"1".
نيران عظيمة التَهَمَت ثَروتي ولَم أجد التعليل
المناسب. أعيد هذه المصيبة على مسامع مِن
التقيهم أثناء السَفر الى الغابة لالتقاط ريش
الكواكب. زَمَني زَمَن اضطراب فظيع والذين
أعيش بَينهم، يظنّون أن بامكانهم الابتعاد عَن
محراث الصاعقة المتلألئة. هَل يُمكن للنَهار
أن يتَطابق مَع نعومة وجه القنبلة؟
تَقصَّيتُ أحوال الموتى في العصور الغابرة،
وأفزَعتني البِدَع التي قَتَلَت أكثرهم.
"2".
مُرتَدياً مُدَّة قصر العُمر انضمَّت إليّ الجموع
المُفرطة في الفَزع. تَجنَّبْتُ الكُلّ
ونَزعتُ الحزام وعاودتُ
وضع الدهان فَوق رأسي.
مأ أضأل حياة البَشَر.
اذا توفَّى المرء يخفي أهله عَنه،
طربهم وسرورهم ولا يكتَرثون،
بعيشه في الأبنية غير المُحتَشمة.
"3".
فرع شَجَرة تَتَجمَّعُ فيه حجارة الشَمس،
لا تَجْمَعني مَع الثمار التي تثقله صلة
قَرابة. رَطَّب الذين اعتادوا الصَيد في
الأنفاق القَديمة جَبيني، وَدَعوني الى
العَيش في أكواخهم.
شروط السَهَر تَحت الأشجار العَليلة،
لا تَتَطابق مَع الظلال التي انتَفَخت.
جلستُ أشوي البطاطا وأضاعف
حَرَكة الذين عَجَزوا عَن عبور ما
يَستَلبهم جَمال المُستَقبل.
أول ميتة تَعَرَّضتُ لَها، لَم تَكن
الهاوية فيها مضيافة. عَلاني جصّ
الجنازات وسخطت على كلّ ما لا
يزفر ويشهق. جَفاف دام طوال الليل
وأضحَيت عاجزاً عَن العَودة الى
ارتداء ثياب السَنَة.
"4".
أجمَل الأيَّام هي تلك التي نفقد فيها الشَخص العَزيز.
البَعض يَصطاد حين تَتَسلَّل اليه فكرة الشواء، شراع
سَفينة ويحلم بهطول الأمطار على بَيته. مَن هذا الذي
يضع الثَلج على الخدَّين وينتظر
أن يثقب لَهُ الغُول ستارة
نافذة غرفة نَومه؟
نَحل كَثير يصلني مِن الغابة فأتَحاشاه،
وأبقى مُسمّراً في مكاني.
تثاءبَت حَياتي، والحُفْرة التي أحاول أن
أجتازها، تتلألأ فيها الدموع التي تغالب
بخار الشَمس.
"5".
عَبَرتُ ما لا يُحصى مِن الحَواجز، وضَربْتُ بالسَهم
الثَمَرة الغضَّة للطفولة. الفرسان أفنَوا حَيواتهم في
جَمع الحصى، وأحجَموا عَن الصعود الى المَركب
حين امتلأت الأرض بالرياش. يَشْملُ الغَرق الأحياء
والمَوتى، لكنّه يستثني الذين أنشأوا لَهُم الأنصاب قَبل
مَرضهم. كانت تَحيا مَعي قَبل مجيئي الى العالم دودة،
تتشدَّدُ اذا تَجنَّبتُ الظهور الى الشمس الآثمة.
أقمتُ سَكني فوق تلَّة وحلمتُ بتحاشي الطوفان.
يَشتَرطُ في مَن يدفنون جثَّتي، عَدم التفكير بالعودة
مِن المَقبرة.
"6".
اكتَفَيْتُ بفكرة سَيلان الزَمَن على المادَّة، وَعَبرتُ تراب
الملايين مِن المَحمومين. لَو بامكاني المَوت بمعزل عَن
الماضي، لَشَغفت بالديمومة. فعل الوعي الغادر في
نَيل الحظوة لَدى الأبدية المتعاقبة، يلجأني الى التغيّرات
والانفصال عَن الجامد والعابر. هَل أسارع قَبل أن
يقتنصني الصقر الى استعادة ما ضيّعته في حَياتي
الماضية؟ أغلب الغَرقى يلجأون الى آبائهم بَعد الغَرق،
وأنا لا آباء غرقى لي، وكدحتُ كلّ سَنوات العمر بلا
طائل.
"7".
غطَّى رَماد البركان الأرض كُلّها، وتنفَّست الخليقة
تنفّساً غطيطاً. يتطلَّبُ العَيش برفاهية أن نتخلَّص
مِن التبعيّة للفَزع، وأن نَرمي دائماً الفُوط مِن على
رؤوسنا الدائخة. كُلّ مكان في العالم قَبر، إلآّ شَجَرة
الرحم، والبحر يرغمنا على الغَرق مِن أجل ما فيه
الخير لَنا. لجأتُ مَع الآخرين الى أجمة النهار أضمِّد
جروحي، ولَم أحترس مِن بكاء الأثداء المقطوعة
للأيَّام. أغنتني صخرة ممتلئة بالملح عَن ما فقدته في
شَبابي، وعدتُ الى المنزل مغرماً بسعار مَرضي.
"8".
أخفَيت عَنكِ الكَثير مِن الأسرار وكانَت الهبات والمِنَح
تأتي إليّ مِن الآلهة. كنتِ تُمشّطين شَعركِ قرب الأضرحة
التي لا تَتَزعزَع، وَوَهَبْتكِ ما غَنمته في ظَهيرة الصَيد.
البَعض يَموتون ويسرعون الخطى الى أرض الظلمة
الظامئة، وأنا لست مثلهم وأحاول أن أكون نيَّاككِ الجميل
دائماً. أتمادى في التغنّي بكِ ولا أقصّر بمعاينة مَرَضكِ.
غيوم أثدائكِ المُحمَّلة بالدموع المَحبوبة، شُغِفتُ فيها قَبل
أن أولد وكنتُ أخشى عَليكِ مِن نَدى البَحر وجَمال الجَنائز
المَدهونة.
"9".
نَصبتُ الشراك في الظَهيرة وَوَقَع فيها أسوأ صَيد.
طائر أَبو زُرَيْق. التكهّن الآن بحيازة النفيس وأنا
التفّ بعباءتي، صَعبٌ ولا أرغب في التَعَجَّب مِن
تَعاطف الخير مَع الشرّ. أحتاج الى تضافر الأشجار
التي تُغْري الثعالب. الأدلَّاء لجؤوا كلّهم الى الاختفاء
في ما يؤثر به القيظ، ولحظات السرور تخلو مِن أي
راحة. شعوري بأن الزَمَن سيعرّضني للهَلاك لا
أقوى عليه، ولا يُمكنني أن ألوذ بالفرار مِن الأشياء
التي تُروّعني. شروق وغروب الشَمس وظيفة تافهة
وانتظار المعجزة فيها غير مضمون. هَل أقايض ما
عندي بصيصان دجاجة، وأترك كلّ حافز للخلاص
مِن الملل؟
"10".
وطأة فَظيعة تَحَمَّلتُ فيها الغَطس الى الهاوية
واختلفت مَع الآخرين في تَفسير سَبب دَعوة
الدودة العَتيقة لي. هَل يكفي أن أمحو أيّ أثَر
لصراخي وأنا أعانق فراء الحجارة التي أموت
عَليها؟ شَرارة غَير مأمونة ضَمنتُ فيها الانفصال
عَن ما يحيط بي، وظنّ الذي تَعَقَّبوني بالدروب
انَّني سأحرمهم مِن ما قَسَمه الله لَهُم في حَيواتهم.
"11".
اقتَربْتُ مِن القَبر ولحماية رأسي، غطَّيْته بالشَّاش
الأزرق للشَمس. عَطايا الله للمُنفَردين مُعلَّقة فَوق
أشرعة الأشجار، لكن هَل بامكاني الحصول على
ما يلزمني؟ مَللتُ مِن قَنص الطَرائد التي تَرضَع
أطفالها، وأتَوجَّس الآن مِن الذين تَوفَّرت لَهُم القدرة
على الايعاز للطَبيعَة بشلّ حَركَتي. حيّز ضيّق أُجبِرتُ
على الانزواء به ولفَّني الذهول مِن القلامة الضارَّة
لظفر السأم. سواي سَمَعوا نَواح الخَليقة في العالم وَلَم
تَتَغضَّن دموعهم على ما يَنتَظرهم.
Comentarios