top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

قراءة مختصرة عن الفنان التشكيلي العراقي سمير مجيد البياتي للاستاذة سونيا عبد اللطيف


سمير مجيد البياتي شاعر وفنان تشكيلي عراقي مقيم بتونس منذ سنوات بعد خروجه من العراق وإقامته لفترة في اليمن..

في كلمة موجزة أقدّم الصّديق الفنّان التّشكيلي والشّاعر المرهف الإحساس من خلال تفحّص بعض أعماله التّشكيليّة ولوحاته الفنيّة المنشورة على صفحته الفايس بوك التي يعبّر فيها عن واقعه المتغطرس.. أوضاع الفساد الكثيرة... انحلال القيم، انعدام المبادئ، كثرة القمع والاضطهاد، الحقوق المسلوبة، أموال الشّعوب العربيّة المنهوبة، الحريّات الكاذبة الواهية... أقول إنّ الفنان سمير البياتي يسكنه الوجع ويعشّش في جسمه الخوف من المصير فهو يشعر بالاغتراب في أعماقه ولكن بالرّغم من كلّ ذلك فإنّ أحاسيس الإنسانيّة متجذّرة فيه فهو يفتخر ويعتزّ بجذوره وأصله العراقي والعربي لحما وروحا ودما... هو قوميّ بأفكاره وأعماله... ولوحاته التّشكيليّة العديدة تسرد لنا حكايات أمّة عربيّة وقضايا وطنيّة وتعبّر عن عالم مرّ أليم غير أنّي توقّفت عند بعضها لما لامست فيها من صدق أحاسيس وشعور بالوجع والمرارة... اللوحة الأولى تحمل عنوان" سوف أنهي كلامي " هي عبارة عن صورة لشخصيّة يرسم فيها الوجه وجهه أمّا الجسد فقد مثّله بالرّسم الخطّي وباستعمال الخطّ العربي بانحناءاته وتداخلاته بداية من الصّدر وصولا إلى القدمين وللنّاظر أن يقول من أوّل وهلة أنّ هذه أمعاء إنسان داخل البطن جعلها الرسّامة مكشوفة وعارية دون إناء أو جسم يحويها ويغطّيها وفي العادة الأمعاء الطّويلة نهايتها معلومة... غير أنّ الرّسام جعل نهاية هذه الخطوط الملتوية أو الأمعاء الدّقيقة والغليظة تنتهي بقدمين حافيتين عاريتين... إنّه العراء والضّياع و التّشرّد وجميعنا نعلم أنّ الحيوان وحده الذي يتنقّل حافيا...

هل يريد الفنّان أن يقيم معادلة بين الإنسان والحيوان؟

الإنسان بالنسبة له تائه على هذا الكوكب من الأرض فقير وجائع و سائح وباحث عن مستقرّ له يشعر فيه بالأمان ويكشف عن ذلك بتعرية أمعائه الخاوية فالإنسان خاو إذ هو مجرّد رأس وجوف.. في الجانب الأيسر من الرّسم من الجهة العليا في مكان القلب جعل رسما صغيرا كأنّه مقياس للزّمن.. الزّمن الغابر... الزّمن التّائه... وقد أعطى الرسام اسم لوحته كما ذكرت "سوف أنهي كلامي" أفهم من هذا أنّ سمير البياتي لم ينه كلامه فهو في حالة غليان وهذيان صامت وداخلي.. غليان وجودي.. ذاتي... معنوي.. فهو لم يفصح عن كل ما يعانقه من هواجس وما يشغله من هموم الحياة فرحلته مازالت تطول وتطول ولا يعلم لها نهاية كتلك الأمعاء التي تنتهي بالأقدام العارية التي لا مستقرّ لها ولكنّه مع ذلك يصرّح أنّه سينهي كلامه فهذه السّين الدّالة على المستقبل متى يا ترى ستكسف لنا بقيّة الكلام وبذلك ينهي فنّاننا كلامه ويقول ما لم يبح به لسانه فيقصّ علينا حكاياته وما يحمل في جعبته وفي طيّاته من آلام وهموم سواء هموم بلده العراق أو دموع الشّعوب العربيّة...

أغلب لوحات الفنان التشكيلية القديمة التي رسمها في الثمانينيات جعل لها عناوين وجسّدها بوجوه شخصيّات مختلفة وكثيرا ما نراها مقنّعة أو حاملة في أياديها هذه الأقنعة العديدة وقد نرى أحيانا في رسومه أنّ للشّخصيّة أكثر من وجه تلبسه فهي تخلعها وتغيّرها متى شاءت...وأغلب هذه الوجوه عابسة وحزينة من خلال تجاعيدها وملامحها ونظراتها... بعضها غامض كغموض الغيوم هو غموض فكري وقلق وجودي فهو يرسم الشّخصيّة العربيّة بتقلّباتها وبأوجاعها وأحزانها وخداعها ونفاقها وسمومها...

في لوحة ثانية تحت عنوان "الدرج" وقد عرضت في معرض عنوانه"وجها لوجه" في العراق سنة 1985 أرى أنّ هذا الدّرج بمثابة القبر من خلال ظهر الكرسيّ.. أو الكراسي العديدة المرصّفة فوق بعضها البعض فبدت بمثابة درج وفي كلّ درجة توجد ملامح وجه غير واضحة وواجهة كلّ درجة من الدرج تقريبا هي بمثابة الشّاهدة لقبر ثمّ اللّحاف الأبيض الذي جعله كساء فوق الدّرج هو الآخر يبدو كالكفن ... هذا الكرسيّ الذي يتكالب على صعوده الحكام العرب باستعمال الدّرجات وكلّ الوسائل هو محلّ صراعهم وإن كلّفهم اعتلاءه أرواح أشخاص عديدة وبريئة فغايتهم الوصول على أكتاف الكادحين والمثقفين وإن لزم سحقهم بتهميشهم وتشريدهم أو قتلهم بوحشية فغايتهم الغطرسة والهيمنة وإن شربوا دماء الشّهداء وعرق الضعفاء...

الفنّان والشّاعر سمير البياتي الذي لم ينه كلامه بعد يعبّر عن ذاته واحتقانها وأوجاعه ومتاعبه المتمثّلة في الغربة اللامتناهية الغربة التي يعيشها العالم العربي المتغرّب والمغترب في أوطانه وبين أهله وقومه وإخوانه فهو يحوصل ويلخّص كلّ ذلك الوجع وتلك الهموم الكثيرة التي تنال منه كما تنال من كل عربيّ يشعر بالاضطهاد في قصيدة له بعنوان "السّندباد البحريّ" وكلّنا نعرف هذه الشّخصيّة الأسطوريّة ومغامراتها والأهوال التي تصادفها في رحلاتها فيقول في مقطع منها اخترته لكم:

يا سندباد...

ليتك تعود من رحلتك

لتوقظ الأرواح

والأحلام والأمجاد

لقد ضيّعونا

محوا التّاريخ والجغرافيا والإنسان

القلم ينادي

والألوان.. والأعراض تسأل

لماذا تتساقط الأوراق الخضراء النّديّة

في كلّ يوم وهي تنادي

وآه... يا عراق... وآه... يا عراق

ألم ينهض الأبطال

الغربان شدّوا عين الشّمس

في بلادي

...

سونيا عبد اللطيف

18 جانفي 2019

42 views1 comment

1 Comment

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
magelan944
Jan 06, 2022

قراءة جميلة وواعية وماتعة ، دمتما بألق وإبداع وسعادة، تحياتي والياسمين..


Like
bottom of page