في مثل هذا اليوم 1 مارس من سنة : 1983 - الأديب توفيق الحكيم ينشر سلسلة من المقالات بجريدة الأهرام بعنوان “حديث مع وإلى الله”، وهو ما اعتبره شيوخ الأزهر تجاوزا وخروجا على تعاليم الدين الإسلامي وتعدّيا على الذات الإلهية.
- اشتهر توفيق الحكيم على مدى تاريخه الطويل بالعديد من المعارك الفكرية التي خاضها أمام ذوي الاتجاهات الفكرية المخالفة له؛ فقد خاض معركة في أربعينيات القرن العشرين مع الشيخ المراغي شيخ الأزهر آنذاك، ومع مصطفى النحاس زعيم الوفد. وفي سبعينيات القرن العشرين خاض معركة مع اليسار المصري بعد صدور كتاب “عودة الوعي”، لكن آخر معارك الحكيم الفكرية وأخطرها كانت حول الدين عندما نشر توفيق الحكيم على مدى أربعة أسابيع ابتداء من 1 مارس 1983 سلسلة من المقالات بجريدة الأهرام بعنوان “حديث مع وإلى الله”.
- جاء في مقالات الحكيم أنه طلب السماح من الله سبحانه وتعالى أن يقيم حوارا معه، وهو ما اعتبره كبار الشيوخ والمفكرين تجاوزا وخروجا على تعاليم الدين الإسلامي وتعديا على الذات الإلهية.
- ومما قاله الحكيم في مقالاته: “لن يقوم إذن بيننا حوار إلا إذا سمحت لي أنت بفضلك وكرمك أن أقيم أنا الحوار بيننا تخيّلا وتأليفا، وأنت السميع ولست أنت المجيب، بل أنا في هذا الحوار المجيب عنك افتراضًا، وإن كان مجرّد حديثي معك سيغضب بعض المتزمّتين لاجترائي في زعمهم على مقام الله سبحانه وتعالى، وخصوصا أن حديثي معك سيكون بغير كلفة”.
- وفي إطار هذا الحديث المزعوم مع الله يقول: “وهل هناك حساب على النيّة؟.. طبعا.. ولكنك غفور.. ولماذا الحساب إذن؟.. لأنه القانون.. أساس ونظام.. وأنت خالق الكون.. أي فوق القانون.. لا.. بل أنت خالق القانون الذي يتم به تركيب الكون.. فأنت لست فوق القانون (يقصد الله تعالى) ولكنك الحريص عليه.. لأنه من خلقِك.. ووليد حكمتك.. فعلا.. حرصك يا ربي على قانونك هو إرادتك العليا”.
- ويقول الحكيم أيضا : وفجأة حدث العجب.. حدث ما كاد يجعلني يغشى عليّ دهشة، فقد سمعت ردًّا من الله أو خيّل إلي ذلك: وهل إذا درست الحساب بنجاح والتحقت بمدارس العلوم كنت ستراني؟ هذا ما سمعته، وهذا يكفي ليجعلني أعتقد أن الله قد سمح أخيرا أن يدخل معي في حديث”.
- وعن نسبية الأديان قال: (إن الأديان نسبية تختص بها أرض دون أرض، لأن البشرية نفسها نسبية، وكأنك يا ربي تلمّح إلى ما سوف يكتشفه العلماء بعد قرون في شخص أينشتين)...
- أثارت هذه المقالات الغضب على الحكيم، بل إنها فتحت عليه أبواب النقد من كل ناحية، فكتب مرشد الإخوان عمر التلمساني بجريدة النور في 9 مارس 1983 مقالا تحت عنوان: “أهكذا تختم حياتك أيها الحكيم؟”.
- ورغم ذلك فقد نشر الحكيم هذه الأحاديث في كتاب مستقل في نفس السنة (1983)، وأسماه “الأحاديث الأربعة والقضايا الدينية التي أثارتها”، وقال الحكيم في مقدمة كتابه: “هذا الكتاب الأحاديث الأربعة يضم الأحاديث التي نشرت بعنوان “مع وإلى الله” والتي أثارت الضجة المعروفة بين الناس مع أنها لم تزد عن كونها نوعا من المناجاة مع الله تعالى.. أستدرك وأقول: “إنها مناجاة بلغتي الخاصة وثقافتي الخاصة تعبيرًا عن حبي الخالص لربي”، فلن أقبل الفكر الذي يصدر بلا تفكر عن غير عقلي الذي خلقه الله ليفكّر ولا أرتدي بلا مناقشة ما خرج من قلب وعقل الآخرين دون تأمل فيه وتمحيص، أما الضجة التي حدثت فهي طارئة ودخيلة على القضية التي سأفرد لها مكانا نظرا لأهميتها، هذا وقد رأيت عند إعادة الطبع في هذا الكتاب استبعاد كل الكلمات والأسطر التي كتبت تخيلات منسوبة إلى الله مراعاة للحساسية الدينية التي لا أريد إطلاقا أن تسبب إزعاجا لأي مؤمن، كما حرصت على تخريج الأحاديث الشريفة والأفكار التي وردت في الأحاديث الأربعة والتي قال عنها بعض العلماء إنها أحاديث موضوعة ضعيفة أو غير موجودة فعدت إلى المصادر التي استقيتها منها فإذا بها أحاديث حسنة الإسناد لا يكاد يخلو منها كتاب من أمهات الكتب الإسلامية!!
أسامة الراعي من تونس
Comments