رحل الكاتب الكبير صلاح الدين بوجاه *محمد بن رجب*
هكذا عرفته..
............
كيف أبدا الحديث عن الكاتب الصديق صلاح الدين بوجاه الذي رحل هذا الصباح من يوم الاربعاء 17فيفري إلى عالم افضل من عالمنا المريض و الى حياة أخرى خالدة أجمل من حياتنا المتناقضة العابرة..
فهو كاتب كبير مبدع في الرواية والقصة القصيرة واستاذ جامعي راق.. وناقد متميز.. وناشط في المجتمع المدني وكان نائبا عن القيروان في البرلمان قبل الثورة
وهو رجل صاحب أخلاق نادرة قليل الكلام وشديد التواضع لا يتحدث عن نفسه على الإطلاق مع خجل يطفح على وجهه بوضوح لا يجعلك تنزعج منه على الإطلاق رغم صمته الطويل لما تكون معه وتختار أن تحدثه في الأدب أو في الثقافة أو في أنشطة أدبية معينة. فرغم خجله فإنه كثير النشاط والحركة في هدوء.. مع النتائج الجيدة..
ارتحل في السادسة والستين من عمره في عز قدراته على الإنتاج الأدبي لو لم يغدر به المرض الذي عاني منه في الأشهر الأخيرة الى درجة دخوله في صمت مطبق....
فهو من مواليد القيروان الزاخرة بتاريخ حضاري ثري متنوع وهي ذات هيبة عالية وجمال شاهق جعلته ثريا في ثقافته ومتنوعا في إنتاجه الإبداعي مع عمق معرفي في الجامعة طالبا واستاذا وإداريا مع الهيبة والوسامة والتحضر في علاقاته بالناس من كل التوجهات.. فقد نال الأستاذة عام 1979 وهو في الثالثة والعشرين وحصل على الدكتوراه الدولة بعد سنوات عديدة وبالتحديد عام 2004 ودرس في التعليم الثانوي ثم عاد الي الجامعة مدرسا للغة والآداب العربية ونال حظوة كبيرة لدي الطلبة وزملائه من الأساتذة الجامعيين..
لقد عرفته منذ الثمانينات والتقينا في العاصمة وفي القيروان.. وفي عدد من الندوات والملتقيات الأدبية والثقافية.. كما التقيت به في القاهرة وفي ليبيا وقضيت معه أياما كانت جميلة.. مع الاعتراف انه كان في جل لقاءات ما كثير الاستماع قليل الكلام.. وهي أمور يحبها البعض ولا يستسيغها البعض الآخر
وللعلم انه شارك في المهرجان الوطني للكتاب الناشئين الذي أسسته وأدرته ربع قرن كامل.. والقى على منبر محاضرتين الأولى عن خصوصيات القصة القصيرة.. والثانية عن الشاعرة جميلة الماجري في حفل لتكريمها.. وفق تقاليد رسختها للمهرجان وهو تكريم الادباء الذين احس انهم من أنصار تشجيع الشباب على الإبداع.
وكتب الراحل صلاح الدين بوجاه القصة القصيرة منذ شبابه الأول وقد بدأ ينشر الكتب منذ عام 1984 حيث اصدر عن دبميتير مجموعته القصصية الأولى بعنوان " مدونة الاعترافات"
وفي سنة 1992 نشر مجموعته الثانية *التاج والخنجر والجسد *عن دار سعاد الصباح بالقاهرة.
ونشر روايته الأولى بعنوان "" النخاس"" عن سلسلة عيون المعاصرة التي يشرف عليها في دار الجنوب الناقد الكبير الراحل توفيق بكار سنة 1995 وبعد سنوات قليلة اصدر روايته الثاني في مصر عن المجلس الأعلى للثقافة بعنوان*لا شيئ يحدث الآن*
عام 2001
وعاد الي دار الجنوب أصدر روايته الثالثة بعنوان *سبع صبايا * في سلسلة عيون المعاصرة ورؤيته الرابعة كانت بعنوان * لون الروح * هي أيضا عن نفس هذه السلسلة التي تختار نصوصها ولا ينشر فيها أي شيء بل ما تصدره هو الابداع لأن من يشرف عليها سلطة أدبية مشجعة على الإبداع وعلى الكتابات الجديدة وفق توجهات توفيق بكار الذي يعتبر أحد اكبر النقاد الغرب رغة انه لم ينشر مؤلفات عديدة.. لكن ما نشر عبر دروسه الجامعية ومن خلال الندوات والملتقيات كلنت كافية لتجعل كل نقاد العرب يعترفون له بالتاثير.. والإشعاع..
و للكاتب الراحل صلاح الدين بوجاه كتب أخرى في القصة وفي النقد والترجمة منها كتاب مهم في الرواية بعنوان *راضية والسبرك* صدر في بيروت عام 1997 عن دار الآداب وللأسف لم أقرأها رغم أنها تجاوزت الثالثة والعشرين من العمر ربما لاني قرأت الكثير لهذا الرجل المدهش في الابداع الروائي والقصصي
مؤلفاته كلها على خط واحد يتميز بروح تجديدية بعضهاتجريبي أعطاهأحقيةالحضور الكبير في الساحة الأدبية التونسية والعربية.. فله إشعاع فائق.. مع حب كبير له
كان الراحل صلاح الدين مهموما جدا بالمجتمع.. وبالوطن وكان يتابع ما يجري في ت ني في صمت لكنه غير راض على ما حدث للبلاد لا لأنه يرفض الثورة.. ولا لأنه لم يكن معارضا للرئيس بن علي وفاجأته الثورة... أبدا إنما لأن التغيير المطلوب لم يحدث إطلاقا.. ولأن النظام الجديد يتشكل من المغامرين والجهلة الذين تصدر ا المشهد بلا اخلاق أحيانا.. وللعلم انه في كتاباته ثائر.. ويهدف الي التغيير و الإصلاحات الكبرى ولا يمكن أن نحكم عليه إلا من خلال دراسة مؤلفات الإبداعية دراسة عميقة وهي متاحة ويمكن أن نسارع إليها.. لنعرف الراحل اكثر فلم نعرفه الي حد الآن رغم ان له إبداعات كثيرة
لذا أعتقد أنه يغادر حياتنا متألم لا من المرض بل من هذا الأوضاع التي لم يعد له ما يسعد به وما يضيفه الي تونس التي غرقت في صراع غريب من نوعه او معارك مزعجة.. محورها الفساد.. فلا يهم اليوم من هو الفاسد و من هو الذي ينشر الفساد.. فالبلاد للأسف فاسدة.. والمؤلم أن التونسيبن انقسموا الي أناس يرفضون العيش وسط الفساد في كل شيئ وهم حزاني على ما يحدث فيها واناس لا يرون مانعا في الابحار في الفساد فالنظافة عندهم تطرف والفساد حرية وحداثة بل انهم يقولون بترديد فاضح بأن البلاد في حاجة إلى دكتاتور ولو كان فاسدا على أن يقودها ديمقراطي ضعيف لا صلاحية له.. ولذا تراهم اليوم يتحدثون احيانا بأعتزاز عن عبير موسي وعن نبيل القروي.. ومن يشبههما.. وهم. كثيرون..
Comments