كيف اعتاد الكثير موتهم اليوميّ؟ كيف تحوّلوا شيئا فشيئا إلى مجرّد أفواه تأكل ومؤخّرات تتغوّط وأرجل تذهب وتجيء؟ كيف صاروا بمرور الزّمن عبيدا لكلّ شيء، للطرّيق المعتاد، للحركات والجلسات المكرورة، للحكايات الباردة والنّكات المقرفة، للعادات والتّقاليد البالية، للمظاهر المزيّفة، للأعياد والأفراح المعلّبة، للأغاني الباهتة المكلّسة، للأسياد غير المرئيين، للآلهة السّاديين، للملائكة للجنون للشّياطين ، للبراويز والفوازير والمال والبنين؟ للمأثور من الأقوال المجترّة حتّى الاهتراء، لبعض المواعيد الإسمنتيّة والوعود الغبيّة الّتي سرعان ما يذريها الهواء؟ كيف تلاشى الشّوق فيهم والضّوء من أعينهم؟ كيف تلبّدت سماؤهم فما عادت الشّمس تعرف إلى قلوبهم سبيلا ولا القمر يجد إلى ليلهم الأخرس دليلا؟ كيف اجتاحت الطّمأنينة أرواحهم وانتظمت أوقات أنفاسهم حتّى نخرها السّوس؟ كيف انسجموا مع شروط الإهانة والمهانة، واندمجوا في موكب كونيّ مع الحشرات والدّيدان؟ كيف اختزلوا أحاسيسهم في ما يبهر العين دون أن تهتزّ لهم جفون القلب؟ كيف انتهى القلب مجرّد مضخّة للدّم الفاسد؟ كيف صارت حتّى الكتابة بلا طعم ولا لون ولا روح؟ حتّى الجبّ صار مثل الورود البلاستيكيّة بلا جنون؟؟كيف تراكمت كلّ هذه الأقنعة على وجوه فقدت ملامحها الأصلية؟ كيف صار الكذب هواء والنّفاق أكسيجينا والغدر جينة من الجينات الوراثيّة؟ كيف غمرت مياه الأوهام الآسنة العفنة عقولهم وبيوتهم، فلا يدهشون ولا يعجبون، ولا يستغربون ولا يهتزّون، ولا ينتفضون ولا يكفرون؟ كيف ينامون ويستيقظون، ويعملون وينصاعون، وينكحون ويستمنون، ويتزوّجون وينجبون، ويكبرون ويشيخون، ويموتون ويدفنون بلا ضجيج، بلا أثر، بلا مطر، بلا شجر، بلا وتر، بلا خطر، بلا سفر، بلا انزياح، بلا اجتراح، بلا عدول، بلا سؤال، بلا اعوجاج، بلا ارتجاج، بلا زعزعة، بلا تعتعة، بلا غربة بلا غرابة ولا أجنحة، باختصار أليم، كيف يمضون ويخرجون من هذي الحياة الدّائريّة بلا ذاك الشّيء الّذي كان وراء نشأة البشريّة................... إنّها المغامرة!!!
コメント