حين يكتب رجل اعلام قدير عن ضجيج في ميزان المعنى شهـــــــادته التى تظل في الذاكرة والتاريخ سي محمد بن رجب الصحفي الرافض للتفاهة والتافهين والمشلولين فكريا..وسياسيا على كلمته وهي شهادة اعتز بها جدا على هذا المقالة التى تتضمن تغطية شاملة الشافية الكافية حول لقائي بضيوف الفينيق للمبدعين يوم 25-12بخيمة شارع بورقيبة بتنسيق السيد منير الوسلاتى عن المندوبية الجهوبية للثقافة .
تظاهرة مدينة الآداب والكتاب في قلب تونس تتحاور مع الشارع خيمة الشعر تسعد بشعراء الفينيق و تحتفي بهم نقديا ... وجماليا.... الشكر الوامق لصديقي
هكذا بصمت الاستاذة المبدعة شعرا ونقدا ورواية الاستاذة بسمة المرواني ومن خلف كلماته يطهر وجه الشاعر والروائي العربي والانساني رفيق دربها في صالون الفينيق وقبها في نادي الاربعاء الأدبي الاستاذ يوسف رزوقة.
*وهذا نصّ الاستاذ محمد بن رجب:
بعد أن حضرت مساء الاربعاء الماضي الجلسة الأدبية الشعرية المتميزة لمنتدى *الفينيق للابداع الادبي * ...هل أشكر الشاعر منير الوسلاتي الذي ينسق البرنامج الثقافي المتميز الذي تنظمه منذ أيام وزارة الثقافة من خلال المندوبية الثقافية بتونس ويتواصل أسبوعا آخر تحت خيمة شفافة منتصبة في قلب العاصمة وقد جاءت هذه الجلسة ضمن هذا النشاط الفريد من نوعه ... أم أشكر الشاعرة والروائية بسمة المرواني صاحبة المنتدى بالشراكة مع الشاعر الكبير يوسف رزوقة الذي اضطر للمتغيب عن هذه المناسبة الجميلة التي لا تتكرر إذ تنتظم مرة واحدة في السنة وتترك اثرا عنيقا في وجدان الشارع الثقافي الحي الذي ولاشك سيسجل هذه المناسبة بماء الذهب إذ هي تنقل الشعر والقصة إلى الناس على خيمة شفافة في شارع متحرك بكثافة كبيرة لا يمكن أن يمر الناس حولها ومن أمامها ومن خلفها دون أن يشعروا أمرا غير عادي فيسألوا وقد يدخلون ويتمتعون وقد يمرون مر الكرام لكنهم حصلوا على فكرة ولو عابرة عن التظاهرة من خلال الملصقات الإخبارية ..ومن خلال وقفة الشعراء على المنبر يذكرون الشعر انشادا وقراءة ينشد به السامعون حبا والمارون تقديرا واحتراما لمن يرونه على المنبر أو لمن يرونهم يتابعون بشغف .. لقد كانت بسمة المرواني رائعة في إدارة اللقاء ..فقد أعدت قائمة في الشعراء الذين اختارهم الفينيق الأدبي لتاثيث للجلسة الشارعية القراءات الشعرية وقدمتهم الواحد بعد الآخر تقديما أدبيا نقديا جميلا فأضافت الى تجربتها الإبداعية الشعريةو السردية تجربة النقد والقراءة المعمقة لقصائد زملائها.. وهذا العمل أصبح متداولا في الغرب منذ سنوات كرد فعل على ما يقوله الناس بكون الشعر فقد جمالياته التقليدية فلم يعد الإقبال عليه كبيرا وخاصة وان النقاد لم يعودوا يفهمون الشعراء كما كان الأمر من قبل . فتقدم الشعراء الى الناس يحدثونهم عن شعرهم وعن همومهم الشعرية ويأكدون لهم أن النقاد هم الذين أوغلوا في عتمة الشعر والشعرية وليس الشعراء فهم يكتبون ببساطة احاسيسهم ويصورون مآسبهم ..ويعبرون عن هموم العصر بلغة واضحة أو ترميزية ..بشكل جديد ليس نمطيا إنما لكل شاعر طريقته في التعبير وأسلوبه الخاص في عرض همومه وقضاياه وأحاسيسه ..ولذا فإنهم تطوعوا لا لشرح شعرهم بل تطوعوا ليكونوا مرافقين لشعرهم ومشاعرهم وشعريتهم وأساليبهم...
بسمة المرواني قالت الحاضرين أشياء كثيرة عن الشعر. وعن الشعراء ضيوفها فاستنجدت بالشعراء العرب والشعراء الغربيين وبالنقاد والفلاسفة لتكتمل دائرتها النقدية الجميلة التي تسبق القراءة الشعرية لكل شاعر الذي ولا شك قد انبهر لما قالته عنه بلا قفازات ولا تغلغل في أغوار الكلام ...
بكل صراحة أنا ساكون من انصار هذه الطريقة التنشيطية التي شدتني بصدق لأنها تكشف أن المنشط عارف بضيوفه متأكد من قدراتهم ..وله اطلاع على ما كتبوا ويكتبون . وقد كنت اكتشفت ايضا قبل أسابيع في دار الثقافة شكري بلعيد الشاعرة الثريا رمضان التي قامت بتقديم شاعر مغربي بطريقة مغرية . وجذابة ..هي طريقة حوارية من الجانبين فهي تسأل من داخل النص الشعري والنقدي لضيوفها .وهي التي تفرض عليه ما سيقرأ على الحاضرين ارتباطا بما تم عرضه من أفكار وأسئلة وأجوبة ..وقد عبرت عن اعجابي بهذه الطريقة التي تقترب من الأساليب الإذاعية لدى المنشطين والمنشطات المختصين في الادب والثقافة .. اذن ..هناك محاولات في الساحة الثقافية لكسر التقاليد التنشيطية الفوقية ..وانزال المنشط من برجه العاجي ليكون عضوا أساسيا في الجلسة ذائبا فيها وليس موجها لها أو مستبدا بها ..
مهم أن أستطرد هنا و أذكر بعض الأفكار والمزايا والتجارب حتى نتعلم جميعا ونطور طرقنا وتجاربها . ونتعارف أكثر و نفهم اكثر فنتقدم بسرعة
إذن كنت هناك واستمعت بحب كبير الى الشعراء..وفي المنطلق كان الجليدي العويني صديق القاف . وقد أعطى قيمة للقاف فكتب بها وعنها ..بالدارجة ..ودارجته اجمل احيانامن
الفصحى..وأصبحت انا ايضا أخشى على الفصحى من الشاعرالجليدي العويني في غنائيانه العامية وهوالمعروف بنصوصه الجميلة التي تغنى بها الناس منذ أكثر من عشرين سنة من خلال ترديد اغاني جل كبار مطربينا لقد غامرت بسمة بالانطلاق بالشعر العامي فأفلحت..
وتواصلت الجلسة ..مع الشاعر سمير العبدلي في بعده التأملي الفلسفي وعمقه الذاتي روحيا...
و الشاعرة سنية المدوري في ابتكاراتها داخل القصيدة فهي لا تقول كلاما جميلا فقط بل تبتكر الصياغة وتصنع الصور وتمزج الكل في عمل ابداعي جذاب ..
و الشاعرة الثريا رمضان التي تتحدى ..وفي التحدي جمال يتألق من عينيها قبل أن يتالق شعرا في عمق القصيدة - ...
والشاعر نزار كشو الذي لم أره منذ شبابه الأول فقد قرأ لقطات حلوة مثل قطع القاطو .....
و الشاعر صابر العبسي -الذي كان ملحميا ثائرا واعيا بثورته وفي ثورته ..فقد أقام في الجزء الطويل الذي قرأه من ملحمة مطولة لقاء بين المؤرخ ابن خلدون والرئيس الراحل بورقيبة فتحاورا ثقافيا وسياسيا وحضاريا ..وكان الانتصار للكلمة الأدبية الأبقى والهزيمة للدعاية السياسية الكاذبة وسقوط التاريخ المبني على الكذب الأباطيل والأسطورة الجوفاء ..وكل ذلك في شعرية عميقة وصياغة مباشراتية واضحة ومع ذلك فهي تتخفى في شعر شاهق الجمال عميق الرمزية مع كسر الغموض الذي يعتمد المعنى . هدفه خلق معنى جديد حتى لا تتكرر أخطاء الإنسان التونسي
..ويعرف حقوقه وحدودها وحريته واطارها الذي لا محيد عنه ولا انفلات ..وللتذكير فأن الحوار الرمزي يمكن أن يكون قائما يوميا فإن النصب التذكاري لبورقيبة في نهاية الشارع ..وفي بدايته نصب ابن خلدون ..وحوارهما قديم وقد توجه الشاعر أولاد أحمد قبل أربعين سنة لنصب بن خلدون قائلا "لك المجد ". ولنصب بورقيبة "له الصديد.."
واستمعت إلى الشاعرة فوزية العكرمي الهادئة الملتزمة بشعر عن المرأة دون قفارات ولا ثورات ولا قوانين…
.والشاعرة فاطمة كرومة التي أنشدت مقاطع تراها جميلة أخاذة رومنسية ولكنها زاخرة بالروح الغاضبة الثائرة وبعض كلماتها تكاد تصفها بالوقحة إنما هي تأكيد على حرية جارفة جميلة اذا ما أوقفتها في محطة ما محوت الكلام الشعري الثائر الغاضب الجميل…
واستمعت إلى الشاعرة أمامة الزاير فشنفت الآذان بقصائد تحمل في وضوح طرافتها موضوعا وخصوصياتها فنيا وصياغة ..فهي في شعرها قدتكونزمناضلة لفائدة المرأة المتعبة المضطهدة ولكنها ليست مناضلة بالشكل التقليدي النسوي بل ان ثورتهاعميقة واعية بعيدا عن النمطية قد نشتم روحا يسارية ثقافيا قبل أن تتغلغل في المجتمع لتصبح يسارا سياسيا..كل ذلك من خلال ما يشير به اهتمامها بالمجتمع من أبعادها الذاتية المنغرسة في ذوات الآخرين الذين يتفطنون الى عمق ما تبحث فيه… هل انا اقول ذلك من خلال بعض ما قرات أم أكتب عن تجربتها كلها ..لا أبدا أني لم أعتمد غير ما سمعته منها…
وكان شعر سي المختار الزاراتي رائقا رقراقا مع اهتمام بالجمال .. والمجتمع ...في قراءة بينة جلية لأحاسيسه التي عرف كيف يرتبها فترتبك لديه المعاني ..وتتساقط اللغة غاضبة..
أما الأستاذ عبد العزيز الحاجي فقد انشد قصائد من هموم أيامنا هذه مركزا على موضوع التطرف الديني معبرا عن حزنه العميق للمتغير الحاصل في البلاد. وهو من الضوح الكامل ليقول لنا بأنه غير راض تماما على ما تشهده البلاد من متغيرات وهي بالنسبة إليه ناتجةعن حركة سياسية دينيةبعينهاةط . قد توافقه و قد نختلف معه ..لا يهم... المهم انه كان حاضرا بشعره...والبقية ندخلها خانة حرية الشاعر في القول…
واستمعنا إلى عائشة المؤدب القادمة من سوسة وهي رئيسة فرع اتحاد الكتاب التونسيين هناك ..إذ قرأت ما تيسر من قصائدها فشدت المنصتين إليها ..
قد أكون ظلمت البعض. وقد أكون نسيت ذكر البعض الأخر ..لكني ارفع عقيرتي المحبة للشعر لاقول اللهم اني قد بلغت لإعطاء فكرة صادقة عما قيل من شعر تحت الخيمة الشفافة فلا يمكن أن أتجاوزها أو أن اتخيلها والناس قد كانوا شهودا علي .. .وعليها…
لكن اذا ما أخللت بأشياء فعذري أني لم أكن أثناء القراءات أسجل شيءا..فأنا في أكثر الاوقات أعتمد على الذاكرة… وبالمناسبة أطلب من الأحبة الذين يحضرون للشعر أن لا يلقوا قصائدهم ونصوصهم ثم يغادرون كأنهم تخلصوا من عبىء ثقيل .. . فاستراحوا ورحلوا . إن الجميع يأتون للاستماع ..بل الانصات . والفرق واضح ..و تقديرا للشعر والشعراء لا بد أن نبقى ونتابع ...والمسألة كلها ساعة وبضع الساعة حتى لا يقرأ الشعراء المبرمجون في نهاية القائمة في فضاء فارغ . ونتابع الرحلة مع جلسة أخرى…
والجلسة القادمة ستكون مع صالون همسات أدبية للشاعرة نعيمة المديوني بعد عصر السبت تحديدا وفي نفس الخيمة . وسأكون حاضرا طبعا . لأني من أنصار هذا الصالون منذ يومه الأول قبل سنة …
والحقيقة انا أحب أن أكون حاضرا في كل التظاهرات الشعرية لو كانت الحياة تتركنا لأنفسنا أحرارا… والسلام .
Comments