ذات أمسية من أمسيات مدينة نيويورك في أوائل القرن العشرين اجتمعت نخبة من رواد الأدب اللبناني والعربي المهجري ، وقرروا تأسيس الرابطة القلمية التي سرعان ما رأت النور في العشرين من نيسان 1920.. ضمت الرابطة القلمية العديد من الأدباء والشعراء المهجريون ، واستطاعت على مدى سنوات أن تلعب دوراً بارزاً في تعزيز الأدب العربي في المهجر وفي تجديده.. لكن الرابطة كان لها دور آخر وهو الدور السياسي الذي مارسته في ظل الحراك السياسي اليساري في الولايات المتحدة ونمو الفكر الإشتراكي فيها.
ولذلك لم تكن الرابطة مجمعا للأدب بقدر ما كانت مجمعا للسياسة الإشتراكية إذ كان العمل الأدبي ستارا تخفت وراءه هروبا من قمع لجنة التوجيه المعنوي ومكافحة التجسس التي كانت تهدف إلى تحريك الرأي العام وتوجيهه نحو محاربة الفكر الماركسي والأدب الإشتراكي والنقابات العمالية المناهضة للرأسمالية واستغلال أرباب العمل.. في فترة ما اصطلح على تسميته بالمرحلة الأولى من الرعب الأحمر.
لقد تعرف الأدباء العرب في المهجر على الفكر الإشتراكي النامي في الولايات المتحدة من خلال الترجمة.. وقد كتبوا قصصا ونصوصا ومقالات حول حركة الأدب الإشتراكي هناك وعاشوا في جو ملتهب إشتراكيا.. فقد تميزت العشرون سنة الأولى من ذلك القرن بظهور الإتجاه الثوري الإشتراكي وبتصدي المؤسسات الرسمية الرأسمالية لانتشار الأفكار التقدمية والحركات العمالية وشرائح المجتمع المهمشة المطالبة بالحدود الدنيا من حقوق المواطنة.
قدم الأكاديمي الأردني - الفلسطيني فواز أحمد طوقان في العام 2005 كتاب جديد أطروحته مخالفة للأفكار السائدة حول أعضاء الرابطة القلمية مفادها أنهم كانوا على علاقة بالفكر الإشتراكي وبالحركة الشيوعية في أميركا.
في هذا الكتاب المعنون بـ "أسرار تأسيس الرابطة القلمية وعلاقة أعضائها بالفكر الإشتراكي" يرفض طوقان ما هو محل شبه إجماع عند باحثين سابقين وضعوا أعضاء الرابطة القلمية ونتاجهم تحت عناوين كبرى أبرزها المدرسة الرومانتيكية.
شمل كتاب طوقان بالبحث أعضاء الرابطة اللبنانيين والسوريين كجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونسيب عريضة وندره حداد وإيليا أبو ماضي وأمين الريحاني ورشيد أيوب ووديع باحوط، إلا أنه توقف وركز على اثنين منهم وهما عبد المسيح حداد ووليام كاتسيفليس.
ويقول طوقان إن تصنيف نتاج الأدباء المهجريين في خانة الرومانتيكية يتغاضى عن أنهم انتهجوا هذه المدرسة متأخرين عن أفول نجمها بردح طويل من الزمان هذا إذا كانوا انتهجوها أصلا.
ورأى المؤلف أن الفترة التي عاش فيها المهجريون المعنيون بهذه الدراسة لم تكن في أي حال من الأحوال فترة انتعاش نزعة التجريدية - الرومانتيكية المثالية لا في الحركة الأدبية وسط المجتمع الأميركي ولا في الحياة السياسية أو الإجتماعية.
ويعتبر أنه من الأقرب إلى المنطق أن يكون أدباء المهجر الأميركي الشمالي متأثرين بإحدى الحركتين الأميركيتين المتصارعتين ما بين عامي 1890 و 1920 وهما حركة الرأسمالية البراغماتيكية "الذرائعية" وكانت هنالك بالمقابل الحركة الإشتراكية الأميركية.
ويعتبر الكاتب أنه من تحصيل الحاصل أن ينحاز أبناء الجاليات المعاصرة ومنهم الجالية الشامية إلى نصرة حركة المعارضة المتمثلة في الحركة الإشتراكية الأميركية، مشيرا إلى أن المهجريين لم يكونوا بعيدين عن هذا الفكر حيث عرفوه في ديارهم الأولى حيث كانت معاني الإشتراكية ومداراتها تتسلل من شقوق كتابات الإصلاحيين.
كما لم يربط طوقان هؤلاء المهجريين بسمات من النمط المبكر من الواقعية أي الواقعية الطبيعية التي أطلقها الفرنسي الشهير إميل زولا (1840-1902) بل بتيار الواقعية الإشتراكية الذي أصبح مكسيم غوركي (1868-1936) رمزا له.
ويضيف أن أعضاء الرابطة حشدوا في أنواع نتاجهم الأدبي نقدا لاذعا لما عليه المجتمع من نقائص ومظالم وتحريضا مكشوفا أو مبطنا لشحذ الهمة ورفض الواقع البائس والمطالبة بما جاء المهاجرون الجدد من أجله وهو الحرية والعدل والمساواة.
* عمل مساعد تدريس في جامعة يال الأمريكية 1964-1967 وأستاذاً مساعداً في جامعة مينيسوتا 1967-1969، وأستاذاً مساعداً ثم مشاركاً، فأستاذاً في الجامعة الأردنية 1969-1995، وأستاذاً في جامعة الزيتونة الأردنية 1995-1997، وأستاذاً للغة العربية وتاريخ الحضارة في جامعة البحرين 1997-1998، وأستاذاً للغة العربية والإعلام في جامعة البحرين 1999-2003.. وأستاذا زائرا في الجامعة الأميركية في بيروت 2004-2005..
وقد عمل مديراً للعلاقات الثقافية والعامة في الجامعة الأردنية، ومديراً لمكتبة الجامعة الأردنية خلال عام 1988.. كما وشغل منصب وزير التنمية الاجتماعية 1988-1998.
سبق أن كتب د. فواز طوقان في مجلات عربية منها الفيصل السعودية، وهو عضو مؤسس في رابطة الكتاب الأردنيين وجمعية المترجمين، وجمعية محبي الخط العربي، وجمعية الدراسات الأردنية، والجمعية الملكية لحماية البيئة، والجمعية الأمريكية الاستشراقية وترأس تحرير عدد من الصفحات الثقافية في الرأي والأخبار، كما ترأس تحرير مجلة الرابطة الثقافية، وله في الإذاعة والتلفزيون ما يزيد عن مائتي برنامج في الثقافة والإبداع والوثائقيات.
Comments