اغلقت "فضيلة "باب القسم التحضيري وخرجت ركضا الى بيتها..تسكن قبالة المدرسة تماما ..تركت القدر على النار الهادئة جدا...ليستوي ال«برغل»على مهل..فلا تسمع ما تكره من ملام وتقريع من زوجها ...لا يفهم ابدا انها تشتغل وانها مرتبطة بمواعيد للعمل..هو فقط مرتبط بواعيد بطنه ..والشاي الاحمر بعد الفطور..وقهوة العصر..وينتقد بشدة اي اخلال بتنظيم الغرف ونظافة البيت...واحيانا تفقد الصبر فتنطلق كالريح لا تلوي على شيء من الكلام والشتم وتكسير اقرب شيء ليدها الثائرة...فيتجمد من هول العاصفة ولا يكلمها شهرا...
الليلة يبدو الجو هادئا بعد اعلان حظر التجول لاربعة ايام...من يدري ؟ربما اكثر..المهم ان البرغل الحار جاهز بفوله وثومه وعدسه...وفطائر مالحة من «عصبان الهجالة»...فضيلة ايضا جاهزة...دائما..
داخل القسم المخصص لاطفال الخمس سنوات قصص لا يعرفها احد..سواها...وحدها تعلم ما يجري بعد خروجها..فضيلة كانت صديقة كل الاثاث بالمدرسة والكتب..واللعب..تخاطبها وتداعبها وتلومها وتعيرها...لا احد يعلم ذلك.
-هاااي ..اين انتم يا جماعة ؟
قال دب البندا القطني المتسخ بياضه لبقية اللعب،
-هل تظن نفسك في غابة ايها البري ؟...الا ترى اني نائمة بعد ؟
كانت هذه «باربي»دمية الدعارة والتبرج..تتمطى في دلال على الرف فيما راحت تتامل وجهها في مراة صغيرة..
-انظري «دورا السمينة»...كل يوم ازداد رشاقة و بهاء ..هذا لانني لا اكل مثلك...
ضحك الجميع في وقت واحد من دورا وقد طاطات راسها خجلا ...لكن يدا خشنة رفعت ذقنها ..
-لا احب هذا الضعف فيك...يجب ان تدافعي على نفسك..
كان ذلك دمية «سوبر مان»..ناصر الحق الخارق...معذب قلوب البلاستيك وحشو القطن لكل دمى الفصل...خرس الجميع وتوقفت انفاسهم..وشعرت باربي بالخزي والحسد في ان..فمضت تسرح شعرها وتصلح ذراعها اليمنى وقد خرجت عن مفصلها..
وفجاة...تعالت الزغاريد من ركن ما...انها «دمية الحرقوس»بعصابة راسها وحرامها الجريدي..واوشمة وجهها...جلبتها المعلمة من اسواق المدينة العتيقة مع جمل غبي دائم الضحك...كانت «دمية الحرقوس»تغني وتزغرد وتحتفل على انغام «مرحبا باولاد سيدي»
من اجل ثوار المغازات واولاد الليل..
-لا احد كالرجال...يشعلون العجلات ويحرقون البنوك ويجلبون لنا خيرات الاغنياء..لن نجوع مادام الرجال على قيد الليل...
قالت ذلك ونظرت للجمل..وغنت..
«جمل لي هادار...يا خالقي يا مولاي...»وسكتت حين فاجاتها قطعة نرد صغيرة على وجهها افقدتها عينا...
نظرت اللعب بعضها لبعض بلا حراك..ثم توجهت العيون في نفس الوقت الى «قرين ديزر»
الاعرج..وقد كان يحاول اصلاح لولب علق بمجنزرة صفراء قوية..
-لست الفاعل..انتهى..
قال بشكل الي..وصمت..لا احد يتكلم بعد قرين ديزر..
لكن تمتمة ووشوشة جذبت انتباه «القط ذي الحذاء» فغمز للارنب «باقز باني»ومرا ب«الفهد الوردي»وشكلوا فريقا بوليسيا يستطلع الامر...حين داهم الثلاثة درج الطباشير وجدوا«فلة المحجبة» وقد وضع لها الاطفال احمر شفاه باقلام لبدية فاضحت كمصاصة دماء مخيفة...كانت تستغفر وتبتهل وترتعش خوفا...
-ليست هي من رمى النرد...من ؟
قال الفهد الوردي..
-ومن قال انك لست الفاعل ايها الارنب ؟
وفي ارتداد البصر..اشتعلت نيران الشك وتحولت عراكا وجحيما بين كل اللعب..وتعالت اصوات السيوف محلية الصنع والخناجر والمطاط الملتهب..واصوات وشعارات عنيفة وصارت قاعة التحضيري ساحة وغى ووطيسا وجحيما...وراء كراريس الخط اختبا توم العجوز يلعب مع جيري الشطرنج..
-.دعهم يلعبون..سيتعبون..ونجهز عليهم بقرارات جديدة
قال ذلك وهو يراقب من تحت نظاراته ويتذكر يوم هرب من القسم بعدما صار مطلوبا مطاردا...
صباحا...فتحت« فضيلة»القاعة تبحث عن مفتاح نسيته فهالها ما وجدت...فتحت سلة القمامة وبدات بالقاء الشيخ توم..وكل اللعب العرجاء والمكسورة ومن ظهرت عليها علامات الشر او بوادر الخنوع...حان وقت الاصطفاء .
سلوى القلعي
Comments