن ملازمة
ظلّها لَهُ. اشتاقَت اليه وجاءت تَلْتَقيه تُرافقها أجْمل
الوَصيفات، لكنّه تَمنَّى الإياب الى البرّية مَنْزل
دموعه فأحبَّ الوَصيفة وَخاَلف شروط الحبّ.
Comments