إميـل حبيبي
«أُسبوعيات» إميل حبيبي في صحيفة «الاتحاد» - منذ تأسيسها ورئاسته تحريرها وحتى منتصف 1989
(صحيفة «الاتّحاد» – أسبوعيّات – الجمعة - 13 تشرين الثاني / نوڤمبر 1970م)
| معركة النّاصرة |
تنبّأت «البوست»، وهي الأم الإنجليزيّة لجريدة «الأنباء» الحكوميّة، بأن قائمة سيف الدين الزعبي، وموسى كتيله، ستنال الأكثريّة في انتخابات بلديّة الناصرة، التي ستجري في الثامن من شهر ديسمبر القادم. وبهذا، دخلت الأم الإنجليزيّة لـ «الأنباء» الحكوميّة المعركة الانتخابيّة.
ونحن، لم ننتظر غير هذا، فكما جاء المثل العبري: «إذا لم أكن أنا لي فمن لي؟»، فإذا لم تدافع «البوست» عن قائمة «زوجك وإن أراد الله»، فمن سيدافع عنها؟
ولكن، كيف يجري هذا الدفاع؟ كتبت، بالإنجليزي، أن الصفة البارزة للمعركة في الناصرة، ليست الصراع بين السياسات والمبادئ، بل الصراع داخل عائلة واحدة: ما بين سيف الدين الزعبي، وعبد العزيز الزعبي. وأما باقي أهالي الناصرة، فإن هذه الصحيفة، التي تربّت تحت أحذية الاستعمار البريطاني، فتعتبرها «طرشًا».
وطمأنت رئيس بلديّة الناصرة الحالي، موسى كتيله، على أن سيف الدين الزعبي، حين يُتوَّج رئيساً لبلديّة الناصرة، سيستقيل ويخلي مكانه لموسى كتيله، وذلك في حالتين منتظرتين: حين يُعيّن نائبًا لوزير، أو حين ينال جائزة نوبل «التي رشّح نفسه لها».
ورأينا الشخصيّ أن الأمرين غير مستبعدين: فإنه يلائم هذه الوزارة كما أنها تلائمه، كما تقع الطيور.. وأما جائزة نوبل فقد أصبحت، في أيدي أساطين الحرب الباردة، مهزلة حتى يُستبعد عنها أي شيء. لذلك، يستطيع رئيس البلديّة الحالي أن يطمئن إلى حسن نوايا رئيسه.
إلا أن كل من تقاسم الأسلاب هذا يجري دون أن يأخذ المتقاسمون في الحساب رأي صاحب الدار، الذي هو غير نائم.
وكل الحديث عن التكتل العائلي هو أمر يزعزع بدن أهل الناصرة، خصوصًا وأن الصحافة العسكرية تتهمهم به لكي تشوّه سمعتهم، وتحط من وعي الجماهير العربيّة. كل الاحترام لعائلة الزعبي ولكل العائلات، وأهل الناصرة يقدرون قدر كل العائلات، وتستطيعون أن تروا ذلك في سير أهالي الناصرة، من كل العائلات، وراء جثمان كل ابن عائلة حين يحين القضاء المحتوم. ولكنّ الانتخابات البلديّة ليست جنازة. ولدينا هنا شيوعيّون يشار لهم بالبنان، زعبيّون، جنبًا إلى جنب، الشيوعيين والوطنيّين التقدميّين، الواعين والصّامدين، من عمال وشباب ومثقّفين وموظّفين وحرفيّين وتجار من كل العائلات. وهل بقي إنسان لم يسمع عن الشاب الشيوعي الشّهم، من عائلة الزعبي، في سوريا، الذي توفّي تحت التعذيب، دون أن يفرّط بالأمانة؟
فالقضيّة ليست عائليّةً بالمرة، ولا طائفيّة، إنما هي قضيّة تخليص الناصرة من إدارات الخنوع والإعمال الحكوميّة، الإدارات التي منعت تطوُّر الناصرة الطبيعي، ووضعت سمعتها في العالمين: أن أهل الناصرة محترمون لدى قوى التقدم الوطنيّة الصادقة، والسّلام العادل في إسرائيل، وفي العالم العربيّ، وفي العالم كله، فبأيّ حقّ ينشغل رؤساء بلديّتها وباسمها، بتنظيف موبقات السياسة الحكوميّة، سياسة الاضطهاد والحرب والتوسُّع، أكثر من اهتمامهم بتنظيف شوارعها ومياه شربها؟ لماذا يجب أن تسكت بلديّات الناصرة على سياسة الإهمال الحكومة تجاهها، حتى تأخّرت هذه المدينة العربية الوحيدة في إسرائيل، هذه المدينة المحترمة عالميًّا، في تطوُّرها وتوسُّعها عن بقية مدن إسرائيل؟ يوجد في الكنيست أعضاء كنيست حكوميّون، كثيرًا ما يعيروننا بعدم تطوُّر الناصرة، وبأن شوارعها غير نظيفة على اعتبار أن التأخر وعدم النظافة هما من الصفات «العربيّة»! فلماذا يجب قبول هذه المسبّة؟ ها نحن نرى كم تطوّرت وتوسّعت مدن الضفّة الغربيّة، وتعمّرت، خلال الأعوام العشرين الماضية، على الرغم من الحكم الملكي الرجعي. هذه هي القضيّة.
إن الأوساط الحكوميّة، المسؤولة الأساسيّة عن هذا الوضع، تحارب على جبهتين، تمنع أهالي الناصرة من تحقيق التغيير الضروري في إدارة سلطتهم المحليّة: إنها ترمي بكل ثقلها مع قائمة الجمود والتأخر وعدم التغيير. قائمة سيف الدين الزعبي، التي عافها أهل الناصرة، وتشجع نزول قوائم صغيرة على أمل أن تنهش الأصوات من القائمة الشيوعيّة، حيث ترى السلطة الحاكمة أنه لا قوة فعلية تحفظ هيبة أهالي الناصرة، وتضطر السلطة إلى التراجع، سوى تأييد الشعب للشيوعيّين.
ولكن، أهل الدار غير قائمين بالمرّة، وسيثبتون للسلطة ولأعوانها أن «حساب السّرايا مش مثل حساب القرايا»، فشعب الناصرة، الذي أثار، بوعيه وبوحدة صفوفه، وبإصراره على حقوقه، إعجاب العالم كله، يجابه تكتيك السلطة بأمرين أساسيّين مقابلين: حجبُ الأصوات عن قائمة سيف الدين الزعبي إلى أقصى حدّ، حتى تعود كما كانت قبل سنة 1959م، وتقوية الكتلة الشيوعيّة، ضمان التغيير والهيبة، إلى أقصى حدّ.
هذان هما شرطا التغيير، ونحب أن نقول لجميع القوائم الأخرى المتصارعة: إذا كنتم حقًّا جادّين في رغبتكم في التخلص من إدارة الخنوع والإهمال، وفي التوصل إلى إدارة مخلصة ومتنوّرة، فهلموا شاركوا عمّال الناصرة وشبابها ومثقّفيها، وكل أبنائها المخلصين لها، في سعيهم الحميد لحجب الأصوات عن قائمة الخنوع والإهمال والعجرفة الحكوميّة، وأما كل محاولة لإضعاف القائمة الشيوعيّة، لنهش الأصوات منها، فإنها الأمر الذي هو -بالضبط- ما تستهدفه السلطة للقضاء على كل أمل بالتغيير، بدون كتلة شيوعية قويّة، على أي شيء سيعتمدون حين سيجابهون الضغط الحكوميّ لإرجاع سيف الدين الزعبي إلى السلطة البلديّة؟
لديهم أوسع المجالات، -وفي جميع الأحياء-، لكسب الكثير من الأصوات التي انتزعتها قائمة سيف الدين الزعبي في الانتخابات الماضية، حيث نالت 25,8 بالمئة من مجموع الأصوات، فلا حاجة لهم، -إذا كانوا حقًّا حريصين على مصلحة الناصرة وهيبتها وسمعتها-، إلى أصوات الشعب الواعي، الصامد دومًا، التي أوقفها -وإلى الأبد-، على قائمته، قائمة أخلص أبنائه المثابرين المُضحّين الذين لم يتهرّبوا من المعركة، ومن تكاليفها أبدًا، والذين صانوا للناصرة هيبتها، وكانوا وجهها الناصع الحقيقيّ في العالمين.
إن المعركة محليّة، ولكن إشعاع الناصرة أبعدُ مدىً. إن المعركة على قضايا محليّة، ولكن شعب الناصرة يعرفُ أن الأمل المعقود عليه، أبعدُ مدىً.
(جهينة)
(صحيفة «الاتّحاد» – أسبوعيّات – الجمعة - 13 تشرين الثاني / نوڤمبر 1970م)
وسأنشر كل يوم جمعة - كما درج - «أُسبوعية».
| نحنُ لسنا قرودًا |
((جهينة)) إميـل حبيبي
«أُسبوعيات» إميل حبيبي في صحيفة «الاتحاد» - منذ تأسيسها ورئاسته تحريرها وحتى منتصف 1989
-
(صحيفة الاتّحاد – أسبوعيّات – الجمعة – 04 كانون الأوّل / ديسمبر 1970م)
نحنُ لسنا قُرودًا..
استوقفني خبرٌ، ظهر في الصحف هذا الأسبوع، عن تذمُّر الجنود الإسرائيليّين، في جهة القناة، من كثرة السائحين الذين يزورونهم ليتفرّجوا عليهم في الاستحكامات. من الواضح أنّه لا يستطيع، أي مدنيّ، الوصول إلى جبهة القناة، دون ترتيب مسبق، مع السلطات المسؤولة.
وجاء في هذا الخبر، أنّ جنودَ أحد المواقع، في جبهة القناة، وجدوا طريقةً فذّة للتعبير عن تذمرهم، وذلك بأنهم نصبوا على مدخل الموقع، يافطةً كبيرةً كتبوا فوقها: «نحنُ لسنا قرودًا في حديقة الحيوانات».
ذكّرني هذا الخبر الطريف، بموقف أهل النّاصرة، من السائحين الذين كانوا يجوبون سوق النّاصرة، وأزقّتها، ليلتقطوا صورًا لشيخ راكب على دابّة، أو لامرأةٍ تسقي من العين، أو لرجل يمشي وزوجته تمشي وراءه، صورًا من نوع فيلم «إكسودس» المصري، السيِّئ الصيت. لقد أوقف أهل النّاصرة هذا التصوير التزييفي المنحط لواقعهم ولأمانيهم. أوقفوه بالتي هي أحسن، وبالتي هي غير ذلك. حتى لم يعد أي سائحٍ يتجرأ على ذلك. ولم يبق أمام السلطة من طريق لتزييف واقع العرب، أمام من يهمها أمرهم من السائحين، غير توجيههم نحو بيوت أعوانها من «الوجهاء»، المستعدّين دائمًا للوقوف أمام عدسات التّصوير، بمختلف «الپوزات»، التي تخدم الغرض. ولم يفكر أحد في النّاصرة، بما فكّر به جنود الموقع الإسرائيليّ على القناة، حيث لا توجد في النّاصرة حديقة حيوانات.
وكان هناك عتّالٌ راكب حماره، في أحد شوارع النّاصرة، فحَرُنَ الحمار، فضربه، فرآه جمهور من السّائحين الأميركان، فصاح فيه الجمهور الأميركيّ، بالإنجليزيّة، مستنكرًا عدم الرفق بالحيوان، فاستشاط العتّال النّاصريّ غضبًا، وأخذ يرد عليهم بالكلمات الإنجليزيّة التي يتذكّرها، مثل: فيتنام، نساء، أطفال، جونسون، أنتم، حمار. ويظهر أن السّائحين الأميركان فهموا مقصده، فابتعدوا عنه خجلين.
لم تذكر الصحف هوية السائحين الذين أقلقوا راحة الجنود في الموقع الإسرائيليّ، على جبهة القناة، ولكننا نستطيع أن نحدس، أن أكثريتهم من الأميركان، الذين يزورون إسرائيل، ليتأكّدوا من أن «أولادنا الطيّبين في إسرائيل، ينفقون أموالنا بحرصٍ، وبشكلٍ مفيد»، و «يموتون من أجلنا»..
لم أزر فيتنام الجنوبيّة، إنّما الإسرائيليّ الذي زارها، كما تذكرون، هو الوزير «موشيه ديان»، قبل أن يصبح وزيرًا. فهو الذي يستطيع أن يخبرنا عن الطّريقة التي يعبّر فيها جنود المواقع في فيتنام الجنوبيّة عن تذمّرهم من «السّائحين» الأميركان.
وقرأنا في «الاتحاد»، عن «مبدأ نيكسون»، الّذي يريد من الشّعوب الأخرى أن تحارب الاستعمار الأميركي، وأن يموت أبناؤها من أجل مصالح الاستعمار الأميركيّ، وهذه هي المهمة المخصّصة للشبيبة الإسرائيليّة، في «مبدأ نيكسون»، الذي طلب من الكونغرس تخصيص ألف مليون دولار، للمساعدة العسكريّة للدول الصّديقة، ومنها: 480 مليونَ دولار لإسرائيل، و150 مليونَ دولار لكمبوديا، و30 مليونَ دولار للأردن، و6 ملايين دولار للبنان، هذا باستثناء ملايين الدولارات لفيتنام الجنوبيّة. فكل واحد على قدر عمله!
إنني أنظر بتفاؤل إلى يافطة: «لسنا قرودًا»، التي رفعها جنود الموقع الإسرائيليّ، على ضفّة القناة. فمن سار على الدّرب وصل!
(جهينة)
(صحيفة الاتّحاد – أسبوعيّات – الجمعة – 04 كانون الأوّل / ديسمبر 1970م)
جمال وقوة هذه «الأسبوعية» انها مفتوحة على كل التأويلات.. و«الحذق» يفهم.
Opmerkingen