top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

في تجديد الرثاءالقرمادي والزناد نموذجا للأستاذ الشاعر والأديب التونسي والعربي سوف عبيد


قد أخذ المنحى الشكلي ـ بما فيه من مقاربات عروضية و إيقاعية و غيرها ـ جهودا جمة في تنظيرات الشعر الحديث حتى بدا التجديد فيه يكاد لا يتمثل إلا في مظهر المباني بينما ظلت مسألة المعاني و الرؤى والصور قليلة الحضور و التناول على مستوى النصوص النظرية والحجاجية لذلك نرى أنه يتعين على المتابعين لتطور القصيدة العربية الحديثة أن يعكفوا كذلك على سبر مثل هذه الأغوار الداخلية للوقوف على مدى إضافات الشعر الجديد و رصد تحولات القصيدة الحديثة تلك التي ولئن طرقت نفس المواضيع القديمة عموما إلا أنها تناولتها من زوايا أخرى و بأساليب مغايرة مثل موضوع الموت

في الموت قصائد عديدة ضمن أغراض الرثاء والتأمل والزهد وغيرها فهو من المواضيع التي يزخر به ديوان الشعر العربي على مدى توالي عصوره و ترامي أمصاره غير أنه أضحى في مدونة الشعر العربي الحديث موضوعا قد تناوله بعض الشعراء بكثير من التجديد سواء من حيث المناسبة و العبارة أو من حيث الإيقاع والصورة ناهيك عن النظرة إليه من حيث الرؤية الاجتماعية و الدينية و الفلسفية فظهرت قصائد عديدة في ما يسمى بالرثاء الذاتي تتمحور عموما حول فكرة أساسية غالبا ما تؤكد على أن الشاعر قد نفض يديه من الدنيا تلك التي يغادرها وحيدا بلا أهل و بلا أصدقاء وبلا مراسم دفن أو طقوس جنائزية لكأن القصيدة تتحول إلى عتاب لمعاصري الشاعر لتصل إلى الخيبة والمرارة...إنها قمة المأساة

من بين أولئك الشعراء الشاعر والأديب صالح القرمادي في ديوانه ـ اللحمة الحية ـ الصادر بتونس سنة 1970 حيث نقرأ له قصيدا بعنوان ـ نصائح إلى أهلي بعد موتي ـ يقول فيه

إذا متّ مرّة بينكم

وهل أموت أبدا

فلا تقرؤوا على الفاتحة وياسين

واتركوهما لمن يرتزق بهما

ولا تحلّوا لي في الجنّة ذراعين

فقد طاب عيشي في ذراع واحد من الأرض

ولا تأكلوا في فرقي المقرونة والكسكسي

فقد كانا أشهي أطعمة حياتي

ولا تذروا على قبري حبوب التّين

لتأكلها طيور السّماء

فالأحياء بها أولى

ولا تمنعوا القطط من البول على ضريحي

فقد اِعتادت أن تبول على جدار بيتي

كل يوم خميس

فلم تزلزل الأرض زلزالها

ولا تزوروني في كل سنة مرّة

فليس لديّ ما به أستقبلكم

ولا تقسموا برحمتي وأنتم صادقون

ولا حتى وأنتم كاذبون

فصدقكم وكذبكم عندي سواء

ورحمتي لا دخل لكم فيها

ولا تقولوا في جنازتي أنتم السابقون ونحن اللاّحقون

فليس هذا السّباق من رياضاتي

إذا متّ بينكم

وهل أموت أبدا

فضعوني في أعلى مكان من أرضكم

واحسدوني على سلامتي

إنه خطاب تأبين ذاتي أو وصية إلى أهله و أصدقائه يعلن فيه القطيعة بينه وبينهم على جميع المستويات بل ويتهكم من عاداتهم و اعتقاداتهم مما يؤكد الغربة التي عاش فيها بينهم

بحيث أنه عندما يدفن بعيدا عنهم سيلقى الهناء والسلامة

أما على مستوى الأسلوب فيبدو الكلام قريبا جدا من المستوى المحكي اليومي ولكنه حامل لكثير من التضمينات ذات الأبعاد الاجتماعية والفكرية والدينية مما يجعل القصيدة تعبر بالبساطة و السلاسة عن المعاني المعقدة والإشارات البعيدة

وفي هذا السياق نقرأ قصيدة ـ بكائية البحر ـ للشاعر محمد الحبيب الزناد في ديوانه ـ

المجزوم بلم ـ الصادر بتونس سنة 1970 وهو في رثاء أمه حيث يقول في بعض مقاطعها

خرجت تتفقد الأحباب

كان البحرجميلا ساخرا كذاب

عقدت عليه أشواق الأهداب

ورمت إليه بما في العمر من أتعاب

أعجبها النخل على زيفه

و الرمل وضوح سراب

....

خرجت تلوي على فرح جذاب

لبست جلباب

أبيض كالصبح لا حقد فيه

و لا لون اغتراب

خرجت تواجه زبد الموج وتمويه السحاب

مابين فتح الباب و غلق الباب

سنوات شطت وحبيب غاب

...

أعطني من ملحك يا بحر

ملح كلماتي

أعطني شعرا لأمواتي

ماذا عن الدنيا يا غامض الألوان

ويا قادرا عاتي

ماذا عن الأموات

جالت عيناها في البحر

فارتعش البحر لعينيها

علته الزرقة

فيبدو بوضوح أن الرثاء في هذه القصيدة يختلف إلى حد بعيد عن قصائد الرثاء في دواوين الشعراء القدامى لا من حيث المبنى فحسب وإنما من حيث المعنى أيضا بما فيه من مفردات و إسنادات و مواقف و مشاهد جديدة كان البحر فيها نقطة الانطلاق ومدى الآفاق

للشاعرات أيضا نصيب في قصائد الموت الحديثة حيث تناولن هذا الغرض بنظرةتجديدية واضحة نذكر منهن الشاعرة آمال جبارة في قصيدتها ـ مقبرة ـ بديوانها ـ أرق الكلمات ـ الصّادر سنة 2006 و التي تصور فيها مقبرة مدينة المهدية التونسية تصويرا هو أقرب إلى الرسم التشكيلي حتى لكأن القصيدة تستحيل إلى لوحة يطغى عليه اللون الأبيض بداية من أزهار الأقحوان إلى بياض القبور وزبد البحر غير أن اللون الأسود يسجل حضوره في آخر القصيدة وذلك عندما يخيم الليل

القصيدة إذن قائمة على سجل من الثنائيات و المدلولات من بينها ثنائية الأبيض و الأسود وهي تتراوح أيضا بين العمق و الارتفاع و تتنزل بين المد والجزر أو بين البر والبحر وهي تتجلى من ناحية أخرى بين الحضور والغياب أو بين زمن الفاطميين والزمن الحاضر لتظهر معاناة ثنائية الحياة والموت تلك التي تعبر عنها الشاعرة وهي تزور المقبرة البحرية فتلقى في أحضانا الصفاء والسكينة والسلام فالمقبرة في هذه القصيدة لا تعني الموت و إنما تتحول إلى رديف للحياة المنشودة وبذلك تنقلب جميع المعادلات المعهودة

هناك

حيث ينام الأقحوان قيد قبور من البحر

على بعد شهقة من' البرج

تتسنّى لي الحياة مرّتين

ما بين قبر وعوسجه

صخور الفصل مرهَقة

ترسم حدود الحياة

والعمق يحثّ الزّبدَ

يغازل الشّواهد المؤنّثه

عاصمة الموت الفاطميّ

تدلّك مفاصلها بمرهم المدْ

شبق يحتدْ

و تشهق في البرج الأعمده

للموت حضاراتٌ يجهرها الصّمت

هناك...بين القبور

تتقاسم مع البحر كلّ الزّمان

وبعض الأمكنه

ينهزم الغياب

في الكفّ الفاطميّ المخضّب

تستبيح الأرواح ترك الغطاء الحجريّ

آهلة أراها هاته المقبره

اللّيل يحبّ الانفتاح على المسالك

بين القبور

يخلد الزّبد الى الصّمت

حين تلألأ الأرواح نجوما مبعثره

الموت هديّة المنهكين/عودة مذهلة للصّفاء الأوّل

أمارس النّبش اضطرارا

لأقبر رغبة في الحياة دون النّضج

كم أفارق الجسد في هاته الأمكنه

أضرحة يزورها الأ......موات

يربكون هدوءها

بتجويحة اليتم الحقيقي

تتداخل الظّلال في الخميسات

في ليالي الجمعه

أضحت طقوس النّدب مشتّتة

بين الرّغبتين

كم ممتع هذا الصّراخ الأزليّ والرّجع مقبور

حين اللّيل يحتضر في هذي الكفّ المقفره

كذلك هو الشعر العربي هذا الجديد ـ في مختلف أنماطه وتسمياته ـ ليس تجديده في خروجه عن التفعيلات والبحور والقوافي فحسب و إنما في ظهوره بأساليب من المفردات و الإسنادات والمجازات والإشارات وحتى في مستوى توزيع كلامه على الورقة ليأتي بمعان و أحاسيس و يرنو إلى أبعاد و يعبر عن معاناة ظروف أخرى لم يعشها السابقون...و تلك لعمري شرعية

التجديد في كل عصر

لقد كان التعبير عن الموت في مختلف أبعاده أحد مظاهر ذلك التجديد


47 views0 comments

コメント

5つ星のうち0と評価されています。
まだ評価がありません

評価を追加
bottom of page