top of page
Search
Writer's pictureasmourajaat2016

رَقَصَ وَ رَقَّصَ وَ رَاقَصَ مُرِيدِيهِ مَوْلَانَا ( جلال الدّين الرّوميّ )



عَلى إِيقَاعِ المَطَرِ وَ أَنِينِ النَّايِ :

رَقَصَ وَ رَقَّصَ وَ رَاقَصَ مُرِيدِيهِ

مَوْلَانَا ( جلال الدّين الرّوميّ ) غَيَّمَ رُوحًا بَيْضَا ءَ فِي رِحَابِ " نَادِي الشّعر "

( اتّحا د الكُتّابِ التُّونسيّين )

لَمْ تَمْنعْ غزارةُ الأمطار، التي تهاطلتْ على العاصمة ، مسا ء يوم الجمعة 24 ماي 2019 أوْفياء نادي الشّعر وَ مُريدي موْلانا ( جلال الدّين الرّوميّ ) من الحضور في المَوعد ( التّاسعة وَ النّصف ليلا ) لِمُواكبة المُسامرة الرّمضانيّة الثّالثة ، وَ التي أُقِيمَتْ تحت عنوان : ( رقصة المولويّة تجربة رُوحيّة عند الشّاعر الصّوفيّ مَوْلانا " جلال الدّين الرّوميّ " ) . وَ قد كان عضو النّادي الشّاعر ( المختار المُختاري الزّاراتي ) قد انكبّ منذ أسابيع على مؤلّفات ( الرّوميّ ) وَ ما حفّ بسيرته حتّى أنّه أعدّ ورقةً شاملة وَ ثريّة شدّت انتباه الحاضرين ، ناهيك أنّه لم يقتصر على دراسة رقصة المَولويّة وَ رموزها الدّالّة ، بلْ خيّر تنزيلها في أُفُقٍ أرحبَ مكّنه من الإحاطة بسيرة مولانا منذ نشأته حتّى استقرار عائلته في مدينة ( قُونيا ) بتركيا التي عاش وَ وُوريَ جثمانُه التّراب فيها . أمّا وَ قد تخلّص ( المُختاري ) إلى مُقاربة إرثِ موْلانا الصّوفيّ فقد حرِصَ ، منذ البداية ، على التّمييز بين الصّوفيّة تجربةً روحيّةً توّاقةً إلى عوالم نُورانيّة مَنشودة يستشرف فيه المؤمن خلاصه ، وَ بيْنَ السّلفيّة التي تبقى دائما حركةً نكوصيّة تُدير ظهرها للحاضر وَ المُستقبل وَ تختار ظلمة الماضي سجنا إراديّا لها ... لذلك فإنّ المُحاضر لمْ يستنكف من تقريظ الصّوفيّة عامّة وَ تقريظ نهج موْلانا ( جلال الدّين الرّوميّ ) الذي كانت رُوحه من السّعة وَ الغِنى وَ رحابة الصّدر بحيْثُ أوْلت السّماع وَ الموسيقى وَ الرّقص المنزلة التي أنكرها عليها أدعيا ء الدّين في عصره وَ في غيره من العصور ...



وَ إذ انتهى ( المُختاري ) إلى جوهر المُسامرة مُتمثّلا في إلقاء الضّوْء على رقصة المَولويّة ارتبطتْ باسم صاحبها وَ ميّزتْ إرثه الرّوحيَّ ، فإنّه أفاض في إبراز الشّهرة التي نالتْها منذ ظهورها ، ناهيك أنّها استمرّتْ طقسًا روحيّا مارسه أتباع ( الرّوميّ ) على مدى سبعة قرون ، وَ لا يزال حضورها في الحلقات الصّوفيّة لافتًا إلى يومنا هذا ...



وَ لعلّ من أمتع ما شدّ انتباه الحاضرين في محاضرة ( المُختاري ) هي الفقرات التي تطرّق فيها إلى علاقة الرّقصة الموْلويّة بفهم الرّوميّ المخصوص لأهمّيّة رمز الدّائرة في التّراث الصّوفيّ ( تدوير الدّوائر عند ابن عربي ) ، وَ رمزها في نظام الكون عامّة وَ منزلة الإنسان فيه ( دوْرة الكواكب وَ المجرّات ، وَ الدّورة الدّمويّة في جسم الإنسان ... ).

كما فصّل ( المُختاري ) القوْل ، وَ بدراية ، في رموز ردا ء متصوّفة الطّريقة المَولويّة الذين يؤدّون هذه الرّقصة إذ " يظهر الموْلويّ وهو يرتدي قميصا أبيض فوقه عبا ء ة سودا ء وَ غطا ء رأس مصنوع من وبر الجمل . يرمز القميص الأبيض إلى قبر الذّات ، وَ غِطا ء الرّأس إلى شاهد هذا القبر . وَ عندما يقوم بِخلعِ العبا ء ة السّوداء يُولد من جديد على مستوى الرّوح لِتلقّي الحقيقة " . وَ معروف أنّ مُتصوّفة الطّريقة المَولويّة يحرصون على أنْ يعرف مُتابعو طقسهم الرّوحيّ هذا أنّهم لا يُقدّمون فُرجة للجمهور بقدر ما يعيشون فعلا أثنا ء رقصهم تجربةَ المِعراج الصّوفيّ. لذلك وجبَ على الذين يُشاهدونهم أن يلتزموا تمام الصّمتِ احتراما للتّجربة الرّوحيّة المُعاشة ، وَ عدم التّصفيق أوْ إبدا ء الإعجاب إلّا عندما يُغادر الرّاقصون المَوْلويّون السّاحة ... كما لمْ يفُتِ المُحاضر ( المختاري ) هنا دراسة وقفة هؤلا ء الرّاقصين على المسرح ، وَ قد عقد كلّ واحد منهم ذراعيْه مُجسّدا رقم (1) الذي يُشار به هنا إلى وحدانيّة اللّه.



كذلك لم تغبْ على المُحاضر رمزيّة الذّراعين اليُمنى وَ اليُسرى وَ ما ارتبط بهما من تفاصيل أخرى في هذه الرّقصة فَ " عندما يبدأُ المَوْلويّ في الدّوران تتّجه ذِراعُه اليُمْنى نحو السّماء لِتلقّي النّفحات الإلهيّة . أمّا ذراعه اليُسرى وَ التي يكون مُركّزا نظره عليها فتتّجه نحو الأرض لِتُشرك الذين يُشاهدون الرّاقصين في المِنْحة الإلهيّة التي تلقّاها . وَ هكذا فاتّجاه الدّوران من اليمين إلى اليسار حوْل القلبِ يعني أنّ المَوْلويّ يحتضن الإنسانيّة كلّها بحبّ ...

في خاتمة مُسامرته المهمّة هذه خلص المُحاضر إلى تعداد المراحل التي تستغرقها رقصة المولويّة هذه ، وَ سنكتفي هنا ، لضيق المجال بذكر عنا وينها العامّة دون تفصيل :

ــ أوّلا : نعتُ الشّريف ( مديح الرّسول صلّى اللّه عليه وَ سلّم )

ــ ثانيا :تقسيمٌ ( عزفٌ مُنفردٌ على النّاي مُشيرا إلى مفهوم النَّفَسِ الإلهيّ الخلّاق ، أيْ النّفخ في الرّوح )

ــ ثالثا : مرحلة " سُلطان وليد " أوْ " دوْر وليد "، وهي حركة دا ئريّة مُناقضة لاتّجاه عقارب السّاعة . وَ بها يُجسّد المَوْلويّون المراحل الثّلاث للمعرفة : علم اليقين ــ عيْن اليقين ــ حقّ اليقين...

ثمّ يبدأ إثر ذلك الطّقس الأساسيّ في رقصة المَوْلويّة " وهو مُكوّن من أربع حركات موسيقيّة مُختلفة تُسمّى ( سلام ) حيْثُ يحتفون بِ ( مولد الإنسان ) ، وَ بِ ( عظمة الخالق ) ، ثمّ يُنهون بالتّسليم وَ التّوحّد مع الذّات الإلهيّة وَ الفنا ء في المحبوب ...



وَ هكذا يختم ( الزّاراتي ) بالتّأكيد على أنّ كلّ هذه العناصر وَ المكوّنات وَ المراحل في الرّقصة الموْلويّة تجد جذورها في النّصّ القرآنيّ ، فما أكثر الآيات وَ السُّور التي استوعبها موْلانا بعمق روحيّ كبير في طقسه هذا وَفي مناخاته الصّوفيّة عامّة ممّا يدلّ على أنّ العلامات المُضيئة في هذه التّعبيرة الرّوحيّة الإسلاميّة وَ الكوْنيّة تُحرّض الأرواح وَ الجوارح باستمرار على أن تجترح لنفسها حياة أكثر سموّا تأبى أن تظلّ سجينة أصلها الطّينيّ ، وَ لكنّها في الوقت نفسه لا تتنكّر لِمُتطلّبات شرطها الآدميّ هذا بل تسمو به سموّ النّور الذي تكتشفه بالمُجاهدة في داخلها ، مل ء الرّوح وَ القلبِ .




*** عبد الـعزيز الحـاجّي ***


39 views0 comments

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page