
دفاترُ وَجَعٍ رغمَ مابها مِن ………..جَمال………….
أتوهُ بيني وبيْنَ المرايا ، فأرى لحيتي وقد غزاهَا البياض، ومَفرِقي وقد اشتعلَ شيْباً وَوَجْهي وقد علاهُ الشّحوبْ!
تتداعى تقاسيمُهُ كلّما غابت شمسُ يوْمٍ وتعاقبَ بعدها غيابٌ جديدٌ فأقول:
مالي وما للشّيبِ يغزو مَفْرِقي
أأنا كبرتُ أم الحوادِثُ أكبرُ؟
تتسارعُ عقارِبُ الزّمن بساعاتِها ودقائقِها؛ لتأتيَني بِوَجَعٍ آخر يُضاف لدفاتري الملقاةِ في رَدْهةِ الذاكرة.
أتأمل ملامحي طويلا، أسافرُ حيث الضباب، فترتَجُّ مُخيّلَتي، وينتابُها سوادٌ مُعْتِم، بين تلك الدروب المهجورة، خدوشٌ مُهترِئة، وبعضٌ من الرسوم الباهتة، كأنّها آثارُ عاصفةٍ مرّتْ؛ لتُدثِّرَ الذكرياتِ الموْؤودةَ في رَدْهَةٍ مَنسيّة!
تتَداخلُ الصُّوَرُ في مُخيِّلتي، كأنني بالأمس هنا، أو عَلّني مررتُ مرور الكرام واحتسيْتُ نخب انهزامي يوماً ما، وسافرت كثيراً؛ لأجوب الدّروبَ المنسيّةَ التي لم يذكرها التاريخ، ولكنّني لست (مجِلاّنَ) ولا (بنَ ماجد) ولا علاّمةً ممّن ذكرَتْهُم مجلّداتُ الجيل الماضي!
أحاولُ أن أستفيقَ من حُلُمي، فتلمحُني المرايا، وقد تشقّقتْ زواياها !
لا يسعُني تغييرَها من جديد،؛ لأنّ ذلك الإطارُ الساحرُ الذي يحتويها، يحتضن ُمُخيّلتي كلّما وقفت أرتّب أفكاري، وأقلّبُ الصفحاتِ المتروكةَ من ذاكرتي البالية، وَأجِدُ بِها ذكرياتِ الطفولةِ …واللمّةَ العائليّةَ المُتزاحِمَةَ عليْها كلّما دُعينا إلى فرحٍ أو أحبَبْنا أن نزهوَ بِشبابنا وقد أطلّتْ بِها وُجوهُنا بنورِها وجمالِ مُحيّاها، تنضحُ بالشّبابِ والحيويّة ! فأقول لن أغيِّرَها!
ثمّ أعودُ ثانيةً لأقول:
ولماذا لا يكونُ العيْبُ منها وهي التي اعتراهَا الصدأُ وشاختْ لا نحن ؟!
فكلّما أصافحُها يعتَرينِي الهَوَس، كأنني وُلِدتُ منذُ الأزل وتلك الأصواتُ تسافر بي حيث يمرُّ العابرون، هناك بين الأمس واليوم الجديد!
رتّبتُ دواتي، أبحث مرّاتٍ عديدةٍ بين الرّفوف، فلا أجد سوى دفاتر ِالوجع، مع أنّ لي خلفَها لحظاتٍ جميلة ، بل ْ نِعَمٍ مِنَ اللهِ عديدةٌ يجبُ أن أشكرَ اللهَ عليها: " وَلَئن شكرتُم لأزيدَنّكم".
لكنّها غطّتْ بآلامها على كلِّ جميل، تعكِسُها على مُحيّايَ بتلكَ التّجاعيدِ وذاكَ البياضِ الذي يغزو لِحيَتي ويشتَعِلُ في مَفرِقي ، فأراها مكتوبةً بالخطِّ العريض: (دَفاترُ وجعٍ رغمَ ما بها من جمال)!
طاهر مشّي
Comments