(فإذا سقطت في جحيم المعركة". فانظر تجد علما يرفرف فوق نار المعركة/ مازال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة" (معين بسيسو
( متماوت، قلها وفاجئنا بأغنيّة جديدة لم يبق وقت عندنا للموت، إن ننقص يزد أعداؤنا. فانهض. يا صاحبي في النّعش متسّع لأغنيّتين". )سميح القاسم في رثاء معين بسيسو.
( يُـفترض بعد استشهاده أن لا يقبل أحد بنصف الحقيقة، وأن لا يرتضي أحد نصف الحلم.وأن لا يلبس الوهم من اختار أن يموت كما يريد لا كما يريدون.).
* الشّهيد يتماوت ولا يموت.
الأربعاء 06 فيفري 2013 ، سنتان بعد الثورة،وعرسك لم يكتمل،وجراحنا لم تندمل والطّريق إلى الحقيقة لم يرتسم.في صباح غائم يلفّه ضباب الحيرة تونس تصحو من حلمها الظلاميّ، تتحسّس جنبيْها، تسأل عن بنيها وكلّ من فيها، تتفقّد حُـماة أحلامها، تنحبس أنفاسها وترتعب. خاتلها الغدر،عشّاق الموت اختطفوا من بين ظهرانيها أحد أبنائها. ويتجمّد في الحلق السّؤال، من نواسي ؟ ومن يواسينا ؟ في مصابها؟ أم في مصابنا؟. كدأبها دوما في حالك الأيّام، لمّا تتسرّب النّوازل من برّ غير برّنا وسماء غير سماواتنا تتحامل على جراحها، تكبت أحزانها، تحمل عنّا وزر اللّحظة، تحبس دمعة، تشدو: وما قتلوه، وما نالوا منه. وإنّما يُخيّل لهم. متماوت هو ولم يمت. انظروا بالبصيرة لا بالبصر، شكري حيّ لا يموت، يفاجئكم بين اللّحظة واللّحظة، بين الآن والآن، يقتحم عليكم وجومكم، ينغّص عليهم فرحة لن تدوم، يطاول عنان السّماء، دمه يجمّل ترابك يا الخضراء، يسقيها نبعا، يقاوم جدبا، يرسم ههنا وردة وهناك قلب . رحل وما رحل.وما كان يمكن إلاّ أن يكون على سفر.وهل كان يمكن أن يكون على غير سفر؟ من سفر إلى سفر. سفر هو السّفر. من رحلة طويلة إلى رحلة عجيبة وما زلّت به قدم، وما نال منه التّعب. انتظروا منه عودة، وله إطلالة. كالشّهداء دوما يتماوتون وأبدا لا يموتون. يرتّبون مواعيدهم بشبق المحبّ، يستدلّون على وعر الثّنايا بدرب عبّدوه بدم غزير وحزن ضنين عزيز.شكري لم يمت ولن يموت .دونكم النّعش. ماذا ترون؟ وماذا تبصرون؟ ليس إلاّ أنشودة . هو فقط في خلوة مع رفاق له يتداولون شأننا وحزننا وهمّنا وحلمنا وطيشنا وبعضا من أهامنا وما يعترينا من تردّد وتيــه ووجوم، يخاتل أعداءه/ أعداءكم /أعداء الحياة. يعاند.يوغل في العناد. ينبعث بين حلم غائر وحلم ثائر. ما غادرنا. اسمعوا وعوا. انتبهوا جيّدا. أحفظوا الوصيّة يتلوها عليكم كما حبّرها بدم تهاطل مدرارا. يرسم دوائر في الأفق لحظة قبل أن تفارق الرّوح المهجة والجسد. أنصتوا: دمي يا دمي، لا تخن جرحا هو دوما سندك بسراب خلّب لم يكن لك . يا دمي، لا تصالح على ما لم يكن لك فيه مدخل للتّصالح، اغتالوك فصار الرّمز أكبر.صرت أبهى وأحلى وأجمل. وهبوك قيدك. منحوك شهادة ميلاد فأحيوا الفكرة وما قتلوها . وما وأدوا شبق الحِلمة. وتظل تجيء، تجيء يا جرحي على عجل كمن به حنين إلى طفولة انسابت ولم ييأس من استعادتها حلما جميلا وطيفا أجمل وأجمل. ترتق جراحنا.يتكوّر الجرح على الجرح ويعانق ابن أمّه الجريح،أخا لم تلده أمّك، وعلى العهد لا يساوم. تحرم الأعداء متعة التّسلّي بتناثر ما تطاير من بقايا الأشلاء. شكري يستعرض عجائب شريط حياته. يستذكر. يعتصر ذاكرته. يتمثّل الوصيّة: بي إليكم شوق قاتل وأنا القتيل. إليكم كلّ الحنين وبعض من الحسرة وما تيسّر من النّدم
**رجــــاء لا تمـــت**
رجاء لا تمت قبل أن تستأذننا في موتك. لا تمت قبل أن تموت. لا تطرد على جراحنا الذّباب. لا تخن العهد، وأنت المعنى الذي يأبى أن يكتمل، وأنت الفوضى التي أنّى لها أن تنتظم، وأنت الجرح الذي عنادا يكابر، يضمّد جرحا بمثله،يداري حزنا بشجن، وعلى أحزانه أقسم أن لا يساوم. أنا لم أمت، لم أواجه قاتلي، قد يكون رآني ولكنّي بالتّأكيد ما أبصرته، لم أحاوره يوما على ما فيه اختلفنا دوما ، كان يلتحف جبّة الموت، وكنت بالحلم أتدثّر، كان يمسك مسدّسا ولغما وبالحقد يتوضأ، وكنت أوزّع وردة وابتسامة شاردة تخرق ثقوب الزّمان، بها أتيمّم لمّا لم أجد ما به أتوضأ. آه لو كتِب لي من رحلة العمر عمرا جديدا، لأعدت ترتيب الأشياء، لرتّبت يوم رحيلي بنفسي، لراكمت أعوص الأسئلة وهجرت ما تبلّد من ركيك الأجوبة .هل لي أن أكون طريقكم إلى اليقين؟ هل لي أن أكون الدّم الذي به من أدرانكم تغتسلون؟. يا أنا. أبحر مرغما في وعر الثّنايا في رحلة المسافات الطّويلة. إليكم أعود كما دوما سأعود مظفّرا إذا أدركتم كيف تتسلّلون من بقايا الرّوح إلى ما عبّدته لكم دروبا أردتها سالكة وموجا يخطّ حدود الفصل بين من بكى صدقا ومن تباكى زورا وغدرا. أخلع عنكم ما تقمّصتموه من وشاح حزين وأدعوكم إلى عرس دام في ساحة معلومة وفي وقت معلوم. يا أنا. ليس بيني وبين قاتلي عداوة. بيني وبينه ما بين خطوط الطّول وخطوط العرض من التباس. بيني وبينه ما بين المقدّس والمدنّس من تباعد، بيني وبينه مابين نجمة الصّبح وغسق اللّيل من تنافر. قاتلي ما عرفته ولكن لست أدري أين ومتى خبرته. أريد قبل أن أعود من سفري، من غياهب الرّحلة، من جنون الرّحيل،
أريد أن أطلّق الأبعاد، أريد أن أوحّد المستحيل، أشتهي أن أمتطي صهوة المحال، أوغل بكم في مجاهل الصّحراء، في غريب الفيافي، في وعر الأدغال. أبحث عن جواب ينتصب مستقيما في محال. أريد أن ألاحق شهوة يهزّها الحنين إلى الانتشاء.علّي في لحظة هي الدّهر أفاجئكم بوجه الحقيقة وأزفّ اليكم برد اليقين. أريد أن أطوي هذا اليوم الشّاحب كشمس آخر النّهار تطوي دورتها على عجل، على قلق كانّ الرّيح تحتها تغيب وتغيب. ترى هل استرق من مكر الزّمان لحظة ليودّع أحدا ممّن كان يجب أن يقرئهم السّلام ؟ ما اظن.كان مستعجلا. هل ترك له قاتله فرصة للتّذكّر؟ كان يريد أن يصرع كلمات تنوء بحملها لتتحرّر من أغلالها. الخيانة تسري،من ثنايا الضّلوع تتسرّب، والغدر يمتطي حلّة سوداء، والإجابة تفرّ منه ساعة يرجمها السّؤال. أرحل وأترك لكم بعضا من اليقين، أترك لكم ما لا يبدّده الغياب ولا يفسده النّسيان. ما يجعل الكذبة تنتصب حقيقة، ما يسلّيكم في أوقات الكآبة والملل. فما أنا للخطيئة بمشته ولا أنا للإثم عاشق. ونسّاءل، لماذا تعجّلت السّفر؟؟ لماذا رحلت ولم يكتمل بعد القصيد، وفصول الرّواية تشعّبت وتسمّرت كأمسيّة يداهمها الظّلام وما بها بالظّلمة استئناس؟ رحلت من خيام قافرة إلى ديار عامرة .إذن سلّم عليهم جميعا. لا تحتجّ بكثرتهم. ستراهم واحدا واحدا. من كلّ مصر وعصر، من كلّ فجّ عميق. الأسماء معلومة. ونشيدهم معلوم : نحن الرّبح الكامن في ما تبقّى من ركام خسائركم. نحن هنا باقون إلى أن يجيب العدم ويستكمل الوجود دورته الباقيّة، وتتبيّن الفروق بين خيط الرّذيلة وخيط الفضيلة، بين حدّ الوهم وحدّ الحقيقة "كأنّنا عشرون مستحيل" إلى أن تعود العصافير إلى أوكارها. العصافير تحنّ دوما إلى أعشاشها، يهزّها الحنين إلى أوطانها. نحن هنا باقون، نحرس المدينة من ظلمة المدينة.لمّا يداهما الشّكّ تتكوّر على أسوارها، تحتمي بظلّها من القادمين من الكتب القديمة المنفلتين كجائحة تناسلت وفرّخت واستطاب لها المقام. شكري يردّد . لست طريدا ولست شريدا. قد أكون غريبا. ولكنّني أبصر فأرى ما لا يُرى ولغتي تغنّي:قتيل يقاتل ويهدي ذاكرته للشّمس تذروها سنابل غضب، تقاوم الشّوق المتعب والحنين المغتصب. " أيّها الشّقيّ أمضيت عمرك في اليسار.فهل يُعقل بعد كلّ هذا العمر أن تذهب يمينا؟"
شكري تماوتّ وما متّ
رحلت عن ديار أحبّة إلى ديار الأحبّــة
إذن سلّم عليهم
لن نقول لك الوداع
فأنت تحتضن المدينة وقاتلك يحتلّ قبره
. الطايع الهراغي -هاشتاغ -
Comments