top of page
Search

تقديم ديوان ( مزامير الثورة ) للشاعر محمد المهدي حسن_ بقلم ريم العيساوي

Writer: asmourajaat2016asmourajaat2016

. (إنّ تحليل الخطاب عمدة أساسية لفهم و تحليل و مناقشة النصوص و القضايا والأفكار المطروحة، وفق ما تمليه حدود و ميكانيزمات التلقي و التأويل، و التفكيك و التركيب، وكذا آفاق الحوار و التواصل .

و تتداخل شروط لغوية و أخرى معرفية لصياغة الخطاب كمنظومة من الكلمات و الجمل من جهة، و كرسالة موجهة إلى المتلقي من جهة أخرى ؛ إذ الخطاب هو المجال الذي تكتسب فيه الوحدات اللغوية قيمتها الدلالية الملموسة،

وهو نظام من العلامات و الرموز أي يهم جانب اللغة الموظفة و طبيعتها و تراكيبها، و يتضمن محتوى مجموعة من المضامين و الأفكار والأحاسيس، فهو رسالة من الباث إلى المتلقي يهدف إلى تحقيق التأثير و التواصل .

ويتجه تحليل الخطاب نحو قراءة ما وراء الكلمات بناء على نوع الألفاظ و المصطلحات الموظفة و صيغ التعبير، مع المراهنة على التلقي والتأويل .

ديوان ( مزامير الثورة ) للشاعر محمد مهدي حسن ، الصادر سنة 2014 عن مؤسسة" آرت برنت " في طبعته الأولى والذي يتضمن مائة صفحة و64 قصيدة عامية تتخللها بعض القصائد الفصيحة، مهره صاحبه تحت عنوان فداوي وصلام . وجّه فيه الإهداء إلى الغيورين على الوطن والمؤمنين بأثر الكلمة المتمردة والساخرة وللذين حثّوه على الكتابة من الأصدقاء الافتراضين ، كما أهداه لزوجته وأبنائه الذين حرموا من حضوره بينهم بسبب شغف الكتابة ولكلّ القراء .

وقدّم محمد مهدي حسن ديوانه بهذه الأبيات الشعرية

( الحمد الله على ها الخير العميم /كلّ حد ولى فهيم / يعرف ما يصلح

يعرف ما يصلح ببلاده/ حرية التعبير تفضح الضيم/ وما خسرنا تعليم/

يهنّي كل بو على أولاده/ واللي غلط يلقى له زميم / ينوره بالتعاليم/

يقول صلام ماهوش بلاده .)

نكشف من خلال هذا الإهداء وظيفة الشعر ورسالة الشاعر إذ الخطاب الشعري يتماهى مع الخطاب السياسي في تناول قضية الوطن وأهمية حرية التعبير التي يؤكّد أنّها وليدة الثورة. كما أشار إلى غايته في الدّيوان وهي مواجهة الخروج عن القيم الأخلاقية ومواجهة الانحراف بالخطاب الأدبي باستعمال المفردات النابية . فالديوان خطاب لمواجهة الانفلات اللساني والرد على كل ما هو سفاهة وبذاءة ومحاولة الارتقاء بالخطاب المتداول ممّا يكشف عن قلق الشاعر من تشويه ملامح شخصيتنا وقيمنا الوطنية الأصيلة .

كما أشار في التقديم اعتماده على ظاهرة غربية جماهرية هي فنّ الصلام بقوله :" هكذا ارتأينا عند صياغة مجموعتنا " مزامير الثورة " ما يمكن أن يكون عليه " الصلام " وريث "الهيب هوب "أو الراب " من حرية وتلقائية وقابلية للوصول إلى ذائقة المتقبل ، دون مساس بالضابطة الأخلاقية والقيمية في بلد عربي مسلم " ص 2

كما عرّف الشاعر بالصلام كشكل من القراءة الشعرية وكطريقة تعبيرية شعبية وتعرّض لانتشاره عن طريق وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي متدرجا إلى حد ارتقائه إلى رتبة الفن الفرجوي الركحي باقتصاد في الإمكانيات .وإن اعتبر البعض انحداره من فنّ الهيب هوب وفن الراب فإنه قد مورس من شعراء متنوعين .ويلخص تعريفه إن ما يعنيه لفظ الصلام هو ذاك الفن التعبيري الخطابي الشفوي ... وهو حالة وإرادة لها ثقافتها وهو إلقاء شعري مرتجل ،نشأة هذا الفن من فكرة الفنان "مارك سميث" سنة 1986 .

وما نفهمه من تعريفه لهذا الفن أنه يتقيد بأقلّ ما أمكن من القوانين ويترك مجالا واسعا للحرية لصاحبه ويتوخى أحيانا أسلوب السخرية وهو حسب الشاعر حركة فنية تحمل قيما مميزة و سرد الشاعر شروط الشاعر في إلقائه حسب مارك سميث وحدد كيفية تقييم القصائد واختيار المقيّم عن طريق الصدفة .و تتبع الشاعر تاريخ وصول الصلام لأوروبا إلى فترة ازدهاره حيث أصبح ظاهرة عالمية لها أبعادها وفوائدها.

وحاول الشاعر في ديوانه توظيف خطابه الأدبي لمواجهة خطاب مترد عن طريق إحياء فن الحكواتي ( الفداوي )القريب من فن صلام و هذا بمثابة إحياء لسنة شفوية قديمة تتجاوب مع سنة غربية حديثة ( الصلام ) ومحاولة لتخليص الفن القولي من سفاسف تنبير المقاهي وقد اختار الشاعر قراره أن ينهض بوظيفة الفداوي الافتراضي .كما في قصيدة كلام طــاير قـالوا عليه هـــــــواوي/ يجرح مرات و مرات أخرى يداوي / خارج من عمق واحــد فـــــــــداوي ) (فداوي النات )

العنوان رفع عنه اللبس في قصيدة مزامير ( ص 10) : ( حبينا انزمّر مع اللّي يزمر * اشكون قعد لتوة ما زمرش )

بمفهوم التزمير بمعنى اعتماد الكلام الهابط وتجاوز حدود الحرية وهي ظاهرة اللغو وخاصة في محيط السياسة . ( الكلام ياسر وشيء مايتفهم ) ويعلل الشاعر اختياره لفن الصلام لمواجهة ظواهر الانفلات.

تأتي القصائد خطابا احتجاجيا وتندرج ضمن محور الالتزام ، إذ نستشفّ منها توجّها للنقد السياسي بالدرجة الأولى ولكلّ ما له علاقة بهذا المجال ،من مفاهيم ومواقف وممارسات وشخصيات ومصطلحات .

نقد الشاعر عالما متوحّشا ، غاب فيه السلم والأمان واستشرى الظلم عالم حيواني شرس : ( رحل الحمام/ ونسي زجله/ وتآلفت الغربان/ /مع الذئاب وما شبعت )ص 13

إنّ الديوان شهادة صادقة ناصعة وشاملة لكلّ تفاصيل الثورة وما تلتها من أحداث مؤلمة و تحولات سلبية حتى أنّ القصيدة تتحوّل إلى مرثاة أوبكائية للوطن وللمجتمع و للثورة قصيدة ثوره ضاعت ) ص26

(هزت عينيها الفوق ما لحقتها/ طارت مشت روحها هزتها) أو كما في ق الشعانبي:(هالثــــوره كنت نقدرها / ظهرت حنه فســاق بغل ) ص60

ويتحول الخطاب من أسلوب الرثاء إلى أسلوب الهجاء ، عاكسا نقمة الشاعر على قومه ، تلك النقمة التي تذكرنا بقول الشّابي : ( أيّها الشعب ليتني كنت حطابا فأهوي على الجذوع بفأسي )وتتجلى هذه في عدة قصائد ومنها :قصيدة عرب كرب ص 27 النقمة

خطاب المراثي هو صيحة فزع وتفجّع من حال الوطن وانهيار الأمة العربية في أسلوب الندبة والبكاء مع الإشارة إلى المؤامرة الاستعمارية آه منكم ياولاد الكلب / نا راهو مخي تقلب / مما ريت من عجب ...... ماتقولو هه راهو كلب .. )

رسم الشاعر رسما دقيقا وشاملا حالة الفوضى والانفلات في الحياة على جميع الأصعدة واصفا حالة العطب والتجهّم الذي ساد المجتمع

(كيف تعود في زمان مخضرم / والعدو على قطع رقبتك مصمم . )

وفي إطار نقد الواقع يستوعب الخطاب الشعري عناصر المكان ، ويتفجر السؤال لماذا مدينتنا مرتبطة بالعذابات والمآسي بينما مدينة الغرب هي مصدر الفرحة والذكريات ، مدننا فضاء للضياع والجوع والتشرد ومدنهم ذكريات جميلة ونجاحات تلو النجاحات :

قصيدة مدن يعاودك فيها الإحباط ص 14

والتي يختمها قائلا تعسا لمدن لاتسعدك فيها الذكريات ./ ومن المضحكات المبكيات : ساحة المغرب العربي / الذي لاقى الممات قبل الحياة / ) إنه المكان العربي المكان السجن بما يجسده من عذابات وانكسارات وما يحمله من صور للعنف والقمع والخسارات وفي هذه القصيدة يندب الشاعر حظ النضال والمناضلين وكل الانتفاضات التي لا تؤدي إلى الحرية ، والمكان في واقعنا العربي ليس إلا سبيلا يهجره ابناؤه نحو حتفهم . يحمل الخطاب في هذه القضية شحنة من الحزن ممتزجة بالنقمة .خطاب النقد السياسي يرصد ما طرأ على الواقع من فوضى وتأزّم.

وإن احتلّ البعد السياسي الصرف صدارة المعاني الشعرية فالبعد الوجداني له حضوره الواضح .

القصائد تعكس شعرا وطنيا صادقا ، مثال قصيدة ( عشق جديد ص 11

أو قصيدة أغنية تونس ص 63

والتي ترسم الأحاسيس الوطنية الجياشة وترسم صورة شاملة وصادقة لوقعنا المتردي : تونس يا بلادي لحنينــة / قداش تعاني و ما تهــون/ باش تغرق بينا السفينه / مهمومه تعاني في الهــول )

أو (عرفت حبيبتي في ساحة الإعتصام/ والحشود تمضي قدما إلى الأمام ) وقصيدة تاريخ تونس ) ص 18 )

وتونس الأم ص 16 قصيدة تعكس عمق الإحساس الوطني مع دعوة إلى العرفان بقيمة الوطن .

ومن النقد الاجتماعي تناول الشاعر ظاهرة المخبرين ( قصيدة القوادة ص 19 ) وقصيدة( البزناس ص21) البطالة ، الفقر ، الحرمان ، وقضية الاحتكار والوسطاء والكذب وزرع الأحلام والمحسوبية والوساطات والرشاوى ، وتدخل الأجنبي وغلاء المعيشة ، والوضع الاقتصادي المتدهور والخوف من عودة الرئيس المخلوع ، الرجوع له والتوبة وحتمية الموت والجديد في الشعر الحديث وصف حالة المجلس التأسيسي وتصرفات الأعضاء وتباطؤهم في تابة الدستور وسيادة الفوضى بين النواب وتعدد الأحزاب وصراعاتهم ونقد الحكومة . ووالانتخابات الدعوة بالاعتبار بالشخصيات الحرة ،والدعوة لإصلاح منظومة الأمن ،انتشار الإرهاب والرشوة والتهريب والتجارة المحظورة وفوضى المعاملات

واستطاع الشاعر النفاذ إلى أعماق نفسية المجتمع ورسم الحيرة التي يعيشها قصيدة حيرة ص 36

والتخوف من المستقبل في نغمة اليائس الداعي للبكاء : قصيدة الخطر الداهم ص 47

صاحبي، غدت حيرتنا حيره / اتدردر المخ وعاد خميره .

ولايخلو الديوان من خطاب الحكمة في تناول مصير الإنسان ومنزلته : قصيدة : المدى يا ماضيا في غيك جاوزت / هلا حسبت ليوم الحشر حســـاب .

وإن تلوّنت القصائد بمسحة سوداوية يغلب عليها الشعور بالحزن والمرارة وشدّة الأسى فإنّنا نعثر على بصيص الأمل في بعضها وذلك في الاتكال على الله وعلى العمل والتقيد بالمثل العليا والقيم الإنسانية السامية . ديوان مزامير الثورة مرآة عاكسة لواقع البلاد وما أفرزته الثورة من تناقضات ومظاهر سلبية وآفاق قاتمة تحمل المثقف مسؤولية كبرى وتغني فيه حدة الوعي بهموم الوطن وقضايا المجتمع .

 
 
 

Commentaires

Noté 0 étoile sur 5.
Pas encore de note

Ajouter une note

Join our mailing list

Never miss an update

© 2023 by Glorify. Proudly created with Wix.com

bottom of page