
مَرْحَى بِكُمْ فِي هَذِهِ الأُصْبُوحَةْ يَا شُعَرَاءَ الثّوْرةِ المذْبوحَةْ! طُوبَى لَكُمْ بِحَناجرٍ صَدَحَتْ وَ مَا صَدِئَتْ
وَ لاَ بَاتَتْ تُرى مَبْحُوحَةْ!)
هكذا استقبل نادي الشّعر في اصبوحة يوم الجمعة الماضي 26 جوان 2020 روّاده وَ ضيفتهم الشّاعرة ( ماجدة الظّاهري) احتفاء بصدور كتابها الشّعريّ ( ما تيسّر من صورتها) الصّادر في الآونة الأخيرة عن دار الاتّحاد للنّشر. و ضيفتنا اصيلة مدينة ( سيدي بوزيد) التي شهدت شوارعها نضالاتها مع الدّيمقراطيّين و النقابيين من اجل حياة اكثر إنسانيّة منذ يفاعتها ، إذ انتمت مبكرا إلى الرّابطة التونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان، و كانت اصغر عضو يحضر المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي انعقد سنة 1989 في جينيف.... لذلك نجد شعرها في كتابها الاوّل ( ترانيم الماء) و في كتابها المُحتفى به ( ما تيسّر من صورتها) ينهل من هذه التجربة النّضاليّة التي تهبه أصالته و فرادته معا... و قد حضر لتقديم ضيفتنا إلى جمهور نادي الشّعر كلّ من الاديبيْن ( نورة الورتاني) و ( مراد ساسي)، فكلاهما صديق للشّاعرة و مطّلع عن كثب على تجربتها. و لانّ الاستاذة ( الورتاني) جمعتها بها علاقتا الزّمالة و الصّداقة منذ انتمتا في ثمانينيّات القرن الماضي إلى مدرسة ترشيح المعلّمين، فإنّها كانت الاولى التي توجّهت بكلمتها إلى الحاضرين. و مع انّها تساء لت منذ البداية إلى ايّ مدى يمكن ان تكون موضوعيّة وهي تتحدّث عن ماجدة الصّديقة والزّميلة و الاخت طيلة اربعة عقود فإنّها شدّت انتباه الحاضرين برصانتها اللاّفتة مستحضرة إعجابها و باقي التّرشيحيّات بصديقتهنّ الشّاعرة (ماجدة الظّاهري) التي كانت ترسل كتاباتها الآولى إلى إذاعة تونس الدّوليّة النّاطقة باللّسان الفرنسيّ ، فتُقرأ هذه النّصوص على امواج الاثير لتجد حظّا كبيرا من التّقريظ تنتشي به الشّاعرة و تسعد به رفيقاتها... امّا و قد تطرّقت المحاضرة ( نورة الورتاني) إلى متن كتاب صديقتها ( ما تيسّر من صورتها) فقد درست من منطلق فلسفي إغريقيّ احتفاء الشّاعرة بعناصر الكون الاربعة : ( الماء و الهواء و النّار و التّراب) فاثبتت من خلال نماذج دالّة انّ هذا المضمون الفكريّ الذي حرصت ضيفتنا عليه في كتابتها اكسب إبداعها عمقا و ثراء لافتيْن... و لم يفت المتحدّثة ( الورتاني) طبعا ان ترصد بقيّة مضامين الديوان ( ما تيسّر من صورتها)،. و خاصّة ما تعلّق منها بموضوعة المدينة و علاقة الشاعرة بها انسجاما و تنافرا.

لقد كانت مداخلة الاستاذة ( نورة الورتاني) على قدر من الوضوح و السّلاسة بحيث شدّت انتباه الحاضرين و مثّلت في الوقت نفسه خير تمهيد للاديب ( مراد ساسي) الذي تناول الكلمة مباشرة بعدها فحرص منذ البداية على تعريف الشعر و الإبداع عموما متخلّصا إلى اختبار حقيقة ذلك عند ضيفتنا ( الظّاهري) في كتابها ( ما تيسّر من صورتها). فاستنادا إلي ( هيدّغير) و ( درويش)، و غيرهما الحّ ( ساسي) على انّ الشّعر مهما عُرّف بكونه محقّقا للفتنة فإنّ ذلك لا يُخوّل لأيّ كان ان يُصادر مضمونه الإنسانيّ... و إذ تخلّص الدّارس إلى تعداد خصائص شعريّة الكتاب المحتفى به فقد توقّف مليّا عند تعالق المستوى اليوميّ العاديّ المباشر مع مقابله المتجسّد في العجيب المدهش ممّا جعل النّصّ الشّعريّ هنا بقدرما ينغرس في بيئته مكانا و زمانا، فهو يفتح كوًى للتجربة تعانق من خلالها الهمّين الحضاريّ و الوجوديّ الشّاملين. و لذلك فإنّ وجع الشاعرة في معاناتها هو وجع كلّ إنسان في كلّ الاوقات. ولا شكّ انّ خصوصيّة التجربة التي حرصت عليها الماجدة اساسا لكتابتها هي التي وهبتْ منجزها الشعريّ أصالته ، كما اشار إلى ذلك الدّارس ( مراد ساسي) ، وهي اصالة غير منغلقة طالما انّها تتشوّف المستقبل وما يعد به وطنيّا و قوميّا و كونيّا... و هكذا فبفضل اصالتها هذه تفرّدت ( ماجدة) كما سجّل ( مراد) بين كثير من الاصوات المستنسخة في الشّعر التّونسيّ اليوم... و قد ذهب الباحث بعيدا في تتبّع العناصر الفنّيّة الاخرى التي ضمنت لضيفتنا اصالتها و تميّزها فاشار إلى البرنامج السّرديّ الذي لا تكاد تخلو منه قصيدة من قصائدها النّثريّة. و إذ تمتح شاعرتنا من الذاكرة الجمعيّه هنا فإنّها تحرص على تنقية كلماتها من المعنى الاحاديّ المعطى سلفا لتشحنها بدلالات بكر وفيّة فقط لتجربتها هي المخصوصة. و قد ساعدتها ملَكة الخيال لديها على تحويل الواقع تحويلا شعريّا إبداعيّا يروم الممكن المحتمل من التّجارب غير مرتهن إلى اسيجة الواقع المبذول سلفا للجميع.... كلّ ذلك يؤكّد انّ صديقتنا ( ماجدة الظاّهري) شاعرة مجتهدة تتجاوز النّمطيّ من وسائل التّعبير و اشكاله إلى اجتراح الجديد المبتكر لغة و صورة و بنية و إيقاعا.... و هكذا فإنّ ما خلص إليه الناقد (مراد ساسي) في محاضرته الشّيّقة هذه من تنويه باهمّيّة ديوان ضيفتنا (ما تيسّر من صورتها) لم يفاجئ الحاضرين لانّه مهّد له بقراءة نافذة و متأنّية نجحت في الإلمام بخصائصه الإبداعية فنّا و دلالة. و الحقّ يُقال إنّ ديوان ضيفتنا هذا يستحقّ ما قاله فيه ناقدنا المبدع ( مراد) واكثر بالنّظر إلى ما فيه من مزايا فنّيّة اهّلته لكيْ يُعتمد مصدرا لطلبة جامعة ابن زهر في المغرب الأقصى ضمن شهادة ( الشّعر النّسائيّ المغاربيّ). وهذا قليل من كثير يُحسبُ لضيفتنا في مسيرتها الإبداعيّة تعفّفت عن ذِكْرِه و اكتفت عندما أُحيلتْ إليها الكلمة بقراء ة نماذج شعريّة من كتابها ( ما تيسّر من صورتها) مُتيحة بذلك الفرصة للحاضرين لكي يتفاعلوا مع ما استمعوا إليه في اكثر من مسالة. فالشاعر ( بوراوي بعرون) نوّه بما استمع إليه من نصوص شعريّة اعتبرها بديعة و جميلة ملاحظا اهمّيّة اهتمام الشّاعرة بعتبات النص، و بنحت لغة و صورة شعريّتيْن منتظَمتيْن بالتّخييل ليتوجّه إثر ذلك بسؤال إلى الشّاعرة عن الطّريقة التي تعتمدها في تحويل تجربتها الشخصيّة إلى موضوع للكتابة.... امّا الاديبة الاستاذة ( ريم العيساوي) فقد نوّهت بمداخلة النّاقد ( مراد ساسي). كما قرّظت تجربة ضيفتنا الشعرية عموما و في كتابها المحتفى به أساسا حيث يبرز اهتمامها بنحت لغة شعريّة خاصّة بها. كما توقّفت الاستاذة ريم عند ثنائية الذاتي و الموضوعي في هذا الاثر، و عند ظاهرة التناص الدالة ببروزها على ثراء ثقافة الماجدة.... ثالث المتدخّلين كان فيلسوفنا الاستاذ ( عابد الشيحاوي) الذي تفاعل مع ما جاء في محاضرة الاستاذة ( نورة الورتاني) من توقّف عند عناصر الكون الاربعة فسجّل انّ الشّعر يتاتّى دائما من الامتزاجات التي تؤدّي إلى الاعتدال، و الاعتدال يؤدّي بدوره إلى تحقّق الشّعر.. آخر المتدخّلين في النّقاش كانت الاستاذة الشاعرة ( كوثر بولعابي) التي وجدت خيطيْن رابطين بين شعر ( ماجدة الظاهري) و شعر كلّ من ( الشّابّي ) و ( السّيّاب).
..... عبد العزيز الحاجّي.....
Comentarii