جاءتْ إلى الشّعر أَخَرَةً..
جاءتْ إليه مِن بوّابةِ النّقد
الشّاعرة ( مُفيدة الجلاصي) ضيْفةُ نادي الشّعر
( اتّحاد الكتّاب التّونسيّين).....
استضاف نادي الشّعر بعد ظهر يوم الجمعة المنقضي ( 8 جانفي 2021) الشّاعرة ( مُفيدة الجلاصي) لِمحاورتها حول باكورتها الشّعريّة الصّادرة سنة 2019 تحت عنوان ( نسيج الرّوح). و قد حضر لتقديمها، مشكورا، ابن النّادي الشّاعر ( المختار الزّاراتي).
و ضيفتنا ( مفيدة الجلاصي) هي مدرّسة للّغة العربيّة منذ عقود و مُتحصّلة على شهادة الدّكتورا إثر مُناقشة أطروحتها التي عنوانها ( الخطاب النّقديّ عند " ميخائيل نعيمة" من خلال " الغربال")، و قد نشرت عدّة مقالات نقديّة في حوْلِيّات الجامعة التّونسيّة... وَ لا شكّ انّ تكوين ضيفتنا النّقديّ هذا هَو ما خوّل لِصديقنا ( الزّاراتي) أن يُنزّل مقاربته النّقديّة لباكورتها الشّعريّة ( نسيج الرّوح) في صُلب ازدواجيّة تكوين ( مفيدة) الشّعريّ و النّقديّ. وٌ كان مُنطلق عمله في دراسته هذه التي شدّت انتباه الحاضرين توقّفه عند ما سمّاه المفاتيح التي تُساعد القارئ عموما على الاقتراب من عالم ضيفتنا الشّعريّ، فكان أن توقّف عند تصديرها لمجموعتها هذه بفقرة يُعرّف فيها ( جبران) الشّاعر و وظيفته الإبداعيّة...
كما لم يفته الانسجام و التّصادي ببن الالوان ( الزّاهية النّاريّة ) في غلاف مؤلّفها الخارجيّ... ثمّ كانت له وقفة اكثر تأنّيّا عند العنوان الفرعيّ ( نصوص سرديّة) حيث حاول، بالاعتماد على نقّاد من الغرب ( لوتمان، و تودروف) ،و من تونس ( لطفي اليوسفي) ان يُحدّد دلالة كلمة ( نصّ) معجميّا ( لسان العرب) و فنّيّا في علاقتها بالعنوان الرّئيسيّ ( نسيج الرّوح) ممّا جعله بستنتج انّ ضيفتنا الشّاعرة ( مفيدة الجلاصي) نسّاجة ماهرة تُجيد، بحكم موهبتها و تكوينها الادبيّ النّقديّ ، تصريف ادواتها السّعريّة... ثمّ خلص ( الزّاراتي)، إثر ذلك ، إلى إبراز شاعريّة اللّغة في قصائد مجموعتها، فاشار إلى انّها لغة تعكس توتّر الذّات، كما انّها لغة سلسة تخترقها الغنائيّة ، و لكنّها غنائيّة بريئة من الميوعة العاطفيّة نطرا إلى انّ التّجربة الشّعريّة تتجاوز الارتهان لسيطرة ضمير المتكلّم المفرد ( أنا ) لتتّسع إلى رحابة الاصوات المتعدّدة... و لعلّ هذا ما جعل تراكيب نصوصها ، في تقدير الزّاراتي، تنجو من التّعقيد إذ استوتْ سلسة مستساغة لدى القرّاء...
و إذ تطرّق اامُحاضر إلى التّخييل في ( نسيج الرّوح) فإنّه لمْ يفُته الاهتمام برموز شاعرتنا فبيّن انّها رموز متعدّدة و ماخوذة من التّراث ( القرآن خاصّة)...
وَ تِبْعًا لتعدّد الرّموز و الاخيلة في تجربة ( مفيدة) ، فقد استنتج ( الزّاراتي) انّ شعرها يمتحُ من الموروث الشّعريّ القديم منفتحا في الوقت نفسه على المناخات الرّومنسيّة الحديثة نسبيّا. و دلّل على ذلك بتواتر موضوعات الحبّ و الحنين و التجربة الحيّة في كتابتها مع ما يستتبع ذلك من تنوّع الضمائر و الاصوات الشّعريّة ( الانا، و الانت، و الهو)...
و إذ أكّد ( الزّاراتي) انّ ضيفتنا تبدو في كلّ هذا واعية بنفسها و بمنزلتها في الحياة فإنّه انتهى إلى إبراز الموضوعة الاكثر حضورا في شعرها، وهي موضوعة الحبّ، حيث تظهر ( مفيدة) عاشقة للحياة و محتفية بالحبّ الذي يُقارب المناخات الصّوفيّة و يذكّر بها... كما انّ خطابها و إن بدا غاضبا احيانا على الحبيب. فإنّ ذلك لا يبلغ حدّا يصبح معه مجحفا في حقّ الرّجل باسم نزعة نسويّة تُعلّق على الآخر ( الرّجل) خيباتها و ما تكابده..
و لأنّ معمار الشّعر على قدر كبير من الاهمّيّة فإنّ ( الزّاراتي)
لم يفوّت الفرصة لكي يتوقّف عند بُنى الشّعر في ( نسيج الرّوح) ل ( مغيدة الجلاصي) إذ اشار إلى ظلهرة توسّلها بالسّرد في نصوصها ممّا ساعدها على ان تصوغ تجربتها في قوالب فنيّة حداثيّة استفادت كثيرا فيها من تدبّرها لتجربة ( ميخائيل نعيمة) و الرّومنسيّين عامّة...
في خاتمة محاضرته الشّيّقة هذه نوّه ( الزّاراتي) بشاعريّة ضيفتنا ( مفيدة الجلاصي) التي وصفها بالمجتهدة و الجادّة في طريق الشّعر باجتهاد و عزم لافتين...
و إذ احيلت إثر ذلك الكلمة إلى ضيفتنا فقد قرات على مسامع الحاضرين من قديمها و جديدها الشّعريّين، و هو ما حفّزهم على التّفاعل مع ما استمعوا إليه في محاضرة الزاراتي ( نوّهوا بها و بالمجهود الذي بذله في تدبّر نصوص " نسيج الرّوح" ) ، و في قراءات ضيفتنا الشّعريّة ( حيث اثنوا على زخم التّجربة الحيّة ارضيّةً ينهض عليها نصّها، كما اثنوا على سعيها المخلص لتجويد ادواتها الفنّيّة)... و لعلّ من اهمّ ما قيل في النّقاش هو التّوصية إلى ان يكون للمبدع ، ايّ مبدع، مرجع تتفاعل معه كتاباته إيجابا و سلبا إذ الشّعر و الفنّ عامّة لا بجدر به ان يتخلّق داخل شرنقة نرجسيّة منقطعا عن سياق اللّحظة التّاريخيٍة التي ينتمي إليها و التي هي لحظة إنسانيّة اوسع من ان يعمرها فرد منعزل عن غيره ممّن سبقوه او ممّن هم يُعاصرونه....
إنّ ( مفيدة الجلاصي) شاعرة موهوبة تمتلك تجربة إنسانيّة غنيّة فرديّا و اجتماعيّا و إنسانيّا ، كما تظهر من خلال باكورتها ( نسيج الرّوح) مُكتسبةً لتجربة فنّيّة نقديّة و فكريّة مُحترمة ، و هي شاعرة واعدة حقّا بفضل كلّ هذه الخصال ، و بإمكانها ان تواصل إغناء السّاحة الشعرية التونسية بمزيد العناوين الشّعريٍة إن هي وعت ما يتطلّبه السّياق الشّعريّ الذي تنتمي إليه و تفاعلت معه بطريقة خلّاقة.
.......... عبد العزيز الحاجّي.......
コメント